الشيشة الإلكترونية..«صرعة» قاتلة!
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

تحقيق:بشرى الغيلي / لا ميديا -
الدخان لا يُستنشق بل يُختار بنكهات الفراولة والمانجو والكوكتيل الاستوائي، وبدلاً من أن تُطفأ السيجارة خفيةً في الزاوية، تُشعل الشيشة الإلكترونية بفخر وسط الحشود وكأنها وسام شرف أو قطعة إكسسوار فاخرة.. ظهر جيل جديد لا يُقاس وعيه الصحي بما يعرف، بل بما «ينفخ»، لم تعد الشيشة الإلكترونية مجرّد وسيلة بديلة للتدخين، بل تحوّلت إلى «ترند»، و«صرعة» لا تكتمل جلسة دونها، ولا يمكن لليد أن تبقى فارغة منها في صورة «سناب» أو «ستوري».
إنها البرستيج العصري، والسلاح السري في سباق من يخرج سحابة الدخان الأكبر، وليس بالضرورة أن يعرف أحد ماذا تحتوي هذه السحابة أو ماذا تحتوي رئتيه، بل صارت موضة مثلها مثل البنطال الممزق، والنظارات دون عدسات، لكنها موضة تأتي برائحة التوت وتذهب، إن ذهبت، برئتين مجهدتين وأعصاب مشدودة، أما الأحاديث عن أضرارها الصحية فهي غالبًا ما تُطرد من الحوار تمامًا، لأنها «تنفّر من vibe القعدة»، وقد تباينت الآراء في التحقيق الذي أجرته صحيفة (لا) مع مختصين، وشباب متعاطين للشيشة الإلكترونية من الجنسين، وبائعي محلات الشيش، ومدراء مدارس تحدثوا ووضعوا الكثير من الرؤى ووجهات النظر، كونوا مع السياق.
موضة وانتشار سريع
يؤكد أسامة المطري (طالب جامعي) أن تجربة «الفيب» كانت بدافع الفضول وتأثير الأصحاب قائلاً: «جربتها مرة مع أصحابي، قالوا لي إنها أخف من الشيشة والسجائر، والنكهات اللي فيها وريحتها الحلوة خلتني أجرب، بس ما استمريت».
ويضيف أسامة أن انتشارها ملفت، خاصة بين الشباب في الكليات، لافتًا إلى سهولة الحصول عليها حتى في البقالات الصغيرة، وهو ما يثير مخاوفه بشأن وصولها للأطفال.
زينة في المناسبات وخطر خفي
من جانبها ترى سمية الكبسي (خريجة ثانوية عامة) أن «الفيب» أصبح جزءًا من مظهر بعض الفتيات، خاصة في المناسبات، موضحة: «أشوف صديقاتي يستخدمنها كأنها إكسسوار، مظهرها يجذب خاصة لما تكون ملونة وبأضواء، بس ما أشوفها شيء يستاهل المخاطرة».
وتؤكد سمية أن الاعتقاد بأنها آمنة مجرد وهم، ويجب تنظيم عمليات بيعها ومنع وصولها للقاصرين.
خداع المظهر
عبّر عن خيبة أمله بعد تجربة «الفيب»، زكريا الخولاني (عامل بأحد المحلات) قائلا: «جربتها من باب الفضول، بس ما نفعت، تخلي النفَس يتعب، وكلها خداع بشكل حلو، وفوق ذا أسعارها غالية».
ويشدد الخولاني على ضرورة الرقابة على بيعها، خصوصًا بعد أن أصبحت بمتناول الجميع حتى الأطفال، حسب حديثه.
خطر علمي لا جدال فيه
سحر المقطري (طالبة بكلية الطب) ترى المسألة من زاوية علمية بحتة، محذّرة من مخاطر «الفيب» على صحة الرئة: «الدراسات تثبت أنها تضر الجهاز التنفسي وتسبب تلفا على المدى الطويل، موضة (الفيب) بين الطلاب صارت مخيفة وكارثة صحية».
وتطالب سحر بضرورة تنظيم بيعها وحصرها في أماكن مرخصة لا يُسمح فيها بالبيع العشوائي.
أخف ضرراً.. أم بداية للإدمان؟
من جهته، يبرر نادر الهتار لجوءه لـ»الفيب» بأنه خطوة لتقليل تدخين السجائر، قائلاً: «أنا أستخدمها من فترة، نكهاتها كثيرة وما تخلي ريحتي دخان زي السيجارة، وأحسها أخف بس أكيد مش آمنة تمامًا». لكنه يتفق مع الآخرين في ضرورة تنظيم بيعها، محذرًا من انتشارها الكبير في الأحياء والأسواق بشكل عشوائي.
