لم يرفع العدوان عقيرته بالصراخ مستغيثاً بالأمم المتحدة مصادفة أو منة وتكرماً منه أو رأفة ورحمة من قلبه الرقيق الذي انهار من رؤية بشاعة ما تفعله طائراته من مصائب وأهوال، وما ترتكبه من مذابح بحق الأطفال والمسنين والنساء اليمنيين طوال 4 سنوات، بل لأنه وجد نفسه محاصراً من كل جانب، وقطعت عليه خطوط الإمدادات البرية الرئيسية القادمة من الجنوب والبحر.

حقيقة هزيمة العدوان 
لقد تمكنت قوات الجيش واللجان الشعبية من إنزال الهزيمة المرة بمؤخرات العدو الرخوة التي تركها كحاميات على المناطق التي خلفها وراءه، فقد واصل العدو التقدم على الساحل نحو الشمال لغزو الحديدة، بعد أن ترك حاميات عسكرية تؤمن له الطريق والقواعد في جميع المناطق والنقاط الهامة التي تشرف على الساحل.
حيث وجهت قوات الجيش واللجان ضرباتها القوية على المحاور المفصلية الأربعة على الطريق في كل من مناطق حيس، الفازة، التحيتا، الجبلية، الخوخة، الحسينية، الجاح، الدريهمي، الزعفرانة، النخيلة، وبهذا قطعت خطوط الإمداد الرئيسي من 4 مواضع متوالية تفصل الواحد عن الآخر عدة كيلومترات، فبين الخوخة والجبلية والتحيتا والفازة والجاح والدريهمي حوالي 200 كيلومتر، بمعدل فاصل بين كل منطقة وأخرى حوالي 40 كيلومتراً، مما فرض عليه خلال التقدم أن يترك عدداً كبيراً من ألويته لحراسة الطرقات والمحاور الرابطة على الخط الرئيسي للإمداد.
وقد تعرض بهذا لحصار كبير من مؤخراته الخلفية، فلم تجدِ قواته المتخلفة في الخلف نفعاً في تأمين الطرقات ولا صد الهجمات الفتاكة للجيش واللجان. 
قضى العدو خلال الأشهر التي سبقت معارك كيلو 16 في تنفيذ محاولات لاسترجاع المواقع التي سقطت بأيدي الجيش واللجان بعد تقدمه على الساحل شمالاً، وقد كرس شهري يوليو وأغسطس الماضيين ـ بعد اشتداد الحصار عليه ـ لاسترجاع المناطق التي تقطعت فيها سبله ومحاوره جنوباً، وكانت الفازة والجبلية هي أهم النقاط المحورية التي تعرضت بداية لإغارات أبطال الجيش واللجان الذين سحقوا كتائب وسرايا العدو حولها، لأنها تشرف على أهم الحلقات المسيطرة على الطريق القادم من المخا ـ الخوخة ـ حيس ـ التحيتا، ثم تعرض الجاح الأسفل والأعلى لإغارات من قبل الجيش واللجان، وتمت السيطرة عليها، وكان العدو قد دفع إلى التحيتا والمناطق المحيطة بها بثلاثة ألوية جديدة استقدمها من الجنوب في محاولة للسيطرة ودحر القوى الوطنية من التحيتا والدريهمي والجبلية، غير أن هذه الألوية قضت شهري يوليو وأغسطس في استنزافات حول التحيتا ـ الدريهمي، وهي تحاول التقدم شمالاً من جديد.
وكانت هجمات وزحوفات مطلع سبتمبر التي وصلت إلى الزعفرانة جنوب كيلو 16، شهدت أشد المواجهات، خاصة تلك المعارك التي دارت حول المطار والدوار والكيلو 16 والمفرق والمنظر وغرب المطار، وتصاعدت حدتها في مطلع أكتوبر إلى مشارف الكيلو 16 ومحاولات اختراق المطاحن والخمسين.
وعندما انتقل العدو إلى مشارف المدينة وحاق الخطر بها عن قرب وتكدست التعزيزات والطيران الضارب بشدة ليلاً ونهاراً على مواقع الجيش واللجان، أطلقت قوات الجيش واللجان مفاجأتها القاتلة من الجنوب والشمال في وقت واحد، حيث وقع العدو في كماشة الحصار، فقد تم وبشكل كامل قطع الطريق الإمدادي الرئيسي، وتكسرت جميع الزحوف والهجمات العدوانية التي تحاول فتح الحصارات والتقطيعات على محاور تقدمه الخلفية.
وعندما أصبحت المعركة لاقتحام الحديدة مصيرية عززت قوات الجيش واللجان هجماتها القوية على مؤخرات العدو ومقدماته في وقت واحد، وأصبح مصير القوات العدوانية المتقدمة الموت عسكرياً باختناقها وحصرها وانقطاع إمداداتها من الجنوب، وعند تلك اللحظة الفاصلة أمسى العدو أمام خيارين؛ إما أن يتراجع، أو يباد من الأمام ومن الخلف والأجناب.

