الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والعدوان
قراصنـــة علـــى مركـــب واحـــد

عمل البنك المركزي بصنعاء بقيادة (طلعت حرب اليمن) محمد بن همام وقيادات القطاع المصرفي، خلال فترة العدوان، على توفير العملة الأجنبية لتجار المواد الأساسية لاستيراد المواد الأساسية، وأهمها القمح، وذلك وفق السعر الرسمي من بداية العدوان في 26 مارس 2015 حتى 1 أبريل 2016، بسعر 214.8 ريال/ دولار، وبسعر 250 ريالاً /دولار، للفترة من 1 أبريل 2016 حتى تاريخ قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، وذلك بهدف مساعدة تجار المواد الأساسية على استيراد الكميات الكافية منها وتوفيرها بما يتناسب مع القوة الشرائية للمستهلك، ومنع مزيد من المضاربة في أسعار العملة الأجنبية، الأمر الذي ترتب عليه تحمل الحكومة (البنك المركزي) تكاليف كبيرة تتمثل في فوارق أسعار الصرف نتيجة اختلاف السعر الرسمي للعملة مع سعرها الحقيقي في السوق السوداء أو ما يسمى السعر الموازي، وقد نجح البنك المركزي في ذلك نجاحاً متميزاً في ظل توقف مصادر النقد الأجنبي (إيرادات مبيعات النفط والغاز، وتوقف الصادارات السلعية، وتخفيض المساعدات الإنسانية، وتراجع تحويلات المغتربين).
كما ساهم بنك التسليف التعاوني الزراعي، من بداية العام الجاري أيضاً، في ذلك، من خلال قبوله إيداعات تجار المواد الأساسية بالريال اليمني لقيمة الكميات المطلوب استيرادها، وتولى عملية شراء العملة الأجنبية من السوق، وهذا الأمر ساهم بشكل ملموس في ثبات أسعار العملة الوطنية، وفي نفس الوقت توفير المواد الأساسية في الأسواق بالكميات الكافية بشكل منتظم، كما حصل في عملية توفير المشتقات النفطية.

كمية كافية من القمح
مصادر في القطاع المصرفي أكدت أنه وإدراكاً من قيادة البنك المركزي بصنعاء لأهمية وضرورة توفير المواد الأساسية في الأسواق بالكميات اللازمة، فقد غطى البنك المركزي قيمة احتياجات البلد لمدة سنة كاملة من قيمة القمح ومواد أساسية أخرى، وصلت حتى الآن كميات تكفي لمدة 6 أشهر قادمة، فيما منع العدوان وصول الكميات اللازمة من خلال عدم السماح بتفريغ الشحنات المتبقية من تلك المواد لـ6 أشهر أخرى إضافية، وهذا نموذج يكشف بوضوح أن قرار نقل البنك المركزي كان بإيعاز من دول العدوان السعودي، وذلك للإضرار بالاقتصاد الوطني في إطار جريمة حرب كبرى تستهدف زيادة المعاناة لجميع أفراد الشعب اليمني بدون استثناء.

نفاق وتواطؤ المنظمات الدولية
كما أنه (أي قرار نقل البنك) يعد دليلاً كافياً على تواطؤ الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي عجزت ليس عن رفض هذا القرار، بل عجزت عن الضغط على دول العدوان في السماح لدخول المواد الأساسية المدفوع قيمتها (مسبقاً) من الشعب، وليس هبة أو مساعدة. ليس هذا فحسب، بل إن المنظمات الإنسانية التي تزعم أنها تقدم مساعدات إنسانية في اليمن، تقوم بشراء مساعداتها التي تريد توزيعها من السوق المحلية، وهو ما يتسبب في المزيد من استنفاد المخزون من المواد الأساسية، في الوقت الذي كان يفترض بالحد الأدني أن تسمح بدخول المساعدات عبر الموانئ اليمنية إذا كانت جادة في تقديم المساعدات، أما آلية التوزيع لهذه المساعدات فتلك مسألة أخرى تكشف بوضوح كيف تساهم تلك المنظمات في استمرار الحرب الداخلية من خلال الانتقائية لشرائح الفئات المستهدفة ومناطق الاستهداف.

