استطلاع: بشرى الغيلي / لا ميديا -
هذه يومي أسير في ضحاها.. والضحى أشرق منها واكتساها، ينبثق الضوء والأمل والنصر من ثنايا هذا الشعور الوجداني إيمانا وولاءً، شعورا وانتماءً، وهنا وحدها الأغنية الوطنية تجسد هذا الحدث الوجداني والشعور الإنساني الفريد، حينها نجد الأشياء من حولنا قد استجابت لذلك البث الوجداني وتماهت معه وبه، ونتيجة لهذه التوأمة البديعة بين الإنسان والأرض نرى ردة الفعل الطبيعية من قبل المتلقين لشلال الضوء (الأغنية الوطنية) فتضج وجوههم أملا وإشراقا وانفعالا، وتتحرك أحاسيسهم طربا وانتشاءً بهذه اللحظات التي لا تتكرر بسهولة... واليوم ما حالها؟ لماذا اختفت من شاشاتِ التلفزة والإذاعاتِ الرسمية ولم يعد يسمعها المتابع بعد أن كانت إحدى ركائز الانتصارات على مدى الأزمان وهي ترفض الوصاية والخضوع والاستكانة لأي دخيلٍ أو أجنبي يدنس تراب الوطن الطاهر؟ صحيفة «لا» تبحث أسباب غياب- أو تغييب- الأغنية الوطنية «السياسية والزراعية»  مع نخبة من المثقفين والمعنيين في الاستطلاع التالي.

الفن ضحية تهميش الأنظمة
“الأغنية الوطنية والسينما والمسرح والثقافة بشكل عام ضحايا تهميش الأنظمة الرسمية شديدة الجوع إلى السيطرة على مشاعر وأحاسيس المجتمع في زمن الانهيارات والقحط الأخلاقي، انكماش الإبداع وروح الإحساس بأهمية الأغنية الوطنية، السلطات هي المفسدة الأعظم للنصوص والأفكار اللازمة للأغنية الوطنية”، بهذه السطور بدأت مداخلة الكاتب والناقد الفني والأدبي طاهر علوان الزريقي.
ويضيف: “سلطات لا تجدد بل تهدم، سلطات أشد جشعاً من تجار الخردة والأدوية الفاسدة والمعلبات منتهية الصلاحية، في ظل هذا الوضع تصاب الأغنية الوطنية والأفكار والنصوص والمواهب الإبداعية بالفساد لأنها تتحول لخدمة المؤسسات الإعلامية الرسمية، وموجهة بقسوة وعنف مما يفقدها الهامش الإبداعي والجمالي وتصبح الأغنية الوطنية خارج الفعل الإبداعي الجماهيري والإحساس بأهمية ودور وظيفة الأغنية الوطنية جماهيرياً”.
من جانبٍ آخر يشير الزريقي إلى أن الأغنية الوطنية لا تشغل اهتمامات مخططي الدورات البرامجية التلفزيونية وكذلك الإذاعية سوى حيز محدود، حتى هذا الحيز المحدود يُقدم بأسلوب تغلب عليه الصنعة التلفزيونية التي تفترض مشاهداً سلبياً ويصبح في النهاية المشاهد أو المستمع غير معني بما يقدم في هذا المجال.
ويختم الزريقي حديثه بالقول: “الإعلام الرسمي أظهر فاعلية حقيقية في ركود وغياب الأغنية الوطنية، في ظل الاستحواذ المخيف والقاسي والمثير للهلع وصولاً إلى الاضمحلال الإبداعي والأخلاقي، فمعظم المؤسسات الإعلامية ناطقة باسم السلطات السائدة وهذا يعني أن أولويات الإعلام الرسمي تستغرقها الدعاية وعمليات الترويج لما هو قائم من إنجازات ومشاريع، لذلك تخضع الأغنية الوطنية لممارسات صارمة وتطويعها لتوجيهات السلطة، وبالتالي انزياح الأغنية الوطنية من كونها مصدراً للإبداع والترويج للمشاعر الوطنية الحماسية وبذلك يعمل الإعلام الرسمي بقصد أو بغير قصد على هدم جسر الثقة الضروري بين المرسل والمتلقي”.

