المقرئ يحيى الحليلي / لا ميديا -
شهر رمضان، هذا الضيف الذي يحل علينا كل عام كأنه الظل الوارف، فلربما أنهكتنا شمس الأيام دونه. في رمضان تتنزل الرحمة والبركة. وللمساجد في رمضان قدسية رهيبة وسكون بديع. اليوم كنا ضيوفاً في رحاب جامع قبة المتوكل، كما هو اسمه، ولم نبتعد كثيرا عن مدينة صنعاء التاريخية، وهو من المساجد القديمة العامرة التي تزخر بها العاصمة صنعاء، فالسكينة والروحانية فيه لا مثيل لهما، حيث يجتذب إلى رواقه القديم المئات والآلاف من زواره ومصليه يوميا .
المسجد يحاذي من جهة الغرب «باب السبح»، أحد الأبواب السبعة لصنعاء القديمة. بناه الإمام المتوكل على الله يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين، الذي حرر اليمن من الحكم العثماني سنة 1912.
ومن حيث نبدأ عبر بوابة حجرية تفتح إلى الصوح الشمسي، الذي ينقسم إلى قسمين: شرقي وتوجد فيه القبة التي تحوي ضريح الإمام القاسم بن الحسين، وجنوبي وهو ممر طويل على جوانبه سبعة عقود من الحجر الأسود، يليه بيت الصلاة، الذي يحمل القبة الشاهقة التي بناها الإمام المتوكل على الله يحيى بن حميد الدين، وتملأ بيت الصلاة عقود واسعة بنمط العمارة الصنعانية الخالص، حيث الحجر الجيري الذي استخدم والياجور والجص في بناء القباب والعقود، والنقوش الهندسية الجميلة تزين حواف قباب وجدران المسجد بنوافذه الزجاجية الملونة والمطوقة بالجبس.
في الداخل عند المحراب المطرز بعقود جبسية منقوشة فيها آيات قرآنية، قابلنا العلامة والفقيه يحيى بن محمد الحليلي، الذي ما يزال قيماً للجامع منذ 50 عاما. أخبرنا أن الجامع كان وما يزال مدرسة  لتعليم القرآن الكريم، ولديه الكثير من الطلاب وحلقات تحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات طوال العام. وعن مركزية ودور الجامع خلال الشهر الكريم يضيف الإمام الحليلي أن الجامع في رمضان يصبح بيتاً للكثير من الناس الذي يصنعون موائد إفطار الصائمين، فلا يغلق المسجد أبوابه حتى الفجر، فبالإضافة إلى إقامة الصلوات الخمس هناك من يستغل ليله بقراءة القرآن والنوافل وما شابه. ويقول المؤرخ محمد الحجري في كتابه «جوامع صنعاء»:
«مددت يدي لله أرجو ثوابه، فمنَّ بتوفيقي، وأولاني الله فبنيت له بيتا، وقلت مؤرخا: لك الحمد، هذا ما عمرناه. وقد تفنن بإتقان عمارته وأحكم بناءه وفرشه بالفراش النفيس وأوقف جملة من المصاحف الخطية المذهبة الثمينة، وإنارة القبة بالمصابيح الكهربائية الجميلة. وجعل مطاهيره ومواضيه على طريق الغيل الأسود (نبع الماء) الذي يمر من جنوب صنعاء إلى شمالها، والذي اندثر بفعل عوامل الحضارة والعمران».