استمرار الحصار يهدد بأزمة غذائية
وبعيداً عن التهويل والمبالغة، فإنه في ظل استمرار قوى العدوان في فرض الحصار الشامل بحراً وبراً وجواً، وكذلك عدم التراجع عن قرار نقل البنك المركزي بالحد الأدني أو الاعتراف بحكومة الإنقاذ التي حازت على ثقة البرلمان المنتخب، فإن أزمة حادة في المواد الأساسية بما فيها القمح والمشتقات النفطية، أمر محتوم خلال الأشهر القليلة القادمة، ويهدد بحصول كوارث إنسانية مهولة جداً، حيث يعد اليمن مستورداً صافياً للغذاء، إذ يستورد أكثر من 80% من الحبوب، وحوالي 90% من القمح، ويستورد أكثر من 75% من احتياجاته الغذائية، فيما تسبب العدوان من خلال  فرض الحصار الشامل غير الإنساني، في تراجع تجارة اليمن الخارجية بنسبة 56%، و76% خلال عامي 2015 و2016 على التوالي، بحسب بيانات حكومية أولية، فيما توقف الاستيراد بشكل كامل لكافة المواد الأساسية بعد قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، نظراً لعدم قدرة البنك على منح التسهيلات الائتمانية اللازمة للاستيراد (اعتمادات مستندية، وخطابات الضمان). وهذا يعني زيادة معاناة الملايين من أبناء الشعب من نقص شديد في التغذية، حيث يواجه أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة (انعدام الأمن الغذائي) مع معاناة 7 ملايين منهم من جوع دائم، بالإضافة إلى زيادة سوء التغذية بين الأطفال بلغ أعلى مستوى على الإطلاق، حيث يوجد نحو 2.2 مليون طفل يحتاجون إلى رعاية عاجلة، بزيادة نحو 200% منذ 2014 بحسب تقارير لمنظمات تابعة للأمم المتحدة. وحذرت مؤسسة الإغاثة العالمية (أوكسفام)، الشهر الجاري، من أنه بناء على واردات الغذاء الحالية، فإن اليمن سيخلو من الغذاء في غضون أشهر قليلة.
صمت دولي مريب
المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية شريك أساسي في الحرب والعدوان على اليمن، فهي تدرك بشكل دقيق حجم المعاناة الإنسانية التي تعرض لها الشعب اليمني جراء العدوان، ومع ذلك فإن معظم تلك المنظمات أوقفت أنشطتها في اليمن، وفي أحسن الأحوال قامت بتقليص أنشطتها، مع الاستمرار في صمتها المريب والمفضوح، والاكتفاء في بعض الأحيان بتصريحات خجولة تجبرها عليها عظمة وهول الجرائم التي يرتكبها العدوان، ليس لوقف العدوان ورفع الحصار الشامل المفروض، بل تدعو فيها إلى وقف بيع الأسلحة لدول العدوان، خصوصاً السعودية، وهي في مثل هذه الدعوات ليست جادة لأنها عملياً غير قادرة على الضغط في هذا المجال، بل نعتقد أنها بمثل هذه الدعوات تهدف إلى مزيد من استدرار المال السعودي، وفي بعض الأحيان تتراجع عن بعض التصريحات الإعلامية تحت وطأة التهديد لتلك المنظمات من قبل العدوان السعودي، والضغط الأمريكي، وكان أكثرها هزلية عندما تراجع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن إدراج السعودية في القائمة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال خلال الصراعات، في انتقاد شديد للتحالف، وذكر التقرير الأممي أن تحالف العدوان مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال العام الماضي.
ونحن ندرك عجز الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بشكل واضح في الضغط والعمل على إيقاف العدوان، لكنها تمتلك الوسائل والقدرة للضغط بشكل واضح في رفع الحصار المفروض على الشعب اليمني، باعتباره مخالفاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي فرض السماح بتفتيش السفن المتجهة لليمن، وليس منع وتقييد حركة الاستيراد، كما أن من واجبها الإنساني أن تعمل على إدخال كافة الاحتياجات الأساسية والمساعدات الإنسانية الملحة لكل الفئات المتضررة بدون انتقائية، ولكافة المناطق التي تتطلب مساعدات إنسانية عاجلة، لا أن تقلص أنشطتها أو توقفها تحت تهديد وإغراءت المال الخليجي، كما أن من واجبها العمل بحيادية وتجرد دون تحيز، لأن هذا التواطؤ المخزي هو سبب رئيسي في تشجيع دول العدوان على الاستمرار في ارتكاب مزيد من الجرائم بحق أبناء الشعب اليمني بشكل عام.

@عضو مجلس إدارة جمعية المحاسبين القانونيين