تقرير - مارش الحسام / لا ميديا -
في خطوة مفاجئة، لا تعكس فقط تحولاً اقتصادياً، بل تحمل أيضاً رسائل سياسية تؤكد قدرة الحكومة في صنعاء على تجاوز الحصار والعقبات والتحديات، أعلن البنك المركزي بصنعاء إصدار عملتين نقديتين جديدتين (معدنية فئة 50 ريالا، وورقية فئة 200 ريال) ما أحدث حالة من الارتباك الهستيري في أوساط قوى تحالف العدوان ومرتزقته في اليمن والذين جن جنونهم مع تسجيل صنعاء ضربة ثانية خلال أسبوع.

ارتباك بعد قلب الطاولة
بينما كانت القوى المحلية والدولية المناهضة لليمن تدرس الرد على إعلان البنك المركزي بصنعاء إصدار عملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا، وكانت الأنظار تتجه نحو إعلان جديد يهدف إلى تصعيد الوضع الاقتصادي ضد الحكومة في جغرافيا السيادة الوطنية، غير أن الأخيرة قلبت الطاولة عليهم بإعلانها إصدار عملة ورقية جديدة فئة 200 ريال، ما أظهر عدم تأثير الخطوات السابقة، كإجبار البنوك على نقل مقراتها من صنعاء.

مواصفات عالمية
أكد البنك في صنعاء أن الإصدار الجديد للورقة النقدية فئة 200 ريال يتسم بأعلى معايير الطباعة الحديثة، بما في ذلك المواصفات الأمنية والفنية الخاصة بالبنكنوت، دون أن يترتب عليه ضخ كتلة نقدية جديدة قد تؤثر سلباً على سعر صرف الريال مقابل العملات الأخرى.
جدير بالذكر أن العملة الورقية الجديدة التي تم طباعتها وفق المواصفات العالمية، تأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان.

رسائل سياسية واقتصادية متعددة
أثارت الإصدارات الجديدة تساؤلات كثيرة لدى القوى المناهضة لليمن حول كيفية نجاح البنك المركزي في طباعة أوراق نقدية بمواصفات أمنية عالمية في ظل الحصار، وعن الجهة التي قامت بطباعة العملة، وكيفية وصولها إلى مناطق جغرافيا السيادة الوطنية، وغيرها من التساؤلات والأسئلة التي أربكت مراكز المخابرات الغربية وأدواتها الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بكيفية تجنب الرصد والاكتشاف في ظل التجسس المتواصل على الشأن المالي والنقدي في اليمن كونها تخضع لرقابة وإشراف أمريكي مكثف، بالنسبة للولايات المتحدة، يبدو الأمر أكثر تعقيداً، حيث تعتمد صنعاء، وفقاً للسفارة الأمريكية، «شبكة معقدة»، مما يشير إلى أن قدرات صنعاء أكبر بكثير مما تتوقعه أمريكا التي تمتلك شبكة استخبارات عالمية وتراقب كافة التحويلات المالية.
تكشف هذه التحركات المناهضة حجم الصدمة والقلق من تبعات تعافي اليمن، خصوصاً في الجزء الشمالي، حيث فشلت كل «مؤامرات التدمير والهدم»، وعلى رأسها العملة التي واصلت استقرارها بأسعار صرف للعملات الأجنبية أقل من خمس قيمتها في المناطق المحتلة.

انزعاج غربي
أبدت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، غضبا من العملات الجديدة التي أعلن البنك المركزي اليمني في صنعاء إصدارها، بدلا من العملات النقدية التالفة.
وأصدرت سفارات البلدان الثلاثة لدى اليمن والتي تمارس مهامها من العاصمة السعودية الرياض، بيانات عبرت فيها عن رفضها لإصدار البنك في صنعاء للعملات الجديدة.
وحملت البيانات نبرة عداء ضد البنك في صنعاء وطالبته بالامتثال للبنك في عدن، متجاهلة فشل الأخير والانهيار الكارثي الذي يعانيه في ظل الاستمرار اليومي لتدهور قيمة العملة.
وعلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على هذه البيانات، بالقول: «إن هذه الدول تريد أن يكون بنك صنعاء فاشلا على غرار بنك عدن، ودخول البلاد في دوامة انهيار مالي وفوضى اقتصادية تغرق البلاد في أزمات تطحن المواطن، بما يتيح تمرير مخططات الفوضى والتمزيق لليمن وتقاسم النفوذ والسيطرة عليه من قبل القوى الدولية والإقليمية».

