وليد مانع / لا ميديا -
مدينة قم هي إحدى مدن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبعد حوالى 147 كم جنوب العاصمة طهران، ويحدها من الغرب أراك، ومن الشرق محافظة سمنان، ومن الجنوب أصفهان.
يعود تأسيسها إلى عصر الفيشداديين (قدماء ملوك الفرس)، وبعض المؤرخين ينسبها إلى "طهمورث (أو: طخمورث) بن هوشنغ" (ملك الأقاليم السبعة، والذي وضعت له مكتبة الكونغرس الأمريكي منحوتة برونزية على أحد مصراعي بوابتها، بينما وضعت في المصراع الآخر نحتاً برونزياً للإله النهريني "نابو"، إله القرطاس والقلم ذي الهيئة الآشورية)، وآخرون ينسبونها إلى "قمسواره بن لهراسب".
فتحها المسلمون سنة 21هـ. وفي سنة 83هـ، جعل الحجاج بن يوسف والياً عليها عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث (أمير سجستان أيضا) الذي خرج عليه لكنه انهزم وهرب إلى كابل، وكان معه أبناء سعد بن مالك الاشعري. نزل هؤلاء الفارون سبع قرى في بلاد فارس، إحداها "كمندان"، حيث اجتمع إليهم بنو عمومتهم، وصارت القرى السبع سبع محلات، ثم أسقطوا بعض حروف "كومندان" ليعرّبوها فسموا المنطقة "قم" اشتقاقا أيضا من كلمة "كومة" التي كان الفرس يطلقونها على بيوت الرعيان الذين يفدون على المنطقة للرعي.
آنذاك كانت "قم" قسمين: عجمي، وعربي، العجمي ظل اسمه "كومندان"، والعربي سمي "عربستان" أو "حسين آباد"، حتى سنة 1359م حين أصبح القسمان قسما واحد شملتهما تسمية "قم". واليوم يشكل الأتراك الأذريون ما يقارب 40-50% من سكان المدينة. كما توجد جالية عربية كذلك.
لمدينة قم العديد من المعالم التاريخية والمزارات الدينية، أبرزها:

الحضرة المعصومية:
كان لوجود مرقد فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) في "قم" فضل كبير في إعمار المدينة وتوسعتها. وأول من بنى بناء المسجد على مرقدها هو الشاه عباس الأول. وقد دُفِنَ في هذا المسجد أيضاً ثلاث من بنات أبي جعفر محمد بن علي الجواد (195 هـ- 220 هـ)، تاسع أئمة أهل البيت عند الشيعة الاثنا عشرية.

مسجد جمكران:
أحد المساجد المقدسة عند المسلمين الشيعة، إذ يُروى أنِّه بُني بأمر المهدي (الإمام الثاني عشر).

"أربعون كوكبا":
هو مرقد يوجد في منطقة "چهل اختران"، وهي الترجمة الفارسية للتسمية نفسها: "أربعين كوكباً". سمي المرقد بهذا الاسم لأن أربعة عشر شخصاً من ذرية علي بن موسى الرضا (ع) تم دفنهم هناك، وهو ما ثبت في سنة 378هـ. ويعد "أربعون كوكبا" من الأبنية التاريخية لمدينة قم، ويعود بناؤه إلى سنة 950هـ، ويقال سنة 851هـ. وهو مزيّن بآيات قرآنية عديدة منقوشة على جدرانه. والمرقد في وسط المبنى، ويرتفع مترا ويشغل مساحة تسعة أمتار طولاً ومثلها عرضاً، ويحوي عدة ردائف من القبور مزينة بالكاشي الأزرق الخشن، وحديثا وضع عليها ضريح من الألمنيوم.

حوزة قم العلمية:
هي ثاني أهم الحوزات العلمية، بعد حوزة النجف الأشرف في العراق، وإن صارت اليوم هي الأولى، من حيث أنها استطاعت استقطاب عدد كبير من الطلاب من شتى أنحاء العالم. وجدير بنا أن نشير هنا إلى أن الاختلاف بين هاتين المدرستين هو اختلافٌ جغرافي، لا علمي، فكلتا المدرستين تعتمد المنهج العلمي والتعليمي ذاته؛ باستثناء اختلافات طفيفة تكاد لا تستحق الذكر.
تأسست حوزة قم على يد الشيخ عبد الكريم الحائري سنة 1313هـ/ 1934م. وواقع الأمر أن ذلك لم يكن إلا تجديداً، لا تأسيساً؛ فمدرسة قم تعود إلى القرون الهجرية الأولى؛ لكن الشيخ أعاد تأسيسها بصيغة جديدة، وأطلق عليها اسما جديدا، وهو "الحوزة العلمية".
وقد ازدادت أهمية حوزة قم بسبب التضييق الذي لقيه المسلمون الشيعة في العراق في عهد النظام العراقي السابق، حيث اضطر الطلاب الأجانب لمغادرة العراق إلى إيران، وتحديدا إلى مدينة قم. وفي منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بلغ عدد طلبة العلم في قم أكثر من 60 ألف طالب علم في مختلف العلوم الدينية، أكثر من نصفهم إيرانيون، يليهم الهنود والأفغان والعراقيون والباكستانيون والسعوديون (من الأحساء والقطيف) واللبنانيون (من جبل عامل في الأغلب) والأفارقة، ثم من جنسيات أخرى بأعداد متفاوتة: خليجيين (من البحرين والكويت وعمان والإمارات) وصينيين ومصريين ومن دول عديدة، حتى من الولايات المتحدة الأمريكية.
تزخر حوزة قم اليوم بالعديد من المؤسسات والمدارس العلمية، يزيد عددها على 70 مؤسسة ومدرسة، أقدمها المدرسة الفيضية، التي تعتبر مركز إدارة الحوزة العلمية في قم ويعود تأسيسها إلى العهد الصفوي، والمدرسة الحجتية التي أسسها محمد حجت حسين التبريزى وهي مخصصة حالياً لتدريس قسم من الطلبة غير الإيرانيين وتعتبر مركزا عالميا للدراسات الإسلامية، هذا بالإضافة إلى عشرات المؤسسات الحديثة، نذكر منها: مدرسة الكلبايكاني وتضم معهداً لعلوم القرآن، جامعة الزهراء المدينة الجامعية الخاصة بالنساء وتأسست تحت إشراف الإمام الخميني، مدرسة بنت الهدى الخاصة بالنساء، جامعة الصدوق وتضم 6 مؤسسات جامعية، جامعة المفيد، جامعة المصطفي العالمية، مركز تعليم اللغات والمعارف الإسلامی، جامعة آل البيت العالمية...