علي نعمان المقطري / لا ميديا -
لو راجعنا خطوات قوات الجيش واللجان الشعبية التي بدأت في مطلع العام الماضي فاتحة مرحلة مفصلية أبرز سماتها هي التحول اليمني إلى الهجوم بشن الجيش اليمني واللجان الشعبية أوسع هجوماته على القوات العدوانية التي كانت تحتل محيط العاصمة صنعاء ونهم وتهدد باقتحامها بعد أن شنت عليها هجومات فاشلة تواصلت طوال سنوات من الزحوف والهزائم، ثم تحولت إلى الدفاع عن المواقع التي وصلت إليها على مشارف نهم والفرضة وجبل بن غيلان والقتب والقرن والرشا ويام وجرود وجبال هيلان وصرواح والجدعان ومفرق الجوف، وكلها مواقع جبلية عالية وحاكمة ظلت المعارك تدور حولها في معارك استنزاف طويلة استغرقت سنوات الفترة 2016 ـ 2019.

كتلة الهجوم العدواني الأكبر
جند العدوان أكثر من ربع مليون مجند ومرتزق انتظموا في عشرات الألوية، وجمعت في 4 مناطق عسكرية مجحفلة تضم أكثر من ستين لواء عسكريا مرتزقا حشدت لغزو العاصمة صنعاء انطلاقا من "مأرب الجوف شبوة"، مستهدفة السيطرة على عمران وصنعاء الريف والبيضاء والعاصمة صنعاء، في أكبر مشروع تطويقي عسكري استراتيجي استغرق العمل لإنجازه عدة سنوات وتركزت عليه أغلب عديد القوات العدوانية على المسرح الشمالي الشرقي للحرب السعودية الأمريكية على اليمن.
وقد تمكن الجيش واللجان الشعبية، بعد عدة سنوت من استنزاف العدو وقواته المحتشدة على مشارف العاصمة، تمكن من إنزال هزائم ساحقة به وتم تدمير أكثر من ثلاثين لواء عسكريا على الجبهة خلال أيام محدودة، حين باغتتها قوات الجيش واللجان بالالتفاف عليها في أكبر عملية التفاف من جهة مؤخراتها وقيادتها ومن خلفها، وتم إنزال الضربات القاصمة بالقوات العدوانية التي صعقت نتيجة المباغتة الخاطفة السريعة التي قصمت ظهر العدو، كما شنت بالترافق مع الهجوم الأرضي هجمات سبرانية معقدة على مواقع وأجهزة السيطرة والقيادة والاتصالات حتى أصابها بالعمى والتشويش، بل استطاعت توجيهها بما يخدم أهدافها التكتيكية ويشل حركة التواصل بين القوات وقيادتها وبينها وبين مراكز الإسناد الجوي الفضائي للعدوان في مراكزه الداخلية وقواعده، وأن توجه إليها ضربات صاروخية مترافقة مع سريان المعركة على الأرض، وأن تنزل بها خسائر نوعية هائلة أعجزتها عن متابعة إدارة المعركة الجارية.
وأدت هذه الهجمة الكبرى للجيش واللجان إلى دحر القوات العدوانية خارج محيط العاصمة ومحافظة صنعاء ودحرها نحو محافظة مأرب من جديد إلى مناطق انطلاقها أول العدوان في العام 2015.
كانت تلك الهجمة أو الحملة الحربية للجيش واللجان قد انتزعت من العدوان 400 موقع حربي كانت تحت السيطرة العدوانية حول العاصمة صنعاء، وكان ذلك هو انهيار الخط الأول للعدوان، وهو ما يشكل الخط الثالث من دفاعات العدوان على جبهة مأرب المركزية الكبرى، وفقدانه مساحات من الأرض قدرت بآلاف الكيلوات المربعة بعمق 30 كيلومترا تجاه مأرب، وقد تمت هذه العملية خلال الأشهر الأولى من العام 2020 واستكملت نهاية العام نفسه، ويمكن وبحق تسميتها حملة العام 2020.
وأهم ما يميزها هو انتقال الجيش واللجان إلى تكريس السيطرة على مناطق الحرب العدوانية السابقة والتهيؤ للمواجهات القادمة التي ستكون حاسمة ومفصلية ولن يتركها العدوان دون بذل محاولات جديدة لشن هجمات مضادة لاستعادتها. وبعد محاولات عديدة لشن هجمات مضادة كانت كلها تبوء بالإخفاق والفشل تراجعت قدراته على مواصلة الهجوم بأعداد كثيفة وبقدرات كبيرة فاتجه إلى القتال بأسلوب الجماعات الصغيرة الخفيفة.

القتال في الخط الدفاعي التالي للعدوان
كانت معسكرات ماس وكوفل والخنجر والجدعان وغيرها تشكل خط الدفاع الثاني للعدوان الذي انتقل إليه بعد هزائمه في نهم.

الأمريكيون يقودون معارك العدوان مباشرة
وبدأ العدو يحاول حشد قواته المنكسرة على الخط الدفاعي الجديد منتظرا تقدم الجيش واللجان لمواجهته بطريقة جديدة استنزافية هي الطريقة التي تولت القيادة الأمريكية مباشرة إدارتها على الأرض ومن الجو وضربت بأساليب القيادة الارتزاقية السابقة عرض الحائط، وأجرت تغييرات شملت كل البنية القيادية والفنية والتقنية للعدوان، واعتمدت استراتيجية وتكتيكات جديدة مستندة إلى أبحاث ودراسات ونظريات الحرب الأمريكية ـ "الإسرائيلية" الجديدة في المنطقة.
بعد عدة محاولات لإجراء هجومات مضادة كبيرة ضد مواقع الجيش واللجان على الخطوط الجديدة التي اجتازوها مع حملته الهجومية الكبرى من نهم إلى مشارف الجوف والجدعان وماس ورغوان، ركز العدوان على الضربات الجوية بآلاف الغارات الهستيرية على مواقع الجيش واللجان والعمق اليمني المحرر والقرى والمدن الأمنع بهدف تدمير القوات المتقدمة وإرعاب الحواضن الشعبية والقبائل الحرة التي التفت حول الجيش واللجان بعد تحرير مناطقها.
وعندما أيقن العدوان بأنه عاجز عن شن هجومات كبرى لجأ إلى اتخاذ أوضاع الدفاع المرن المتحرك والثابت والهجمات المضادة الخفيفة الاستنزافية، وإعادة التنظيم وفقا لأساليب حرب العصابات الشعبية مقلدا عدوه معتقدا أنه سيفوز إذا غير التكتيك السابق، وقد اتبع أساليب جديدة مفاجئة لخصمه المتقدم، ولوحظ أن العدو ينقل معداته الثقيلة بعيدا إلى المؤخرات وإلى الخطوط الثالثة الأخيرة.
كان المحور الجنوبي الشرقي لمأرب مازال آمناً وهادئا لم تصل إليه المعارك بعد منذ العام 2015، وكان ذلك طبيعيا لأن جبهة التماس مع العدوان كانت ساخنة على الجبهة المركزية لمأرب ـ صنعاء العاصمة ومحيطها، أي على المحور الغربي لمأرب، دون أن يعني ذلك أن المحاور الجنوبية للعاصمة غير معد لها خطط شيطانية سوف تتحرك في الوقت المناسب عندما يحاول الجيش واللجان التقدم نحو مأرب من الغرب والشمال الغربي كما تشير مؤشرات تحركاتها الظاهرية، وعندها يشن العدوان من الأجنحة هجمات التفافية عميقة وواسعة تدور على الجيش واللجان لتخترق أجنابه الجنوبية والشمالية عبر الجوف والبيضاء وشبوة وأبين ولحج والضالع.
وقد احتشدت قوى المرتزقة الإماراتيين والسعوديين بشكل كثيف على محاور أبين ولحج وشبوة والبيضاء بهدف اقتحام البيضاء واحتلالها واختراق صنعاء عبر محافظة ذمار وصنعاء الريف وعزلها عن بقية المحافظات الجنوبية والوسطى والساحلية المحررة، وقد واصلوا اختراق محافظة البيضاء عبر تسريب العصابات الإرهابية للتغلغل في عمق المديريات البعيدة عن هيمنة الجيش واللجان في البيضاء والجوف، وكانت الجوف تحت السيطرة العدوانية مع عاصمتها الحزم منذ العام 2016. 
أما في البيضاء فقد تمترس الإرهابيون من "القاعدة" و"داعش" بدعم أمريكي سعودي منتظم في بعض مديرياتها الجبلية كالصومعة ونعمان ورداع والزاهر وقانية وآل عواض وردمان ومسور، وشنوا غارات إرهابية محدودة تخريبية انتظارا لتقدم قوات العدوان الكبيرة الموعودة حسب المخطط، والتي ستكون خلف حركة الجيش واللجان وقواتها وخطوطها الخلفية لقطعها ومحاصرتها خلال هجومات العدوان القادمة.
كانت القيادة الوطنية تعرف أولا بأول ما يفكر فيه العدوان وما ينويه بدقة، وعلى ماذا يراهن، وكان العدوان يؤمل أن تنجح مسارات الحرب الأخرى، السياسية والنفسية والمالية والاقتصادية والمخابراتية والتجسسية والتخربيية والاغتيالات والإرهاب والترويع الجوي.

