إياد الشرفي / لا ميديا -
ذلك الصوت العتيق للأذان القادم من الجامع الكبير بصنعاء الذي يصدح به العلامة حمود السفرجل يختصر عقودا من الزمن مختزلا المكان والشعيرة الإسلامية من جنباته، روحانية مسافرة عبر أثير إذاعة صنعاء إلى جميع مناطق اليمن البعيدة في المدن والقرى والجبال.
ذلك الجامع المهيب حين تدلف إلى الداخل يغدقك بسكينة غامرة وروحانية رهيبة كأنها قادم من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكأن يديه باركتاه حين أرسل «وبر بن يحنس الأنصاري» وكلفه ببنائه في السنة السادسة للهجرة، ويقول الشيخ المؤذن صالح درهم بأنه أقدم المساجد في اليمن وثالث أقدم المساجد في الإسلام، أحجار أبواب الجامع من قصر غمدان ومنها المدخل الذي يقع على يمين المحراب وبه صفائح من الفولاذ متقنة الصنع من ضمنها لوحان مكتوبان بخط المسند أبوابه 12 بابا، منها باب الرحمة وباب الرعد وفي الجدار الجنوبي مدخل واحد يعرف بالباب العدني وقد جرت عليه الكثير من الترميمات وأما من حيث التوسعة فقد تم ذلك على يد الأمير علي بن الربيع بأمر من الخليفة المهدي العباسي، وفقاً للوحة المكتوبة في صحن المسجد.
يشكل الجامع الكبير مدرسة فقهية وعلمية في اليمن يتفاخر بها الطلاب الدارسون فيها بأنهم تخرجوا وتلقوا علومهم الدينية والفقهية على أيدي علماء ومشايخ الجامع الكبير.
والعلوم التي تدرس في الجامع الكبير، علوم القرآن والتفسير والحديث والتاريخ والسيرة النبوية والنحو والصرف وعلوم الفرائض والجغرافيا والفلك وكل العلوم.
في الجهة الغربية للجامع عدد كبير من المنازل أو الغرف الصغيرة وهي مخصصة لطلاب العلم الذين يأتون من خارج صنعاء والمناطق البعيدة، ويجمع الجامع الكبير علماء الزيدية والشافعية دون أي تفرقة مذهبية تذكر، وهنالك أكثر من عشرة آلاف مخطوطة قديمة منها مصحف قديم كتب بخط الإمام علي بن أبي طالب.
ويعتبر الجامع الكبير ميقاتا لبقية جوامع ومساجد العاصمة صنعاء فيرفعون الأذان بالتزامن من خلال فتح الراديو لأثير الإذاعة. والجامع الكبير يعد تحفة معمارية بارعة مستوحاة من فن العمارة الإسلامي.
وعندما تهم بالمغادرة إلى الخارج كأنك ستجد خيل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب قد ربط على بابه.. تلك الروحانية معتقة بسير الأولياء والأتقياء الذين أحيوا أروقته بالذكر وقراءة القرآن ودراسة العلم والفقه.
والجامع الكبير ترتفع منه منارتان متوسطتا الطول بصومعتين للأذان لكبر مساحته إحداهما غربية والأخرى شرقية من خلالهما يصل الأذان إلى كل أحياء صنعاء القديمة قبل وجود مكبرات الصوت ومازالت تلك العادة إلى اليوم حيث يقف في الصومعة الغربية الحاج الفاضل صالح درهم ويساعده في رفع الأذان من وقت لآخر أخوه الحاج نصار درهم وفي الصومعة الشرقية الشيخ العلامة والفقيه حمود السفرجل ويساعده في رفع الأذان أيضا ولداه هلال ومحمد السفرجل.
وفي مقابلة قصيرة حول مركزية الجامع الكبير في صنعاء ودوره في إحياء ليالي الشهر الفضيل حاورنا فيها فضيلة الشيخ صالح درهم مؤذن الصومعة الغربية وكنا قد قابلنا الشيخ حمود السفرجل إلا أنه كان يعاني من وعكة خفيفة فاعتذر نسأل الله له الشفاء والعافية.. وعند سؤال الشيخ صالح درهم عن كيفية استقبال شهر رمضان الكريم ونحن على أبوابه أجاب أن شهر رمضان هذا الذي ينتظره المسلمون في جميع أنحاء العالم وبالطبع له وقعه الخاص على نفوس وأهالي صنعاء القديمة حيث يستقبلونه بالتسبيح والتهليل وقراءة القرآن وهنا في الجامع الكبير كان هناك جهد كبير بتنظيف الجامع وتهيئته لاستقبال الشهر الفضيل.
وعند سؤاله عن أبرز العادات الرمضانية لصنعاء القديمة أجاب الشيخ صالح: في صنعاء يتسامر الناس حيث تذهب الأسر لزيارة بعضها البعض كما ويتبادلون شتى الوجبات المتعلقة بهذا الشهر قبل حلول المغرب.
وعن اختلاف العادات الرمضانية قديما عن حاضرها هذه الأيام وهل هناك عادات اختفت أو تلاشت يضيف الشيخ صالح درهم أن العادات الرمضانية لم تتغير كثيرا لكنها اليوم ليست بنفس الزخم الذي كان عليه الجميع قديما حيث كانت الناس تخرج في السابق لاستقبال الشهر الكريم بالتهليل والأناشيد كما يرتفع التسبيح والتهليل من الجامع الكبير من بعد صلاة العشاء حتى منتصف ليلة اليوم الأول من رمضان وتمتلئ أروقة الجامع بالناس لتلاوة القرآن.