ليست أزمة أدبية وفنية بل سياسية
بينما أنس القاضي، باحث سياسي يذكر أسبابا أخرى لاختفاء الأغنية الوطنية قائلا: “الأغنية الوطنية بمعناها الجوهري الأوسع، اختفت من الإذاعة والتلفزيون من وقتٍ مبكر، يمكن القول إن ذلك من مطلع القرن الجديد عام 2000 وليس من بعد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر، طوال تلك الفترة ما كان ينتج على أساس أنه أغنية وطنية لم يكن كذلك، كانت عبارة عن أغان دعائية سياسية تهدف إلى دعم وتجميل حكم حزب المؤتمر وشخص علي صالح وإضفاء الوطنية والوحدوية والجمهورية على حكمه”.
ويضيف: “في مواجهة القضية الجنوبية وقضية صعدة وقضية انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية للسيادة الوطنية، فالأغنية الوطنية بالمعنى الأوسع اختفت من مطلع القرن الجديد، طبعاً، وجدت خلال هذه الفترة أغان وطنية، ولكن بشكل محدود لا كتوجه عام، مع التأكيد على أن القصيدة الوطنية والفنان والملحن الوطني ظل موجودا ولكنه محارب فهي ليست أزمة أدبية فنية بل أزمة سياسية في طبيعتها”.

لا يدخل ذلك في الحلال والحرام
يشير القاضي في جزئيةِ أخرى: “منذ بداية العدوان شهدنا اختفاء الأغنية الوطنية عموما، الأغنية الوطنية بمعناها الأوسع وكذلك الأغنية التي تحاول أن تكون وطنية فيما هي دعائية سياسية حتى هذا النوع الذي كان موجودا في فترة حكم علي صالح اختفى. باعتقادي فالطبيعة الريفية والثقافة الدينية بشكلها التقليدي لأنصار الله هي التي تسببت باختفاء الأغنية الوطنية من الإذاعة والتلفزيون الحكومي، طبعا فكر أنصار الله لا يحرم الأغنية، لا اللحن والموسيقى ولا الكلمات الوطنية، فالألحان والموسيقى بما فيها الموسيقى الحديثة جدا تسمعها في قناة المسيرة في الأخبار والفواصل والتقارير وفي أغاني المسلسلات اليمنية والفارسية التي تبث، المشكلة هي في الثقافة الدينية التقليدية التي هي جزء من وعي قيادات وجماهير أنصار الله وهي موجودة في البيئة المحافظة الزيدية والشافعية في آن فهو وعي اجتماعي تقليدي وموقف ذاتي من استحياء وكراهة ولا يدخل في الحلال والحرام”.

ثغرة في الخطاب الوطني المقاوم
يختم القاضي رأيه بالقول: “إذن يمكن القول إن الطبيعة الثقافية المحافظة لأنصار الله انعكست على الإذاعة والتلفزيون فاختفت الأغنية الوطنية. إلا أن هناك فرقا بين اختفائها اليوم، واختفائها في زمن صالح، ففي زمننا هذا الأخير كان هناك سياسة مضادة للوطنية اليمنية للتنمية والنهوض والتحرر والسيادة، وفي هذه الحالة كان اختفاء الأغنية توجها سياسيا غير وطني. أنصار الله حالياً يعبرون عن الخطاب الوطني ولكن عبر الزامل لا الأغنية فليست لديهم أزمة في الوطنية واليمنية فلا شك بوطنيتهم، ولكن الزامل هو الجانب الثقافي الأقرب إليهم. طبعا غياب الأغنية الوطنية اليوم في مواجهة العدوان لا شك أنه ثغرة في الخطاب الوطني المقاوم إذ يفترض أن هذا الخطاب يصاغ بمختلف الأشكال الفنية بما في ذلك الأغنية الملتزمة بالسمات الأخلاقية والانحياز للشعب والوطن وقضايا الأمة. في البداية كان هناك موقف محافظ لدى أنصار الله من الإنتاج الدرامي لكننا وجدناهم يشجعون هذا الإنتاج حكوميا ويتبنونه في قناة المسيرة، وهذه خطوة تقدمية فرضها الواقع في مواجهة الإنتاج الدرامي المعادي، وبناءً على ذلك فأنا أفترض أن الأغنية الوطنية ستعود مجددا فهي حاجة ضرورية وبخاصة في ظل الهدنة واحتمالات السلام حيث إن فن الزامل الذي هو تعبوي حربي بشكل أكبر سيخف قليلا لصالح خطاب تنموي إنتاجي زراعي صناعي وحدوي أخوي وغيره مما تنطوي عليه الأغنية الوطنية، وربما من آخر المؤشرات الإيجابية، أنه في العرض العسكري البحري تم بث أناشيد وطنية لا تختلف شيئا عن الأغنية الوطنية من حيث اللحن والموسيقى ربما فقط الآلة الوترية هي الغائبة من موسيقى هذه الأناشيد فيما تشترك مع الأغنية ببقية السمات.

