طلال سفيان/ لا ميديا

يشكل الاقتصاد ورقة الضغط أو الابتزاز الأمريكي لكل دولة ترفض السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة، فمنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحًا مشهرًا للولايات المتحدة تهدد به كل من لا يحقق مصالحها، حتى أصبحت أكثر دول العالم استخدامًا لسلاح العقوبات الاقتصادية وأكثرها مبادرةً لفرضه.

دول داخل دائرة حصار 
فرضت أمريكا حصارها على العديد من دول العالم، وبالذات الدول التي تدافع عن مصالح شعوبها ضد سياسات الحروب والاحتكارات الاقتصادية الأمريكية التي كانت تنخر كالسوس في تلك الدول.
 • كوبا.. لمدة 5 عقود فرضت أمريكا حصاراً قاتلاً وعقوبات تجارية واجتماعية على كوبا, حيث تم إلغاء تحويل الأموال وسفر الأمريكيين ذوي الأصول الكوبية إلى الجزيرة، والقيام بمحاولة إسقاط نظام كاسترو ومحاولة اغتياله بـ260 عملية باءت بالفشل.
• كوريا الشمالية.. تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نتيجة للحرب الباردة، وأيضاً بعد الحرب الكورية على شبه الجزيرة الكورية.
ففي عام 1950، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضد كوريا الشمالية, وتم تشديد العقوبات تدريجيا، لاسيما وأن البلاد كانت تطور أسلحة نووية ولم تخضع لجناح النسر الأمريكي.
• إيران.. تعود جذور القائمة الطويلة من العقوبات السياسية والاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران إلى عام 1979 عام الثورة. فمع أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر في نوفمبر 1979 حالة طوارئ تقتضي تجميد كل الأصول الإيرانية في أمريكا.
وشملت العقوبات في السنوات اللاحقة جملة من المجالات ما زالت جارية عليها حتى الآن، أبرزها تطوير الأسلحة التقليدية، والمواد النووية، إلى جانب التجارة والاستثمار والمعاملات المالية والممتلكات، والنفط الخام والمشتقات النفطية.
وقد منعت الولايات المتحدة عام 2008 المصارف الأمريكية من أن تكون وسيطًا في تحويل أموال من أو إلى إيران، واستهدف القانون الأمريكي لعام 2010 إمدادات الوقود الإيراني التي تعتمد على المنتجات المكررة، ونصّ على اتخاذ إجراءات رد على المجموعات الأجنبية التي تستثمر في قطاع النفط الإيراني.
وشددت واشنطن عام 2011 عقوباتها على الأشخاص الذين يقدمون دعمًا لتطوير القطاع النفطي الإيراني، فيما جمدت أرصدة مؤسسات مالية أجنبية تقيم علاقات تجارية مع البنك المركزي الإيراني في ديسمبر 2012.
• ليبيا.. خلال حقبة السبعينيات نتج عن سوء العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة سلسلة من العقوبات فرضتها الأخيرة طيلة فترة الثمانينيات، ففي عام 1981 قضت وزارة الداخلية الأمريكية بعدم صلاحية جواز السفر الأمريكي للسفر إلى ليبيا، ووصل الأمر في عام 1982 إلى منع استيراد النفط الليبي وحظر التصدير إلى ليبيا.
وتبنت الولايات المتحدة هذه الإجراءات ردًا على دعم ليبيا المزعوم للأنشطة الإرهابية، كما كان الصراع العربي الإسرائيلي عاملاً آخر من عوامل التوتر، حيث اتهمت ليبيا بتوفير الدعم والتدريب والملاذ الآمن للجماعات الفلسطينية..
وتوسع نطاق العقوبات في عام 1986 ليشمل الحظر الشامل للاستيراد والتصدير والتعاقدات التجارية وكافة الأنشطة المرتبطة بالسفر لليبيا، ولم تتوقف العقوبات الأمريكية على ليبيا إلا مع سقوط نظام القذافي على يد أمريكا والناتو نهاية 2011, وسقوط المقدرات الليبية من يومها بقبضة أمريكا.
