حوار عادل عبده بشر / لا ميديا -
بينما الشمس تحاول التموضع في كبد السماء ظهر الاثنين 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، كانت «مرح»، ذات الـ16 عاماً، تمضي في طريقها عائدة إلى منزلها في «بيت حنينا» بمدينة القدس، بعد انتهاء الدوام المدرسي، محتضنة حقيبتها بين ذراعها، تفكر في سنتها الدراسية الحاسمة وتجاوز المرحلة الثانوية العامة. مع اقترابها من نقطة تفتيش للاحتلال الصهيوني، فوجئت بأحد الجنود يُفرغ خزنة مسدسهِ عليها، بزعم أنها تنوي تنفيذ عملية طعن.
14 رصاصة استقرت في يدها، فانهارت على الأرض غارقة في دمائها، يطوقها الجنود الصهاينة من كل صوب وحدب، مانعين وصول الإسعاف لأكثر من ساعتين، لتبدأ بعد ذلك رحلة العذاب للصغيرة المقدسية، متنقلة بين 4 سجون ومعتقلات للاحتلال، أمضت فيها 8 سنوات، قبل أن تنال حريتها يوم الجمعة 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ضمن الدفعة الأولى لصفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال الصهيوني.
في هذا الحوار الصحفي الذي أجرته معها صحيفة «لا» من العاصمة صنعاء، تتحدث الأسيرة المقدسية المحررة «مرح جودة بكير»، حول ذكرى الـ14 طلقة، وسنوات السجن الثماني، وكيف أصبحت ممثلة للأسيرات في معتقل «الدامون» والأحداث التي أعقبت صباح «طوفان الأقصى» يوم السبت الأسود لبني صهيون.

لحظة الأسر
 حدثينا عن عملية اعتقالك والمراحل التي مررتِ بها بداية من المكوث في المستشفى، حتى إيداعكِ سجن الدامون!
 بداية أهلا وسهلا بك وبصحيفة «لا» اليمنية وجميع أهلنا في اليمن الغالين على قلوبنا.
كان عمري 16 سنة ونصف السنة، كنت بالصف 12 الفرع الأدبي، وكنت أحلم أن أنهي تعليمي الثانوي وألتحق بالجامعة، لكن بتاريخ 12/ 10/ 2015 يوم الاثنين تغيرت حياتي؛ كنت أنهيت دوامي المدرسي، ومضيت في طريقي عائدة إلى المنزل، قابلتنا قوة صهيونية، وبمجرد اشتباه جندي صهيوني بي قام بملاحقتي وأطلق عليّ من مسدسهِ 14 رصاصة، استقرت جميعها في يدي اليسرى. في تلك الفترة كان الوضع في القدس متوتراً جداً مع بداية انتفاضة السكاكين (الانتفاضة الفلسطينية الثالثة أو انتفاضة القدس، وكذلك سُميت انتفاضة السكاكين، خلال الفترة من بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2015 حتى 2016).
بقيت أنزف على الأرض لمدة ساعتين. بعدها نقلوني إلى مستشفى العيسوية وأنا في حالة يُرثى لها، ومنعوا أهلي من الاطمئنان عليَّ، حيث اعتبروني من لحظتها متهمة، قبل أي إجراء قانوني، حتى صغر سني وأنّي في نظر القانون قاصر، لم يشفع لي أمامهم.
بعد ذلك نقلوني إلى مستشفى «عين كارم»، لأن يدي وذراعي كانت حالتها سيئة جداً نتيجة الرصاصات التي تعرضت لها، فقاموا في اليوم الأول بإجراء عملية لنزع الرصاصات، وطبعاً وسط حراسة مشددة، وبعد ذلك تم نقلي إلى غرفة في المستشفى ذاته، ولكنها فعلياً زنزانة بكل ما تعنيه الكلمة؛ الحراسة مُشددة، والشرطة متواجدة بجواري على مدار الساعة، الأمر الذي زاد من مستوى الخوف لديّ، وكنت بحاجة كبيرة لوالدتي وأهلي بجانبي، لكنهم لم يسمحوا لأحد بزيارتي.
بعد 21 يوماً من بقائي في المستشفى، تم إجراء عملية ثانية بزرع البلاتين في يدي بسبب تهشم العظم بشكل كامل من الكوع إلى الكتف وتلف الأعصاب بنسبة 80%، وبعدها بيومين ورغم حالتي الصحية السيئة، أخرجوني من المستشفى ونقلوني إلى سجن «الرملة»، وهذا السجن مخصص للجنائيات المعنفات، حيث مكثت فيه 15 يوماً، ليتم نقلي بعدها إلى سجن «عسقلان» لأمضي فيه 18 يوماً، بعد ذلك انتقلت إلى سجن «الشارون» ومكثت فيه 3 سنوات، ثم سجن «الدامون» الذي أمضيت فيه 5 سنوات.
طبعاً، السنة الأولى من سنوات سجني كانت كلها عبارة عن تنقل بين المحاكم الصهيونية لمحاكمتي بتهمة باطلة، أنني خططت لتنفيذ عملية طعن ضد جندي صهيوني، وبعدها حُكم عليّ بالسجن لمدة 12 عاماً، وغرامة قدرها 30 ألف شيكل، وبعد استئناف للحكم ومتابعة للمحاكم تم قبول الاستئناف وتحولت القضية من تهمة محاولة طعن إلى محاولة إيذاء، ليتم تخفيف الحكم إلى 8 سنوات ونصف، وغرامة مالية تُقدَّر بـ10 ألف شيكل.