 مشكلات العدو المستحيلة الحل
عندما وصل العدو إلى المأزق الثاني والثالث أمام الكيلو 16 ومدينة الحديدة، نزل الأمريكيون عسكريين وضباطاً وقادة إلى الساحل الغربي لإدارة معارك العدو مباشرة بشكل أكبر من ذي قبل، وذلك في محاولات للبحث عن حلول استراتيجية تخرج العدو من مأزقه بعد أن وصلوا على الأرض إلى حالة الإحباط واليأس والفشل والانكشاف.
وعلى الميدان مباشرة واجه العدو الأمريكي عدة مشكلات مستعصية لم يجد لها حلاً رغم كل قدراته وإمكاناته، ونذكر أهمها بإيجاز: 
1 ـ حصار العدو من الخلف ومن مؤخراته وأجنابه وإمداداته على طول المسافة من المندب إلى الحديدة، وهي ما يزيد عن 400 كيلومتر تشكل جبهة حرب استنزافية لا أول لها ولا آخر.
2 ـ تقطيع الإمدادات الرئيسية في المحاور المفصلية الأربعة التي ذكرناها سابقاً، وهو ما جعل العدو عاجزاً عن التقدم بالقسم الأكبر من قواته نحو الحديدة.
3 ـ وقوع العدو أسيراً لحقول الجحيم والموت في الشمال على بوابة المدينة، فما إن يصل إلى نقطة ما حتى يغدو محبوساً ومعتقلاً وتتعرض أجنابه للتنكيل بفضل شبكات الألغام الخفية التي عجز الرصد الأمريكي عن كشفها والتعامل معها، وقد واجه العدو فعلاً هذا الجحيم في كل المناطق التي دخلها، وذلك ضمن مخططات استدراج للإيقاع به وتدميره في مناطق يعجز الطيران المعادي عن التدخل بفعالية نتيجة قرب خطوط التماس بين الجانبين. 
4 ـ الإطباق على العدو من الخلف كلما حاول التقدم داخل المساحة الداخلية لمشارف مدينة الحديدة بعمق عشرات الأميال المربعة، حيث يمكن إغراق عشرات الألوية الميكانيكية العدوانية، لأنه يدخل إلى غابات من المقاتلين المنتشرين المترصدين له ولخطواته، بالأسلحة والمعدات والمعوقات والخنادق وحقول الألغام وآلاف الصواريخ الموجهة ضد الآليات والدروع والأفراد... إلخ، دون أن يكون للعدو القدرة على العودة.
5 ـ إغلاق باب المندب بالصواريخ البحرية الأحدث والأكثر دقة وبمديات متعددة تشكل ردعاً شديداً للعدوان الدولي.
6 ـ  التطويق الاستراتيجي الكبير المنتظر.

الأسوأ لم يصل بعد
أين هو الأسوأ على العدوان والذي لم يصل بعد؟
إن استنزاف العدو على الساحل يعني استراتيجياً استنزاف جميع الجبهات الأخرى، لأنه سحب الكثير من القوات من بقية الجبهات، مما جعلها فارغة أمام هجمات الجيش واللجان الالتفافية ومناوراته الطويلة السريعة الحركة ومرونته، ومن ثم لم تعد تشكل خطراً كبيراً على الجيش واللجان، وجبهات نهم، صرواح مأرب، الجوف، جيزان، عسير، مثال جيد وواضح على مدى تخلخل قوات العدو في الجبهات الأخرى الناتج عن تخلخله وهزائمه في الساحل الغربي واستنزافه وتطويق قواته والإطباق عليها، وهذا الإطباق والتطويق في متناول الجيش واللجان الآن، وقريباً بإذن الله وتوفيقه وصمود الرجال من جنده سيكون حقيقة واقعة على الأرض.

