تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -
تعد مشاريع التخرج أول فرصة لرسم ملامح مستقبل الخريج باعتبارها أول تجربة فعلية له تمثل عصارة التجارب العلمية والمعرفية التى استقاها الطالب خلال مسيرته الدراسية.
وباعتبارها أيضا الطريق لمستقبل مشرق للطالب الريادي، تقدم مشاريع التخرج فرصة ذهبية للطلاب للدخول إلى عالم الريادة، ومنهم طلاب التخصصات الإعلامية وهنا نخص طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون الذين يعتبرون مشاريع تخرجهم مفتاح نجاحهم.
ولكن ماذا يمكن القول في حال سلبت من هؤلاء الخريجين هذه المفاتيح كما هو الحال مع خريجي قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، والذين يتهمون جامعتهم ليس فقط باغتيال مشاريع تخرجهم وإنما الإمعان في استغلالهم وتقديم مشاريعهم كأضحيات وقرابين لتلميع كلياتها ومراكزها التي تفتقر لأبسط المقومات الأكاديمية.

قرار صادم يصادر مستقبلهم
في الوقت الذي شرع فيه عدد من طلاب السنة الرابعة في قسم الإذاعة والتلفزيون بجامعة صنعاء في إطلاق العنان لأفكارهم في ما يخص صناعة المحتوى لمواد فيلمية ترسم مستقبلهم، وعلى غير العادة فوجئ هؤلاء الطلاب بقرار صادم يحول دون إكمال البعض لمشاريع تخرجهم التي كلفتهم الكثير من الجهد والمال، ويصادر عن البعض الآخر حريتهم في اختيار مواضيع مشاريع تخرجهم، التي تم تكبيلها بكليات ومراكز جامعة صنعاء لتدور حولها مشاريعهم.

رفض لقرار غير مبرر
عبر عدد من الطلاب ممن التقتهم «لا» عن رفضهم للقرار باعتباره مجحفا وغير مبرر، وتقزيما لقدراتهم، وأعلنوا تمسكهم بحقهم في إنتاج أفكار إبداعية تلامس واقع المجتمع وليس رغبات رئاسة الجامعة التي لم توفر لهم أبسط التسهيلات أثناء سنوات دراساتهم في ظل غياب تام للتطبيق العملي كون الإذاعة مغلقة منذ سنوات. فيما عبر آخرون عن صدمتهم وخيبتهم في آن من القرار الذي لا يخدم سوى رئيس الجامعة على حساب مستقبلهم.
الكلمات كانت وحدها عاجزة عن نقل الإحباط والخيبة في وجوه هؤلاء ولسان حالهم يقول: «ما هي الفائدة التي ستعود علينا من عمل أفلام عن كليات جامعة صنعاء؟»، ويضيفون: «يفترض بالجامعة دعم الطلاب وليس استغلالهم، وإنتاج مثل هذه الأفلام الترويجية يفترض أن تنفذها الجامعة من ميزانيتها وليس على حساب جيب الطالب ومستقبله».

شرف المهنة لتشجيع الفساد
فيما تساءل عدد من الخريجين المغلوبين على أمرهم عن دور المهنية في تلميع كليات تلازمها المشاكل الخدمية والتعليمية، معتبرين أن التغاضي عن جوانب القصور يعد تعاونا مع الفساد وتشجيعا له، وغيرها الكثير من الأسئلة التى طرحها الخريجون، لكنهم لم يجدوا لها إجابات حتى عند من أوكل لهم هذا العمل، بحسب أحد الخريجين.

اسألوا عباس
يفيد أحد الطلاب بأنه حين ذهب لرئيس قسم الإذاعة والتلفزيون لسؤاله حول ما إذا كانت الأفلام المطلوب منهم إنتاجها ستتطرق لجوانب القصور في الكليات، أم أن ذلك غير مرغوب فيها؟ أو، هل يجب أن نلتزم الحيادية أم مطلوب منا التلميع فقط والتغاضي عن القصور؟ رد عليه رئيس القسم بأن الإجابة على مثل هذه التساؤلات ليست من اختصاصه، قائلا: «هذا السؤال يستطيع أن يجيبك عليه الأخ رئيس الجامعة، لأني لست مخولا بالكلام بالنيابة عنه، ويستطيع أن يرد عليك أحسن مني».