الأغنية الوطنية لم تختفِ
فؤاد الشرجبي، رئيس البيت اليمني للموسيقى والفنون، يؤكد في مداخلته أن الأغنية الوطنية لم تختفِ ولن تختفي، ثم يستدرك: “تغييب الأناشيد الوطنية عن طابور الصباح المدرسي من شأنه توسيع الهوّة بين الجيل القادم وشعوره بالولاء الوطني الخالص لليمن”.
ويختم الشرجبي: “لكن الحمد لله أن كثيرا من الشباب الذين لم تلوثهم السياسات المتطرفة ومازالوا يحملون في قلوبهم حبا كبيرا لهذا الوطن المكلوم أنتجوا وعلى حسابهم الشخصي مجموعة من الأغاني الوطنية، أو أعادوا صياغة بعض الأغاني القديمة بشكل حديث يواكب لغة العصر عبر وسائل السوشيال ميديا يؤكدون من خلالها انتماءهم لوحدة وعراقة هذا البلد الأصيل، وأنهم مستمرون في إيصال رسالة الحب والسلام وزراعة الجمال، وبالتالي سيبقى الفن وستبقى الأناشيد الوطنية تخلد مجد الشعب اليمني منذ الأزل”.

جزء من هوية “الساحات”
استعرض هذا الاستطلاع الكثير من القنوات الرسمية والإذاعات ولاحظ غيابا تاما للأغاني الوطنية في برامج بثها اليومي، ما عدا قناة “الساحات” التي تبث بين برامجها وفقراتها الأغاني الوطنية فكان لا بد لصحيفة “لا” من التوقف مع المدير التنفيذي لقناة الساحات، عبدالحافظ معجب الذي يوضح: “عندما بدأت قناة الساحات بثها الفضائي بدأته بالأغاني الوطنية خلال البث التجريبي، والأغنية الوطنية هي جزء من هوية الساحات، ومازلنا نحافظ عليها حتى اللحظة وأضفنا إلى قائمة الأغنية الوطنية اليمنية أغاني الفنان لطفي بوشناق، وأغاني للعندليب عبدالحليم حافظ، وكذلك كوكب الشرق أم كلثوم والفنان القدير سيد إمام، بالإضافة إلى أغاني الجيش والوطن بالصدارة، إلى جانب الزامل الشعبي، ونتطلع إلى إنتاجات خاصة تنصف مناسباتنا الوطنية والأحداث السياسية الهامة في البلد”.

تطبيل للحاكم وتمجيده
ويؤكد معجب أن الأغنية الوطنية هي توثيق فني لأحداث سياسية ومحطات تاريخية وتسهم في إحياء هذه المحطات والأحداث، وتبقيها خالدة في أذهان الأجيال المتعاقبة بأسلوب مرتبط بالفن اليمني والموروث الثقافي، وتحتفظ الذاكرة اليمنية بالكثير من الأغاني الوطنية التي خلدت ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
ويستدرك بالقول: “غير أن الانحسار في تاريخ الأغنية الوطنية اليمنية بدأ منذ ما بعد الوحدة اليمنية، حيث تحولت الأغنية الوطنية من تمجيد الوطن وبطولات الأبطال والتضحيات إلى تمجيد الحاكم والتغني بالزعيم، وأصبحت المكتبة اليمنية تعج بالأغاني التطبيلية التي كانت تمول إنتاجها دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع ولا علاقة لها بالوطنية، ومنذ ما بعد ثورة 2011 وجدت القنوات الفضائية فراغاً كبيراً في الأغاني الوطنية ولم تجد أمامها سوى أرشيف الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، وبعض أغاني الفنان عبدالرحمن الحداد وكرامة مرسال، وأبو بكر سالم، وهنا عمل حزب الإصلاح على إغراق القنوات التلفزيونية والإذاعات المحلية بالأناشيد التي كانت تنتجها الدائرة الإعلامية للحزب، وتدريجياً استحوذ الإصلاح وعبر قنواته التلفزيونية على أرشيف الفنان أيوب طارش عبسي بدعوى الحصول على حق الملكية الفكرية، وهذا حرم القنوات التلفزيونية الرسمية والوطنية من عرض الأغاني الوطنية للفنان أيوب طارش”.

حسابات خاطئة
ويختم معجب: “منذ ثورة 21 أيلول/ سبتمبر تقاعس أغلب الفنانين عن دورهم الوطني في تخليد المرحلة فنياً نتيجة حسابات خاطئة كما لم يتم تسجيل أي أغان وطنية جديدة خلال فترة العدوان على اليمن، وحل مكان الأغنية الوطنية الزامل الشعبي الذي خلد كل البطولات من ثورة 21 أيلول/ سبتمبر وصولاً إلى بطولات الجبهات العسكرية والمعجزات التي حققها المجاهدون في الجبهات. ولا ننسى نقطة مهمة أن القنوات التلفزيونية خلال فترة العدوان استطاعت أن تخصص مبالغ كبيرة من ميزانياتها لإنتاج المسلسلات، وبرامج الكاميرا الخفية التي يعتبر تأثيرها موسميا خلال رمضان إلا أنها تجاهلت إنتاج أغان وطنية تأثيرها خالد على مدى الأجيال وهذه مسؤوليتها علينا جميعاً في الإعلام المرئي”.

تجاهل رسمي
الإعلامية بثينة القرشي، مدير إدارة المرأة والطفل بقناة اليمن الفضائية تقول: “عندما نتحدث عن وطن نتحدث عن حياة، الوطن ليس شعارات تردد ولا يافطات تعلق، حب الوطن فعل وعمل، عندما يردد الأطفال النشيد في طابور الصباح، وفي مختلف المدارس هو شعار واضح لترسيخ الانتماء والجميع لا يغفل أهمية الكلمة، والقصيدة، واللحن في ترسيخ هذا الانتماء ولكن كثيرا من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة تجاهلت هذا الدور”.
وتتساءل معنا “ما الأسباب؟” وترد على تساؤلها: “لا نعلم، ولكن تظل الأغاني الوطنية التي حفظناها ونحن أطفال عالقة في أذهاننا، فمن منا لا يعرف فنان الوطن أيوب طارش، وأبو بكر سالم، والفنان الكبير علي الآنسي، و.. و.. و..، لذلك نقول الأغنية الوطنية والزامل يصبان في بوتقةٍ واحدة هي حب الوطن الذي لا ينافسه حب”.
وتختم القرشي:” لذلك نطالب أصحاب القرار بالنظر إلى الأمر بجدية”.

اعتقاد خاطئ
د. سامي عطا، أكاديمي من جامعة عدن يضيف لما سبق من وجهات النظر رؤيته الخاصة: “إن اختفاء الأغنية الوطنية هو نتيجة غياب مفهوم الوطنية لدى النخبة السياسية التي تحكم، ومثلما تغيب الأغنية تغيب كل أنواع الثقافة والفنون، وهناك إهمال لها، ربما نتيجة اعتقاد البعض الخاطئ بأنها تمثل خطراً على المسيرة القرآنية باعتبارها نتاج ثقافة الخصوم، ويعتقد البعض الآخر أن كل الأشكال الإبداعية شكل من أشكال الغزو الثقافي، والحرب الناعمة، وتهدد هويته الإيمانية، وبالتالي لا هوية إيمانية يمكن غرسها في المجتمع مع وجود مثل هذه الأعمال الإبداعية وفي ظل وجود مثل هذه الثقافة، وهناك فريق ثالث يعتقد أن مثل هذه الأغاني تسهم في خدمة الخصوم، لأنها تحرك مشاعرهم وتشحذ هممهم، فاكتفى بالزوامل، ويأتي الشعر الحماسي الذي فيه هجاء للعدوان وفخر للمناهضين ويتضمن وعدا ووعيدا له”.

بين الإلغاء والتوظيف
فيما يرى عطا أن ذلك يمثل “ممارسة استبعادية وإقصائية لثقافة الآخر تدحض وتكذّب فكرة وجود شراكة حقيقية، وتؤكد هيمنة أحادية على السلطة في كافة جوانبها ثقافياً وسياسيا واقتصاديا، وبقية الأطراف الأخرى ملحقون إلحاقا ووجودهم وجود شكلي لا غير”.
ويختم عطا: “ليس بمقدور إنسان عاقل أن يلغي الأدب والفن من حياة الناس، لأن هذه المناشط باتت حاجة ملحة في تشكيل حياتهم الوجدانية، لكن بمقدوره أن يوظف الأدب والفن في تشكيل حياة الناس الوجدانية وفقاً لرؤيته وقناعاته!”.

عبرة من الماضي
يفتتح الشاعر والأديب جميل الكامل، مداخلته بتساؤل قائلاً: "من المسؤول عن غياب مثل هذه الأغاني الوطنية عن قنوات إعلامنا الرسمية؟ من المسؤول عن غياب الفن عن خندق الدفاع عن الوطن ومواجهة العدوان؟ سؤال يجب أن نطرحه ونناقشه ونود من الجهات ذات العلاقة أن تجيب عليه بكل شفافية ووضوح. قبل أن أتحدث عن غياب الأغنية الوطنية اليوم عن قنوات إعلامنا الرسمية أذكر القراء بأهم ما سينتجه هذا الغياب أو بمعنى أصح هذا التغييب المتعمد، وذلك من خلال النظر في ما أنتجه غيابها خلال النصف الأخير من القرن العشرين، الذي أثمر كما نرى اليوم غياب الروح الوطنية لدى هذا الكم الهائل من العملاء والمرتزقة من فاقدي الشعور بالوطنية المرتهنين لعدو وطنهم وشعبهم الأول".

تعزز الانتماء للوطن
وعن أهمية الأغنية الوطنية يقول الكامل: "الأغنية الوطنية هي بمثابة سلاح لمواجهة أي فكر دخيل على هذا الشعب، آلة ووسيلة لتعزيز الانتماء للأرض والإنسان وتعميق الروح الوطنية، وتلهب المشاعر والأحاسيس وتوقظ روح المواطنة في نفس السامع وتشده إلى وطنه".

مازالت في قفص الاتهام
أما عن غياب الأغنية الوطنية في قنوات الإعلام الرسمي فيؤكد الكامل: "إنه غياب حاصل، وملحوظ وملفت للنظر، وهذا الغياب يوحي بأنه لا يوجد لدى القيادة الإعلامية في وزارة الإعلام، والقيادة الثقافية في وزارة الثقافة إدراك بالأبعاد السياسية والوطنية والتعبوية التي تحدثها الأغنية الوطنية، كما تشي بغياب أهمية الأغنية الوطنية من العقل الإعلامي، والثقافي الذي يدير الثقافة والإعلام وبالتالي أدى عدم الإدراك هذا إلى غياب التوجه العام لدى الإعلام لإذاعتها فسبب غيابها الرئيس هو عدم وجود توجه من قبل القيادة نحوها".
ويشير إلى أن سبب عدم وجود هذا التوجه له عدة احتمالات: "إن الفن والغناء والموسيقى مازالت هذه كلها في قفص الاتهام ومازالت النظرة إليها نظرة ازدراء وأنها إن لم تكن محرمة فهي تخل بالمروءة وهي نفس نظرة كل التيارات الإسلامية المقلدة الجامدة والتي تعاقبت على الأمة الإسلامية معتمدة فقط على ما قاله من سبق من الفقهاء مقفلة باب الاجتهاد، بل وباب التأمل والنظر والتفكر في آيات الكتاب الحكيم، ولا فرق عندها سواء كانت هذه الأغنية عاطفية أو اجتماعية أو زراعية أو وطنية. ومما لا شك فيه حسب وجهة نظر المهتمين أن هذه النظرة القاصرة للفن والغناء ليست إلا واحدة من جملة ما أدخل على الإسلام مما ليس منه والغرض منها تغييبه لما له من أثر كبير في صقل النفس وتهذيبها وتهيئتها لتكون نفس صالحة هادئة مستعدة لتلقي ما يجود به الحق من الخير والهدى".

العدو مستفيد
وختم الكامل مداخلته بأثر غياب الأغنية الوطنية عن قنوات إعلامنا الرسمية، وطرح لنفسه ثلاثة أسئلة وأورد التوضيح عنها قائلاً: "السؤال الأول: من المستفيد الأول من الأغنية الوطنية؟ الجواب: بلا شك الوطن، السؤال الثاني: من المتضرر الأول من غيابها؟ الجواب: الوطن، والسؤال الثالث والأهم: من المستفيد من خفوت وغياب وتلاشي وتقهقر هذه الآثار والمشاعر بخفوت وغياب وتلاشي وتقهقر الأغنية الوطنية؟ الجواب: إنه العدو بلا أدنى شك ولا أدنى ريب".

لا يمكن طمسها
"قد يكون للقائمين على السلطة الرسمية وجهة نظر خاصة بهم حول عدم بث الأغنية الوطنية في وسائل الإعلام الرسمية، وخصوصاً في الوقت الراهن، حيث في اعتقادهم أن الأغاني أو الموسيقى تمثل جانبا للترفيه وأن الوقت الذي تمر به البلاد حالياً غير قابل لاستيعاب هذا المجال واحتوائه"، بهذه الرؤية بدأ الفنان حسين الكبسي، مداخلته، ويضيف: "لا شك أن هناك أولويات يجب العمل بها حسب المرحلة، وهذا ما يجب أن نفهمه جميعاً". ويستدرك: "لكن لا يعني ذلك أن يتم تهميش بعض الجوانب وتركها دون احتواء رسمي بالذات لما هو جزء من هوية الشعوب وثقافتها، فالفن والموسيقى لها جمهورها الواسع ولها مكانتها العظيمة في النفس البشرية بشكل عام والنفس اليمنية بشكل خاص حتى وإن لم يتم الاهتمام بها من الجانب الرسمي، فستبقى هي من أكبر الثقافات والعادات التي لا يمكن طمسها أو تغييبها عن المجتمع إطلاقا لاسيما أن الأغنية اليمنية تشكل أحد أهم العوامل الرئيسية التي يعتمد عليها الإنسان اليمني في أمور تجهيزات الأفراح والحفلات والكثير من المناسبات الاجتماعية، ولا يمكن الاستغناء عنها بتاتاً، فهي جزء من موروثه الحضاري الذي فرض وجوده منذ آلاف السنين".

الاستفادة منها في المواجهة
وأضاف الفنان الكبسي: "بإمكان الجانب الرسمي أن يستغل الأغنية الوطنية وأن يصوّبها، ويصنع منها محتوى هادفا يليق بمستوى المرحلة ومتطلباتها، وبالإمكان أن يكون لها دور فعال في مواجهة العدوان، وأيضا من الممكن أن يستفاد منها لإيصال رسائل من خلالها لترسخ المبادئ والقيم الإنسانية والوطنية والقومية كما تم التعامل مع مجال السينما والدراما وهي نوع من أنواع الفنون الترفيهية".
وشدد على ضرورة أن تقوم وزارة الثقافة بدورها الفعال في ترشيد وتقييم الأغنية اليمنية بشكل مستمر للحفاظ عليها حتى لا تكون محط سقوط الذوق العام وسلخه عن الأصالة والطرب المنمق والراقي والعذب، وأيضا الحفاظ عليها من السرقة وعدم انتسابها لدول أخرى، كالكثير من الأغاني الحضرمية والصنعانية التي للأسف قام بعض الفنانين الخليجيين بسرقتها ونسبها لهم دون مراعاة أي حقوق أدبية، وأتمنى في الأخير من وزارة الثقافة اللفتة الجادة حول هذا الموضوع، ومن السلطة ألا تترك مساحة للقنوات الخليجية وهيئات الترفيه للظهور وتسويق الأغنية اليمنية، وأن تقوم هي بتبنيها والنهوض بها للتخاطب مع بقية الشعوب، فهذا المجال لا يقل أهمية عن المجال السياسي".

طغيان الزامل!
على ذكر وزارة الثقافة والجهات المختصة ولأهمية الموضوع تواصلت "لا" مع محمد حيدرة، نائب وزير الثقافة الذي أكد بقوله: "حقيقة الأمر لا نستطيع أن نقول إن الأغنية الوطنية اختفت من شاشات التلفزة، والإذاعات بشكل كلي كوننا نشاهدها ونسمع بعضها في بعض القنوات والإذاعات الوطنية". ثم استدرك قائلاً: "لكن ما أعتقده أن هناك انحسارا في الأغاني الوطنية القديمة وذلك بسبب ظهور طفرة كبيرة في الإنتاج الفني سواء الشعر الشعبي أو الفصيح وكذا الإنشادي، أو الزامل الذي ظهر كجبهة متكاملة لمواجهة العدوان العالمي على اليمن في حرب غير مسبوقة ولم يعهدها الشعب اليمني، وبالتالي فمن الطبيعي ظهور فن مقاوم يتناسب مع طبيعة المرحلة ومع المزاج الشعبي".
وكما تابعنا في ما سبق من التحقيق مع المتحدثين حول اختفاء الأغنية الوطنية من شاشاتِ التلفزة والإذاعات الرسمية، أغلب من شاركونا بطرح رؤاهم ووجهات نظرهم تطرقوا لوزارة الثقافة وحملوها جانباً من المسؤولية، وبدورنا طرحنا لهم، فأوضح حيدرة حول هذه الجزئية: "وزارة الثقافة تقوم بدورها كعامل مساعد ومحفز لدعم إنتاج أي عمل أو نشاط فني أدبي أو فكري، أو غنائي أو إنشادي، أو شعري أو الزامل، وحتى الفنون التشكيلية وغيرها من الفنون، ووفقا للإمكانات المتاحة لاسيما ما يتعلق بأولويات المرحلة المتمثلة في مواجهه العدوان والعناية بالجبهة الداخلية وتماسكها".
وختم حيدرة: "في ما يخص أن هناك غيابا للأغنية الوطنية من شاشات القنوات والإذاعات فنوضح أنه كان ذلك في فترات سابقة عندما كانت هناك وزارة واحدة تسمى الإعلام والثقافة ثم دمجت مع السياحة، ثم فصلت وهذا في عهد النظام السابق. أي أن ما يبث أو لا يبث على شاشات القنوات الوطنية من اختصاص وزارة الإعلام".

ليست من اختصاصنا
بعد نفي وزارة الثقافة مسؤوليتها في بث أو عدم بث الأغاني الوطنية، توجهنا إلى وزارة الإعلام للحصول على توضيحات، فكان رد أحمد يحيى راصع، وكيل الوزارة لقطاع التلفزيون: "عدم بث الأغاني ليس من اختصاصنا، وإنما من اختصاص المؤسسة العامة لقطاع التلفزيون"!
وهكذا من جهةٍ إلى أخرى ونحن نحاول الحصول على توضيحٍ لتساؤلاتنا التي لم نجد لها إجابات مقنعة فتواصلنا مع محمد أبو طالب، رئيس قطاع التلفزيون ـقناة اليمن الرسمية، الذي كان رده بأن المكتبة الفنية ليست بأيديهم ولأنها تعرضت للقصف، وقال: "المكتبة الفنية قديمة وأشرطتها لا تتواءم مع البث الحديث، وتعرض جزء كبير منها للتلف، والمكان مستهدف".

هناك ما هو أهم منها
وأضاف أبو طالب أن هذه الفترة ليست فترة الأغنية الوطنية وأن هناك ما هو أهم منها، حسب تعبيره، وأنهم يريدون أن يوصلوا هدي الله للجميع!
وختم حديثه بأن نقل الفضائية اليمنية من نظام الشريط، إلى نظام الهاردات وهي منظومة حديثة وصارت الدقة أقوى، والجودة والألوان أفضل مما كانت عليه في السابق تحتاج إلى إمكانيات، حيث قال: "لا يوجد لدينا أشرطة، لذلك نحتاج إلى مشروع كامل لنقل الأشرطة إلى هاردات، وهذا مشروع كبير يحتاج لأيام وأشهر وسنين لنقل المكتبة والمحافظة عليها".