تموز مطلع الفجر
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

«يستيقظ مقاتل حزب الله من نومه صباحاً، يشرب القهوة، يُخرج صاروخاً من خزانته، ويذهب إلى باحة داره، يُثبت جهاز التوقيت على الصاروخ ثم يعود إلى منزله ويشاهد على التلفاز سقوط الصاروخ على المستوطنة».
المقدم يشاي عفرومي، نائب قائد لواء بارام الصهيوني
افتتح السيد نصر الله، عند بداية ملحمة تموز، خطابه بـ«أردتموها حرباً مفتوحة وسنخوضها حرباً مفتوحة. نحن جاهزون لها». يكتب أغوستوس ريتشارد نورتون، المراقب العسكري السابق للأمم المتحدة، عن هذا الخطاب: 
«دعا نصر الله جمهور المشاهدين للنظر إلى البحر، وفي توقيت متقن دوى انفجار في الأفق أطاح بالسفينة الإسرائيلية «حانيت» بصاروخ «نور c-802»، والمدهش في الأمر أن سفينة «ساعر-5» لم تستطع إطلاق صواريخها الدفاعية لإيقاف الصاروخ». في هذا الوقت تيقّن الكيان الصهيوني أنه توهم في تقدير قوة حزب الله.
واصل الكيان الصهيوني قصفه الهستيري على لبنان، ولم ينقطع سيل الصواريخ من قبل المقاومة على الشمال الفلسطيني المحتل، لا بل تعداه إلى حيفا. كان أولمرت في ذلك الوقت يُسهب في شرح أسباب العدوان، وأن هدفه القضاء على حزب الله عسكرياً. ولكن يظهر في كتاب آلسيتر كروك ومارك بيري بعنوان «How Hezbollah Defeated Israel: I. Winning the Intellegence War»، أن كل القصف الإسرائيلي لم يُصب سوى 7% من موارد حزب الله العسكرية. ووصل الأمر إلى أن القصف الجوي غير مجدٍ، وأنه في مردود متناقص بالنسبة للجيش الصهيوني. وبدأت فكرة الغزو البري تبرز عند بعض المسؤولين الصهاينة، والتي وصفها تيمور غوكسيل، مستشار قوات اليونيفيل، قائلاً:
«أي شخص يبلغ به الحمق حداً يدفعه إلى إرسال رتل من الدبابات لاجتياز وادي السلوقي، لا يجدر به أن يكون قائد لواء مدرع، بل طباخاً».
توصّل دان حالوتس وقوّاده إلى البدء بالقيام بغاراتٍ محدودة في لبنان على مستوى الكتيبة واللواء، ليس الهدف منها إيقاف أمطار الكاتيوشا، وإنما خلق «وعي النصر» لدى الإسرائيليين و«إدراك معرفي بالهزيمة» لدى حزب الله، وكانت هذه الفكرة تتسم بالحماقة. 
انطلقت أول غزوة برية قرب قرية مارون الرأس، وأول اشتباك لفدائيي حزب الله كان مع وحدة النخبة «ماغلان»، التي تشكل جزءاً من «تجمّع القوات الخاصة الإسرائيلية». لم تكن تتوقع هذه الوحدة الإسرائيلية حجم القوة التي تنتظرها، فيعلّق أحد جنود الوحدة قائلاً: 
"كنّا نتوقع خيمة وبنادق كلاشينكوف. هذا ما كان بحوزتنا من معلومات استخبارية، ولكن تفاجأنا بباب فولاذي يفضي إلى شبكة متعددة من الأنفاق مجهزة بأفضل تجهيز".
وما إن حلّ الصباح، حتى حوصت هذه الوحدة فعلياً تحت نيران حزب الله، الأمر الذي دفع عودي أدامز، قائد المنطقة الشمالية، إلى عدم التصديق أن خيرة جنوده تم اصطيادهم كالذباب.
دفعت هذه القوة من حزب الله العدو إلى إرسال المزيد من قواته، وسرعان ما دخلت المعركة 3 ألوية إسرائيلية من الدبابات، وكتيبة هندسية، والكتيبة 101 من لواء المظليين، بالإضافة إلى وحدة أيغوز من لواء جولاني الذين تم قتل 5 منهم بصاروخ Sagger عندما اختبؤوا في أحد المنازل.
أثبتت المقاومة المستميتة لحزب الله فشل الغزو البري الذي لم يخلق أي وعي للنصر لدى الإسرائيليين، بل خلق المزيد من الفوضى. ومع استمرار الصواريخ بدك الشمال المحتل، دعا دان حالوتس عودي أدامز (قائد المنطقة الشمالية) إلى قهر بنت جبيل التي حظيت بخطاب النصر لسيد المقاومة أثناء انتصار عام 2000، بحيث يكون لمشهد السيطرة عليها دلالة رمزية لقهر الخطاب الشهير.
تحركت الكتيبة 51 من لواء غولاني بعد قصف مدفعي لمدينة بنت جبيل، ولم تكن تتوقع أن حزب الله قد اتخذ ستاراً واقياً من وابل القصف المدفعي.
في الساعة 5:30، تعرضت السرية (أ) والسرية (ج) من كتيبة لواء غولاني لتشكيلة مدمرة من أسلحة حزب الله، ويصف أحد الجنود هذا اللقاء قائلاً:
«إنه كمين جهنمي. فقد كان مقاتلو حزب الله يشرفون علينا من الطبقات العليا للأبنية. عندما بدأ إطلاق النار، أُصيب ثلث جنود السرية (ج)، كما أُصيب نائب قائد السرية روي كلاين، بالإضافة إلى 5 إصابات من السرية (أ)». 
تمكن فدائيو حزب الله، وعلى شكل مجموعات ضاربة، من تطويق السريتين، ومواصلة إطلاق النار. فخرجت آخر المستجدات من قيادة لواء غولاني عبر العميد غال هيرتش، الذي كان قد صرّح بأنه يسيطر على بنت جبيل، لتفيد بأن «المعركة ضارية. المروحيات لا تتمكن من الهبوط لإخلاء الجرحى». واستمرت عمليات إجلاء الجرحى والقتلى الليل بطوله، مسفرةً عن 9 جنودٍ قتلى ما عدا الجرحى.
لم يتمكن الصهاينة بالعمليات العسكرية البلهاء، على حد وصف التلفزيون الصهيوني، من قهر عاصمة الخطاب الشهير، فظل الخطاب يصدح إلى اليوم يومنا هذا: «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». 
وتغيّرت موازين القوى كلها بعد تموز، وفي خلّة وردة، انتهى دور الكيان الصهيوني كمخفرٍ ردعي، وسطع فجرٌ جديد، فجر المقاومة.

أترك تعليقاً

التعليقات