سجون متشابهة
 ما الاختلاف بين هذه السجون في ظروف السجن وتعامل الإدارات؟
 لا يوجد اختلاف في السجون، جميعها متشابهة، ولا يوجد خصوصية للأسيرات، حيث يتم التعامل مع المرأة الأسيرة كما يتعاملون مع الأسرى الرجال.
عند وصولنا إلى سجن «الدامون» حاولت إدارة السجن فرض سيطرتها علينا وحرماننا من الكثير من الحقوق؛ ولكننا قمنا بخطوات احتجاجية لتحسين ظروف حياتنا بما يتناسب مع كوننا أسيرات، وهذه الخطوات تكون عادة برفض الوقوف للعدّ أثناء ما تقوم الإدارة بتنفيذ عملية عد للأسيرات والمناداة عليهن بالوقوف للعدّ. كذلك إرجاع وجبات الطعام، رفض الخروج إلى «الفورة»، وهي الفترة التي تكون متنفساً للأسيرات للخروج من غرفهن...

تحويل المحنة إلى منحة
 كيف تغلبت مرح الطفلة على ظروف السجن، وغدت ممثلة للأسيرات أمام إدارة سجن الدامون رغم أنها أصغر الأسيرات سجناً؟
 مع دخولي السجن وأنا قاصر، وبُعدي عن أهلي، كل ذلك فرض عليّ تحمل مسؤوليتي، وكان ضرورياً أن أحول المحنة إلى منحة. أيضا متابعة أهلي لي من خلال الزيارات وإحضار الكتب ساعدتني على الصمود وزيادة وعيي. وقبل كل ذلك إيماني المطلق بقضاء الله وقدره، وثقتي أن الأسر هو امتحان من الله وأن بيدنا النجاح أو الفشل، وأنه يجب ألا يستسلم الأسير لقسوة السجن وعليه أن يستغل وقته ويطور نفسه، وبالتأكيد صمودنا وقوتنا وتخطينا للصعاب كانت دائما تزعج إدارة السجن التي كانت تغضب حتى إذا رأتنا نضحك.
أيضاً تعلمت الكثير من ممثلة الأسيرات السابقة، لينا الجربوني، وجعلني ذلك موضع ثقة لدى الأسيرات، خصوصاً وأنني والحمد لله ذات شخصية قوية، وتعاملت مع الجميع بودّ واحترام وصدق، فتم انتخابي لأصبح ممثلة للأسيرات، أمام إدارة السجن، التي تتطلب أن يكون التواصل معها قوياً، ولم أتنازل يوماً عن أي مطلب أو حق. وأُعتبر أصغر ممثلة للأسيرات حصلت على هذا الدور.