• العراق.. فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها عقوبات صارمة على العراق إثر احتلال الكويت، لكن هذه العقوبات أضرت بالشعب العراقي قبل حكومته، وتسببت في حرمان هذا الشعب من الغذاء والدواء والمياه النظيفة وخدمات الرعاية الصحية والتعليم والأمن على مدى أكثر من 12 سنة، وأدت إلى وفاة أكثر من نصف مليون طفل ومليون مواطن خلال عقد التسعينيات، وتوجت أميركا عقوباتها الجائرة على شعب العراق بغزوها لأراضيه عام 2003 وتدمير مؤسساته وبنيته التحتية.‏‏
وبعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية جائرة ضد الشعب العراقي واستطاعت أن تصدر القرار (661) من قبل هيئة الأمم المتحدة الذي كان بمثابة الحرب المفتوحة على العراق.‏‏
وبسبب العقوبات المذكورة استخدمت القوات الأمريكية أسلحة اليورانيوم المنضب المحرم دوليًا وتلويث بيئة العراق تمامًا ما أدى إلى حدوث وفيات بالآلاف ناهيك عن التشوهات الخلقية وفوق كل ذلك تدمير العراق ونهب ثرواته وتجويعه.
• سوريا.. فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية لمحاصرة سوريا، في محاولة منها للنيل من صموده وموقفه إزاء مخططاتها في المنطقة العربية, وفي الحقيقة ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الاقتصاد السوري إلى عقوبات، فقد شهد هذا الاقتصاد في الماضي سلسلة من العقوبات الاقتصادية الأميركية شملت نسبة كبيرة من السلع والمنتجات الأمريكية والمنتجات والسلع التي تنتجها الدول الأخرى وتدخل فيها مكونات أمريكية.
وتجددت هذه العقوبات منذ عام 2003 على إثر دعم سورية للمقاومة العربية، هذا الدعم الذي تضعه واشنطن وحلفاؤها بأنه دعم للإرهاب, كونه لا يتماشى مع مصالح ربيبتها الدولة الصهيونية.‏‏
ومنذ 2011 تتعرض سورية لحملة عسكرية واقتصادية واجتماعية ممنهجة من أمريكا وإسرائيل ودول الخليج وأدواتهم على الأرض من إرهابيين.
• الصين.. سَعَت الولايات المتحدة إلى شن عقوبات على الصين في حربها السياسية والتجارية معها لإرغام بكين على فتح أسواقها أمام السلع الأمريكية.
واستخدمت واشنطن لهذا الغرض، عقوبات تجارية تشمل حرمان الصين من برامج المعاملة التفضيلية مثل وضعية الدولة الأولى بالرعاية وحرمانها من قروض التوريد والتصدير البنكية التي تمنح للدول الصديقة لأمريكا.

كسر مخالب النسر
كوبا, كوريا الشمالية، فيتنام، إيران وفنزويلا، وغيرها من قائمة طويلة، جميعها دول خضعت للبعبع الأمريكي (الحصار)، ولكنها لم تتأثر به بل استخدمته في إذلال أمريكا وإثبات فشلها في تقييد الدولة وإجبارها على طاعتها من خلال التوجه لمجالات أخرى غير المفروض بها الحصار لتحقق تقدما ملحوظا بها وتقهر من خلالها المحاولات الأمريكية لهزيمتها.
تبدع الشعوب عندما تتعرض للتحدي وتتوفر لها القيادة التاريخية، وكوبا (الجزيرة التي لا تتجاوز مساحتها 11 ألف كلم مربع) نموذج لشعوب العالم الثالث التي استطاعت الصمود في وجه الحصار المفروض عليها منذ عقود من الزمن.
فبعد نجاح الثورة الكوبية عام 1959، حاولت الولايات المتحدة الانتقام والتوقف عن شراء السكر الكوبى، إلا أن الاتحاد السوفييتى حل محل الولايات المتحدة في اليوم التالي، وقام بشراء المحصول الكوبى.
