
دمشق/خاص / لا ميديا -
مرة جديدة، دخلت سورية في مرحلة من الاقتتال الطائفي والغموض، وأصبح الوضع اليوم، مفتوحاً على أكثر من سيناريو، يجمع بينها أن لا وجود للشعب السوري فيها.
فجأة وبدون مقدمات أو أسباب ظاهرة، انفجرت الأوضاع في السويداء، التي ينتمي إليها سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في النصف الأول من القرن العشرين، مع هجمات شنتها فصائل من البدو على المدينة ومناطق وبلدات في المحافظة، والتي يسكنها أغلبية من الموحدين الدروز، وهم ممن رفضوا تسليم سلاحهم والانضواء تحت سلطة حكومة الجولاني الحالية إلا بشروط محددة، بسبب انعدام الثقة والمواقف الطائفية التي تتخذها الفصائل التي تتشكل منها السلطة الحالية، والجيش وقوى الأمن والذين يكفرون الدروز.
حراك السويداء الذي يقوده الشيخ حكمت الهجري بدأ منذ أيام نظام الرئيس بشار الأسد بسبب الفساد الذي استحكم بمؤسسات الدولة، لكن الأمور لم تصل إلى الصدام المسلح، لكنه وجد نفسه مع نظام حكم الجولاني في موقف أصعب وأكثر تعقيداً وقابلية للانفجار.
تزامنت هذه الأحداث مع عودة رئيس السلطة المؤقتة أحمد الشرع من أذربيجان، والتي شهدت اجتماعات سورية -«إسرائيلية»، وسط أنباء عن التوصل إلى ترتيبات تمهد للقاء بين الشرع ونتنياهو في واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعلن خلالها عن اتفاق سلام ودخول دمشق في «الاتفاق الإبراهيمي».
ترافقت زيارة أذربيجان مع تقارير تؤكد بأن توقيع الشرع على أي اتفاق مع الكيان «الإسرائيلي» يستلزم بسط سلطته على كامل الجغرافيا السورية، لاعتبار توقيعه يُمثل كل السوريين، وهذا يعني السيطرة على السويداء جنوباً ومناطق سيطرة تنظيم «قسد» في شمال شرق سورية، وسط توقعات بأن الشرع حصل على ضوء أخضر أمريكي و«إسرائيلي» للقيام بهذه العمليات، وكانَ هجوم عشائر البدو على المدينة وأريافها المبرر والحجة لتدخل وحدات الجيش وقوى الأمن العام، وسط تأكيدات بأن لا رجعة عن فرض سلطة الدولة والقانون في كامل المحافظة.
انتهت هذه الجولة من الصدام بتوقيع اتفاق بين سلطات الجولاني وشيوخ العقل وممثلين عن المجتمع الأهلي، يقضي بدخول وحدات الجيش والقوى الأمنية لبسط سلطتها في السويداء، لكن الشيخ الهجري كان له موقف بأن الاتفاق فرض عليهم من قوى خارجية.
بعد دخول وحدات الجيش والقوى الأمنية وسيطرتها على كامل المدينة، حدثت تحولات في المواقف غيرت كل شيء، بدأت مع ارتكاب عناصر من الجيش وقوى الأمن والمسلحين البدو عمليات قتل وانتقام وإهانات للناس، وخاصة للشيوخ والرموز الأهلية والوطنية، مما أثار المجتمع من جديد، وأدى ذلك إلى تقوية موقف الشيخ الهجري والمجلس العسكري في السويداء وعودة الاشتباكات، حيث تمكنت الفصائل المحلية من إخراج وحدات الجيش وقوى الأمن من معظم أحياء المدينة.
كما حدث تحول دراماتيكي، في الموقف «الإسرائيلي»، أرجعته تصريحات المسؤولين «الإسرائيليين» ووسائل الإعلام العبرية إلى تجاوز السلطات السورية للضوابط الأمنية التي وضعتها حكومة العدو في الجنوب السوري، وبسبب الضغط الكبير الذي قام به الدروز في فلسطين المحتلة عام 1948، وهم الشريحة العربية الوحيدة التي تدخل في صفوف الجيش «الإسرائيلي»، بعد مشاهد القتل والإهانات في السويداء، لتبدأ الطائرات الحربية والمسيرة «الإسرائيلية» بتوجيه ضربات لوحدات الجيش والأمن والفصائل المسلحة حول المدينة، وأوقعت بينهم خسائر كبيرة.
