كمال البرتاني / لا ميديا -
في بلدان أخرى غير بلاد واق الواق، تبحث المؤسسات الثقافية والأكاديمية ووسائل الإعلام عن قصاصات تركها الأدباء والفنانون العظماء...
يجمعون رسائلهم ومذكراتهم وأحاديثهم للصحافة، وشهادات من عرفهم...
يكرّمونهم ويحيون ذكراهم بكل الوسائل، ويقدرون قيمة كل ما خلفوه، حتى مما ليس له علاقة بالإبداع، من المتعلقات الشخصية (مثل عصا شارلي شابلن، والآلة الكاتبة التي سطر بها غابرييل غارسيا ماركيز "مائة عام من العزلة"، ومنديل أم كلثوم...).
أما بعض مثقفينا فيحاولون إنكار ديوانين أعدهما شاعرنا الكبير عبدالله البردوني للطباعة، وأعلن ذلك مراراً في الصحافة والتلفزيون، ونُشر عدد من قصائدهما وهو على قيد الحياة.
ديوانان بخط كاتبه (محمد الشاطبي) تم تسليمهما للمسؤول الأول عن الثقافة في البلاد عام 2003.
ديوانان فيهما روح البردوني ومواقفه المعروفة وفكره وبصمة فنه؛ فلماذا الإنكار؟!
هل فيهما ما يشي بارتداد البردوني عن ثوريته وانحيازه للفقراء، وعن انتمائه الخالص لليمن؟!
ثم مَنْ هذا العبقري الذي استطاع أن يسطو على حنجرة البردوني ويقلد صوته ونبضه، ويستعير بصيرته؟!
هل تستكثرون علينا ومضة ضوء في هذه الظلمة الحالكة؟!
كان من الممكن أن يظهر شعره المخطوط إلى النور قبل 20 عاما على الأقل، فهل كنتم تريدون أن ننتظر 20 سنة أخرى؟!
حملة إنكار ديواني البردوني سببها أنهما طبعا في "المكان الخطأ" وفي "التوقيت الخطأ"، من وجهة نظر ممولي الحملة والمشاركين فيها، وبعض الطيبين وشهود الزور، ومن تبرع بالتأييد والتصفيق وهو لم يقرأ شيئاً من القصائد، لا مخطوطة ولا مطبوعة!
استكثرتم على صنعاء أن تُتحف العالم بآخر قصائد العشق البردونية، وآخر بكائياته الدامية على وطن تتصدر يومياته أخبار الموت والاقتتال!
ثارت حميتكم المزيفة عندما أخرجت صنعاء إلى النور جزءاً من تراث البردوني الذي طمره النسيان والتجاهل!
استكثرتم أن يحدث ذلك بمبادرة من فلان أو علان، بغض النظر عن رأيكم في كونه وصل إلى السلطة من بوابة الثورة أو عبر دبابة الانقلاب أو على بساط الريح، أو تسلل إلى حيث هو في غفلة من عباقرة التنظير وعيون السفارات!
إذا كان لمحمد علي الحوثي علاقة بالشعر فهي علاقة قارئ عادي -أو أقل- بشاعر عظيم؛ لكنه من موقع المسؤولية حل الخلاف المزمن بين "الورثة"، ودعم طباعة الديوانين في مؤسسة رسمية سبق أن طبعت أعمال البردوني الشعرية عدة مرات.
وما دامت نسخٌ مخطوطةٌ من الديوانين موجودة لدى الكثير كما قيل، فليشر واحد من أولئك الكثير إلى وجود تحريف أو تزييف أو حذف أو إضافة!
دلونا على ما ليس للبردوني مما ضمه "رحلة ابن شاب قرناها" و"العشق في مرافئ القمر"، اللذين طبعتهما الهيئة العامة للكتاب، وسنكون لكم من الشاكرين.