معركة الخط الثاني من دفاع العدو
وقد تراجع العدو إلى الخط الدفاعي الثاني الذي أعده من قبل لمواجهة احتمالات تلك اللحظة الممكنة. وكان الخط الثاني يتركز في نقاط حصينة قوية ممتدا من معسكر ماس ثم رغوان ومجزر وصحراء الجوف والجدعان وكوفل وصرواح من جهة الغرب والشمال غرب.

تأمين جوانب الجيش واللجان
كانت قوات الجيش واللجان قد تأكد لديها حقيقة وضع العدوان الهجومي وتراجعه استراتيجيا نتيجة هزائمه في نهم العام الماضي، ولذلك قررت القيادة الوطنية تحرير الجوف أولا وبسرعة، وتجريد العدو من ميزة الالتفاف على العاصمة من الشرق الشمالي وتهديد المراكز الشمالية. وعبر ضربات نوعية حربية وسياسية وجماهيرية مشتركة شنت قواتنا هجوماتها لتحرير محافظة الجوف بشكل خاطف وسريع أذهل العدو وحرمه من الظهير الشمالي الذي كان يراهن عليه في التفافاته القادمة على العاصمة.

جرى حصر العدوان في مساحات من الأرض تضيق كل يوم، وقد تم تحرير الجوف ومديرياتها، وهي التي توازي نجران وتحاذيها، وبالقرب منها تقع أهم مراكز العدوان السعودي وقواعده الجوية والبرية وخطوط الإمداد المفتوحة نحو مأرب والجوف، وولى العدوان وقواته الفرار عن الجوف من الساعات الأولى لهجوم الجيش واللجان. وقد التفت قبائل الجوف الوطنية الحرة حول الجيش واللجان في المعركة ونظمت انتفاضات ضد العدوان من الداخل والخارج بعد أن عانت الأمرين من وجود العدوان في مناطقها لسنوات.
إن تحرير الجوف وتهاوي العدوان وقواته وقياداته قد كشف بوضوح أن العدوان دخل مرحلة من التهاوي والانكسارات لا يمكن تجاوزها ولا أن يخرج منها حتى نهايته الكاملة التي بدأت في نهم.
كانت معاني ما يجري على جبهة الجوف وقبلها في نهم، هي أن العدوان فقد القوة والقدرة على تجميع وحشد القوى الاستراتيجية الكافية لإعادة شن هجماته الكبيرة والدفاع عن الجبهات والمناطق التي مازالت تحت سيطرته، ووجد نفسه بعد سنوات من الاستزاف والهزائم اليومية قد فقد معظم قواته عددا ومعدات ومعنويات وإمكانات وحواضن شعبية، وراح يخير نفسه هل يستمر في تشتيت قواته على جبهات مواجهة واسعة (خمسين أو ستين جبهة) كما خطط في البداية أم يسحب قواته بمعظمها من الجبهات الأخرى ويركزها على جبهة رئيسية واحدة كبرى (مأرب ـ صنعاء) باعتبارها جبهة الحرب الأكبر والأعظم التي تستزف معظم قواته؟! 
كانت حصيلة معارك الطور الأول للعدوان خلال السنوات الأولى الممتدة بين العام 2015 والعام 2017، أي ثلاث سنوات من التقدم العدواني الموضعي، كانت ذروته معارك الحديدة والساحل الغربي ونهم وميدي والجوف والفرضة ويام ومؤامرة الانقلاب الخياني من الداخل وهزيمتها نهاية العام 2017، وكانت تلك السنوات هي سنوات الجمر، سنوات الهجوم العدواني الاستراتيجي، وقد وصل الهجوم العدواني إلى أقصى ذروته وقوته وتأثيره الميداني الجبهي العام، وخلالها أنجز أهم مشروعاته الحربية المتقدمة وحصاراته الشاملة والإرهابية والترويعية، ونجاحاته الكبيرة التي أنجزها تكتيكيا على الأرض، فقد سيطر على مساحات هائلة منها وحشد أكثر من مليون مرتزق وعدداً من الجند يفوق ما حشدته أمريكا على فيتنام والعراق وأفغانستان، وما حشدته في الحرب العالمية الثانية على الجبهة الأوروبية، كما أن الطائرات الحربية المقاتلة المستخدمة ضد اليمن الحر زادت عن 2000 طائرة وعدد من الأساطيل والمدمرات البحرية وحاملات الطائرات الأسطورية الحاملة للجيوش الأمريكية، وكل واحدة منها هي جيش متكامل من مشاة البحرية والمارينز والغواصات والصواريخ والدبابات والمدرعات والعربات والرشاشات وغيرها، وتحمل كل منها 50 طائرة حربية و10 آلاف مقاتل وآلاف المدافع والدبابات البرمائية والبرية.
ومجموع الحاملات المتحركة في البحر على السواحل اليمنية وجزرها وممراتها وبحارها يكون جيوشا متحركة جاهزة للإنزال لإكمال احتلال بقية الأراضي والمراكز اليمنية، إلى جانب أساطيل حربية لعدد من الدول الإقليمية العميلة للأمريكي في المنطقة، أهمها "إسرائيل" ومصر والسعودية والإمارات والأردن والسودان وتركيا و"داعش" و"القاعدة" والسلفيون والانفصاليون والانتقاليون، من كل جنس ولون، كلها تجمعت على سواحلنا بهدف اجتياح السواحل والمراكز اليمنية الوطنية، ومازالت تنتظر أن تسنح لها فرصة جديدة بعد أن أضاعت عشرات الفرص نتيجة إخفاقاتها وانكساراتها المتوالية بحرا وأرضا وجوا، وكانت هناك أكثر من 200 قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة المركزية والوسطى تضم مئات الطائرات الحربية التي وظفت ضدنا وفوق بلادنا بما فيها من جحيم، وقد استخدموا كل تلك الإمكانيات الكونية والقدرات القارية للاستعمار وعملائه ووكلائه الإقليميين والخليجيين.
وقد انهار كل ذلك وأخفق وفشل وهُزم ومُنع من التقدم شبرا واحدا عما كان يسيطر عليه منذ بداية العدوان، وخلال خيانة عفاش ومؤامراته وخيانات قواته على الساحل الغربي وحول الحديدة والمخا وذباب وعدن والجنوب وتعز والضالع وغيرها.