كما نفذت الطائرات «الإسرائيلية» ثلاث هجمات على وزارة الدفاع وحول القصر الجمهوري، وتوغلت آليات عسكرية في ريف دمشق، ووصلت إلى بلدة قطنا التي تبعد أقل من 15 كم عن دمشق، وسط إنذارات بسحب وحدات الجيش وقوى الأمن من السويداء.
كما جرت تدخلات إقليمية ودولية كثيرة انتهت إلى قرار القيادة السورية بسحب وحدات الجيش والأمن من المدينة التي أصبحت تحت سلطة الفصائل التي يقودها الهجري والمجلس العسكري.
واضح جداً، أن ما جرى أضعف كثيراً موقف السلطات السورية، وهذا سينسحب أيضاً على موقفها خلال المفاوضات مع تنظيم «قسد» حول مناطق شرق الفرات، كما يتوقع أن يتم تنفيذ أي اتفاق حول السويداء في مناطق الساحل السوري، وهي المناطق التي يتم الحديث عن إقامة فيدراليات إدارية فيها.
أثار تغير المواقف من أحداث السويداء التساؤلات، وتراوحت الإجابات عليها يين ثلاثة سيناريوهات:
الأول: أن الشرع عاد من أذربيجان وهو يتوقع أنه حاصل على ضوء أخضر «إسرائيلي» -أمريكي لدخول السويداء، وبعدها مناطق «قسد»، لكن الواقع أكد عدم وجود هذا الضوء.
الثاني: أن الشرع تعرض لفخ من المبعوث الأمريكي توماس باراك، مشابه للفخ الذي نصبته السفيرة الأمريكية في بغداد، أبريل غلاسبي للرئيس العراقي صدام حسين عندما غزا الكويت.
الثالث: أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تقصدوا إضعاف الشرع، لتكون حجته في أي تنازلات يقدمها للكيان الصهيوني بأنه مرغم عليها، بسبب عدم القدرة على مواجهتها.
وبسبب هذا الاهتزاز العنيف في موقف سلطات الجولاني وتغير المواقف، سرت أخبار وشائعات كثيرة عن انهيار هذه السلطة، وعزز ذلك غلطة الشاطر التي وقعت بها قناة الميادين عندما أذاعت خبراً عن خروج الشرع من دمشق.
الوضع في دمشق اليوم، يكتنفه الغموض وترافقه الشائعات والمنشورات والأخبار المتناقضة، وهو ما يجعل الترقب والانتظار سمة الوضع، وسط شعور عام بأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر بالشكل الذي كان عليه منذ سقوط نظام الرئيس الأسد وإلى اليوم.
عزز هذا الشعور بيانات من كبار شيوخ الشام وسورية تدعو إلى الوحدة الوطنية والعدالة والسلم الأهلي، ونبذ وتجريم التفرقة والطائفية، وإلى مساواة جميع المواطنين أمام القانون.
كما صدر بيان آخر من الشيخ نواف البشير، باسم العشائر العربية، يؤكد على ما ورد في بيان الشيوخ، ويمنع أي تحرك لمسلحين من العشائر بما يسمى (الفزعات) لمساندة وحدات الجيش في المناطق التي تشهد صدامات، ومثل هذه البيانات تصدر لأول مرة، وهي تخالف التوجه العام الذي سارت عليه سلطات الشرع منذ وصوله الى رأس الحكم في سورية وحتى اليوم، لكن ما يؤلم السوريين هو أن لا أحد يستطيع التأكد من المسار الذي ستأخذه سورية في المرحلة التالية، ولن يكون لهم أي دور أو خيار في تحديد أي مسار لسورية، بعدما فقدت كل عوامل قوتها، وفي مقدمتها الجيش السوري الذي تحول من جيش وطني إلى مجموعة من الفصائل المسلحة، التي لا تحمل سوى أسلحة خفيفة، وتقتصر مهماته على الداخل السوري، أما الخارج فلا حول ولا قوة لها أمامه.
المصدر خاص / لا ميديا