«غذاؤنا من الحدائق.. تناولوا طعاما محليا».. شعار رفعته كوبا قبل غيرها.. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 قامت كوبا بزراعة آلاف الحدائق التعاونية في الحضر لمواجهة الانخفاض في حصص الأغذية المستوردة.
لقد نجحت ثورة فيدل كاسترو فى تأمين غذائها من الزراعة, وتأسيس أفضل نظام تعليمى وصحى بين دول أمريكا اللاتينية والعالم الثالث, وتقلصت الأمية إلى أقل من 1 % منذ عام 1961، وتغط شبكة الخدمات الصحية جميع أنحاء البلاد، وهى مجانية لكل الكوبيين، وتمتلك كوبا أكبر عدد أطباء بالنسبة لعدد السكان بالعالم, ويحتل قطاعها الطبي بمفهومه الواسع المرتبة السادسة على مستوى العالم.
ومن كوبا الصمود، إلى إيران المقاومة, فمع بدء سريان العقوبات الأمريكية الجديدة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، هبت عاصفة عنيفة على إيران مؤخراً مع انهيار العملة الوطنية، إنها عاصفة الشعب الذي هب لكسر العقوبات على شراء الذهب والعملة المحلية ليوجه صفعة للغطرسة الأمريكية التي تستهدفه منذ زمن.
لقد صمدت إيران أمام العالم ونجحت ثورتها على امتداد ثلاثة عقود ونصف في تجاوز الكثير من التحديات والتهديدات والمؤامرات التي أرادت إسقاطها، وهذا النجاح ما كان له أن يتحقق لولا حكمة القيادة الإيرانية وشجاعة وتضحية الشعب الإيراني بشتى فئاته وشرائحه الاجتماعية، وأثبتت إيران اليوم أنها إمبراطورية نووية لا تصدأ.

بيولوجية الموت.. سام أسود
أقدمت الولايات المتحدة على استخدام الكثير من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية خلال عملية استعمارها للمناطق الشمالية من القارة الأمريكية، وذلك بعدما أيقنوا بأن الأسلحة التقليدية لم تُجْدِ نفعا ولم تساعدهم على هزيمة السكان الأصليين، ولهذا فلقد نسجوا الكثير من المؤامرات وقرروا توزيع الكثير من الهدايا والملابس المليئة بالفيروسات السامة والقاتلة التي تحمل الكثير من الأمراض كالكوليرا والتيفوئيد والسل على عشرات الآلاف من أولئك الهنود ليتم القضاء عليهم.
استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة البيولوجية والكيميائية خلال حربها مع فيتنام وخلال احتلالها للعراق وأفغانستان وأيضا في تلك الحروب العبثية التي تقوم بها مع وكلائها في اليمن أو حتى بما تقدمه من دعم في هذا المجال وهو ما يمثله النظام الصهيوني في حربه ضد لبنان عام 2006.
وتمثل الحرب الاقتصادية سيفاً أمريكياً مصلتاً على رقاب الشعوب الحرة, فبدلا من محاربة مخدر الهايبي النيويوركي  الذي يدمر شبابها, قامت واشنطن بحملة ضارية ضد المزارعين الفقراء في أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها بوليفيا التي توعدتها واشنطن بتدمير محصول الكاكاو عبر حشرة مهجنة أنتجتها أمريكا, وذلك بعد تأميم الرئيس البوليفي الغاز والبترول في عيد العمال أول أيار سنة 2006، وهو الاستهداف الاقتصادي الأمريكي للضغط المعيشي علي الشعب البوليفي لإثارته ضد موراليس.
لقد ظلت أمريكا دائما تسعي إلي ضرب الأمن والاستقرار والاقتصاد في دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الجنوبية بشتى الوسائل.. ففي عام 1981 أعلنت الحكومة الكوبية رسميا أنه تم تشخيص 300 ألف من مواطنيها مصابين بمرض «حمى الضنك» عقب الهجوم البيولوجي الذي شنه الجيش الأمريكي على مناطق متفرقة من كوبا.