كنوت ميلنثين-الموقع: العالم الفتي (jungewelt)
الترجمة عن الألمانية:نشوان دمـاج / لا ميديا -
أمر يبدو مثيرا إلى حد ما: أن تشهد مدينة دبي ولمدة يومين «أكبر لقاء بين إسرائيل وشركائها الإقليميين منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991». على الأقل ذاك ما أعلنته حكومتا الولايات المتحدة و«إسرائيل»، وذاك ما تسمعه وتقرأه في وسائل إعلام كلا البلدين.
ومع ذلك، فإن صيغة التفضيل «أكبر» تشير فقط إلى عدد المشاركين في الحدث في أهم مدينة تجارية في الإمارات، والذي بلغ 150 مشاركا. وتؤكد الصور الجماعية التي التقطت في اللقاء أن عدداً كبيراً من الأشخاص الحاضرين يمكن أن يكونوا ممثلين لقاعدة صغيرة نسبياً. وبالتالي لا يمكن، من وجهة نظر سياسية، مقارنة اللقاء بمؤتمر 1991، والذي كان له تأثير دائم من حيث إنه جعل من الممكن محاكاة عملية سلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين لعدة سنوات، بينما يبقى لقاء دبي مجرد عرض قصير للألعاب النارية، أي أنه بلا أي محتوى فخم.
بمجرد مضي أسبوعين على صعود الحكومة الأكثر يمينية وعدائية للفلسطينيين في «إسرائيل» منذ تأسيس الكيان في مايو 1948، أخذت واشنطن تضغط من أجل الحدث الاستعراضي في الإمارات، دافعة بمفردها تقريباً لإنجازه في هذه المرحلة المبكرة من الزمن. تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من كل الاستفزازات والاعتداءات التي تشنها الحكومة الجديدة على الفلسطينيين، والتي بدأت سابقا وأعلن عنها لاحقا، إلا أن «التطبيع» بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية، والذي بدأ عام 2020، آخذ في المضي دون عوائق، وكأنه لا علاقة لتلك الدول بما يحدث في فلسطين على الإطلاق. وبذلك، فإن الحكومات العربية المتورطة في هذا الحدث غير المجدي، قد طعنت ليس فقط الفلسطينيين في الظهر، بل كذلك المعارضة الإسرائيلية.
من وجهة نظر رسمية، كان لقاء دبي استمراراً لـ«قمة النقب»، التي انعقد الاجتماع التأسيسي لها في مارس من العام الماضي في سديه بوكير بـ«إسرائيل». شاركت حينها الدول نفسها المشاركة الآن: ثلاث منها أبرمت اتفاقيات تطبيع مع «إسرائيل» في عام 2020 -الإمارات والبحرين والمغرب- بالإضافة إلى مصر، التي كانت أول دولة عربية تبرم اتفاقية سلام مع الدولة الصهيونية في عام 1979. أما السودان، الذي ظلت علاقته بـ«إسرائيل» صعبة منذ «تطبيعه» الرسمي معها، فقد غاب عن تلك القمة مثلما غاب عن لقاء دبي. كذلك الأمر بالنسبة للأردن الذي أبرم معاهدة سلام مع «إسرائيل» في 1994. فكثير من سكان المملكة، بل ربما ما يزيد عن النصف، هم من أصول فلسطينية. وبحسب تقارير صحفية «إسرائيلية»، فإن الحكومة في عمان جعلت مشاركتها في «عملية التطبيع» تعتمد، من بين أمور أخرى، على مشاركة الفلسطينيين.
في المؤتمر التأسيسي لـ«قمة النقب» في آذار 2022، تم الاتفاق على مأسستها. وعليه، من المفترض أن لجنة توجيهية تتولى مهام التنسيق لعقد اللقاءات، تكون على اتصال دائم مع ست مجموعات عمل مشتركة، وتجتمع معها ثلاث مرات في السنة. كانت المواضيع التي تم طرحها في ذلك المؤتمر هي: الأمن الإقليمي، التربية والتسامح، الأمن المائي والغذائي، السياحة والطاقة.
أما اللقاء المشترك في دبي فإن أسئلة الصحفيين في المؤتمرات الصحفية عن نتائجه العملية كانت بلا جدوى. فعلى الرغم من أن تلك المناسبة جمعت مجموعات العمل لأول مرة، إلا أنهم، وفقاً للمعلومات التي قدمها المشاركون، لم يقدموا شيئا سوى تبادل الأفكار حول ما يمكن القيام به معاً. وعلى ما يبدو، لم تكن هناك أخبار جديرة بالتغطية حول المهمة الرئيسية المزعومة للحدث، وهي التحضير للمؤتمر الثاني لـ«قمة النقب». وكان من المعروف، حتى قبل لقاء دبي، أن ذلك المؤتمر من المقرر عقده في الربيع، ربما في وقت مبكر من شهر مارس.