تحشيد وترويع هائل للعدوان
وبلغت أعداد الصواريخ الجوية التي ضربت علينا وعلى قرانا ومدننا ومدارسنا ومشافينا وأحيائنا السكنية ومصانعنا ومساجدنا وطرقنا، حسب نشراتهم هم الغربيين والأمريكيين أنفسهم وإعلامهم أكثر من مليوني صاروخ (أرض جو)، وإذا أضفنا هذا إلى حوالى ثلاثة ملايين قذيفة (قنابل وصواريخ متنوعة أخرى) يرتفع عدد الصواريخ المتنوعة التي نزلت فوق رؤوس شعبنا وقراه ومدنه ومعامله وحقوله وطرقه ومشافيه ومدارسه إلى خمسة ملايين صاروخ وقذيفة صاروخية.
ونتيجة خسارته معارك الجبهة الرئيسية المركزية (مأرب، نهم، الجوف) فقد خلالها نسبة كبيرة من القوات والمعدات لم يتمكن من تعويضها مركزيا، فقد كانت قيادته المركزية هي الأخرى في أزمة شاملة استراتيجية ومالية وعسكرية على حدودها بالذات، وأدت هزائمه في الساحل الغربي والحديدة إلى فرار الإمارات ومرتزقتها من الميدان ليوقع هدنة ستوكهولم الشهيرة نهاية العام 2018 بعد انكساراته وهزائمه المتوالية.
وفي معارك عامي 2018 و2019 نكون في الطور الثاني من العدوان والحرب، وهو الطور الانتقالي الذي أبرز سماته أنه شهد بداية تبدلات في ميزان القوى بين الطرفين، وانتقالات ناتجة عن تغير النتائج الحربية على الأرض وفي الميادين.
أما المعارك التي دارت بعد ذلك بين عامي 2020 و2021، فقد دارت في طور جديد أو مهدت له، لأنها نقلت الصراع إلى مرحلة جديدة هي ما نحن فيها الآن، وهو طور انتقالنا إلى الهجوم بشكل نهائي وانتقال العدو إلى طور التراجع بشكل نهائي، فقد أدت المعارك السابقة طوال السنوات السبع الماضية إلى انهيار القدرات العدوانية الحربية والمعنوية والمادية والبشرية والفكرية والاستراتيجية، بينما نقلت الجيش واللجان الشعبية إلى أوضاع جديدة تطورت فيها قدراته وانتصاراته من انتصارات بسيطة محدودة إلى انتصارات كبيرة وذات طبيعة استراتيجية.
كانت تلك المعطيات هي بداية مؤشرات الدخول في الطور الثالث من الحرب والعدوان، وأصبحت السعودية وحدها في الحرب العدوانية بعدما انهارت مساعدات الإمارات وقواتها ومرتزقتها في الساحل الغربي، وبقيت السعودية في ميدان الحرب (الشمالي) منذ عامين تقريبا، بينما انعزلت الإمارات في سواحل الجنوب المحتل تنتظر انتهاء المعارك لتخرج بحصتها من الغنائم لقاء دورها الاحتلالي التقسيمي. وهنا بدأت تتبدل النتائج، بعد أن قاتلنا على جبهتين متباعدتين متضاعفتين إمكانيات دولتين تقف خلفهما الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جبهة واحدة على مسرح إقليمي واحد.
فانكسار الإمارات في الساحل رغم ألويتها الحربية الثلاثين والآلاف من مدرعاتها الأحدث في العالم ومرتزقتها، فقد دمرت وأحرقت آلاف المدرعات واحترقت وهلك عشرات الآلاف من المرتزقة المحاربين بالأجرة المستوردين من كل بلاد وملة، وتكبدت خسائر هائلة في أموالها وبترولها وجيوشها ومعنوياتها وفي أمنها الداخلي والقومي والإقليمي جراء عدوانها على اليمن، والنتائج التي جنتها مبنية على أوهامها والخيال والغرور والإسراف والترف والنكران والجنون.

الطور الثالث من الحرب العدوانية
كما ذكرنا سابقا يبتدئ الطور الثالث والأخير من الحرب العدوانية الجارية منذ نهاية العام 2019 وبداية العام 2020 الواضح الملامح. محصلة هذين العامين نقلت العدوان من الهجوم إلى الدفاع بصورة نهائية واتضحت بشكل كامل خلال معارك العام الجاري 2021. في هذين العامين حققت قوات الجيش واللجان أهم إنجازاتها التي جاءت على شكل معارك كبرى كسبتها بوضوح ضد العدوان مهدت لما بعدها، وكانت الأولى معارك الساحل الغربي والحديدة، والثانية معارك كتاف وادي جبارة صعدة، والثالثة كانت معارك نجران وعسير وجيزان وحيران حجة، وإخماد فتنة حجور الشام ودحر القوات السعودية ومرتزقتها عن المناطق الحدودية التي توغلت فيها قبل ذلك في عسير ونجران وجيزان، وقبلها تم إخماد فتنة عفاش نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2017..

كانت معارك الطور الثالث الانتصارية قد تمت في إطار برامج التحول من الدفاع إلى الهجوم تدريجيا، وأصبحت قوات الجيش واللجان قادرة على الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب التحررية الوطنية.
وكانت هذه مفارقة استراتيجية كبرى في مفاهيم الحرب تحققها قوات الجيش واللجان، المحاصرة من كل الجهات، اعتمادا على قدراتها الذاتية وصمود شعبها الصابر الحر. وسوف يظل الفكر العسكري حائرا كيف استطاع جيش محاصر بصورة كاملة ومعزولا عن العالم الخارجي وعن أصدقائه وحلفائه أن يحقق كل تلك المعجزات والانتصارات. ويكمن ذلك في الطبيعة اليمانية الشجاعة الصلبة، وفي قيادتها التي استطاعت أن تكسر كل حلقات وسلاسل الحصار الشرس ومعها رعاية الله وتوفيقه.

