«لا» 21 السياسي -
ما بين كلمات جو بايدن القاسية بشأن السعودية خلال حملته الانتخابية عام 2019، وبين التقارير اليوم عن سعيه إلى ترتيب زيارة الرياض، سُفِك الكثير من الحبر والدم والنفط على أرضية الكرة الأمريكية، وعلى جدران الدور السفلي من العالم ومن شقوق الإعلام الوردي نبتت من جديد أشواك الخسة الأمريكية والذل السعودي.
الخميس 26 أيار/ مايو 2022 نشر موقع (Axios) الأمريكي تقريراً قال فيه إن بايدن يفكر في زيارة السعودية خلال جولته المقررة إلى الشرق الأوسط نهاية حزيران/ يونيو، وذلك نقلاً عن مصادر داخل الإدارة الأمريكية.
حالياً يقوم اثنان من كبار مستشاري بايدن بزيارة سرية إلى السعودية لإجراء محادثات حول ترتيب محتمل بين السعودية وكيان الاحتلال ومصر، واتفاق لزيادة إنتاج النفط والعلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، بحسب ما نقله تقرير الموقع الأمريكي عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين دون ذكر أسمائهم.
وقال هؤلاء المسؤولون إن التوصل إلى «تفاهمات» بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن القضايا المذكورة يمثل «أمراً جوهرياً» فيما يتعلق بإجراء تلك الزيارة.
وذكرت المصادر أن بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، وأموس هوتشستين، مستشار الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة، وصلا السعودية الثلاثاء 24 أيار/ مايو لعقد اجتماعات مع مسؤولين سعوديين كبار.
وأضاف موقع «أكسيوس» أن البيت الأبيض رفض التعليق على مسألة الزيارة، فيما قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إنه ليس هناك «سفر رسمي للإعلان عنه في هذا الوقت».
صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية ذكرت في تقرير لها أن زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، إلى واشنطن كمبعوث لأخيه الأكبر جاءت بمثابة تمهيد للقاء المنتظر.
وخلصت الصحيفة إلى توقع مفاده: «تناقض صارخ بين المبادئ الأمريكية المعلنة والسياسة المقبلة لبايدن». وتساءلت: «على مدى عقود لبّى الرؤساء الأمريكيون مطالب النظام السعودي بناء على فكرة مبالغ فيها حول أهمية المملكة الاستراتيجية، ولكن إلى متى؟!».
من جهتها نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية مقالا كتبه روب كريلي، كبير المراسلين السياسيين الأمريكيين للموقع، قال فيه إن هذه الأنباء هي أحدث مؤشر إلى تراجع الرئيس الأمريكي عن وعده بجعل السعودية «تدفع الثمن» بعد جريمة اغتيال الكاتب جمال خاشقجي.
وأشار المقال إلى أن «هذه الخطط تمثل شهوراً من المناورات الدبلوماسية، حيث يبحث بايدن عن علاقات أفضل مع أكبر مصدر للنفط الخام في العالم وسط أسعار الغاز المتذبذبة في الداخل الأمريكي».
نداف آيال، الكاتب الصهيوني، ذكر في مقال على صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «زيارة بايدن للمنطقة هدفها الرياض وليس تل أبيب، كون الزيارة ستساعد واشنطن على ابتلاع دواء مرير من خلال عقد لقاء محتمل بين بايدن وابن سلمان».
الراجح «إسرائيليا» -حسب آيال- أن السيناريو المتفائل من زيارة بايدن أن تكون متعاطفة ورمزية مع «إسرائيل»، ثم سيتفق مع السعوديين على زيادة إنتاج الطاقة مقابل حصولهم على التزام أمريكي متجدد بأمنهم، وفي الوقت نفسه يبدؤون التحرك علناً -وإن كان متواضعاً- نحو التطبيع مع «إسرائيل».