كسر السيطرة الجوية للعدو
إن العدو يعرف جيداً أن الجيش اليمني لم يستخدم بعد كل ما لديه من أنواع جديدة؛ صاروخية، وطيران مسير، وغيرها من الأسلحة الجديدة القادرة على تحييد وإسقاط طائرات العدو وإخراجها من ميدان المعركة.
ويجب مراجعة تصريحات عدد من قادة العدوان والمراقبين الاستراتيجيين الغربيين التي تفيد بأن هناك مؤشرات وأحداثاً تشير إلى هذه الحقيقة، وقد وجه أكثر من خبير عسكري نصائح للعدوان في هذا الشأن. 
ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة زادت نسبة إسقاط الطائرات العدوانية وتراجع فاعليتها على مجريات الميدان، وقد كشفت معارك صرواح ونهم والجوف وعسير وجيزان والحديدة والساحل ذلك، كما جرى تعطيل قدرات العدو على مكافحة الألغام البحرية والبرية واكتشافها، بحيث عجز عن التقدم من البحر طوال سنوات من المحاولات والمناورات. 
  
اختراق العدو يتحول إلى حصار
حين وقع العدو في حصاره المميت جنوباً توهم أن الطيران سوف يخرجه ويكسر حصاراته مهما كانت متانتها وقوتها، وبدلاً من التحول إلى الدفاع الاستراتيجي والاستعداد للتراجع في إطار ما أعلن من هدنة بموجب اتفاق السويد، راح يستغل دعوات السلام كغطاء جديد للاختراق والتسلل عبر ثغرات كمينية مميتة مخططة من قبل الجيش واللجان لاستدراجه والإيقاع به في حقول موت وجحيم جديدة.
وقد اتبع الجيش واللجان تكتيكات رهيبة كلها مناورات مخططة، فهو يخلي بعض مواقعه لساعات فيتقدم إليها العدو مهللاً ومحتفلاً بالسيطرة عليها لساعات من نهار فقط حتى يفاجئه أبطال الجيش واللجان من جديد ويطيحوا به ويستعيدوا المواقع ويدحروه بعد أن يلحقوا به ضربات هائلة مخلفة العديد من القتلى والجرحى وتدمير عدد من الآليات والدبابات والمدرعات والمخازن.
 
 لسان العدو يغدو خراجاً استراتيجياً نازفاً
اللسان الاستراتيجي الضيق الداخل في الجسد الدفاعي اليمني على أبواب الحديدة، هو محور ضيق المساحة لا يتعدى عرضه بضعة أميال، وقد غامر العدو بالتوغل فيه ليجد نفسه قد أحيط به من كل جانب، وفصلت قواته وتقطعت بعضها عن بعض من الجنوب والشمال والغرب والشرق، وتحول هذا اللسان الاستراتيجي الضيق إلى خراج استراتيجي ينزف دماً.
إن طول الجبهة العريضة للاشتباك استنزفت العدو، حيث يقوم بوضع الكثير من الألوية التي اضطر إلى إبقائها على الطريق لتومن حراسته ضد الهجمات المباغتة للجيش واللجان، إلا أنها سرعان ما تختفي وتذوب من طول وشراسة وقوة الهجمات الالتفافية التي يشنها الجيش واللجان على مؤخرات العدوان المتقدم، حيث يركز الجيش واللجان هجماته المضادة على هذه المحاور الضعيفة في تنظيم دفاعات العدو المتقدم الذي يضطر نتيجة تقدمه الجانبي الالتفافي إلى تركيز أغلب قواته الهجومية على محاور التقدم الأمامية في مواجهة دفاعات الجيش واللجان حول الحديدة.
وقد راهن العدو على سيطرة مطلقة للطيران الحربي العدواني على الأرض من فرضية عجز الجيش واللجان عن التحرك تحت السيطرة الجوية للعدو، مما يعطل جميع فاعليات وطاقات الجيش واللجان في الظروف الجديدة للحرب، غير أنه تفاجأ من القدرات العسكرية الفذة لأبطال الجيش واللجان الذين استطاعوا قلب كل مخططات العدو لصالحهم.
إن التأهيل العسكري اليمني بقيادة أنصار الله كحركة ثورية هي الأفضل في المنطقة والعالم الآن باعتراف العسكرية الروسية والغربية، فقد كتب الجنرال الروسي الشهير شويغو، رئيس أركان الحرب الروسية، في مؤتمر علمي في روسيا، نشرته الصحف قبل عام، في تقييمه للحرب، كتب قائلاً: (إن المقاتل اليمني هو الأفضل في المنطقة الآن)، والروس لايمنحون شهادات عشوائية بغير تمحيص دقيق، وهي شهادة نعتز بها رغم تواضعها.

(*) المركز الاستراتيجي الوطني