استراتيجيات الحرب الوطنية الجديدة في مواصلة المعركة التحريرية الكبرى
اتسمت معارك الجيش واللجان الشعبية في مأرب منذ خوضها مطلع العام الماضي بالمرونة والتجديد والإبداع في مواجهة التحديات المستمرة التي تمثلت في القدرات العدوانية البرية والجوية والتقنيات الحديثة ومشاركة القدرات الغربية الأحدث في إدارة المعارك العدوانية وخوضها، وكان الجيش واللجان يواجهون تحديات ومعوقات شاقة جدا جعلتها طبيعة الأرض المفتوحة الصحراوية أشد صعوبة. ويجب الاعتراف بأن معارك مأرب الكبرى منذ نهم العاصمة كانت ومازالت أشد المعارك وأكثرها صعوبة. ومشقة واستنزافا للطرفين طوال السبع السنوات، فالساحات الواسعة المفتوحة أمام العدوان جعلت إمكانية تحشيد الكثير من القوات والقدرات أمراً ممكناً ومطلوباً، وتوفر إمكانية الحركة والمناورات أمام العدوان، وصعبت أمام قوات الجيش واللجان إمكانية التقدم وجعلتها مكشوفة أمام الطيران المعادي طول الوقت، مما يحد من استمرار التقدم عبر هذا المحور الأوسط الرئيسي كثير التكلفة، ولذلك راجعت القيادة اليمنية خططها ومشروعاتها السابقة وفقا لنتائج سير المعارك خلال العامين الماضيين ودروسها الاستراتيجية والتكتيكية، وأنتجت الكثير من الفكر الاستراتيجي والحربي، ولذلك توصلت إلى أن التكتيكات المناسبة في ظروف مأرب الراهنة هي اتباع نظرية التقدم غير المباشر نحو الأهداف، وبدلا من استمرار التركيز على التقدم المباشر وتركيز القوات على المحور الرئيسي وحده وبصورة كبيرة نسبيا يجب الانتقال إلى تكتيكات المناورات الجانبية والالتفافات من الأطراف وعبرها وإحاطة العدو من جميع جهاته، مما يجبر العدو على تشتيت قواته ثانية على جميع الاتجاهات في وقت واحد وإضعاف تركيزه الجبهي وصلابة دفاعاته، مما يتيح للجيش واللجان الاستفادة من الضعف الناشئ في إحداث اختراقات متفرقة وعديدة على جدرانه الدفاعية الواسعة الامتداد على شبكة كبيرة من المواضع والمعسكرات والقوات العديدة المتفرقة التي لا تربطها امتدادات متينة فيما بينها، نتيجة لاتساعها المكاني، مما يتيح للقوات اليمنية وقيادتها أن تختار في كل وقت الاتجاه الذي تخترق منه صفوف العدوان والتسرب إلى مؤخراته وجوانبه وتطويقها وقطع إمداداته وعزله عن بقية محاوره وجبهاته، في ظل احتفاظها الدائم بالمبادرة الهجومية والسرية وتأمين أعمالها ومشاريعها ومرونة تحركاتها والحفاظ على الاحتياطات الاستراتيجية والتعبوية والعملياتية وتنميتها باستمرار وزيادة فاعليتها، وربط التحركات الحربية الساخنة بالتحركات الاستراتيجية الباردة القائمة على الاتصال بالقبائل والجماهير الواقعة تحت الاحتلال وإشراكها في المعارك وكسب ثقتها، وعرض المبادرات السلمية التي تضمن تجنيب مأرب المزيد من الدماء والاستنزاف، ورفع مستوى الوعي الوطني بين الشعب في المناطق المستهدفة بالتحرير والإنقاذ في مواجهة مشاريع واستراتيجية العدوان ومناوراته ومؤامراته ودعاياته وأيديولوجيته المضللة وكشف خداعه وأكاذيبه وأهدافه الحقيقية التي يعمل لأجلها بعيدا عن دعايته وتضليله حول الشرعية الزائفة والمساعدة الإنسانية المزورة.

استراتيجية التطويق والالتفاف
لقد مر قرابة العامين على معارك مأرب وحولها التي انطلقت من نهم العاصمة واتسعت بعد ذلك تدريجيا بدون توقف ولا انقطاع رغم البطء في حركتها وتكرارها نتيجة المقاومة العدوانية المستميتة. ويمكن أن نقسم معارك مأرب إلى مجموعة من الأطوار والمراحل تشمل معارك العامين الماضيين وحملاتها الشهيرة التي اتسعت مساحتها وجغرافيتها الميدانية حتى وصلت إلى ميادين محافظات أخرى غير مأرب، وهي محافظات مجاورة ومحورية من الجوف إلى البيضاء إلى شبوة إلى أبين إلى لحج إلى رداع والضالع، اشتركت في معركة مأرب الكبرى ومازالت، وهي تشمل الدائرة الأولى من مركز المسرح الحربي الشمالي. وكانت المعارك تشمل ستين جبهة في السابق وتشمل المحافظات المحتلة جميعها وتشمل الحدود والمناطق الحدودية مع السعودية والمحتلة، وهي الآن تنكمش لتتركز على دائرة محددة من مأرب والمحافظات الرديفة لها.
لقد نقل العدوان مركز ثقل القوة من المدينة إلى مديريات المحافظة والمحافظات المحيطة بها، حيث أعد كل المديريات المحيطة بها للحرب والدفاع عنها. ونتيجة لذلك فإن المعركة الميدانية لم تعد تتركز في المركز فقط، بل توزعت على المديريات والمحافظات المحيطة بها والمحافظات الأبعد من الدائرة الأولى، حيث تتجمع احتياطات العدوان الجديدة في سيئون حضرموت والمكلا والحدود الشرقية الشمالية مع السعودية والجنوب المحتل، وهكذا انتقلت المعارك إلى أطراف المحافظة وإلى مديرياتها وأطراف المحافظات المجاورة.

تراجعات دائمة وانهيارات
لم يكسب العدوان حتى الآن معركة واحدة أو هجوماً واحداً منذ انطلاق المعارك الكبرى منذ عامين وأكثر، فقد قضى أربع سنوات متواصلة من 2016 إلى 2019 وهو في زحوف منكسرة يومية استنزفته أكثر مما استنزفت الجانب اليمني الملتزم باستراتيجية دفاعية واقعية تقوم على الكر والفر والصبر الاستراتيجي والالتفافات والمناورات والحركية والهجمات الجانبية على العدو ومباغتته ورفع تكاليف احتلاله للأرض اليمانية المقدسة.
فقد كانت المرحلة الأولى من الهجوم اليمني الكبير، وهي الأساسية التي بدأت بتحرير نهم الجوف ومفرق الجوف ثم تحرير الجوف ومراكزه الأساسية نهاية العام 2020، ثم الطور التالي كان منذ تحرير الجوف وإلى أن وصل الجيش واللجان إلى تحرير عدد من المناطق والمديريات الغربية من مأرب والتي تواصلت لعدة أشهر من هذا العام، ومنها ماس ورغوان ومجزر والجدعان وكوفل، وشارف على الزور وسد مأرب والطلعة الحمراء والكسارة والبلق القبلي والأوسط والمشجح من الغرب، وتحرير العلم الأبيض والأسود وملبودة من الشمال الغربي... وكان التقدم يأخذ شكل منحنى من الشمال الغربي وإلى الغرب ونحو مأرب في إطار جبهة ضيقة نسبيا يواجهها العدوان بالعديد من الإجراءات والترتيبات الحربية التي أعد لها سلفا بشكل كثيف وجيد أعاقت تقدم قوات الجيش واللجان بالسرعة المطلوبة، فأبطأت المعارك كثيرا ومكنت العدو وطيرانه من التركيز على المحاور المتقاربة المكشوفة والمتوقعة، مع ثبات المواقع والخطوط التي وصلت إليها منذ أشهر عديدة في هذه المرحلة، والسبب يعود إلى أن العدو قد أغرق المنطقة المفتوحة بالألغام والمتفجرات والقوات الحربية التي تشكل مركز قوات العدوان وزبدة قدراته المتجحفلة، وقد وصلت قوات الجيش واللجان إلى مناطق لا تبعد عن المدينة سوى أميال معدودة فقط، كما تمترس العدو خلف النازحين في مخيماتهم المتركزة أمام أسوار المدينة الغربية والشمالية بأعداد كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف، ووضعهم العدو بهدف استغلالهم لمنع الجيش واللجان من التقدم، واستغلال النازحين كمتارس يرمون من خلفها، حيث أقاموا شبكة من الكمائن والمتارس والخنادق والأنفاق لإطالة أمد الحرب والاستنزاف وإطالة مأساة الشعب اليمني.
 