ظن الكثيرون أن كاهن البيت الأبيض كان قد قطع شعرة معاوية مع الرياض قبل أن تطأ قدماه البيت الأبيض رئيساً بايدن عندما كان لا يزال يسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ليترشح ضد دونالد ترامب، وكان قد تعهد بأن الولايات المتحدة سوف تلقن «الديكتاتوريين درساً من خلال معاقبة السعودية». وأضاف خلال مناظرة لمرشحي الحزب عام 2019: «سوف نجعلهم (حكام السعودية) يدفعون الثمن، وسوف نجعلهم منبوذين كما يستحقون». غير أن معاوية كل زمنٍ لا يعدم المزيد من شعر لحيته المتساقط بين أقدام البراجماتية القذرة، وحين دخل البيت الأبيض رئيساً يوم 20 كانون الثاني/ يناير 2021 أعلن أنه سيعيد أمريكا إلى الاتفاق النووي الإيراني، كما قررت إدارته نشر تقرير استخباراتي حول جريمة اغتيال خاشقجي خلص إلى أن ابن سلمان على الأرجح أمر باعتقال أو قتل الصحفي المعارض جمال خاشقي، ثم أعلنت حزمة من القرارات تتعلق بالعدوان اليمن زعمت من خلالها إيقاف دعم عمليات التحالف الذي تقوده السعودية وحظر بيع الأسلحة الهجومية للرياض ورفع اسم أنصار الله من قائمتها الإرهابية.
يتعلق أغلب تلك القرارات إن لم يكن جميعها فعلياً بالأوضاع الداخلية الأمريكية، فترامب ومستشاره الأول وصهره جاريد كوشنر كانت تربطهما علاقة خاصة بابن سلمان، وهي العلاقة التي استخدمها الديمقراطيون ضد الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة.
وما بين قطع شعرة ومد أخرى، أجرى بايدن اتصالين بملك السعودية سلمان بفاصل زمني عام كامل، الأول في شباط/ فبراير 2021 وكان أشبه «بمحاضرة حول حقوق الإنسان»، بينما جاء الاتصال الثاني أشبه «باستجداء» أمريكي لزيادة إنتاج النفط السعودي مع بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط ومواجهة بايدن أزمة ارتفاع الأسعار في توقيت حساس للغاية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ليعاود معاوية الأشقر استعانته بفقهاء «الضرورات تبيح المحظورات» حين أدرك أن مصلحته ومصلحة حزبه الديمقراطي تحتّم عليه السعي للقاء ابن سلمان سواء في السعودية أو في الخارج؛ ولكن ما الثمن الذي سيقدمه كل طرف للآخر؟! فمأزق ابن سلمان لا يقل خطورةً عن «حنبة» بايدن، وإن رفعت أسعار النفط حظوظ الأول فثمة ملفات أخرى ما تزال في أدراج البيت البيضاوي الأسود، وإن كان الثمن المطلوب لجميع ذلك لا يبدو مضموناً على أي حال.
الثمن أو الصفقة المحتملة تشمل «التجهيز لتنصيب ابن سلمان ملكاً وإخضاع الأسرة لذلك وإنهاء عزلته بإغلاق ملفّه في القضاء الأمريكي وتسوية قضية المعارض سعد الجبري بإطلاق سراح ابنَيه المعتقلين في سجون ابن سلمان وإطلاق سراح بعض معتقلي الرأي وخاصة من الشيعة لتبييض سجلّه السيّئ وزيادة إنتاج النفط تلبيةً لطلب أمريكا».
لكن لا ابن سلمان ولا غيره من حكام الخليج يستطيعون التحكّم بسوق النفط، وإن كان بإمكانهم التأثير فيها ولو كانوا يستطيعون ذلك لما انهارت الأسعار إلى ناقص 37 دولاراً للبرميل في ذروة أزمة كورونا، وكل ما يستطيعه هؤلاء هو زيادة مليونين أو ثلاثة ملايين برميل يومياً على إنتاج النفط، وهذه هي الطاقة القصوى التي لا يستطيع أي بلد الإنتاج بها باستمرار نظراً إلى الحاجة المستمرة إلى إيقاف المعدات للصيانة.
وهذا ما يضع تلك الصفقة في خانة المخاطرة من قِبَل بايدن؛ لأن نكثه بوعوده الانتخابية بمعاملة السعودية بصفتها دولة مارقة وتعهده بعدم التعامل أبداً مع ابن سلمان شخصياً سيبدو صارخاً على أبواب انتخابات نصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهو ما سيستغله الجمهوريون بقوة.