عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
تباهى قناصو السعودية، كثيراً في تويتر، ببنادقهم الحديثة ومتاريسهم المُكيَّفة، ويأتي المصورون والإعلاميون لتصويرهم أثناء عمليات القنص ليروِّجوا لشجاعتهم وبسالتهم، وهم مع طاقم التصوير لوحدهم في وادٍ أو خلفَ صخرةٍ يطلقونَ النارَ على السراب، لأجل تصوير مشاهد قنص مع الهباء ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتجعلهم تعليقاتُ متابعيهم يرون أنفسهم أبطالاً.
إنها شجاعةٌ يصدُق عليها قول المتنبي:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ
طلَبَ الطعنَ وحده والنزالا
كانوا يتداولون هذه الفيديوهات دون أيِّ خجلٍ في تويتر، ويكتبون تعليقاتٍ بطوليةً تمتدحُ شجاعةَ مقاتليهم في الحدِّ الجنوبي.

أصابع مرتعشة على زناد القناصات
هؤلاء المقاتلون الذين ترتعشُ أصابعُهم على زنادِ القناصات، ويرسمون في أذهانهم أبواباً كثيرةً للهربِ بعد أن ضاقت بهم السُّبل وتقطعت بهم الأسباب، تهاوت قناصاتُهم الحديثة، وفقدت مفعولها وهيبتها تحت أقدام المقاتل اليمني، الذي يتعامل معها كما لو أنها مسدسات ماء.
حشدوا أسلحتَهم على الحدود، ليرهبوا اليمنيين بهذا الكمِّ الهائل من الأسلحةِ الحديثةِ والدباباتِ والمدافعِ والقناصاتِ والإعلامِ الذي يحاولُ أن يصنعَ إرهاباً بهذه الحشود، في مشهدٍ يُذكِّرُ بسحرةِ قومِ فرعون الذين استرهبوا الناس وجاؤوهم بسحرٍ عظيم، ثم سقطوا في أول لحظةٍ أمامَ عصا موسى.. هي مجردُ عصا، لكنها كلُّ الحق، وهم كلُّ الباطل.
يأتون بالكاميرات لتصوِّرهم في متاريسهم، وهم يوجهون رشاشاتهم إلى الهواء، ويضعون المؤثرات الصوتية والشيلات، وحين يشاهدون هذه الفيديوهات يصدقون أنهم أبطالٌ لا يشق لهم غبار.. كيف يُشق لهم غبارٌ وهم الغبار بحد ذاته؟!
قناتا «العربية» و«  الإخبارية» كانتا مكلَّفتين بصنع الهالةِ الإعلامية، ونفخ البالون السعودي حتى يبدو كبعبع، لكنه بعبعٌ لا يخيف أحداً.. فالبالون مهما انتفخ بإمكان دبوس صغير أن يطفئ كل ذلك الغرور والعنجهية الكرتونية.
يصنعون فيديوهات خالية من أي بطولة واضحة.. فيديوهات ليس فيها سوى ما يدعو للشفقة تجاه هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مرابطين، وهم مرابطون فعلاً لأنهم لم يتقدموا شبراً واحداً رغم عتادهم ورغم كل الضجيج الذي تصنعه قنواتهم، وما يبعث على الضحك برنامج تم تصويره من قبل قناة الإخبارية اسمه «مهمة سرية»، كمن يصور فيلماً خيالياً لا أكثر.

قدمان حافيتان وولاعة
داس المقاتل اليمني على قناصاتهم الحديثة بقدميه الحافيتين، ورقص على دباباتهم ومدرعاتهم التي استولى عليها قبل أن يحرقها بولاعته الأسطورية.
أين كانت كل هذه القوات والقناصات التي يرهبون اليمنيين بها حين اقتحم سبعةُ رجالٍ مدينةَ الربوعة وأفرغوها من محتواها ببنادقهم الشخصية، ومازالت في قبضتهم حتى اللحظة؟
ولكي تنتقمَ السعوديةُ من هؤلاء السبعة قامت بقصفِ وتدميرِ مدينةِ الربوعة بالكامل، وهذا الانتحار يشبه رجلاً يطعن نفسه لكي يقتل رديفه، فيموت قبل أن يصلَ النصلُ إلى من يقف وراءه.
قناصون سعوديون يصلُّون على المفارش الفاخرة، ويخافون أن تتَّسخ ثيابُهم.. يرتدون النظاراتِ الشمسيةَ وكأنهم ذاهبون إلى نزهة، ويأكلون البيتزا والبرجر والكبسة في متاريسهم المؤثثة، ولا يستطيعون الاستغناء على البيبسي في أحلك الظروف.. كيف لهم أن ينتصروا؟
قناصاتٌ حديثة.. نعم.. لكنها في أيدٍ مرتعشةٍ لا تجيدُ التصويب، ولا تعرفُ فن القنص.. وعن هكذا حالات يقول المثل اليمني: سلاح في يد عجوز.
ما جدوى كل هذا السلاح، وكل هذه المناظير التي تخطئ أهدافها باستمرار، ثم تسقط خائفةً وخاويةً كأنها نسيت مهمتها فجأة، وأصبحت غير صالحة حتى للزينة.
أيُّ معنىً للقناصاتِ تجاه ذلك المقاتلِ اليمني وهو يحمل زميله الجريح على ظهره ويمشي بثقة تقشعر لها كلُّ حروف اللغة.. يمشي كأنه يتمشى، ومناظير القناصة مصوبةٌ عليه دون أن يلتفت للطلقات التي تخرج من أفواه البنادق تجاهه.. لكن هذه الطلقات تهاوت تحت قدميه.
كيف استطاعت الكاميرا استيعابَ هذه الدهشة وهي بعين واحدة؟!