في الواقع، لم يشهد «تطبيع» علاقات «إسرائيل» مع العالم العربي من خلال ما تسمى اتفاقيات أبراهام، التي أُعلن في عام 2020 على أنها «تسليط الضوء» على ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أي تقدم. فخلال مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر، في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، كان الصحفيون الإسرائيليون مستائين جدا من البرود الذي ظهر نحوهم بمجرد أن كشفوا عن أنفسهم أمام ضيوف آخرين من الشرق الأوسط. في أوائل شهر يناير، كُشفت للعلن نتائج أحد الاستطلاعات التي أجراها المركز العربي بواشنطن، حيث قام المركز باستطلاع آراء آلاف الأشخاص من 14 دولة عربية والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل غير قانوني، ووجد أن 84٪ في المتوسط R03;R03;يعارضون «التطبيع» مع «إسرائيل».
وفي 3 يناير، ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن دعم «التطبيع» منذ عام 2020 انخفض في الإمارات من 47 إلى 25٪ ومن 45 إلى 20٪ في البحرين. وبحسب الصحيفة الإلكترونية، فإن آمال الإسرائيليين في موجة السياح من دول الخليج العربي لم تتحقق أيضاً. فبينما توافد أكثر من نصف مليون إسرائيلي على الإمارات العام الماضي، زار إسرائيل 1600 إماراتي فقط.
ومما يزيد من استياء الإسرائيليين هو أن بعض السائحين من دول الخليج عاشوا تجارب سيئة مع قوات الأمن الإسرائيلية المفرطة في تحمسها، وتلمسوا ازدراءها للسكان المحليين في الجزء العربي من القدس، بمجرد أنها تعرفت إليهم من خلال ملابسهم.

الخلفية: تهجير في القدس
كان من المفترض، وفقاً لما كان مخططا له، أن يتم في وقت مبكر من عام 2021 تشغيل التلفريك الذي يمكنه في الساعة الواحدة نقل 3000 زائر إلى «جبل الهيكل» في القدس.
أما المحطة المقصودة من ذلك المشروع فهي مركز التنقيب الأثري «مدينة داود»، الذي يقع في قلب منطقة يسكنها العرب بشكل شبه حصري. أدت الاعتراضات من جهات مختلفة إلى تأخير المشروع، الذي وصفه معارضون بأنه جزء من مدينة «ديزني» لبقايا القدس التاريخية. في مايو 2022، رفضت المحكمة العليا أخيراً جميع الالتماسات ضد مشروع التلفريك المخطط له باعتباره غير مبرر بما فيه الكفاية.
المشروع بدأه وزير السياحة السابق جاريف ليفين، الذي يرأس وزارة العدل في الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية. فيما وزيرا النقل والبيئة السابقان، ميراف ميخائيلي من حزب العمل، وتمار زاندبرغ من حزب ميرتس، معارضان للمشروع بشكل صريح.
ويعبر المهندسون المعماريون والمطورون الحضريون المرموقون على مستوى العالم، وكذا علماء الآثار وعلماء البيئة، عن خشيتهم من التلفريك المخطط الذي يبلغ طوله 1.4 كيلومتر، والذي من شأنه أن يفسد صورة قلب المدينة التاريخي. في 2019، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المهندس المعماري الإسرائيلي موشيه سافدي قوله إن المشروع يعتبر «إهانة جمالية ومعمارية». ويدين النقاد، الذين يركزون بشكل أساسي على التداعيات السياسية، المشروع باعتباره مساهمة في تهجير السكان العرب من مدينة القدس القديمة، والتي تم دفعها إلى الأمام لسنوات عديدة.
وفي تحد للقانون، إنما مع الإفلات التام من العقاب وتحت حماية السلطات، تقوم الجماعات اليمينية المتطرفة بشكل منهجي بطرد السكان من منازلهم. غير أن مشروع التلفريك هو أكثر من كونه يستهدف فقط التركيبة السكانية، فهو «خط المعركة الحقيقي للسيطرة على المدينة»، بحسب أستاذ علم الاجتماع الإسرائيلي الراحل روني إيلينبلوم في تقرير لنيويورك تايمز.