تقرير / لا ميديا -
في مشهد متكرر من الإجرام المروع، يمعن العدو الصهيوني في تحويل قطاع غزة إلى جثة جغرافية مفتوحة على الدم والركام، وسط استمرار عدوان الإبادة الجماعية الذي يدخل شهره الثاني والعشرين، بلا رحمة أو أفق للسلام.
آلة القتل الصهيونية تعمل كوحش منفلت من الأخلاق والقانون، تُغذيها نزعة السيطرة العمياء وكراهية مزمنة لكل ما هو فلسطيني.
خلال 12 ساعة، فقط، أمس السبت، ارتقى أكثر من 125 شهيداً، بينهم أطفال ونساء، وأصيب عشرات آخرون، في سلسلة هجمات متفرقة استهدفت كل ما يتحرك على أرض غزة: خيام نازحين، منازل المدنيين، تجمعات بشرية تنتظر لقمة خبز أو شربة ماء في جنوبي خان يونس. ليست هذه مجرد حرب عادية، بل خطوات ممنهجة نحو الإبادة.

57 ألف شهيد... وعدّاد الموت لا يتوقف
العدوان المتواصل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، خلّف حتى الآن 57,882 شهيدًا و138,095 جريحًا، وأكثر من 12 ألف مفقود تحت الأنقاض، وفق وزارة الصحة بغزة. ومنذ استئناف العدوان في 18 آذار/ مارس 2025 وحده، استُشهد 7,311 فلسطينيًا وأُصيب 26,054، في مجازر يومية تتوزع على طول القطاع، وسط شلل في المستشفيات، وعجز في معدات الإسعاف، وتكدّس للجثث.
وتحت الأنقاض، تبقى قصص لم تُروَ. فعددٌ كبير من الشهداء مازال تحت الركام، لا تصل إليهم فرق الإنقاذ، لأن الطائرات لا تغادر السماء، ولا تمهل أحدًا لإنقاذ أحد.

مصيدة الجوعى
لم يكتف العدو الصهيوني بالتجويع، بل حوّل المساعدات نفسها إلى فخاخ دامية. منذ إطلاق ما يسمى «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة أمريكيًا و»إسرائيليًا»، بات آلاف الفلسطينيين عرضة للرمي بالرصاص أثناء انتظار المساعدات. أكثر من 805 شهداء و5,252 جريحًا سقطوا في صفوف الجوعى الذين تهافتوا نحو الخبز والطحين، ليعودوا إما جثثًا أو مبتوري الأطراف. جنود الاحتلال تلقّوا أوامر مباشرة بإطلاق النار على الحشود، في مشهد يعيد إلى الذاكرة فصولًا من أكثر الأنظمة وحشية في التاريخ.

المقاومة: لن نقبل خرائط الإذلال
بينما يتحدث قادة الكيان الصهيوني عن مرونة تفاوضية في الدوحة، يلقي الكيان بظله الثقيل فوق طاولات المفاوضات، محوّلا كل فرصة لوقف إطلاق النار إلى وهم مؤقت. فبينما وافقت الفصائل الفلسطينية على «اتفاق إطار» يشمل وقف العدوان وانسحابًا تدريجيًا وتوزيعًا منظمًا للمساعدات، خرج العدو الصهيوني بافتراءات مكشوفة تتهم المقاومة بإفشال المقترحات، محاولا التهرب من أي التزام حقيقي.
وكشف نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي في تصريحات صحفية عن حجم التعنت الصهيوني في مسار المفاوضات، مؤكدًا أن الاحتلال لا يسعى إلى اتفاق سلام، بل يراوغ لكسب الوقت وفرض واقع جديد بالقوة. وأوضح أن الوفد الفلسطيني أبدى مرونة كبيرة في المحادثات وقدّم تنازلات من أجل وقف العدوان، لكن العدو الصهيوني تمسك بشروط إذعان تهدف إلى انتزاع استسلام لا اتفاق، عبر محاولات حصر الفلسطينيين في 40% فقط من مساحة قطاع غزة. وشدد على أن الاحتلال يعيش وهم الانتصار، رغم عجزه الميداني وتكبده خسائر متواصلة، مؤكدًا أن «الوقت والاستنزاف في صالحنا ولسنا من يقبل بمصائد الموت أو خرائط الإذلال». وأشار إلى أن اتفاق الإطار المطروح يشمل وقف العدوان وانسحابًا للاحتلال وآلية دولية لتوزيع المساعدات، لكنه أكد أن المقاومة لن تقبل بأي صيغة تؤدي إلى الاستسلام، ولا توقيع على اتفاق يُفرض تحت القصف. واختتم بالقول إن الصمود اليوم هو صمود شعب، وليس فقط مقاومة، وإن الاحتلال لو أراد وقف الحرب حقًا لكان قبل بالصفقة المطروحة منذ أسابيع.