ورغم اختلاف الآراء، يتفق الجميع على ضرورة وجود رقابة صارمة وتنظيم محكم لبيع وتداول أجهزة التدخين الإلكتروني، حمايةً للشباب والأطفال من مخاطر صحية قد يجهلونها وسط زخم الإعلانات والنكهات الجذابة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
جفاف في الحلق وكحة..!
ياسين العديني (موظف في إحدى شركات الاتصالات) وجد في الشيشة الإلكترونية مخرجًا من السجائر، لكنه اكتشف لاحقًا أن الأمور ليست بهذه البساطة.
يقول ياسين: «كنت مدخنًا دائمًا وقررت أترك السجائر التقليدية بعد ما تأثرت صحتي، جربت الشيشة الإلكترونية وشعرت بتحسن في البداية، النفَس صار أخف وما في ريحة دخان كريهة، لكن مع الوقت، صرت أعاني من جفاف الحلق وكحة، خاصة في الليل، حاولت أتركها، لكن صارت جزءا من يومي، خصوصا بعد الدوام».
موضة خطيرة تتسلل إلى بيوتنا
بينما تتصاعد شعبية الشيشة الإلكترونية بين فئة الشباب تتزايد معها مخاوف الأهالي والمربين من آثارها الصحية والنفسية، في ظل غياب التوعية، بعض أولياء الأمور عبروا عن قلقهم الصريح من هذا الانتشار داعين إلى تحرك جماعي يشمل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الرسمية.
في أحد أحياء العاصمة تقول أم بكيل طامش (ربة بيت): «من يوم ما بدأت الشيشة الإلكترونية تنتشر بين أولادنا منعت أولادي وبناتي.. شفت بنات في الحارة يستخدمنها، حتى في الأعراس والمناسبات».
تتابع بقلق: «كنت أظنها مجرد موضة، لكن لما لاحظت تكرار استخدامها، صرت أخاف على صحتهن». وتؤكد «هذا الشيء يخليني أطالب بتوعية أكبر في المدارس والمجتمع، لأن أولادنا هم المستقبل ولازم نحميهم من هذه العادات الضارة».
دورنا كآباء أصبح أصعب
أبو علي العمري (موظف حكومي)، أشار إلى تجربة شخصية مع أحد أبنائه: «أنا عندي ولد في الثانوية، وسمعته يتكلم عن الشيشة الإلكترونية، بعد بحث شخصي، تفاجأت بالمخاطر الصحية المرتبطة بها، اكتشفت أنها ليست أقل ضررا من الشيشة العادية».
ويستشهد العمري بدراسة نُشرت في مجلة علمية قائلاً: «دراسة في مجلة (PLOS ONE) أظهرت أن 89.2% من الطلاب يعتبرون الشيشة الإلكترونية ضارة، ورغم ذلك فإن 61.4% يظنون أنها تساعد في الإقلاع عن التدخين».
ويختتم حديثه بالتأكيد على أهمية الحوار داخل الأسرة: «هذا التناقض يخليني أفكر في دورنا كآباء كيف نوضح لأبنائنا مخاطر هذه الأجهزة، وكيفية التعامل معها».
تتفق هذه الآراء على أن التعامل مع ظاهرة الشيشة الإلكترونية لا يجب أن يُترك فقط على عاتق الأهل، بل لا بد من دور تكاملي يبدأ بالتوعية في المدارس ويصل إلى الإعلام والتشريعات. حماية الأبناء لم تعد خياراً، بل مسؤولية جماعية تستدعي وعياً، وموقفاً حازماً.
دور مصلحة الجمارك
في ظل تزايد القلق المجتمعي من انتشار الشيشة الإلكترونية وتأثيراتها الصحية، أكّد الأستاذ هاني الجبري (موظف في الجمارك) أن الجهات الجمركية تبذل جهودًا كبيرة للحد من دخول هذه المنتجات إلى البلاد، رغم التحديات القائمة.
وفي حديثه لصحيفة (لا) أشار الجبري إلى أن الجمارك تعمل بالتنسيق مع الجهات المختصة عبر إجراءات تفتيش مشددة ومتابعة دورية، موضحًا أن هناك شراكات توعوية فاعلة مع وسائل الإعلام، من ضمنها الصحيفة ذاتها، التي قال عنها: «نثمّن تعاون صحيفة (لا) وجهودها في نشر التوعية حول مخاطر الشيشة الإلكترونية».
