ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين 

 تقدم الولايات المتحدة الأمريكية القنابل والنوع الآخر من أنواع الدعم في الحرب التي قد قتلت المدنيين وتسببت في المجاعة.
نيكولاس كريستوف *

إن الأخبار التي تدور حول بريت كافانوج ورود روزونشتاين، أصبحت أخباراً إدمانية، لكنها ليست سوى لحظة واحدة مقارنة بجرائم ضد الإنسانية تشجع الولايات المتحدة على ارتكابها في اليمن البعيد.
لم يذكر الرئيس دونالد ترامب ذلك في الأمم المتحدة، لكن أمريكا تساعد على قتل وتشويه وتجويع الأطفال اليمنيين، حيث يوجد ما لا يقل عن 8 ملايين يمني يواجهون خطر الجوع من جراء اقتراب المجاعة التي لم يسببها قلة الغذاء، وإنما بسبب أفعالنا وأفعال حلفائنا، وقد وصفت الأمم المتحدة هذا الوضع في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ونحن السبب في ذلك.
ضربت قنبلة أمريكية صنعتها شركة لوكهيد مارتن، حافلة مدرسية في اليمن، الشهر الفائت، ما أدى إلى مصرع 51 شخصاً، وفي وقت سابق قتلت قنابل أمريكية 155 مشيعاً في جنازة و97 شخصاً في سوق.
لطالما تجنب أطفال اليمن الجائعون تناول عجينة حامضة مصنوعة من أوراق الشجر، لكن حتى من سيبقى منهم على قيد الحياة غالباً ما سيكون مصاباً بالإعاقة الذهنية والجسدية لبقية حياته.
إن العديد من قضايا الأمن العالمي تنطوي على مفارقات معقدة، لكن هنا الأمر مختلف: حيث إن سلوكنا هنا خارج عن إطار المعقول.
يقول ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق، والرئيس الحالي لهيئة الإنقاذ الدولية، الذي عاد من اليمن مؤخراً: (أزمة اليمن الحالية هي من صنع البشر)، (هذه ليست قضية حيث تكون المعاناة الإنسانية هي ثمن الفوز في الحرب، فلا أحد سيكسبها باستثناء الجماعات المتطرفة التي تزدهر وتكبر في ظل الفوضى).
إن الولايات المتحدة لا تقوم بقصف المدنيين في اليمن بشكل مباشر، وإنما تقدم الأسلحة والمعلومات المخابراتية، وتزود المقاتلات بالوقود جواً لمساعدة السعودية والإمارات وهما تضربان اليمن بالغارات الجوية، وتدمران اقتصادها، وتجوعان شعبها، ويسعى السعودي للقضاء على المتمردين الحوثيين الذين استولوا على عاصمة اليمن، ويتحالفون مع إيران.
سيكون ذلك من الفطانة المعقدة بالنسبة لك أن تفهم عبارة: نحن مستعدون لتجويع أطفال المدارس في اليمن، لأننا نكره آية الله في إيران!
ويقول كينيث روث من هيومن رايتس ووتش: (قد أقحمت إدارة ترامب نفسها في جرائم الحرب المنسقة).
ولنكن واضحين أيضاً: هذه أزمة أخلاقية مزدوجة، بدأت السياسة في عهد باراك أوباما مع ضمانات، ثم جاء ترامب بعد ذلك وقام بإلغائها.
يقول روبرت مالي، وهو مساعد أوباما السابق، وهو يعترف بالخطأ الذي ارتكبته الإدارة في اليمن، والذي أثار ترامب غضبه: (الحرب في اليمن خلقت اليوم أسوأ كارثة إنسانية واسعة في العالم). وهو الآن يعمل كرئيس مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية تعمل على منع الصراع. ويضيف مالي: (بسبب أفعالنا نحن لا شك مشتركون في أزمة اليمن).
أعرف، أعرف، كل الأعين تتركز على الواقع الذي يعرضه التلفزيون، والذي يمثل أو يعبر عن البيت الأبيض، لكن لا يمكننا أن نسمح لترامب بأن يسحب كل الأكسجين بعيداً عن قضايا الموت والحياة، ولا يمكن السماح لدراما ترامب بأن تغطي على المأساة العالمية.. في واقع الأمر إن المجزرة في اليمن لم تلقَ أي اهتمام، لأن السعوديين يستخدمون حصارهم لإبقاء الصحفيين خارج هذا البلد، وكنت أحاول منذ سنتين الذهاب إليه، إلا أن السعوديين كانوا يمنعون منظمات الإغاثة من أخذي معهم في رحلاتهم الجوية.
كلا الطرفين في هذه الحرب الأهلية آنذاك قد تصرف بوحشية، والحل الوحيد هو الدبلوماسية، لكن يبدو أن ولي العهد السعودي يفضل المجاعة وحالة الفشل في البلد على تسوية النزاع أو تقديم تنازلات، وكلما قدمنا له الأسلحة زدنا من المعاناة، يجب أن نستغل تأثيرنا في كبح جماح السعوديين، وليس في تشجيعهم.
وكموضع فخر يحاول بعض من أعضاء الكونغرس وقف هذه الأعمال الوحشية، وبجهد مزدوج في هذا العام يقوده السناتورات مايك لي وكريس مورفي وبيرني ساندرز، حاولوا أن يحدوا من الدعم الأمريكي لحرب اليمن، وقد فعلوا ذلك بشكل مفاجئ وجيد، وقد كسبوا 44 صوتاً، بالإضافة إلى محاولات جديدة مشابهة.
يجتمع قادة العالم في المجلس العام للأمم المتحدة، صانعين بيانات واعية حول الأهداف العالمية لعالم أفضل، إلا أن هذا المجلس مليء بالنفاق، روسيا لها دورها بشأن جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وتحتجز الصين تقريباً مليون أويغوري، بينما تحمي ميانمار من الإبادة الجماعية المحتملة، وفي المقابل تساعد الولايات المتحدة وبريطانيا السعودية في ارتكاب جرائم حرب في اليمن!
هذا مؤسف: أن 4 من أصل 5 أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، مشتركون في جرائم ضد الإنسانية.
العديد من الأمريكيين ينفجرون بالغضب في كل مرة يكذب فيها ترامب أو يقوم بنشر تعليق غير قابل للغفران على موقع (تويتر)، نحبذ ردات الفعل هذه من الأمريكيين، لكن أيضاً يجب ادخار هذا الغضب على شيء أكثر قبحاً ووحشية، بالتحديد على الطريقة التي نسهم بها في تجويع أطفال اليمن، ومفاقمة الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم.

* من صحيفة نيويورك تايمز 
26 سبتمبر 2018