الاختراق الاستراتيجي اليمني الكبير
تمثل الاختراق الاستراتيجي اليمني في الاستعداد الشامل لملاقاة هجومات العدوان الالتفافية التطويقية القادمة من الجنوب والشمال الشرقي للعاصمة صنعاء ومحيطها عبر البيضاء ومأرب وشبوة وأبين ولحج ونجران وجنوب وشرق الجوف، وقد استعدت قوات الجيش واللجان استعدادا كافيا وأعدت للأمر عدته، وكانت تعلم بحقائق خطط العدوان وتحركاته ونواياه جيدا وتستعد لإفشالها وإحباطها وهي في مهدها، وقد نجحت نجاحات باهرة أربكت العدوان وأذهلته وأفقدته صوابه وتوازنه وحكمت بفشله وإخفاقاته وهزائمه سلفا وميدانيا وتحولت الدائرة عليه بعد أن كان يتوهم أنها له.

كان العدوان قد أعد جيدا لخطة اجتياح البيضاء منذ وقت طويل وباكر، واعتبرها مركزاً هاماً محورياً من مراكز العدوان التي يجب السيطرة عليها للوصول إلى العاصمة صنعاء من الجنوب الشرقي، وإطلاق هجوم جانبي كبير منذ مدة طويلة، وكانت تحركات الإمارات المدرعة وفتن الشيخ العواضي ومناورات عفاش، والنشاط الارهابي لـ"القاعدة" و"داعش" والدعم الأمريكي المباشر بالأسلحة والمعدات والقدرات، كلها كانت تمهد للاجتياح المنتظر، وكلها تصب في مخطط اجتياح المحافظة، ولكن خاب فألهم وأخفق مرادهم مجدداً.

البيضاء.. صيف ساخن ملتهب
كان العدو يضمر ويستعد لشن هجوم التفافي كبير عبر "شبوة، أبين، لحج، البيضاء" لاحتلالها للتعويض عما فقده من أراض جديدة في مأرب والجوف وصنعاء وغيرها، مستندا إلى النقاط الارتكازية الإرهابية التي أقامها منذ سنوات سابقة.
في آب/ أغسطس الماضي دفع العدو بكتلة كبيرة من قواته المتمركزة في شبوة وأبين ولحج وشرق مأرب وشرق الجوف، وقد دفع بعدد كبير من الألوية العسكرية المنتخبة والممتازة؛ منها ألوية محور "شبوة ـ بيحان"، وعددها أكثر من خمسة ألوية، وبألوية العمالقة وعددها أكثر من ثلاثة ألوية سحبت من الساحل الغربي، ومرتزقة قبلية ومليشيات سلفية وإخوانية وعفاشية و"قاعدة" و"داعش" وسواها، وكانت مديريات ردمان والصومعة والزاهر ونعمان ومسور وثرة والحميقاني والعواضي وقيفة والخنجر ويكلا هي الميدان الذي أدار عليها العدوان هجومه الجديد المضاد لتقدم الجيش واللجان في مأرب والجوف وأبين وشبوة.
وبداية بادرت قوات الجيش واللجان إلى شن هجمات تطهيرية مسبقة على مراكز "القاعدة" و"داعش" الداخلية في قلب المناطق التي كانت تتمركز فيها في قلب محافظة البيضاء، وقد فاجأت قوات الجيش واللجان العدوان بسرعة حسمها المعارك مع العصابات التكفيرية المتوغلة التي كانت تنتظر الهجوم الكبير للعدوان على البيضاء، وقد دارت معارك كبيرة وحاسمة وسريعة عطلت على العدو أهدافه ومخططاته من شن الهجوم وفتح جبهة كبيرة على جنباتها الجنوبية الغربية، وخلال أسبوعين تقريبا كانت البيضاء قد تم تنظيفها من العدوان تماما والتحول من الدفاع إلى الهجوم ومطاردة العدوان وفصائله وتأمين الحدود اليمنية المحررة جنوبا التي كانت قد انتهكت منذ فترة.

الهجوم المضاد على جبهات البيضاء ـ مأرب ـ شبوة
كانت معارك البيضاء الماضية قد أرادها العدوان أن تكون مفتاحاً لتطويق الجيش اليمني من الجنوب بعد أن اعتقد واهما أنه قد دفع إلى مأرب بكل احتياطاته الحربية، وبالتالي سيضطر إلى نقل بعضها من مأرب فيخف حمل وثقل الهجوم اليمني عليه في هذه الجبهة ويتمكن من قطع طريق البيضاء ـ صنعاء، والتقدم التفافيا عبره إلى مؤخرة قوات الجيش واللجان في العاصمة صنعاء وعزلها عن بقية المحافظات المجاورة وتشديد الحصار الميداني عليها من جميع الجهات، فلم يدرك بعد العدو مدى قوة الاحتياطات الوطنية الاستراتيجية اليمنية وقدراتها الحقيقية على الصمود والنهوض والانطلاق والانتصارات في كل الظروف. وقد صاحب الهجوم العدواني من الجنوب هجوم مرادف من الجوف باتجاه صنعاء من الشمال الشرقي، كان قد سبقه هجوم استباقي يمني التفافي عبر معارك النضود والعلم الأبيض والأسود ودش الخشب ووادي نخلا من الشال الغربي جعل الطريق الرئيسي الشمالي لمأرب يتعرض للخطر.

ربيع النصر.. الهجوم اليمني العميق
تطور الهجوم اليمني المضاد عبر البيضاء بعد أن تم تحرير مديرياتها وانهار الهجوم العدواني وتحطم وفر ما بقي من قواته جنوبا وشرقا باتجاه محافظة شبوة عبر بيحان وجنوب مأرب نحو العبدية وحريب وعين. وخلال الأسبوع الأول من هذا الهجوم فاجأت قوات الجيش واللجان العدوان بالتوغل داخل المديريات التي كانت تحت سيطرته حتى هجومه الأخير على البيضاء في مطاردة تاريخية مفاجئة، حيث استغلت قوات الجيش واللجان انهيار وهجوم العدوان وتراجعه وعدم صموده في الميدان كشف عما يكابده من ضعف وتضعضع وانهيارات وخسائر، فقررت القيادة تطوير الهجوم واستغلال هزيمة العدوان الميدانية وعدم استعداده لمواجهة هجوم خاطف وسريع خلفه قبل أن يجمع أنفاسه ويعيد تنظيم صفوفه من جديد، فقد بادرت بالمطاردة الهجومية داخل المناطق التي كانت تحت سيطرته قبل الهجوم العدواني، وهنا كانت مصيبته الكبرى التي كابدها لأول مرة وبهذه السرعة والحسم من جانب قوات الجيش واللجان المتقدمة.
وبعد أن لمست قوات الجيش واللجان صرخات مدوية تأتيها من قبل أبناء الشعب في تلك المناطق يستنجدون بها لتنقذهم من ربقة الاحتلال والاستبداد ولتعيدهم إلى دولة الوطن الموحد وسلطته الحرة فلم تتأخر ومستعينة بدعم ومساعدة الأحرار في تلك المناطق الذين هبوا يقاتلون مع قوات الجيش واللجان ما إن وطأت أقدامها أراضيهم ومناطقهم في بيحان وعين وعسيلان ومرخة العليا ومرخة السفلى وخورة والنقوب والعليا ووديانها وقراها حتى انتفضت الأرض انتفاضا ضد الغزاة وعملائهم ومرتزقتهم وتم تحرير تلك المناطق بسرعة غير متوقعة وبتكاليف قليلة دخل الأبطال المحررون مناطق بيحان وعين وعسيلان وغيرها في ظل احتفالات وترحيبات المواطنين ورقصاتهم وزواملهم البهيجة.
وكان هذ النصر البهيج في مناطق شبوة وبيحان وخورة مثالاً لما يتنظر المناطق الباقية تحت الاحتلال. وقد حققت العملية أهدافها المرحلية في المرحلة الأولى من العملية عندما وصلت إلى مشارف عتق ونصاب وإلى الصفراء وجبال السليم الفاصل بين بيحان والصعيد والعوالق العليا.
وقد تمكنت قوات الجيش واللجان من دحر خمسة ألوية على محور بيحان وحدها والتي ولت هاربة نحو شبوة وعتق. وبعد أيام حاول العدوان أن يجمع قواته المتهاوية وأن يشن هجوما لاستعادة جبال السليم ومنطقة الصفراء وأن يستعيد السيطرة على آبار النفط في وادي جنة وعسيلان، ولكن هجومه فشل وانكسر ودُحر مجددا نحو عتق جنوبا.
لم يكن العدوان يدرك توجهات قوات الجيش واللجان بعد، وهل سوف تواصل التقدم جنوبا وتركه لمواصلة معارك مأرب حاليا، لكنها خيبت رجاءه مرة أخرى حين فاجأته بهجوم جديد شنته من جنوب حريب بيحان نحو المناطق والمديريات الجنوبية لمأرب والعودة لمعارك مأرب الكبرى، وانتقلت قوات الجيش واللجان إلى الاستعداد مباشرة للفصل الثاني من عملية "ربيع النصر" جنوب مأرب التي كانت تتضمن تحرير مساحات جديدة جنوب مأرب في حريب والعبدية والجوبة وجبل مراد والسيطرة على المناطق والمديريات الواقعة جنوب مأرب وتشكل في السابق حزامها الدفاعي الأخير من الجهة الجنوبية.