وأضاف الجبري: «كنا نتمنى لو تم منع استيراد الشيشة الإلكترونية منذ البداية، لأنها باتت تمثل تهديدًا حقيقيًا للصحة العامة، خاصة في ظل الإقبال المتزايد من الشباب عليها، لقد بذلنا جهودًا كبيرة، ولكن للأسف مازالت بعض الشحنات تجد طريقها إلى الأسواق».
وأكد أن الجمارك خصصت رقمًا مباشرًا للتواصل وتلقي البلاغات من المواطنين عبر الخط الساخن 8000013، دعمًا للرقابة المجتمعية وتشجيعًا للإبلاغ عن الممارسات المخالفة.
وعن استمرار بيع هذه المنتجات في الأسواق، قال الجبري بأسف: «رغم التحذيرات والتوجيهات الرسمية، لاتزال بعض المحال التجارية تمارس بيع الشيشة الإلكترونية هذا أمر مؤسف لأنه يؤثر بشكل مباشر على صحة الأفراد ويستدعي رقابة أشد وإجراءات أكثر حزمًا».
وختم حديثه بالتأكيد على أن الجمارك مستمرة في أداء دورها بكل التزام، لكنه شدد على أن «القضية تحتاج إلى تكامل الجهود بين الدولة والجهات الرقابية والمجتمع، لوقف انتشار هذه المواد الضارة».
بخار يحوي سموماً
كمختص صيدلي، حذر عبدالسلام المجيدي من تصديق فكرة أن الشيشة الإلكترونية مجرد «نكهة وبخار»، مؤكدًا أن استخدامها قد يعرّض الجسم لأضرار جسيمة.. وقال: «بخار الشيشة يحتوي على مركبات خطيرة مثل الفورمالدهيد والأكرولين، وهي مواد قد تسبب التهابات مزمنة ومهددة للحياة على المدى الطويل». مشيرًا إلى أنه صادف حالات واقعية لشباب ظهرت عليهم أعراض تنفسية خطيرة بعد أشهر من الاستخدام المنتظم.
إدمان بنكهة الفاكهة
من خلال وجهة نظرها لفتت ليان القباطي (صيدلانية سريرية ومهتمة بالتثقيف المجتمعي)، إلى أن الخطر لا يتوقف عند السموم فقط، بل يمتد ليشمل الإدمان السريع، وقالت: «النيكوتين في الشيشة الإلكترونية قد يبدو غير ضار في البداية، لكنه يخلق ارتباطًا سريعًا ومباشرًا في الدماغ. الأسوأ أن جسيمات دقيقة تدخل أعماق الرئة وقد تسبب التهابات مزمنة وربما تليفا رئويا بمرور الوقت».
وتدلل القباطي على وجهة نظرها بأن المنظمات الصحية العالمية ربطت بين استخدامها، وبين خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وتغيرات في الأوعية الدموية.
وعي مدرسي
فاطمة العبسي (مديرة مدرسة) بدأت تلاحظ انتشار الشيشة الإلكترونية داخل ساحة المدرسة أثناء الفسحة، بعد شكوى وصلتها من أحد المعلمين تقول: «في البداية ظننت أن الأمر حالة عابرة، لكن مع مرور الوقت بدأت ألاحظ ازدياد الحالات، وظهور أعراض صحية على بعض الطلاب».
وتتابع: «كان هناك طالب معروف بأدائه الجيد، بدأ يشتكي من كحة وضيق في التنفس وبعد التحقق، اكتشفنا أنه يستخدم الشيشة الإلكترونية بشكل منتظم».
التحرك السريع الذي قامت به مديرة المدرسة أدى إلى نتائج جيدة وحد من انتشار الظاهرة في أوساط الطلاب، حد قولها.
وتضيف العبسي: «نظمنا ورشا توعوية للطلاب، واستدعينا أولياء الأمور للحديث معهم عن مخاطر الشيشة الإلكترونية، كما تواصلنا مع وزارة التربية، التي أصدرت تعميمًا واضحًا بمنع استخدامها في المدارس ومراقبة أماكن بيعها».
وختمت: «في البداية واجهنا صعوبة، لكن بفضل التعاون والتوعية، بدأنا نلحظ تحسنًا فعليا على بيئتنا المدرسية».
وكما فعلت العبسي، بادر علي القاضي (مدير مدرسة) بالحلول السريعة بعد وصول شكاوى لإدارة المدرسة، حيث قام بالتواصل مع وزارة التربية التي وجهت بمنع بيع الشيشة الإلكترونية في محيط المدارس وأماكن التعليم، بالإضافة إلى تنفيذ حملة توعوية بين طلاب المدرسة.