مهام ممثلة الأسيرات
ما مهام ممثلة الأسيرات؟
 ممثلة الأسيرات دورها أن تكون الوسيط بين الأسيرات وإدارة السجن، وانتزاع حقوقهن وتحصيل كل ما تحتاجه الأسيرة، لأنه في السجون الأمنية ممنوع التواصل المباشر مع أي أسيرة إلا بوجود الممثلة، لذلك تعتبر أهم وظيفة لدى ممثلة الأسيرات هي حماية قسم الأسيرات الأمنيات من أي اختراق من الإدارة عبر أي ثغرة في القسم، فمثلا لا يمكن أن تخرج أي أسيرة من القسم إلى العيادة دون مرافقتي، وهذا ما تعلمناه من الممثلات السابقات، لأن المخابرات تنتظر عادة أن تستفرد بالأسيرة في العيادة إذا كانت وحدها، وتبدأ بطرح أسئلة عليها في محاولة لتجميع معلومات عن القسم، وقد تقع الأسيرة في فخ بعض الإجابات التي تظنها عادية.
ومن مسؤولية الممثلة أيضا ترتيب تنقلات الأسيرات بين الغرف إذا وقعت أي مشكلة وتعذر حلّها، فأقوم على الفور بتقديم طلب للإدارة لنقل الأسيرة لحل المشكلة، دون الإفصاح -تحت أي ظرف- عن سببها، وتضاف إلى ذلك الكثير من المهام، أحيانا تقرر إدارة السجن عمل عدّ مفاجئ في القسم الساعة الرابعة فجرا، تكمن وظيفتي هنا في إيقاظ كافة الأسيرات ليقفن بهدف عدّهن. وفي حال قررت إدارة السجن إجراء تفتيش مباغت فإنه يمنع عليها الدخول إلى الغرف والاحتكاك بالأسيرات دون وجودي.
كذلك أي أسيرة تتعرض لانتهاك أو إهمال طبي أو عائق مع إدارة السجن، وظيفتي هي محاربة الإدارة حتى لو دفعت الثمن بشكل شخصي، وفي بعض الأحيان كانت تستمر الحرب الشفوية بيني وبين الإدارة لمدة شهرين بهدف السماح لإحدى الأسيرات مثلا بالاتصال بشقيقها الأسير. وفي حال لم أُفلح بالمفاوضات الشفوية، نبدأ بإجراءات احتجاجية تصعيدية لنحقق مطلب الأسيرة، ونحن نعلم أن العقاب قد يشمل جميع القسم، لكن لا مفر من ذلك.

«طوفان الأقصى»
كيف تلقّيتِ خبر عملية «طوفان الأقصى»؟ وكيف تعامل معكم الصهاينة؟
 تلقيت الخبر مثل باقي الأسيرات، الساعة الثامنة صباح السبت، عن طريق التلفاز والراديو، وكانت مفاجأة كبيرة لنا، وشعرنا أن موعد حريتنا قد اقترب، وبعدها بنحو نصف ساعة تقريباً قطعت عنا إدارة السجن الكهرباء حتى لا نستطيع متابعة التلفاز. فقمنا بالتكبير والإنشاد وترديد أغاني الحرية، والبعض سجدن شكراً لله، ورداً على ذلك قامت الإدارة باقتحام القسم ورش الغاز والاعتداء علينا بالضرب وإعادتنا إلى الغرف وإغلاقها. وتقريباً عند الرابعة عصراً اقتحموا غرفتي واعتدوا عليّ أنا والأسيرات اللاتي معي في الغرفة، ضربونا بالعصي ورشوا علينا الغاز، ثم سحبوني وقيدوني وأخرجوني من القسم، ونقلوني إلى العزل في سجن آخر يدعى سجن «الجلمة» بعيدا عن باقي الأسيرات، وفي سجن «الجلمة» وضعوني في زنزانة انفرادية بقسم جنائي لمدة 47 يوماً، انعزلت فيها عن العالم ولم أعلم بأي أخبار.
في زنازين العزل لا يُسمح للأسيرة بإبقاء أي شيء معها، عدا فرش بسيط وملابسها التي ترتديها والمصحف الشريف وكتاب، فقط.
كانت زنزانة «الجلمة» سيئة جداً، مساحتها متران في متر ونصف. كنتُ مراقَبة بأربع كاميرات على مدار الساعة، إحدى الكاميرات مسلطة على مكان الاستحمام، مما يزيد الضغط عليّ كفتاة تحتاج إلى خصوصية.

صلاة ودعاء
 كيف قضيتِ فترة عزلة في هذه الزنزانة وحافظتِ على توازنك لـ47 يوماً؟
 كنت كثيرة التفكير بالأسيرات، خاصة أنني أعلم أن أوضاعهن المعيشية ستصبح شديدة السوء وستعود إلى نقطة الصفر، بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أيضاً كنت كثيرة التفكير بأهلي؛ لكنني وكلت بهم وبالأسيرات رب العالمين، وقضيت الوقت في الصلاة، وأقبلت على الدعاء وتلاوة القرآن بصوتٍ عال، حتى أسمع صوتاً في الغرفة ولا يقتلني الهدوء التام. ثم قرّرت الإضراب عن الطعام للضغط على إدارة السجن لتلبية مطلبي بإعادتي إلى قسم الأسيرات في سجن الدامون. امتنعت عن الطعام والشراب لمدة 8 أيام، انخفض وزني حوالى 14 كيلوجراماً، وارتفع ضغط الدم، وحصل تشوش في عمل القلب، فنقلوني إلى العيادة، ثم تلقيت خبراً من والدتي بأن الأوضاع صعبة وتنصحني بإنهاء الإضراب، لأن السجانين لن يكترثوا لإضرابي، فصليت استخارة واستمررت بالإضراب ليومين إضافيين، حتى رأيت رؤيا في المنام وفهمت منها أنّ عليَّ الاستماع لنصيحة أمي وإنهاء إضرابي.

فرحة منقوصة
كيف تمّت إجراءات خروجك؟ وهل أخبروكِ بأمر صفقة التبادل قبل أن يتم إطلاقك؟
 لم يخبروني بأي شيء، وكذلك لم أكن أعلم شيئاً حول ما يدور في الضفة الغربية ومع أهلنا في غزة، وعندما خرجت من العزل إلى منزل عائلتي، أخبروني بكل الأحداث، وكان وقعها عليّ صعباً جدا أن نخرج من السجن بثمنٍ غالٍ وهو دماء أهلنا وشهدائنا في غزة، ثبتهم الله وأعانهم ونصرهم.
أيضاً ليلة الإفراج اقتحم جنود الاحتلال منزلي وفرقوا الأهالي والصحفيين الذين كانوا متجمعين أمام المنزل لاستقبالي، وكذلك اشترطوا علينا أثناء الإفراج عدم الاحتفال بحصولنا على الحرية من سجون الاحتلال، وأنه ممنوع رفع الأعلام والرايات، أو توزيع الحلوى أو أيّ من مظاهر الفرح، وفي حال خالفنا ذلك سيتم مساءلتنا ودفع غرامة مالية.
أنا ووالدي رفضنا التوقيع على شروطهم، ولم نحتفل ليس خوفاً منهم، وإنما لوجعنا الكبير على ما يحدث لأهلنا في غزة، وقلنا: ما في فرح أو احتفال، وأساساً فرحتنا منقوصة ومليئة بالألم على أهلنا في غزة.