كسر مركز ثقل العدوان
كان مركز ثقل العدوان البري يتركز على المحور الأوسط لمأرب، ولذلك فقد وزع أغلب قواته على المحور الأوسط لمأرب مقدرا موقف قوات الجيش واللجان وخططها وخياراتها بشكل خاطئ جدا، فقد كان يتوقع أن تشن الهجوم الكبير من الغرب الأوسط وشماله وجنوبه بشكل متزامن، فحشد على هذه المحاور أغلب قواته، وكانت تكتيكات قوات الجيش واللجان خلال العامين المنصرمين تؤكد وتؤشر إلى هذا التصور لدى العدو وقياداته، وهو ما يتطابق مع التصورات الكلاسيكية للجيوش النظامية وحروبها، لكن استراتيجيات قوات الجيش واللجان قائمة على المفاجآت والمبادرات الحربية الجديدة الإبداع وغير المتوقعة، فقد خططت قوات الجيش واللجان لتحويل الهجوم المعادي المرتقب إلى جسر لشن الهجوم المضاد والتوغل خلفه لتحرير المناطق الجنوبية لقطع طريق الإمدادات الجنوبية على مأرب وإطباق الحصار عليها من الجنوب بعد إطباقه من الغرب والشمال الغربي والتقرب نحو المدينة عبر المناطق المحررة الجديدة التي لم تكن بعد ميدانا وساحة للقتال والمواجهات بحكم موقعها الجغرافي الواقع خلف مأرب المدينة من الجنوب والشرق، وكانت تخدم مأرب لوجستيا وإمداديا وتحشيديا ومخازن ومخزونا بشريا للقتال وتحمي خطوط المواصلات القادمة من الجنوب ومناطق تشكل احتياطيا استراتيجيا تمكن العدو من الالتفافات على جنبات قوات الجيش واللجان والعاصمة صنعاء.

رأت قوات الجيش واللجان أن تبادر إلى السيطرة على المناطق الجنوبية من مأرب دون توقع، فكانت المفاجآت الخاطفة إذ اعتقد العدو أن قوات الجيش واللجان تتجه نحو شبوة جنوبا، لكنها التفت مجددا بعد بيحان ووجهت ضرباتها نحو مديريات حريب والعبدية وجبل مراد والجوبة جنوب مأرب في أكبر عملية اختراق للعدو ومناطقه الخلفية وتحريرها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز أسابيع معدودة، وهي التي كانت تبدو حصينة منيعة لا يمكن اختراقها إلا بمعجزات.
وكانت النتيجة الاستراتيجية الأهم لهذه المناورة الكبرى هي أنها حيدت معظم قوات العدوان التي حشدها في اتجاه الغرب منتظرا تقدم قوات الجيش واللجان عبره، لكن قوات الجيش واللجان جاءت من الجنوب حيث دفاعات العدو أقل قوة واستعدادا وتوقعا بعد أن استنزف قواته الاحتياطية في الهجومات الفاشلة على البيضاء بعد أن كانت متمركزة في المديريات الجنوبية لمأرب وفي عمقها انتظارا لتقدم قوات الجيش واللجان من الغرب فتحيط بها من الجنوب الغربي، وكانت الميزة اليمنية في هذه المعارك الخاطفة هي استغلال قوات الجيش واللجان وقيادتها لحالة العدو الانهزامية وانهيارات معنوياته وخسائره المدوية في الميادين خاصة في البيضاء وعلى غير توقع.

النتائج الاستراتيجية لعمليات الجيش واللجان الهجومية جنوب مأرب وشبوة والبيضاء
لا يدرك العدوان الطريقة الدياليكتيكية العميقة التي تدير بها قوات الجيش واللجان وقيادتها الحرب والمعارك، ولا يستطيع التنبؤ بحركتها سلفا على أي جبهة أو صعيد كفاحي أو قتالي ولا اتجاهات ونهايات أي عملية قتالية تشنها قوات الجيش واللجان ولا متى تختمها أو تبدؤها وإلى أين تتجه أو تؤدي، ولذلك يتجرع الضربات بالتوالي رغم كل ما لديه من قدرات وإمكانات، وهذا ما نسميه عامل الاحتفاظ بالمبادرة الهجومية دوما، وهو أهم شروط تحقيق الانتصارات في الميادين.

التسلح من العدو واستمرار انتقال القوة
إن الانتصارات المستمرة لقوات الجيش واللجان قليلة الأسلحة الفقيرة في المعدات والأموال والإمكانات تؤدي مباشرة إلى معالجة مشكلاتها الرئيسية التي تتمثل في التسليح والإمكانات المادية، وبالتالي فإن استمرار الانتصارات بشكل متوالٍ خلال حملة طويلة منذ عامين وأكثر وكلها مكللة بالنجاحات المستمرة والانتصارات الدائمة جعلت الكثير من وسائل القوة المادية والبشرية تنتقل فورا إلى صفوف قوات الجيش واللجان.
والقيادة الحكيمة جعلت ما كان يخطط ليكون وسيلة لسحق قوات الجيش واللجان بالحصار والاستنزاف المستمرين وحولته إلى وسيلة لسحق العدوان نفسه وبوسائله وأدواته ومرتزقته، وهنا يتجلى مقدار العبقرية الحربية التي تتمتع بها القيادة وقدرتها الفائقة على تحويل الظروف السلبية إلى شروط للنهضة الوطنية والثورية وتوسيع قاعدة الصمود الوطني التحرري مع كل يوم جديد يمر على الوطن الحر المكافح، فالمفاجآت الحربية قد نزلت كالصواعق الحارقة على رؤوس العدوان وهو في مرابضه، فلم يحصل على الوقت الكافي لإعادة توازناته وإعادة رسم خططه وتعديلاته وتنظيماته الحربية، فالمناورات العظيمة لا يحسنها إلا القادة العظماء، وكل قائد عظيم يحلم دوما بأن يخترق عدوه ويصل إلى خلفية مؤخراته ويحاصره ويتمون من مخازن عدوه ويستغل طاقاته المهدرة المغتنمة، وهي مناورة تحظى بتقدير كل الأطراف ولو كان العدو، لأنها تنتمي إلى العبقرية الخالصة التي يتمنى تقليدها وتعلمها كل قائد نبيه ونبيل وشجاع أياً كانت توجهاته وانتماءاته وتستحق أن تتحول إلى دروس أكاديمية يتعلمها المحاربون الكبار.

معركة مأرب الآن إلى أين؟
المعركة الآن تدور حول مدينة مأرب وعلى بعد بضعة أميال من المجمع الحكومي وقلب المدينة ولا تبعد خطوط التماس بين القوى سوى خمسة أميال من الغرب، وهي أقرب جبهة إلى المدينة، وفيها دارت أهم وأوسع وأطول المعارك في هذ الحرب، وهي أهم المحاور وأكثرها خطرا وشدة، وقد ظلت قوات الجيش واللجان تعتبرها المحور الرئيسي لسنوات وشهور من الهجوم اليمني، وهي كذلك فعلا، وقد تركز فيها عدد من الألوية القتالية المجحفلة هي أهم ألوية العدوان وتحوي أغلب معداته وآلياته ومدافعه ومدرعاته، وفي هذ المحور ركز العدوان عمل وقصف طائراته الحربية خلال ما يقارب عام كامل وما يزال يكثف الغارات والضربات لمنع وإعاقة تقدم الجيش واللجان.
وكان العدو يستفيد من برودة بقية المحاور الحربية في الجنوب والشرق والشمال، ولذلك ركز كل جهده الحربي على المحور الغربي الأوسط خلال الأشهر الماضية ما قبل آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر الماضيين، وقد سمح له هذا بعرقلة مؤقتة لتقدم قوات الجيش واللجان نحو مأرب عبر هذا المحور الاستنزافي الكبير وبسبب طبيعته المكشوفة.
وكان العدو قد ملأ المناطق الفاصلة بينه وبين الجيش واللجان بالألغام والمعوقات، واعتمد لوجستيا على خطوط محاور الشرق والجنوب والشمال الشرقي، التي تصله إلى شبوة جنوبا وإلى حضرموت وإلى الوديعة، وبهذا الوضع كان العدو يتمتع بخطوط إمداد ثابتة غزيرة وفيرة تسمح له بإطالة أمد المدافعة وبزيادة تكاليفها وخسائرها على الطرفين، ولذلك كان لا بد من الالتفاف على العدو وتطويقه وقطع خطوط إمداداته ليجبر على الإقرار بالهزيمة والتسليم بها ومغادرة مأرب.
خلال الأشهر الأولى من هذا العام 2021 تركزت المعارك في غرب مأرب على النسق الثاني من المدينة وتواصلت معارك استنزاف طويلة على مشارف معسكر ماس ومجزر ورغوان والجدعان وعلى مشارف الخنجر في أطراف الجوف، واستمرت المعارك في التقدم البطيء نحو مأرب طوال العام الماضي كله.
كان العدوان قد خطط لاستنزاف قوات الجيش واللجان المتقدمة في أراض مكشوفة مفتوحة أمام الطيران المعادي الذي كان يسيطر على السماء فراح يركز ضرباته وغاراته على المناطق التي تتقدم وتتحرك فيها قوات الجيش واللجان، ولذلك نلاحظ أن العدو قد مارس تكتيكات نوعية جديدة لمواجهة هذ التقدم، بحيث اتبع أساليب تشكيلات صغيرة ومجاميع مسلحة بدلا عن التشكيلات السابقة القائمة على الألوية والكتائب والفرق، حتى لا يقع مجددا بين فكاك كماشات الجيش واللجان وتجنب مصيره في نهم وغيرها من المواجهات التي وقع فيها العدوان شر موقعة عندما كانت تشكيلاته الكبيرة والثقيلة ومعداته الضخمة في الجبال تجعله ثقيل الحركة وعصية عليه المناورة والحركة السريعة، حيث كانت التشكيلات الثقيلة تشده إلى مواضعه الثابتة شدا ثقيلا ولا تسمح له أن يتحرك ويناور كما تفعل قوات الجيش واللجان السريعة الحركة الخفيفة التسليح، وكان دوما يقع صيدا سهلا لقوات الجيش واللجان المهاجمة في المواجهات السابقة، وقد حاولت القيادة الأمريكية الجديدة للعمليات أن تعيد تنظيمه على أساس جديد ومرن يتناسب مع تكتيكات عدوه المتقدم الذي كان يحيد الطيران بعد أن يلتف التفافات مفاجئة ويلتحم به مباشرة في قتال قريب، التحامي من مسافة صفر، فلا يستطيع الطيران المعادي اقتناص قوات الجيش واللجان أثناء هجومها، ولذلك حاول العدو أن يتخفف من معداته الثقيلة خلال مواجهاته الجديدة بهدف منحه مجالا للحركة والتراجع السريع كلما أحاطت به قوات الجيش واللجان ومحاولاته استدراجها إلى كمائن ومصايد أعدت سلفا للإيقاع بها وتكبيدها خسائر كبيرة لعلها تؤجل تقدماتها، ولكن قوات الجيش واللجان كانت على حذر وروية وتتقدم ببطء لكي تتوثق من صلابة الأرض التي تطأها ومن سلامة دروبها ومساراتها وتأمينها، وكانت حركة الاستعلامات الشعبية والمخابرات العسكرية تعمل بنشاط وحيوية واطلاع عن كثب وتتابع بدقة المستجدات والتطورات والأحداث على جبهة العدو ونواياه وتتخذ الإجراءات بسرعة لإحباط مناوراته ومؤامراته وهي ما تزال في المهد وقبل أن تستفحل، ولذلك كان العدو يتأخر دوما في الاستراتيجية والتكتيك بأشواط بعيدة عن قوات الجيش واللجان، فهو لا يدرك ما الذي عليه عمله على وجه اليقين إلا بعد فوات الأوان، وهذا يعود إلى طبيعته وطبيعة قياداته الأجنبية والارتزاقية وإلى مستواه الثقافي المتغرب وبلادته العلمية والأكاديمية.

ألغام العدوان تخدع العدوان
اعتقد العدو خادعا نفسه أنه يخدع قوات الجيش واللجان ويوقعها في مصائده، حتى صدّق خدعته واستمر يراكم القوى على المحور الغربي الأوسط وزرعه بالألغام في كل المنطقة الفاصلة بينه وبين قوات الجيش واللجان، وبكميات كبيرة تجعلها تقع لا محالة في وسائط الموت والقتل إذا ما شنت هجومها الكبير من هناك، حيث غطى العدو المنطقة بالألغام وإحداثيات قصف الطائرات. ولكن قوات الجيش واللجان واصلت تقدمها في المناطق المحيطة بالمدينة من المحور الغربي وتحرير المديريات الأهم على الطريق.
وخلال العامين الماضي والجاري كانت قوات الجيش واللجان تتقدم وإن ببطء. وهذا البطء في التقدم هو نتيجة لتراكم كميات من الألغام والكمائن التي زرعها العدو قبل أن يتراجع إلى محيط مأرب المدينة. وقد استغرق هذا التقدم الأشهر الأخيرة من العام الماضي والأولى من العام الحالي، وكان أمام قوات الجيش واللجان مهام جانبية ضرورية أخرى لتضمن رسوخها في المعارك الكبرى التي تنتظرها، أهمها معارك الحدود التي حشدت السعودية الكثير من القوات لمحاولات تحقيق اختراقات من الجوانب والأطراف لاستنزاف وإشغال قوات الجيش واللجان واحتياطاتها. وقد واصلت قوات الجيش واللجان صد هجمات العدوان على الحدود وتحولت بعدها إلى الهجوم لتطهير المناطق التي كان العدو قد سيطر عليها خلال السنوات السابقة في عسير ونجران وجيزان، بل إنها توغلت كثيرا في أعماق المناطق الحدودية على الجانب الآخر، فأصبحت على مشارف المدن الكبرى نجران وجيزان وظهران الجنوب والربوعة والخوبة وحيران وغيرها.