ويوضح القاضي: «ظننتُ أن الأمر بسيط ويمكن حله بسرعة بعد أن ضبطنا مجموعة من الطلاب يدخنون الشيشة في زاويةِ المدرسة، لكن بفضل الله والجهود المتعاونة معنا أوقفنا انتشار الظاهرة».
نبيع ما يطلبه الزبون
في محل صغير لبيع مستلزمات الشيشة الإلكترونية، وسط العاصمة صنعاء، يقف سامي القوسي خلف طاولته يشرح ببساطة موقفه من الجدل الدائر حول هذه المنتجات: «الناس أحرار في اختياراتهم، أنا أبيع اللي يطلبه الزبون، وما لي دخل في قراراتهم». مشيرا إلى أن الطلب على الشيشة الإلكترونية كبير، خاصة من الشباب الذين يعتبرونها بديلاً عن السجائر.
وعن مسؤوليته يوضح: «ما أبيع لأي قاصر تحت السن القانونية هذا أهم شيء بالنسبة لي، والباقي مسؤولية الزبون».
يختتم القوسي حديثه بجملة تلخص موقفه: «أنا عبد مأمور، ألتزم بالقانون وأحترم اختيارات الناس».
لستُ وصيًا على أحد..!
«من حق الناس اختيار ما يناسبهم، ولا أتدخل في قناعات أحد»، بهذه الجملة بدأ صالح العمراني (صاحب محل شيشة) حديثه لـ(لا).
وأضاف: «مالكم أنا مش جاي أفرض شيء على الناس اللي يطلب الشيشة الإلكترونية أبيع له، لأنه اختارها بنفسه كل واحد يتحمل قراره».
ورغم وضوح موقفه من البيع للبالغين، يؤكد العمراني أن هناك حدودًا لا يتعداها «ما أبيع للأطفال أو المراهقين هذا خط أحمر عندي، وما أتجاوزه أبدًا».
وعن مسؤوليته في تقييم ما إذا كان المنتج ضارًا أو نافعًا، يقول: «المخاطر أو الفوائد موضوع شخصي، ما عندي الحق أكون الحكم فيها أنا أقدّم المنتج، والقرار يرجع للزبون».
الفيب.. ترند مضر بالصحة
وحذرت الطبيبة رندا العواضي من الانتشار السريع لاستخدام «الفيب» بين الشباب واصفة الظاهرة بأنها «ترند مضر يهدد صحة جيل كامل».
وقالت: «الفيب يحتوي على نسبة سمّية عالية جدًا، تعادل أضرار أكثر من 50 باكيت سيجارة و100 رأس شيشة، ويؤدي إلى تدمير رئوي أسرع بكثير من التدخين التقليدي».
وأكدت ضرورة تنفيذ حملات توعوية موجهة للأهالي، وتشجيع الشباب على ممارسة الرياضة، إلى جانب مراقبة محلات بيع «الفيب» والشيشة وفرض عقوبات على الجهات غير المرخصة، إضافة إلى فرض مخالفات مرورية على من يستخدمها أثناء القيادة، حيث إن «دخانه الكثيف قد يتسبب بحوادث خطيرة».
وختمت حديثها بالقول: «خطر الفيب أكبر مما نتوقع، والتوعية أصبحت ضرورة ملحّة».
تسويق بشكلٍ مضلل
ولمزيد من تسليط الضوء على مخاطر الشيشة الإلكترونية، التقت صحيفة (لا) الدكتور وهاج المقطري (استشاري في الطب الباطني الحرج وأمراض الجهاز التنفسي)، الذي أكد أنها تمثل خطرًا صحيًا جادًا، وتُسوّق بشكل مضلل على أنها بديل آمن للتدخين، وهو أمر يتنافى مع الأدلة العلمية، حيث «أظهرت دراسة نُشرت في مجلة (New England Journal of Medicine) أن البخار المنبعث من الشيشة الإلكترونية يحتوي على تركيزات عالية من مواد سامة، تتجاوز أحيانًا ما يوجد في السجائر التقليدية».
ويضيف المقطري: «من خلال متابعتي الطبية لاحظتُ أن استخدام الشيشة الإلكترونية مرتبط مباشرة بحدوث حالات من التهاب الرئة الكيميائي الحاد، أو ما يُعرف بمتلازمة (EVALI). وهي حالات خطيرة استدعت إدخال مئات المرضى إلى العناية المركزة، وتسببت في عدد من الوفيات، خصوصًا في الولايات المتحدة منذ عام 2019. كما أن الشيشة الإلكترونية تهيّج الشعب الهوائية بشكل مباشر».
وأشار إلى أن دراسة تحليلية شملت 51 نوعًا من سوائل «الفيب» كشفت أن أكثر من 75% منها تحتوي على مادة «الداي أستيل»، رغم إعلان الشركات المنتجة خلو منتجاتها منها. وهذا يشكل تضليلًا مباشرًا للمستهلك، خاصة أن هذه المادة مرتبطة بأمراض تنفسية مزمنة وخطيرة.
وأكد المقطري أن عدداً من الحالات السريرية الموثقة «أُصيبت بانسداد القصيبات الهوائية الدقيقة المزمن بعد سنوات من استخدام الشيشة الإلكترونية، خصوصًا مع النكهات مثل الزبدة والفانيليا. بعض هؤلاء المرضى انتهى بهم الحال إلى الخضوع لعمليات زراعة رئة بسبب التلف الكامل». لافتًا إلى أن هذا المرض تقدمي ولا يوجد له علاج نهائي، بل تقتصر العلاجات على إبطاء تدهوره فقط.
ونوه إلى أن كثيرًا من نكهات «الفيب» تحتوي على مواد كيميائية لم تُختبر أبدًا للاستنشاق الرئوي، رغم تصنيفها كمواد آمنة عند تناولها فمويًا، ويمكن لهذه المواد، لصغر حجمها، أن تصل إلى القصيبات الهوائية الطرفية وتسبب التهابات وتلفًا مزمنًا في أنسجة الرئة.
وحذّر المقطري من التسويق المضلل الذي يُروّج للفيب كبديل آمن للتدخين، إذ «إن الأدلة العلمية تشير إلى تأثيرات صحية خطيرة وطويلة الأمد، تستدعي رقابة صارمة ورفع مستوى التوعية المجتمعية بخطورة هذه المنتجات».
حالات لا تخلو من الألم والندم
وأكد المقطري «أن ظاهرة الإدمان على الشيشة الإلكترونية أصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا على صحة المجتمع، خصوصًا مع تزايد عدد المرضى الشباب الذين لم يكونوا يعانون سابقًا من أمراض تنفسية».
وأورد نماذج من الحالات التي جاءت إلى عيادته بشكل متكرر لا تخلو من الألم والندم، وقال: «أتاني شاب قبل عدة سنوات يشتكي من سعال مزمن شديد، وبعد إجراء الأشعة الدقيقة (HRCT)، اكتشفنا بداية انسدادات في القصيبات الهوائية، حذرته بشدة وقلت له إن الوضع قد يتفاقم، لكنه لم يأخذ الأمر بجدية، لكن مرت السنوات، وقبل حوالي أربع سنوات، جاءني شقيقه وقال لي إن حالته ساءت جدًا، لم يعد يستطيع التحدث جملة واحدة دون أن يلهث، وكان لتوه عائدًا من الأردن بعد رحلة علاجية، الأطباء هناك قالوا له إنه لا يوجد علاج نهائي، فقط ما يبطئ التدهور، لكن القصة لم تتوقف عند هذا المريض، بل هناك أيضا فتاة في منتصف الثلاثينيات، كانت تشكو من ربو حاد والتهاب مزمن، وبعد الفحوصات، تبين أن السبب الرئيسي هو الشيشة الإلكترونية. كانت ترفض الاقتناع بأنها السبب، وتقول لي: دكتور، اعطني أي حل غير أن أتركها، كانت مدمنة عليها بشكل مرعب».
استخدامها لفترات طويلة يسبب الربو
ووفقًا للطبيب المقطري فإن المشكلة تكمن في التضليل الإعلامي حول هذه المنتجات: «الناس يصدقون أنها أقل ضررًا من الشيشة العادية، وأنها خالية من النيكوتين والمواد الضارة، لكن الحقيقة أن كثيرًا من الدراسات أثبتت عكس ذلك».
وأضاف: «شباب وبنات لم يكن لديهم أي تاريخ مرضي مع الربو، بدأوا يعانون من نوبات تنفسية حادة بعد استخدامهم للشيشة الإلكترونية لفترات طويلة، بعضهم كان لديه فقط تحسس بسيط، لكن الاستخدام المزمن دفعهم إلى الدخول في أزمة ربو مزمن».
التحقيق يقود إلى نتيجة مؤلمة مفادها أن الشيشة الإلكترونية ليست البديل الآمن الذي يظنه البعض، بل باب جديد لأمراض تنفسية مزمنة تتسلل بصمت، بحسب ما قاله الدكتور وهاج المقطري.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا