صفحاتُ الصماد
 

فاطمة حسين

فاطمة حسين / لا ميديا -
في كل مرةٍ كنت أحاول أن أمسك قلمي وأكتب عن ذلك الرجل الأسطوري، كانت دائماً تخونُني الكلمات، ويخونني التعبير، وأقف عاجزةً تماماً عن الكتابة كلما حدثتني نفسي بالكتابة عنه، فأيُّ كلمات وأي سطور ستوفيه حقه؟! ولكن نقول: لعلنا نجد في هذه الكلمات ما يطفئ نار الفراق، ونسكب على جراح الفقد بكلماتنا من ينبوع الصمود الذي سقانا منه.
فعندما نأتي لنقلب صفحات الصماد سنجد أنفسنا حائرين من أين نبدأ وإلى أين سننتهي، فيا ترى من أين نبدأ بالحديث؟! والحديثُ طويل عنه، هل عن الصماد كرجل الرئاسة والسياسة، ذاك الذي لم يُغرِه منصبٍ ولا مال، وقال: «يا دنيا غرّي غيري، فأنا لست برجل منصبٍ ولا مال، فحياتي ومماتي سخرتها كلها لله، وخدمةً ودفاعاً عن شعبي ووطني، فقد عاهدتهم أن أكون لهم مرؤوساً يحمل همومهم وأوجاعهم لا رئيساً يظلمهم ويأكل حقوقهم...»، وكان لهم كذلك حقاً؟!.أم عن رجلٍ الدين والثقافة، ذاك العالم العابد الزاهد الذي ترك ملذات الدنيا رغم أنّها كانت كلها بيديه، وغيره أمسكها بكلتا يديه، ولكنّه رفض غير طريق الله، وغير طريق الحق والعدل، فإن لم يعط مما لديه لم يأخذ شيئاً من حقوق الشعب كما فعل غيره، كما أنّه نهل من معين الثقافة والأدب، حيثُ كانت أحرفه سيفاً حاداً يقطع الأعداء، فقد كان للشعر قائداً، وللأدب أميراً، يخوض غمار الثقافة والعلم، فكان بحق رجلاً أهلاً لأن يكون في المنصب الذي ولاه شعبه؟!
وأما عن شجاعته، فقد كان ذاك الأسد الذي خاض المعارك وغمارها، لم يهب الموت ولم يأبه له، فقد كان ليثاً ضرغاما يخوض أشرس الحروب وأشنعها حتى صار كابوساً للعدو قبل بدء العدوان، وعندما بدأ عدوان تحالف الشيطان وصار رئيساً على شعبه، لم يجعله المنصب جالسا على كرسي الرئاسة، بل نزل إلى ساح المعركة، وزار جنوده الأبطال، وكان يقول: «إنّ مسح نعال المجاهدين أشرف من كل مناصب الدنيا..»
فأيُّ الصفحات نبدأ بتقليبها؟! وأي سطورٍ نبحثُ عن صمادنا فيها؟! فلو قلبت صفحات الكتب لوجدتها صماداً، ولو بحثت عن الصماد لوجدته صفحاتٍ من كُتُب، فلم يرحل الصماد عنّا وإنما أحيا فينا ألف صماد، وبمشروعه «يدٌ تبني ويدٌ تحمي» بنى فينا العزة والكرامة والصمود. فسلامٌ على الصماد يوم ولد ويوم استُشهد ويوم يُبعثُ حياً عند رب العالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات