علي نعمان المقطري / لا ميديا

يعتبر (الكيلو 16) أو مفرق باجل الهدف الرئيسي للعمليات الحربية الراهنة؛ لماذا؟ 
لأن السيطرة على الحديدة ومحيطها لا يمكن تحقيقه بدون أن تتم عمليات تسبقها وتمهد لها وتؤطر لميدان المعركة الحاسمة وتتحكم بمسارات العمليات.
ومن وجهة قيادة العدوان فإن الهدف الاستراتيجي الأول الذي يجب الاستيلاء عليه هو المطار والميناء. أما الهدف العملياتي التكتيكي المؤدي إلى المطار والمدينة والميناء فهو السيطرة على محيط المطار وقطع الطريق الرابط بين الحديدة وصنعاء، وطريق الحديدة إب، وطريق الحديدة ذمار، وطريق الحديدة حجة، أي عزل الحديدة عن كل إسناد أو دعم أو تدخل عسكري وطني يأتي من بقية المحافظات المحيطة بها من الشمال والشرق والجنوب، وتكريس حصارها البري.
ولأن المعركة كبرى وحاسمة بالنسبة للعدو وللوطن أيضاً فإنها ستدور على من يمكنه عزل الحديدة عن باقي الوطن أو إبقاؤها في الوطن في حالة تواصل دون انقطاع. هذا هو التحدي الراهن الذي يضعه العدو، فالحديدة تتنفس بالوطن والوطن يتنفس بالحديدة. ولأن العدو لا يملك التفوق العددي والمعنوي الذي في صالحنا الآن فهو يراهن على التكتيك الاستراتيجي لصناعة تفوق عددي ميداني محلي موضعي مؤقت يساعده في حسم اختراق الحديدة يوازن التفوق العددي الوطني العام ويعطل تأثيراته الميدانية عبر فصل محيط الحديدة عن المحيط الوطني العام. تلك هي استراتيجية العدوان الآن والتي تشي بها تحركاته وقواعده ونظرياته ومنطقه الموضوعي وأخباره، وهو يناضل الآن ومنذ 3 أشهر ميدانياً لتحقيق هذه الخطوة الاستراتيجية الحاسمة التي ظل يعد لها سنوات 3 سابقة، فهل إذا حقق الهدف المفصلي كما يفكر سوف يحقق هدفه الاستراتيجي؟ ولكن دون ذلك أهوال وأهوال لم يتخيلها قادة العدوان.

 ثغرات خطة العدو 
إن الخطة المتبعة الحالية من قبل العدو مكشوفة، وهذا عيبها الأول وهو كفيل بتمكين القوى الوطنية من خنقها في مهدها، ولذلك يمكن لقوات الجيش واللجان الشعبية أن تتظاهر بأنها تتراجع وتخلي المنطقة مؤقتا، وتفسح طريقاً ليمر العدو وقواته إلى المربع الأحمر المميت الذي سبق لهم أن لغموه وفخخوه وأعدوه ليكون محرقة جديدة للعدوان، وهذا ما تعودنا عليه في كل نقطة يتراجع عنها الجيش واللجان وسرعان ما يعاودوا الالتفاف على العدو. ولكن لماذا لا يفعلون ذلك دون أن يتراجعوا؟
هناك 3 أسباب أساسية لذلك، أولها: أن يضمنوا إعادة تموضعاتهم الحربية في مواضع هجومية حركية جديدة لا يعرف العدو وطيرانه مواقعهم فيها، فيتجنبون ضربات طيرانه ومدافعه وصواريخه، فيشلون عليه مصادر قوته ونيرانه التي يراهن عليها، أي تحييدها وإخراجها عن ميدان المشاركة والاشتباك الأرضي المباشر، وبهذا يضمنون حركية وتفعيل التفوق العددي والمعنوي المباشر وتضليل العدو وخداعه. وثانيها: فصل رأس الرمح الضارب عن باقي قوى الجسد المادي للعدو وجيشه وإمداداته، وهذا مبدأ استراتيجي رئيسي يضمن تحطيم العدو مجزأ. ثالثها: في أية معركة كبرى لا بد أن نقاتل من مواقع لا تسمح بمحاصرتنا ولا بانقطاع الإسناد الشعبي الوطني عنا، من خلال التمكن من أماكن حاكمة ونقاط مسيطرة قريبة من المرتفعات الجبلية الشرقية الشمالية.
تحطيم احتمالات وإمكانات وفرص إنزال العدو خلف خطوطنا الخلفية عندما يحتد القتال ويتصاعد إلى الأوج ويرمي بكل ما بقي لديه من قوات وفلول مازالت تتربص في البحر والجزر والساحل تنتظر الفرصة تلك، وهذا يستحيل الإقدام عليه لأنه المغامرة الكبرى في كل حرب، إلا إذا ضمنت القيادة الغازية أن قواتها لن تتعرض لمفاجآت كارثية، وأولها أن تضمن عدم وجود قوات معادية قريبة من المناطق التي سيتم عليها الإنزال والتدخل، ولذلك تعمل القيادة الوطنية دوما على أن تجعل أماكن تمركز قوات ونقاط الانقضاضات المفاجئة سراً على العدو وعملائه وتقوم بمجموعة مناورات مخادعة للعدو لإيهامه وإغرائه بالتقدم على المحاور والاتجاهات المطلوبة وإقلال ومنع الحركة عليها لكي لا ينكشف السر خلفها والإكثار من التحركات على المحاور غير المهمة استراتيجياً لإغراء العدو بالتحرك بعيدا عنها فلا يبقى أمامه سوى المحاور المخطط لها أن تكون هي بالذات محارق العدو، كما تجعل المكان المحدد مرتبطا بالزمن المناسب أيضا، فلا تفيد معركة بعيدا عن اعتبارات الوقت، ولذلك يعتبر الوقت واحدا من أبعاد المكان، بعده الرابع أو الزمكان. 
 
 المستنقعات القاتلة حول (الكيلو 16) 
 لقد ركز العدو هجوماته الأخيرة نحو التحيتا ثم الدريهمي تمهيدا للانتقال إلى اختراق منطقة الزعفرانة الفاصلة بين شمال الدريهمي و(الكيلو 16) المستهدف الأول للعدو، مستخدما كثافة طيران الأباتشي والطيران الحربي لتغطية الهجوم البري الذي جاء أقل عددياً من الهجمات السابقة، فتم تعويضها بارتفاع نسب وأعداد الطائرات المشاركة في العمليات الأرضية الجارية.

 مسار العمليات 
بعد عدة أشهر من التجميع والحشد من كل الجبهات تم تجهيز مجموعة من الألوية الاقتحامية المعاد تشكيلها، حيث تم الدفع بعدة ألوية جديدة نحو ثلاثة محاور قتال رئيسية:
المحور الأول: الخوخة ـ الجبلية ـ الفازة ـ التحيتا ـ الجاح. وتمثل هدف هذا المحور في: 
1ـ تأمين الطريق الرئيسي للإمداد البري القادم من المخا ـ يختل ـ الخوخة ـ الحيمة ـ الفازة ـ التحيتا ـ الجاح.
2ـ فك الحصار عن الألوية المحاصرة حول التحيتا، بالسيطرة على مركز مديرية التحيتا.
3ـ منع تقدم الجيش نحو محور حيس ـ الجبلية ـ الخوخة ـ الحيمة، والضغط باتجاه زبيد ـ الجراحي لتثبيت القوات الوطنية هناك وعدم السماح لها بالتحرك لإحباط مشاريع المرتزقة المتجهة شمالا وشرقا، وقد استغرقت هذه الفترة شهر يوليو بالكامل وتم الدفع بلواء جديد بكامله نقل من الجنوب.
المحور الثاني: النخيلة ـ غليفقة ـ الدريهمي، وتم الدفع بقوة لواء مدعم باتجاه السيطرة على مركز الدريهمي، وقد استغرق هذا المحور محاولات العدو خلال شهر أغسطس بالكامل تقريباً، وتكبد العدو نكسات متوالية أمام مركز الدريهمي الذي سيطرت عليه قوات الجيش واللجان، وفي شمالها وشرقها وغربها تعرض للعديد من الكمائن والحقول المميتة التي أطاحت بعشرات المدرعات ومئات الأفراد قتلى وجرحى، بلغت قوة كتيبة كاملة خلال فترة قصيرة 
المحور الثالث: الاتجاه الرئيسي الجديد محاولة الاختراق إلى الزعفرانة – (الكيلو 16) لقطع الطريق الرئيسي للحديدة تعز صنعاء والالتفاف على المطار من الشرق والجنوب للسيطرة عليه وتطويق الحديدة. تم تجميع عدة ألوية من العمالقة السلفية وحرس هادي الرئاسي وكلها انفصالية التوجه وتركيزها نحو منطقة شمال الدريهمي الصحراوية بهدف اختراق المنطقة الفاصلة بينها وبين (الكيلو 16) المفصلية.

حقول الجحيم التكتيك الوطني الفتاك 
استخدم الجيش اليمني تكتيكات كلاسيكية في المدافعة الهجومية الحركية تقوم على سحب العدو وقطعه العسكرية إلى مناطق تم اختيارها بعناية وتفخيخها سلفاً بفخاخ ضد الدروع والدبابات والآليات، بحيث يدخل العدو في حقول الجحيم فلا يخرج منها أبداً. وهذه التكتيكات سبق تجربتها ضد الجيوش النظامية الكبرى من معارك موسكو إلى ستالينجراد إلى جنوب لبنان وبيروت وغزة والجبل الأخضر والسويس وإلى صعدة وصنعاء وردفان وعدن وسايجون وهانوي وإلى خليج الخنازير وهافانا، وأعطت نتائجها، وكان حصادها دوماً وفيراً جداً لصالح الجيوش الشعبية وللشعوب الحرة في مواجهه الغزاة والمستعمرين الذين يفوقونهم قوة وعدداً وأموالاً وأسلحة، فقد أحالتهم حطاماً منثوراً تذروه الرياح.
وفي ميدي –حرض- البقع ذاق العدو منذ وقت مبكر طعم فواكه الموت التي تجود بها قوات الجيش واللجان الشعبية على العدو الغازي. وخلال 4 سنوات ظل العدو بفرقه المهاجمة البرية والبحرية والجوية المكونة من عشرات الآلاف من المرتزقة الأجانب والمحليين تحت قيادة كبار الجنرالات الأمريكيين والإسرائيليين يحاول السيطرة على منطقة ساحلية مكشوفة يدافع عنها ثلة من رجال الله الوطنيين المتفانين في الدفاع عن الوطن، لكن الفشل كان حليف العدو الدائم في كل محاولاته، فكانوا كلما تقدموا شبراً في بقعة خسروا ذراعاً في بقعة أهم تعيدهم إلى نقطة البداية. كانت أهم التكتيكات الوطنية الفعالة هي تكتيكات القناصة والألغام والمفخخات والصواريخ الموجهة ضد الدروع والدبابات والآليات والعربات والالتحامات المباشرة المباغتة والتوكل على الله ناصر المستضعفين. وانتقل العدو من ميدي شمالاً إلى جنوب الساحل الغربي بعد تكبده آلاف الانكسارات والهزائم والخسائر.
فكر العدو أخيراً أن قوات الجيش واللجان في جنوب الساحل الغربي ستكون أقل شكيمة وأدنى بأساً وأقل استماتة وعزيمة، فراح يدفع بقواته إلى محارق جديدة أوسع وأكبر وقد أغراه وجود قطع عسكرية مضللة تابعة للخائن عفاش تسيطر على مفاتيح الساحل وموانئه ومواقعه المفصلية، وبين مطلع العام الأول للعدوان ونهايته شنت قواته البحرية والجوية والبرية آلاف الهجمات والزحوفات والضربات ودفعت بعشرات الآلاف من المرتزقة المدعومين بالآليات المدرعة إلى الميدان بعد أن سلم عفاش للعدو الساحل الغربي جنوب الحديدة بالكامل وانضمت قواته إلى العدو دون حياء مصدقين وعود العدو ووعيده وأوهامه بأن قوته لا تُهزم.