صفقة
 هل كنتِ تتوقعين أن يأتي اليوم الذي تخرجين فيه من المعتقل قبل إكمال سنوات الحكم؟
 كنت دائما على يقين بأني سأتحرر بصفقة مشرفة قبل انتهاء فترة حكمي؛ لكن لم أتوقع أن تحدث الصفقة نتيجة لحرب وعدوان أودى بحياة عشرات الآلاف من أبناء شعبنا. وحقيقة رافقني شعور داخلي دائم بأنني وجميع الأسيرات في «الدامون» سنتحرر بصفقة تبادل؛ لأنني كنت أخشى كثيرا التحرر وترك الأسيرات خلفي، لشعوري بمسؤولية كبيرة تجاههن. ورغم أننا فرحنا بالتحرر، وهذا حق لكل أسير، لأن مكاننا ليس في السجون، لكن المحزن والصعب -وجميعنا رددنا هذه الجملة- أننا لم نكن نريد أن نتحرر مقابل هذا الشلال الكبير من دماء الشهداء وبالتأكيد لسنا سعداء.
ثمن الحرية كان عالياً، والضريبة التي دفعتها غزة لنعود إلى بيوتنا كانت باهظة جدا، لذلك مهما قلنا ومهما تحدثنا وعملنا فبالتأكيد لن نوفي أهلنا في غزة حقهم، نسأل الله أن يقف معهم وينصرهم ويثبتهم ويعز الإسلام والمسلمين.

الأقصى رفيقنا
 ما أسوأ ما حدث في السجن، سواء لكِ أو لأي أسيرة أخرى، ومازال عالقاً في ذاكرتك وأثّرَ كثيراً في نفسيتك؟
 الأكثر سوءاً في السجن هو بُعدك عن أهلك، عن والديك وأشقائك، أن تمضي سنوات من عمرك دون أن تلتقيهم، دون أن تضع رأسك بين أحضان والدتك وأن تقبل يد والدك كل صباح، أن تشاهد إخوانك الأصغر منك وهم يكبرون أمامك... لقد كبروا وأنا كبرت، ونحن بعيدون بعضنا عن بعض. ورغم ذلك كانت أمي تقوم بدور كبير للتخفيف عنّي، ومحاولة نقل أجواء العائلة إلى داخل المعتقل، من خلال إخباري بتفاصيل حياتهم وترسل لي دائماً صوراً فوتوغرافية للبيت والأهل والأصدقاء، وأيضا صوراً للأقصى الشريف. كانت أمي تعمل جاهدة لأن أبقى على معرفة بكل تفاصيل حياتهم، وعلى ارتباط وثيق ببلدنا ومقدساتنا وفي مقدمتها الأقصى الشريف.
ومن بين الأشياء المؤلمة التي حدثت في السجن ومازالت عالقة في ذاكرتي ونفسيتي، هي وفاة إحدى أخواتنا الأسيرات داخل السجن العام الماضي، وأيضاً كان الخوف الأكبر دائماً أن نفقد أحداً من أهلنا ونحن بعيدون عنهم.

سنوات لم تُسرق
 دخلت مرح بكير الأسر وهي طفلة، وغادرته شابة يافعة، بماذا تصفين السنوات التي سُرقت من عُمرك في سجون الاحتلال؟
 لا أعتبر أن السنين التي قضيتها في الأسر قد سُرقت من عمري، فأنا استطعت أن أنهي تعليمي الثانوي بنجاح داخل السجن، وأيضا الكتب التي قرأتها ساهمت في صقل شخصيتي وتثقيفي بطريقة صحيحة، حيث قرأت حوالى 700 كتاب متنوعة بين الأدب والتنمية البشرية والأديان، وكنت أُسجل وأدون كلما تعلمته من كل كتاب، والحمد لله استطعت كتابة تجربتي في السجن، وقريباً إن شاء الله سيتم إصدارها في كتاب. وكما ذكرتُ سالفاً أن الأسير هو من يحدد ماذا سيكون داخل السجن، إما أن يقوي نفسه بطريقة صحيحة وإما أن يدمرها.
وطبعا الأهل لهم الدور الكبير في دعم ابنهم الأسير أو ابنتهم الأسيرة، والحمد لله أهلي كانوا داعمين لي بشكل صحيح.

