خافيير ماس -

بعد سنوات من الحرب والقصف ومئات الموتى، بدأت ملامح السلم تظهر تدريجيا في اليمن. فقد فتحت كل من السعودية والإمارات قنوات اتصال مع الحوثيين وإيران. إلى جانب ذلك، اجتمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في أبوظبي لوضع أسس عملية وقف إطلاق النار في اليمن.
الحرب في اليمن تسببت في أزمة إنسانية خطيرة للغاية، نددت بها الأمم المتحدة مرارا وتكرارا. وإلى جانب حصيلة قتلى تتجاوز الـ100 ألف قتيل، ينضاف مليون مصاب بالكوليرا وحوالي 18 مليون متضرر بطريقة أو بأخرى من ويلات الحرب، نصفهم تقريبا من الأطفال الذين لا يمكنهم الحصول على الغذاء أو الوصول إلى المراكز الصحية، نظرا لأن أكثر من نصف المستشفيات مغلقة.
السعودية والإمارات قادتا تحالفا دوليا منذ سنة 2015 شن حربا ضد الحوثيين من شمال اليمن الذين يحتلون العاصمة صنعاء بدعم من إيران، وغيرها من المدن الرئيسية في البلاد. ومن جهتها، استفادت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية من الحرب من خلال صفقات بيع الأسلحة إلى التحالف، باستثناء ألمانيا التي أغلقت تجارة الأسلحة مع السعودية.
الملك سلمان أشار في خطابه السنوي لمجلس الشورى، الهيئة الاستشارية في البلاد، إلى أن نيته تكمن في السعي إلى إيجاد حل سياسي في اليمن. ومع إقصاء الحل العسكري، وقع فتح القنوات الدبلوماسية. وزار خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع وشقيق محمد بن سلمان، مسقط بعمان من أجل تمهيد الطريق لعقد اجتماع مع القيادة الحوثية، حيث تطوع سلطان عمان للتوسط في هذه العملية.
وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قد توسط أيضا بين الرياض وطهران، تماما مثلما فعل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان. ومن جهته، طلب دونالد ترامب من الرياض الذهاب إلى طهران لتقييم خيارات الهدنة. وقد أوضح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيتث، لمجلس الأمن أن الأسبوعين الأخيرين كانا الأكثر هدوءا منذ بدء الحرب؛ حيث قلص التحالف الغارات الجوية بنسبة 80 في المائة. ولأول مرة، مرت حوالي 48 ساعة دون أي قصف.
وكان الحوثيون قد عرضوا هدنة وأطلقوا سراح العشرات من السجناء. في المقابل، سمحت السعودية بإعادة فتح مطار صنعاء للرحلات التجارية لأسباب إنسانية، فضلا عن إطلاق سراح حوالي 200 سجين حوثي. وبالتالي، يبدو أن اليمن يشق طريقه نحو السلام بعد سنة معقدة للغاية بالنسبة للتحالف الدولي.
أولا، حدثت مواجهة عسكرية صعبة للغاية بين المملكة والإمارات للسيطرة على جنوب اليمن. ومن جانب آخر، يدعم السعوديون حكومة الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، وهي الحكومة التي يعترف بها المجتمع الدولي. وهذا الصيف، دعمت الإمارات المليشيات الانفصالية في جنوب اليمن التي تقاتل ضد الجيش اليمني، بدعم من السعودية.
الإمارات، في ظل هذه المواجهة، سحبت عددا كبيرا من قواتها من اليمن. وفي الوقت ذاته، هاجمت إيران، التي تعاني من العقوبات الدولية، أربع ناقلات بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أكدت أن الحرس الثوري كان وراء هذه الهجمات، إلا أن أبوظبي لم تلق باللوم على طهران. وبدأت الإمارات في إقامة اتصالات دبلوماسية مع طهران، وقد تلقت خطوتها الدعم من قبل لندن وباريس وبرلين. وفي منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أجرى طحنون بن زايد، الشقيق الأصغر لولي العهد محمد بن زايد، زيارة سرية إلى طهران ساعدت على تعزيز وقف إطلاق النار الفعلي.
الهدنة أتت بعد استعراض جدّي للقوى من قبل طهران والمتمردين الحوثيين. ففي 14 أيلول/ سبتمبر، هاجمت طائرة دون طيار إحدى مصافي النفط السعودية، وهو هجوم فاجأ السعوديين لدقته ومدى صعوبة تنفيذه. ومن جانبهم، أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ على السعودية، حتى وصولهم إلى مطار الرياض، وكذلك ضد الإمارات.
والجدير بالذكر أن السعودية والإمارات أبرمتا اتفاقا في وقت سابق من شهر نوفمبر يهدف إلى الحفاظ على وحدة اليمن الذي استقر خصومه في جنوب البلاد. وفي ظل هذا الاتفاق، يحاول البلدان الآن بناء طريق نحو السلام.
ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، استقبل مؤخرا ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان في مطار أبوظبي وانتقلا إلى القصر الرئاسي في أجواء احتفالية. ويبدو أن عودة الانسجام بشأن اليمن تستفيد أيضا من مناخ الأعمال الجيد، حيث يبحث ابن سلمان عن تمويل لشركة أرامكو، أكبر شركة نفطية وأكثرها ربحية في العالم. ووفقا لبلومبرغ، فإن الإمارات ستستثمر حوالي 1.5 مليار دولار في هذا المجال.

* صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية
موقع "عربي21"
29  نوفمبر 2019