نزيف ميداني مستمر للعدو الصهيوني
في قلب العدوان المتواصل، تواصل فصائل المقاومة الفلسطينية تسطير مشاهد بطولية تثبت أن غزة ليست فقط قطاعا يقصف، بل قلعة تقاتل وتوجع عدوها. فقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا نوعيًا في عمليات المقاومة، حيث تمكن مقاتلو سرايا القدس من تدمير دبابة صهيونية شرق حي الزيتون، عبر عبوة هندسية شديدة الانفجار صُممت بعناية ميدانية، ودبابة أخرى في حي التفاح، موقِعين إصابات مباشرة في صفوف جنود الاحتلال، كما فجّروا آلية عسكرية في منطقة الشيخ ناصر شرق خان يونس. أما كتائب القسام، فقد قنصت جنديًا صهيونيا في عبسان الكبيرة جنوب القطاع، وأكدت مقتله، بالتوازي مع استهداف مواقع القيادة والسيطرة العسكرية للعدو شرق غزة بقذائف الهاون. وفي مشهد يعكس تطور التكتيك المقاوم، أعلنت الكتائب تدمير جرافتين عسكريتين من نوع «D9» بعبوات ناسفة شرق حي الزيتون، بعد عودة مقاتليها سالمين من خط المواجهة. هذه العمليات، التي تتكرر يوميًا على امتداد الجبهة، تؤكد أن المقاومة دخلت مرحلة جديدة من الاستنزاف المتواصل للعدو، الذي يعاني أصلًا من أزمة معنويات داخل صفوفه، ونقصٍ في المقاتلين، وتراجع في القدرة على التقدم البري.
وفي هذا السياق أكّدت وسائل إعلام العدو أمس وقوع «حدثين أمنيين» في خان يونس وحي الشجاعية في قطاع غزة، لافتةً إلى اندلاع معارك عنيفة وجهاً لوجه في عدد من محاور القتال خلال الساعات الأخيرة.
وذكر الإعلام الصهيوني أنّ الحدثين أسفرا عن وقوع إصابات بين الجنود تمّ نقلهم بمروحيات عسكرية إلى المستشفيات.
كما أقرّ الاحتلال بإصابة جندي بجروح في المعارك الجارية في شمال القطاع، بينما تحدّثت القناة «الـ12» الصهيوني عن إصابة 3 جنود في معارك خان يونس، نتيجة انفجار عبوة بمركبة عسكرية.

أزمة الاحتلال الداخلية المزمنة
بموازاة نزيف الميدان، تنزف قوات الاحتلال داخليًا. تقارير الإعلام الصهيوني تحدّثت عن تذمّر واسع في صفوف الجنود، ورفضهم لاستمرار المعارك دون أفق، خاصة مع استثناء «الحريديم» من التجنيد. بعض الجنود وصفوا حكومتهم بـ»العاجزة والضعيفة»، مؤكدين أن ما يجري هو «استنزاف تدريجي حتى الانهيار».
وقال جندي احتياط «إسرائيلي» عقب استدعائه للقتال في غزة، إن الاستنزاف الذي تنتهجه حكومة المجرم بنيامين نتنياهو في القطاع «سيسحق الجنود تدريجيا حتى الانهيار، بينما تعفي عشرات آلاف من الحريديم» من المشاركة في الحرب على غزة.
الأزمة وصلت حدًا دفع قوات الاحتلال إلى إعادة جنود يعانون من اضطرابات نفسية إلى الجبهات، في قرار وصفته صحيفة «هآرتس» بأنه أقرب إلى الانتحار العسكري.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن قائد عسكري في قوات الاحتلال قوله: «بسبب عدم التزام جنودنا بالقتال، نضطر إلى تجنيد أشخاص ليسوا بحالة نفسية طبيعية»، مضيفاً: «نقاتل بما يتوفّر، حتى لو تأكّدنا أنّ ظروفهم النفسية غير مستقرة».