دلالات تصميم العملات الجديدة
الإصدارات النقدية الجديدة كانت مادة رائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى نقيض انشغال مفسبكي المرتزقة وذبابهم الإلكتروني في محاولاتهم البائسة للنيل من العملات الجديدة، انشغل الناشطون في مناطق السيادة الوطنية بتفسير دلالات الصور على العملات الجديدة، ولفتوا إلى أنها تحمل رسائل سياسية واضحة، فالوجه الأمامي لورقة المائتي ريال يحمل صورة لجامع الجند بمحافظة تعز، وهي بحسب ناشطين رسالة سياسية توضح من خلالها حكومة صنعاء انفتاحها على التنوع المذهبي، حيث يمثل مسجد الجند منارة للمذهب الشافعي في اليمن. أما الوجه الخلفي فحمل صورة لميناء المعلا في عدن. كما يحمل الوجه الخلفي للعملة المعدنية فئة 50 ريالا، أيضا صورة لجامع العيدروس في عدن وهي رسالة سياسية أخرى تؤكد من خلالها الحكومة في صنعاء إيمانها بوحدة البلاد.

إجهاض الرهان الأمريكي
أكد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن الإصدار النقدي الجديد أجهض المشروع الأمريكي والغربي الذي كان يراهن على إحداث أزمة سيولة في مناطق السيادة.
وأوضح الحداد، في تصريح لصحيفة «لا»، أن البنك «تدخل في الوقت المناسب لمعالجة أزمة السيولة كون مستوى التالف لهذه العملات وصل لمستويات غير مسبوقة أدى إلى انكماش واضح في تداولها بالأسواق».
وأضاف أن هذا الإصدار يأتي استجابة لحاجة السوق المحلية، خاصة بعد تدهور الحالة الفنية لفئة المائتي ريال المتداولة، «عودة هذه الكتلة النقدية التي كانت شبه مجمدة ستعزز العرض النقدي للعملة الوطنية، لاسيما أن حكومة صنعاء تستحوذ على 70% من السوق المحلي، مما سيكون له أثر إيجابي».
وأوضح الحداد أن هذا الإصدار يمثل إعلاناً من صنعاء عن عزمها على معالجة أزمة السيولة النقدية، في ظل رهانات أمريكا والتحالف على حدوث أزمة سيولة خانقة في صنعاء، كما أن «هذا الإجراء هو رسالة لدول التحالف بأن صنعاء مستمرة في اتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة أزمة السيولة».
وتابع قائلا: «من الطبيعي أن تثور ثائرة أمريكا والتحالف وحكومة عدن، ومن الطبيعي أن يتذرعوا أن بنك صنعاء لا يملك شرعية طباعة عملة وغيرها من المبررات، لأنه كان لديهم حسابات بخنق الأسواق وتسعير الحرب الاقتصادية عبر بنك عدن مستندين بالقرارات الأمريكية، لكن ما حدث صدمة موجعة لهم وحل ناجع لنا».
وأكد الحداد أن هذا الإصدار «لن يكون له أي أثر تضخمي، أو ارتفاع في الأسعار، خاصة وأنه جاء بدلاً من إصدار تالف، بينما ارتفاع سعر الصرف في المحافظات المحتلة هو السبب الرئيسي في الانقسام النقدي القائم».

خطوة محسوبة
فيما اعتبر المحلل السياسي أحمد الزبيري، أن إعلان البنك بصنعاء طرح الإصدار الثاني من الورقة النقدية فئة مائتي ريال يعد خطوة «محسوبة بدقة» تعكس ثبات المؤسسات النقدية والمالية في صنعاء رغم سنوات العدوان.
وأوضح الزبيري أن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة شاملة لإصلاح النظام النقدي وحماية القوة الشرائية للمواطنين، مع الحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وأشار إلى أن الإصدار الجديد يمثل استجابة لاحتياجات السوق المحلية، حيث يعوض الأوراق النقدية التالفة التي تضررت بسبب الاستخدام المفرط وظروف الحرب، «وهذه الخطوة ستعزز قدرة المواطنين الشرائية، خاصة للفئات الأكثر اعتماداً على العملات الصغيرة لتلبية احتياجاتهم اليومية».
ونوّه الزبيري إلى أن هذه الخطوة لا تعكس مجرد تقدم تقني وإداري، بل تحمل رسائل سياسية واقتصادية تؤكد قدرة صنعاء على إدارة ملف السيادة النقدية، رغم الظروف الصعبة التي يواجهها البلد بسبب الحصار البحري والجوي.