العميد مغلوب على أمره
تفيد شهادات عدد من الطلاب بأن عميد كلية الإعلام، عارض القرار مبدئيا بحجة أنه لا يستطيع أن يفرض ذلك على الطلاب، لقناعته أن مشاريع التخرج عمل إعلامي وجهد فكري لا يحق تحديده للطلاب وفرضه عليهم.. إلا أن معارضة العميد لم تدم طويلا تحت ضغوط عباس، حد قولهم.

عباس يمعن في استغلالنا
يؤكد حسين علي (أحد الخريجين) أن جامعة صنعاء ممثلة برئيسها الدكتور القاسم عباس يمعن في استغلال طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون لإنتاج أفلام عن كليات ومراكز الجامعة ليخبر الآخرين عن مدى نجاحاته وأن التطور العلمي والأكاديمي في الجامعة جار على قدم وساق.

تمجيد نجاح وهمي
ويضيف حسين: «رئيس الجامعة لم يهتم بكلية الإعلام منذ توليه منصبه قبل أربع سنوات، ولولا الجهود الشخصية لعميد الكلية لتراجع مستوى الكلية كثيرا، والآن يريد رئيس الجامعة استغلالنا كطلاب، خصوصا الزملاء في قسم الإذاعة والتلفزيون، والذين باتوا مطالبين ليس فقط بتحمل تكاليف إنتاج تلك الأفلام التي تخدم رئيس الجامعة، وإنما باتوا مطالبين أيضا بالتخلي عن شرف المهنة بإنتاج أفلام تمجد جوانب نجاح وهمية والتغاضي عن كل جوانب القصور الملازمة لهذه الكليات التي تفتقر لأبسط مقوماتها التعليمية والخدمية».

مشروع تخرجي رصيدي
فيما يفيد محمد الصباري بأنه كان قد قطع شوطا كبيرا في إنتاج فيلم وثائقي استقصائي كلفه الكثير من الجهد والمال، في سبيل مشروع تخرج يليق به وبقدراته التي تؤهله لسوق العمل، مبديا انزعاجه الشديد من القرار المتأخر الذي يلزم بعمل فيلم عن إحدى الكليات في جامعته التي وجدها تغتال حلمه.
ويضيف: «مشروع تخرجي هو رصيدي سأضيفه إلى رأس قائمة الـC.V، عندما أقدم على أي عمل، أقول هذه أعمالي، ولكن الآن للأسف لن يعتبر فيلم وثائقي عن كلية شهادة تعكس قدراتي، وهذا تقزيم وتحجيم لقدراتنا».
وتابع: «أنا غير مقتنع بهذا القرار الذي كان من المفترض أن يطلعونا عليه مبكرا وقبل أن نشتغل مشاريعنا، وربما كان من الممكن أن نتكيف معه لو أطلعونا عليه بداية السنة وليس بنهايتها».

قتل للحماس والإبداع
فيما تقول إحدى الطالبات إن القرار أصابها وزملاءها بالإحباط، كونه يجبرهم مكرهين على رمي أفكارهم ومشاريعهم الهادفة خلف ظهورهم وإنتاج مواد فيلمية تخدم رئيس الجامعة.
وتضيف: «أنا عندي فكرة معينة أريد أن أناقشها وأطرحها من خلال مشروع تخرجي كرسالة للمجتمع، لقناعتي بهذه الفكرة أو الرسالة والتي كنت أهدف أيضا من خلالها أن أضع لمستي الخاصة وإبداعي في طرح هذه الفكرة، ولكن مع القرار ما هي الفائدة التي ستعود علي من إنتاج فيلم عن كلية، فيما هناك العديد من القضايا التي يجب مناقشتها؟».
وتتابع: «المشكلة الأخرى هي أن القرار جاء متأخرا، لأن عددا من الطلاب خسروا أموالهم وجهدهم في إنتاج مواد فيلمية كانوا مقتنعين بها، وصار مطلوبا منهم تغيير أفكارهم ومسارهم وإنتاج أعمال غير مقتنعين بها، وهذا بالتأكيد سيحبطهم كثيرا».

