ترجمة خاصة لـ(لا ميديا): محمد إبراهيم زبيبة

 (*) كونور فريدرسدورف 
في وقت سابق من هذا العام، قام ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وبيرني ساندرز من حزب فرمونت التقدمي ومايك لي محافظ ولاية يوتا، بصياغة قرار لفرض انسحاب القوات الأمريكية من أي حرب أجنبية. لكن جهودهم هذه لم تكن تتعلق بحرب بالعراق، أو أفغانستان، أو سوريا، كما قد يتوقع المراقب العادي للسياسة الخارجية الأمريكية.
فسعيهم كان من أجل وقف القوات المسلحة الأمريكية عن الأعمال العدائية في الجمهورية اليمنية، موضحين أنه ومنذ مارس 2015 تم الزج بأفراد القوات المسلحة الأمريكية في الأعمال العدائية إلى جانب التحالف السعودي ضد الحوثيين, وهي جماعة متمردة شيعية تحاول الإطاحة بنظام البلاد.
فالكونغرس لم يوافق أبداً على حرب اليمن، ومعظم الأمريكيين لا يعلمون بشأن هذا النزاع أو بمشاركة جيشهم وأموالهم (الضرائب) فيه. ولا يتعارض هذا التدخل المستمر مع الدستور فحسب، بل مع خطاب الحملة الانتخابية الذي أطلقه الرئيس ترامب، والذي جعل ناخبيه يعتقدون بأن سياسته الخارجية ستحمل شعار "أمريكا أولاً". وتشير بيانات استطلاعات الرأي إلى أن الرأي العام الأمريكي يعارض بشكل خاص نقل الأسلحة والمال إلى النظام السعودي (تماماً كالمواطنين في بريطانيا وفرنسا).

الحرب في اليمن وصنع دولة الفوضى

بعد أشهر من الجهود الجادة التي يبذلها الكونغرس لوقف التدخل الأمريكي، يضغط مايك بومبيو، وزير خارجية دونالد ترامب، من أجل مواصلة تدخل أميركا. وحتى البيروقراطيون في وزارة الخارجية (الذين يصفهم أنصار ترامب بالدولة المتجذرة) يحثون هم أيضاً على إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للسعودية، وهو الموقف الذي يتسق كثيراً مع الدستور، والمزاج العام، وخطاب الرئيس في حملته الانتخابية.
وقالت صحيفة (وول ستريت) في تقرير لها يوم الخميس وبحسب مذكرة سرية ومصادر مطلعة إن (وزير الخارجية مايك بومبيو أيد استمرار دعم الجيش الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، بسبب اعتراض بعض أعضاء الدولة وتحذيرهم من أن أي توقف للدعم الأمريكي للتحالف قد يهدد مبيعات أسلحة قيمتها 2 مليار دولار لحلفاء أمريكا في الخليج).
وأضافت الصحيفة: (لقد تجاوز السيد بومبيو مخاوف معظم المتخصصين في وزارة الخارجية في مناظرة أبدوا فيها قلقهم من ارتفاع عدد القتلى المدنيين في اليمن (كان من ضمن من عارض أخصائيون في المنطقة وفي الشؤون العسكرية)، وانحاز إلى فريق الشؤون التشريعية بعد أن جادلوا بأن تعليق الدعم قد يضعف خطط بيع أكثر من 120 ألف صاروخ موجه بدقة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفقاً لمذكرة سرية صادرة عن وزارة الخارجية وأشخاص على دراية بالمناظرة).
لقد جعلت مبيعات الأسلحة إلى التحالف السعودي الولايات المتحدة متواطئة في موت الأبرياء. وبشكل خاص وكمثال موثق على هذا التواطؤ هو الحدث الكارثي في أغسطس الفائت، عندما ضربت غارة جوية سعودية حافلة مدرسية أسفرت عن مقتل 50 طفلاً وإصابة 77 آخرين، وأكدت (سي إن إن) أن السلاح الذي قتل جميع هؤلاء الأطفال قد تم تصنيعه من قبل شركة الدفاع الأمريكية لوكهيد مارتن.
ترجمة خاصة لـ(لا ميديا): محمد إبراهيم زبيبة

محاولة أمريكية فاشلة لإنقاذ المدنيين في اليمن
 وأضافت (سي إن إن) أن (القنبلة مشابهة جداً لتلك التي تم استخدامها في هجوم على قاعة عزاء في اليمن في أكتوبر 2016 وأسفرت عن مقتل 155 شخصا وإصابة مئات آخرين).
وأضافت القناة: (في أعقاب الهجوم على قاعة العزاء، قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحظر بيع التكنولوجيا العسكرية الموجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية، بسبب مخاوف حقوق الإنسان. وقد تم إلغاء الحظر من قبل وزير الخارجية السابق في إدارة ترامب، ريكس تيلرسون). 
وبحسب الأمم المتحدة فإن أكثر من 16000 مدني يمني قتلوا. وهذا الرقم لا يمثل سوى جزء صغير من الأهوال التي عانى ويعاني منها البلد، حيث إن الحرب المستمرة تعرض 8 ملايين يمني لخطر المجاعة من دون المساعدات.
هذا وقد تحدث بيتر ساليسبري من "مجموعة الأزمة الدولية" عن سيناريو كارثي يراه الآن على وشك الحدوث. كذلك يقدم دانييل لاريسون من صحيفة الأمريكي المتحفظ (ذا أمريكان كونزرفاتيف) نقداً لاذعاً ضد سماح إدارة ترامب بارتكاب فظائع في الماضي، وفتح الباب أمام إمكانية ارتكاب مجازر مستقبلية أكثر فظاعة، ليس فقط من خلال بيع الأسلحة للتحالف السعودي، ولكن من خلال تصريحها الكاذب بأنها تحقق تقدمًا إنسانيًا والإشارة بأن الموت المتزايد لن يكون له عواقب. وكتب يقول: 
(وقدم البيت الأبيض والبنتاغون دعمهما الكامل لمنع مجلس الشيوخ من التصويت لمنع المساعدات العسكرية هذا الربيع، وإعطاء الضوء الأخضر لبدء الهجوم على الحديدة في بداية الصيف، وقام بومبيو وماتيس بالكذب نيابة عنهم للحفاظ على إعادة التزود بالوقود لطائرات التحالف في الخريف).
كان أول ما قامت به الإدارة هو إنهاء القيود المحدودة التي فرضتها إدارة أوباما في أيامها الأخيرة داخل البيت الأبيض، ومنحوا التحالف الحرية المطلقة منذ ذلك الحين. فليس من الصدفة أن عدد الضحايا المدنيين من غارات التحالف الجوية قد ارتفع خلال هذه الفترة الزمنية نفسها. ويقضي المسؤولون الأمريكيون الكثير من وقتهم في تجهيز أعذار غير معقولة للمساعدة العسكرية الأمريكية أكثر من إنفاقهم الوقت في الضغط على التحالف لوقف الهجمات على الأهداف المدنية.
(غير قانونية, لا تحظى بشعبية, غير إنسانية)، تلك هي أوصاف الحرب التي انخرطت فيها الولايات المتحدة في عهد ادارة أوباما, واستمرت في التنفيذ في عهد ترامب, حتى مع وجود احتمال موت الملايين جوعاً. هذا مثال إضافي على ترامب الذي يرتقي إلى السلطة بانتقاد جانب مزعج من النخبة الحاكمة في أمريكا, فقط للدخول إلى البيت الأبيض ومواصلة السلوك ذاته بأقل قدر من الخجل وأكثر قسوة.

(*) صحيفة (ذا اتلانتك)، 21 سبتمبر 2018.