عبدالجبار الحاج / لا ميديا -

مرت فنزويلا بمحطات تاريخية عديدة ومختلفة يمكن تقسيمها وفق تقسيم مراحلها كما كتبها التاريخ الفنزويلي الحديث ومنه المعاصر الذي بدأ على طريق التحرر نضالاً واتخذ أشكال الكفاح المسلح باتجاه مزدوج أو ثنائي الاستراتيجية، فهو ضد السيطرة والاحتكارات الأمريكية وشركاتها الكبرى من جهة، وضد الحكومات المتتابعة التي اتبعت سياسات لم تقوَ على رفض النهب الاحتكاري الامبريالي، ولم تخلُ سياساتها من التعاطي مع المشيئة والأطماع والنهج النهبوي السافر من قبل الشركات، وتنفيذ الإملاء الحرفي للقرارات الأمريكية في هذا البلد كما بلدان أمريكا بعيداً عن الرفض.
على نحو طويل من الصراع احتدم الصراع معقداً، واتخذ وجوهاً متداخلة، ففي حين أنه في الغالب اتخذ طابعاً موجهاً ومعادياً لهيمنة أمريكا وشركاتها، ومصوباً ضد سياسة الحكام المرتهنة، لم يخلُ الصراع من فرز سياسي حاد بين قوى اليسار نفسها، فتلك النخب اليسارية التي اتخذت من برامج الاشتراكية الديمقراطية المتآخية مع الرأسمالية بتداولاتها المتناوبة للسلطة عبر انتخابات وبرامج لا تمس البنية الرأسمالية واقتصادياتها الرأسمالية النهج والبنية والاتجاه..
وبرزت أشكال عنيفة لنضال الحركة الثورية المسلحة منذ العام 1958م، وهي المرحلة الممتدة حتى التسعينيات، وهي مرحلة يتفق في فنزويلا على تسميتها بالثورة الثالثة. هذه المرحلة وتلك التي قبلها وبعدها مروراً بمرحلة شافيز اعتباراً من العام 1989، هي مرحلة حافلة بالصراع العلني والمؤامرات والانقلابات الفاشلة، وحتى رحيل شافيز ومجيء مادورو ليستكمل من جهة ثورة شافيز، ويبدأ وفقاً لخطة فنزويلية هي مرحلة أطلق عليها الثورة الرابعة. لتبدأ مرحلة الثورة الخامسة متزامنة مع مجيء الزعيم مادورو، وفي مخططها تعميق وتوسيع أهداف الثورة البوليفارية بنهج تراه السياسة الأمريكية بأنه سيقلص كثيراً من مساحة المصالح الأمريكية التي ظلت في مجالات اقتصادية عدة ما برحت فيها أمريكا مؤثرة وحاضرة.
وكمرحلة قادمة وجديدة في السياسة الاقتصادية مع قيادة مادورو، خشيت أمريكا من مفاعيل الثورة الخامسة المقلصة لمصالح الشركات الأمريكية، فذهبت السياسة الأمريكية حد التطرف والجنون بعيداً نحو تحضيرات ضربة عسكرية مباشرة بهدف وحيد هو تدمير المنجزات الاجتماعية الاقتصادية، وتعطيل مسيرة لتحولات الثورة البوليفارية القادمة..
من هنا تأتي الهجمة والخيارات الأمريكية العسكرية المتطرفة عن طريق التحضير للتدخل العسكري المباشر أو عبر استخدام أدواتها في الجوار الفنزويلي...
فماذا عن المساعدات التي تريد أمريكا عبرها تنفيذ وتمرير أدوات ووسائل تدعيم مسارها الانقلابي السافر والمكشوف والوقح..؟
بمناسبة الاستهلاك الإعلامي الأمريكي وحديث المساعدات الإنسانية التي رفضها الرئيس مادورو باعتبارها شكلاً من أشكال التدخل، فإننا هنا نترك الرد للرئيس مادورو الذي يقول:
(إن كل ما يصفونه بالمساعدات الإنسانية هو عبارة عن مسرحية سياسية.. 