العدوان ينسحب من الجبهات الأخرى لتعويض خسائره
كان العدو يسحب الكثير من قواته في الجبهات الفرعية الأخرى خارج مأرب ليركزها على محيط جبهات مأرب بعد أن يمنى بالهزائم والانكسارات والخسائر في جبهة مأرب الكبرى، وخاصة بعد نهم ومعاركها الفاصلة. وأدى هذا إلى انكماش وتراجع قوة ضغط العدوان العسكري وتحول التركيز إلى الجبهة الرئيسية حول صنعاء ـ مأرب ـ الجوف.
هكذا أضحت مأرب ومحيطها قلعة حصينة متجحفلة من القوات. وقد راودت العدوان أوهام وأمنيات كثيرة بأن يتم هزم قوات الجيش واللجان خلال الهجوم المتقدم من جانبه بعد أن خسر أمامه خلال معارك نهم والجوف. وخلال النصف الأول من العام الحالي تمكنت قوات الجيش واللجان من اجتياز خط الدفاع الثاني الذي أقامه العدو أمام ماس والجدعان والمشجح ومجز ورغوان وصرواح والعلم الأبيض والأسود والنضود ودش الخشب ووادي يكلا، وقد واصلت تقدمها حتى وصلت بعد معارك ضارية استمرت عدة أشهر إلى مشارف مدينة مأرب من الغرب والشمال الغربي والجنوب الغربي عند كوفل وهيلان والزور وحتى مشارف سد مأرب الشهير في وادي ذنة وصرواح والطلعة الحمراء والبلق القبلي ومنطقة الكسارة وأشرفت على حمة المصارية والمجمع الحكومي لمأرب وصارت على بعد بضعة أميال من قلب المدينة.

تجنب اجتياح المدينة مسؤولية وطنية
جعل العدو المعركة تجاه مأرب للحفاظ عليها تحت سيطرته أطول مدة ممكنة، أو تكبيد قوات الجيش واللجان خسائر كبيرة وتوريطها بالقتال داخل أحياء المدينة بين السكان وإحداث أكبر قدر من الخسائر في أوساط الشعب، لوضع قوات الجيش واللجان في موقف سياسي وطني صعب، واستغلال ذلك في حملة مساومات جديدة لصالح قيادات المرتزقة والعدوان.
كان العدو قد راهن على الوضع الدفاعي الضخم الذي أقامه حول المدينة، وكان يتخيل أن الخيار الوحيد أمام قوات الجيش واللجان هو الهجوم الاختراقي المباشر من الغرب كمحور رئيسي نحو المدينة، أما بقية المحاور فكانت هادئة نسبيا، لكن العدو كشف مدى ضيق تفكيره وجهله الاستراتيجي عندما فجر جبهات البيضاء في آب/ أغسطس الماضي مستعيناً باحتياطاته الإرهابية المتوغلة خلف خطوط قوات الجيش واللجان منذ سنوات سابقة، فأيقظها للعمل عبر هجومات كبيرة استهدفت إسقاط محافظة البيضاء ومحاصرة العاصمة من جنوبها واختراقها من أطرافها الجنوبية الشرقية، ولكن المعارك لم تسر كما يطيب للعدوان ومرتزقته، فقد سارت وفقا لمخطط قوات الجيش واللجان واستراتيجياتها.
خلال الأسبوع الماضي والذي قبله كانت قوات الجيش واللجان قد بلغت أقصى شمال الجوبة المتاخم لمدينة مأرب من الجنوب والشرق. وبعد السيطرة على معسكر أم الريش تكون قوات الجيش واللجان قد أكملت حصار مأرب من الجنوب والغرب بعد أن التقت جبهتا الغرب صرواح والجنوب الجوبة وشكلتا جبهة مشتركة موحدة هدفها التقدم شمالا وشرقا وغربا في وقت واحد. كما شنت قوات الجيش واللجان هجومات باتجاه الرويك من الشمال الشرقي لتشرف على الطريق الرابط بين مأرب والوديعة وصافر من الشرق والشمال، مما يجعل إطباق الحصار على مأرب مسألة وقت فقط.
تم دحر العدو عن نقطة الفلج الجنوبية لمأرب المدينة، وتركزت المعارك أخيرا حول جبال البلق الشرقي، وقد ركز العدو دفاعاته القوية في مرتفعات الجبل الشرقي ليجعلها خط الدفاع الأخير عن المدينة، لأنها أهم الجبال المطلة على المدينة من شرقها وجنوبها حسب التقديرات الكلاسيكية المعروفة الموضوعية، أي أن العدو مازال يمارس أسلوب معارك المواقع الثابتة والحرب الموقعية الاستنزافية لقوات الجيش واللجان المتقدمة في منطقة مكشوفة واسعة الامتداد صحراوية يمكن الالتفاف عليها من الجوانب والخلف وقطع خط إمداداتها وإيقاع القوة المدافعة في الحصار، وهذه من أهم عيوب الحرب الموقعية الثابتة، ولذلك لا أمل كبير في تعويل العدو على هذا الصمود الموقعي الثابت، فنهايته معروفة سلفا، والحروب الحديثة أضحت حروب حركة ومرونة ومناورات وتقدمات عن بعد غير مباشرة وتحييد مراكز القوة بالالتفافات عليها، وهو ما تمارسه وتجيده قوات الجيش واللجان الآن في معاركها النوعية الجميلة الإخراج والتخطيط والتنفيذ والإدارة، لأن المساحات الواسعة الفاصلة لا يمكن تغطيتها بالقوات في كل شبر منها مهما كان عديدها، فدوما هناك نقاط ضعف يمكن اختراقها من جيش عالي المعنويات يواصل الهجوم الكبير بكل قواته الضخمة والمجربة والمدربة جيدا.
وأهم مظاهر انتقال قوات الجيش واللجان الشعبية ومرونتها وتوجهها إلى المناورات والالتفافات هي طريقة استقبالها لقوات العدوان المرسلة أخيرا من يومين من الوديعة لتعزيز صمود المرتزقة حول مأرب في البلق الشرقي، وكانت قد تحركت سرا عبر الصحراء الشرقية وحول البلق الشرقي الذي تدور حوله المعارك الآن.
والواقع أن البلق الشرقي كان قد ضربت قوات الجيش واللجان حوله الحصار دون إعلان، ولما تحركت قوات العدو نحوه فاجأتها صواريخ قوات الجيش واللجان من كل فج ومنعطف وكثيب لتمسحها مسحا في وقت قصير جدا، وأصابت مئات العناصر العدوانية القادمة لتفك الحصار عن البلق الشرقي، وهنا فهم الناس أنه قد أطبق عليه الحصار المرن، وكم كانت الهزيمة مُرة في حلوق الأمراء السعوديين المخابيل فراحوا بطائراتهم ينتقمون من المدنيين اليمنيين في العاصمة والمديريات المحيطة بمأرب بالمزيد من الصواريخ والقذائف والجحيم، ولكن هذا لن يفيدهم بشيء، بل هو على العكس يسرع في حسم المعارك وتشديد الحصار على العدوان في مأرب وحولها.