حماية الاقتصاد وكسر الحصار
في ذات السياق تحدث الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي عن خطوة البنك المركزي اليمني بصنعاء ببدء تداول الإصدار الثاني من فئة الـ200 ريال الجديدة، واصفاً إياها بأنها «تحرك استراتيجي لحماية الاقتصاد اليمني وفك الحصار المستمر منذ عقد».
وأضاف أن قرار الطرح صدر ضمن سياسات نقدية دقيقة ومدروسة تهدف إلى إنعاش الدورة الاقتصادية وضبط الكتلة النقدية دون التسبب بتضخم، مؤكداً أن البنك «كان موفقاً بكل المقاييس».
وأشار الجعدبي إلى أن الفئة الجديدة ستساهم في تحسين مستويات التداول النقدي، مشبّهاً هذه الخطوة بـ»ضخ الدم في شرايين الاقتصاد الوطني».
وفيما عبّر عن استغرابه من ردود الفعل الهستيرية التي صدرت عن حكومة المرتزقة وسفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، تزامناً مع «النجاح الاقتصادي لحكومة صنعاء»، أوضح الجعدبي أن ما يُسمى بالبنك المركزي في عدن «يفتقد أي رؤية أو سيادة، إذ يعتمد كلياً على توجيهات السعودية والإمارات، مما تسبب بانهيار العملة جراء طباعة أكثر من تريليوني ريال بدون غطاء نقدي».

سياسات كارثية
وبحسب الجعدبي، فإن التدهور المتسارع لقيمة العملة المحلية مقابل الدولار وبقية العملات في المناطق المحتلة، هي نتيجة لهذه «السياسات الكارثية لبنك عدن، والمدعومة أمريكياً وبريطانياً».
وأشاد الخبير الاقتصادي الجعدبي بالوعي الشعبي في مناطق جغرافيا السيادة الوطنية، والذي قال إنه «أفشل كل محاولات التحالف لتدمير الاقتصاد بعد فشلهم السياسي والعسكري، كما أن البيان الأخير للبنك المركزي بصنعاء يحمل رسائل واضحة للسعودية، مفادها أن الصبر الاستراتيجي لليمن بدأ ينفد».

ارتياح شعبي
عبّر المواطنون عن ارتياحهم الكبير للإصدارات النقدية الجديدة الكفيلة بتخليصهم من أزمة السيولة التي كانت تجبرهم على شراء أشياء لا يحتاجونها، والسبب انعدام السيولة والتي دفعت تجار تجزئة ومواطنين على حد سواء للتعامل بالشوكولاتة كعملة بدلا عن الخمسين ريالا.
كما عبّر تاجر محلي عن ارتياحه الكبير لإصدار العملات الجديدة كبديل للعملات التالفة والمنعدمة من السوق.
وأضاف أنه في العام الماضي، تم الإعلان عن إصدار عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال كبديل عن الورقية المتهالكة، ولكن تأخر طرحها في الأسواق لمدة شهرين كاملين، مما زاد من معاناته اليومية مع الزبائن، وقال: «رغم تأخرها، إلا أن هذا التدبير السحري ساعدني كثيراً في حل المشاكل التي كنت أواجهها».
وأردف التاجر بالقول: «الآن، مع إصدار العملات الجديدة، نأمل ألا يتأخر البنك في طرح فئة 50 ريالا في الأسواق، حيث إنها نادرة جداً ونعاني من انعدامها. أحياناً نضطر لبيع منتجاتنا بخسارة نتيجة نقص السيولة».

أول بلد في العالم يتعامل بالشوكولاتة
من جهة أخرى، عبّر مواطن عن ارتياحه لإصدار عملة 50 ريالا، مشيراً إلى أنها اختفت من التداول، مما دفعه لشراء أشياء لا يحتاجها. وقال: «كنت أضطر لتقبل الشوكولاتة كبديل عن الباقي، حتى أصبحنا كأول بلد في العالم يتعامل بالشوكولاتة كعملة».
ويأمل الجميع أن تسهم هذه الخطوات في تحسين السيولة وتسهيل المعاملات اليومية في السوق.