القفز على الخطوط الحمراء
الكلاشينكوف ليس مصمماً للقنص، لكنه تحول كذلك في يد المقاتل اليمني، وفاق توقعاتهم وجماجمهم التي سقطت دون أن يشفع لها شيء.
ظهر النقيب القناص حاتم السلمي على قناة الحدث، ليقول بجدية مفرطة: «إن الحدود السعودية خط أحمر، وإن الأبطال الأشاوس لن يدعوا العدو أن ترف له رفيف ولا عين، ولا أن يقترب من هذه الحدود».
لم نفهم ما معنى «أن ترف له رفيف ولا عين»، ولا يهمنا أن نفهم ذلك، لكن هل فهموا هم كيف لم تعد حدودُهم خطاً أحمر؟
هذا النقيب القادم من كتب ابن تيمية وفتاوى بن باز يسمي اليمنيين «العدو».. وكأن اليمنيين هم الذين بدأوا بقصف السعودية؟!
ولكي يشرعنوا حربهم ضد العدو اليمني ويلبسوها بشتاً دينياً، جاؤوا بالسديس، إمام الحرم المكي، ليطلق قذيفة باتجاه أطفال اليمن من ذلك المدفع الخرافي الذي لم يستطع حماية الحدود السعودية في ما بعد.
كانت حدود السعودية خطاً أحمر.. لكن المقاتل اليمني لا يعرف معنى التوقف أمام الخطوط الحمراء.. اليمني الذي ربَّته أمُّه ولم يتربَّ في الحضَانات أو في أحضان الشغالات.. اليمني الذي يرى الوطن من منظار كرامة وعز وشرف، ولم يتعامل مع وطنه على أنه تابع لأسرة.. اليمني الذي يقاتل عن قضية ويدافع عن وطن يتعرض لعدوان.. كيف له أن يفرَّ أو يترك سلاحه خلفه؟ كيف له أن يهربَ وهو يسوقُ المنايا تجاهه كما لو أنها طوع يديه، ومفردة «الفرار» ليست في قاموسه. فكما يقال في اليمن: النار ولا العار.
اليمني الذي يستطيع القفز على خمسة جمال سيستطيعُ القفزَ على خطوطٍ حمراء، ولكي يؤكد لهم أنها حمراء صبغها بدمائهم، وأشعلها كما لو أنه في حفلة شواء.

السعودية تلجأ للفوتوشوب لتغطية عورة جنودها «الأشاوس»
قال ابن سلمان في قناة العربية إن باستطاعته أن يحشد القوات البرية السعودية لوحدها، وفقط في خلال أيام قليلة يتم الانتهاء من كل شيء!
يا للهول!
هل هو جادٌّ في قوله هذا؟
عن أي قواتٍ بريةٍ يتحدث؟
ولماذا حشد جيوشاً من كلِّ الدولِ وأنفق عليها مليارات الدولارات مادامت قواته البرية تستطيع خوض الحرب لوحدها؟
هل يقصد القوات البرية التي تفر من أمام رجل يمني واحد؟
أم تراه يقصد القناصة الذين حشرهم شاب واحد بداخل كهف وجعلهم يتمنون أنهم لم يقفوا هذا الموقف، وهو يهتف قائلاً: سلٍّم نفسك يا سعودي، أنت محاصر.
القوات البرية التي اشتعلت مدرعاتها ودباباتها في جبال ووهاد السعودية، أم القوات البرية الذين يلتقطون السيلفي في المتاريس، ويسجلون القصائد النبطية، أم حرس الحدود الذين يتركون مواقعهم ويذهبون للبحث عن «الفقع» والضبّ؟ رغم أن هذه القوات البرية يتم التسول لهم في منابر المساجد، بينما تذهب أموالُ السعودية لجيوش دول أخرى!
بالتأكيد هناك قوات برية سعودية، لكنها لم تستطع، وحدها، ولم ولن تستطيع بكل القوات البرية والجوية والبحرية التي حشدها ابن سلمان ضد اليمن أن تأخذ شبراً واحداً من اليمن.. فكيف بجنود يقولون عن أنفسهم إنهم «مزز» أن ينتصروا على رجال يطلقون على أنفسهم «رجال الموت، وحنشان الظما»؟
حين يتحدث الواقع فلا مجال للفوتوشوب الذي تصنعه السعودية لتغطية عورة جنودها «الأشاوس»، وحين يتم الدوس على أرضهم وجنودهم وسلاحهم فلن تستطيع الفعاليات التكريمية والدروع أن تزيِّن الهزيمة، ولن تفلح الشيلات والقصائد والمديح في تلميع وجوه تم تمريغها في التراب.