عملية مؤجلة
 كيف وضعكِ الصحي حالياً؟
 وضعي الصحي للأسف سيئ، بسبب عدم تلقي العلاج ليدي طوال فترة مكوثي بالسجن مثل باقي الأسرى الذين يعانون من الإهمال الطبي. ولكن بعد حريتي توجهت لمتابعة علاجي وإجراء الفحوصات، وتبين وجود عصب رئيسي مقطوع وهو بحاجة إلى تدخل جراحي، حتى تعود يدي إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الإصابة برصاصات جنود الاحتلال، وتم تحديد موعد لعمليتي الجراحية بعد عدة أشهر إن شاء الله.

مرح الطفلة والشابة
 ما الفرق بين مرح بكير عام 2015 ومرح في عام 2023؟
 مرح 2015 هي تلك الطفلة التي كانت تتلقى تعليمها في الثانوية العامة بالفرع الأدبي على مقاعد إحدى مدارس القدس، وهي التي لم تكن تعرف كثيرا مما يدور حولها. ومرح 2023 هي هذه الشابة التي صقلت سنوات السجن شخصيتها بشكل مختلف، فأصبحت أقوى وأكثر صبرا وأقرب إلى الله. كنت دائما أردد: من كان الله معه فمن عليه؟! وبهذه العبارة تحديت الصعاب؛ لأنني عرفت أن الله لن يتركني في محنتي. اكتسبت خبرة داخل السجون في كيفية التعامل مع مختلف شرائح المجتمع ومع الشخصيات المختلفة، ولديّ الآن حكمة في تقدير الأمور والمواقف.

أُمنية
 ما الأمنية التي ترغبين بتحقيقها بعد أن نلتِ الحرية؟
 حلمي أن أنهي تعليمي الجامعي بدراسة المحاماة وأُصبح محامية، لأدافع عن الأسرى وقضيتهم، ليس في المحاكم المحلية، بل في الدولية؛ لأن الانتهاكات التي يتعرضون لها كبيرة جداً. وأتمنى أيضاً أن أتلقى تعليمي الجامعي خارج البلاد، وهذا ما أطمح إليه.
أما الأُمنية الجليلة والكبيرة والمقدسة هي أن يتحرر بلدي فلسطين ونعيش بحرية وأمن وسلام مثل بقية دول العالم، فهذا حقنا الشرعي.

اليمن وفلسطين
 ما تعليقكِ على دخول اليمن الحرب نصرة لفلسطين؟
 وقوف اليمن مع فلسطين تاريخي، ولن تنسى الأجيال الفلسطينية هذا الموقف الشجاع للشعب والقيادة اليمنية. وأستطيع القول بأن اليمن وشعبه صاروا في قلب كل فلسطيني، مثلما يشعرنا أهلنا في اليمن بأن فلسطين هي في قلب كل يمني، وعندما نرى الحشود المليونية التي لا تتوقف عن التظاهر في صنعاء رافعة أعلام فلسطين، نشعر بالفخر والعزة وأن صنعاء هي بيت المقدس الثانية.
نحن شعب واحد؛ ولكن للأسف تفرقنا الحدود؛ ولكن تجمعنا محبتنا للأقصى والقدس، فالأقصى هو لجميع الشعوب العربية والإسلامية، ويجمعنا محبتنا له وخوفنا عليه، ونحن نعلم بأن جميع شعوب أمتنا العربية والإسلامية تشاركنا محبة الأقصى والخوف عليه، وحلمنا الذي نرجو أن يتحقق هو أن نجتمع بأهلنا من كل الدول العربية والإسلامية في فلسطين ونصلي جميعاً في الأقصى.