لا تساعد الامبريالية أحداً في العالم.. لا أحد على الإطلاق. اذكر لي مكاناً واحداً في العالم أرسلوا مساعداتهم الإنسانية إليه.. كل ما أرسلوه هو القنابل التي دمرت أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، كل هذه مسرحية لا أكثر، ولن تكون فنزويلا بلداً تابعاً وفقيراً. توجد لدينا إمكانية لإنتاج ما نحتاجه واستيراد ما نحتاجه.. هذه الفرصة متوفرة دائماً لدينا.
سأضرب لكم مثالاً؛ يوجد لدينا برنامج اللجان المحلية للإمدادات والإنتاج الذي يشمل الآن 6 ملايين أسرة، ويقدم لكل منها 24 مادة غذائية كل 20 يوماً على الأقل، ويدور الحديث هنا عن جميع منتجاتنا المحلية والمستوردة، وهذا البرنامج أيضاً يشمل 6 ملايين أسرة، فهي آلاف من الأطنان إذن.. هذه هي المساعدة الإنسانية الحقيقية. وسنواصل تقديمها، بالإضافة إلى الرعاية الصحية وفرص العمل لشعبنا كما يحدث اليوم.
كل الأمور الأخرى هي مسرحية رخيصة لتبرير التدخل في شؤوننا).
شعب فنزويلا يرفض المساعدات، ويقول لا جياع لدينا، ولسنا متسولين.
في فنزويلا 6 ملايين أسرة، أي ما يوازي أكثر من 60? من السكان، أي نحو 17 مليون نسمة، ممن يتلقون الغذاء بـ24 نوعاً من المواد الغذائية من الدولة، كل 20 يوماً على الأقل، وكل شهر بالأكثر، كواحدة من خدمات والتزامات الدولة المجانية تجاه مواطنيها.
ومن هنا ترفض القيادة الفنزويلية المساعدات لعدم الحاجة إليها أولاً. 
ونواصل الاستشهاد بحديث للرئيس مادورو نقتطفه من مقابلة لمحطة تلفزيون إسبانية أعادت بثها وترجمتها قناة (آر تي) الروسية، الأربعاء الماضي، إذ يقول مادورو:
(لو غادر فنزويلا 3 أو 5 ملايين لخلفوا وراءهم مدن الأشباح، لكن عدد المواطنين في بلادنا ليس 30 مليون نسمة وحسب، فعلى العكس نستضيف في فنزويلا المهاجرين، ويجب عليكم أن تعرفوا أنه يعيش نحو 5 ملايين و800 ألف كولومبي في بلادنا. أينما توجهت في فنزويلا ستلتقي كولمبياً أو كولومبية، ويعيش أيضاً في بلادنا أكثر من 300 ألف إكوادوري، وأكثر من 300 ألف بيروفي، ونحو مليون عربي، و300 ألف برتغالي، و300 ألف إسباني.
وهذا ما لا يعرفه الكثير، إذ تستضيف فنزويلا الكثير مقارنة بباقي دول أمريكا اللاتينية والكاريبي. 
الآن يعيش لدينا عدد كبير من المهاجرين الذين نقدم لهم مساعدات لأسباب اقتصادية). 
وأضاف قائلاً: (وضعت خطة تحت عنوان العودة إلى الوطن، وعاد الآلاف من الفنزويليين إلى الوطن).
لقد نظمنا جسوراً جوية مع كولومبيا والإكوادور والبيرو والأرجنتين، وبفضل ذلك عاد 12000 فنزويلي إلى الوطن.
هناك 50 ألف فنزويلي من الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، سجلوا أسماءهم في سفارات فنزويلا في تشيلي والإكوادور والأرجنتين والبيرو. 
وكان العديد من الفنزويليين قد هاجروا بحثاً عن حياة أفضل، ولكنهم لم يحصلوا على شيء سوى الكراهية والظلم والاستغلال).
يتبع