الرأي الآخر
بالمقابل وعلى النقيض جاء رأي رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون؛ الدكتور محمد الفقيه، مؤيدا لهذا القرار، الذي قال إنه مناسب ولمصلحة الطلاب.
وأوضح الفقيه في تسجيل صوتي لصحيفة «لا» أن القرار جاء انطلاقا من القفزة التي حققتها جامعة صنعاء في تصنيف الجامعات اليمنية، وتم إصداره من قبل مجلس الجامعة وليس رئيسها كما يشاع. مضيفا: «ارتأى مجلس الجامعة إنتاج فيديوهات تعريفية على شكل أفلام وثائقية عن كليات الجامعة ومراكزها، لأن أحد معايير التصنيف للجامعات هو وجود أفلام وثائقية على موقع الجامعة يستطيع من خلاله الأشخاص الذين يقومون بتصنيف الجامعات دخول موقع الجامعة ومعرفة الكليات ومميزاتها ومجالاتها».

ثمن بخس
وتابع الفقيه بالقول: «إن مجلس الجامعة رأى أن كلية الإعلام ولاسيما قسم الإذاعة والتلفزيون، الذي لي شرف رئاسته، هو أكثر من يمكن أن يضطلع بهذه المهمة الوطنية الكبيرة لجامعة صنعاء ولليمن بشكل عام، واجتمع مجلس كلية الإعلام وبارك القرار وعهد إلينا وإلى قسم الإذاعة والتلفزيون للقيام بهذه المهمة، كما أقر المجلس منح كل طالب 10 درجات في إطار مشروع التخرج».
وفي رده على سؤالنا بأن مثل المشاريع يجب أن تنفذها الجامعة ومن ميزانيتها ولا يجب أن تكون على حساب ميزانية الطالب ومشروع تخرجه؟ قال: «مشروع التخرج يتكفل به الطلاب كمادة تخرج وتكلفهم مبالغ لا تقل عن 250 ألف ريال وتزيد، أما أفلام وثائقية عن كليات الجامعة فلن تكلفهم 10٪ من هذه التكلفة، فرصة للطلاب أقل تكلفة وأقل جهدا لن يكلف من 20 إلى 25 ألف ريال، والكلية ستقدم لهم كل التسهيلات بداية بالتنسيق والاتصالات والتصوير ونهاية بالتسجيل للتعليق في الاستوديوهات والمونتاج والإخراج والإشراف العام والمتابعة».

التطبيق العملي
وفي ما يخص غياب التطبيق العملي، كان رد الفقيه: «أما قولك إن الطالب لم يتدرب على التطبيق العملي فهذا غير صحيح. الطلاب عندي يشكون من كثرة التطبيقات العملية في المواد ناهيك عن أنهم قد أنتجوا أكثر من فيلم قبل أن يصلوا للمستوى الرابع. بالإضافة إلى أنه تم توزيعهم هذا العام على المحطات الإذاعية والتلفزيونية الحكومية والخاصة ليتدربوا على الأخبار والبرامج في إطار التعاون مع وزارة الإعلام، وتستطيع أن تسألهم في ذلك، وقد حققوا نجاحا كبيرا».

قرار كارثي
من جانبها وصفت الدكتورة سامية الأغبري؛ عضو هيئة التدريس في قسم الصحافة كلية الإعلام، القرار بـ«الكارثي» و«يحد من حرية الطلاب في اختيار أفكارهم».
وقالت: «لست مع القرارات الفوقية من رئاسة الجامعة في تحديد طبيعة مشاريع التخرج ومضامينها، لأن مشروع التخرج الهدف منه التعرف على مدى استيعاب الطلاب للمواد العلمية طوال سنوات الدراسة وتطبيقها من خلال مشاريع التخرج. وهذا أكيد يحد من حرية الطلاب وقدرتهم على اختيار الأفكار التي يريدونها ويقلل من حماسهم وإبداعهم».
وتابعت الأغبري: «النتائج كارثية لمثل هكذا قرارات، لأن مشروع التخرج من حق الطالب أن يختار موضوعه ويحصل على تسهيلات من الجامعة كي ينزل إلى المجتمع وسوق العمل المتاح ويتلمس حاجات المجتمع. لأن أغلب المشاريع جماعية وبعضها قد تتحول إلى مشروع مستقبلي لهم».