ترجمة خاصة - لا ميديا / نشوان دماج -

شاندرا مظفر* 
في البداية كان هناك بالفعل افتراضات بأن العملية قد تكون حدثت تحت علم مزيف. إنما ها هي الآن تتكثف وتكثر. أيمكن حقا أن يكون عمل بولتون؟ يكاد. سيكون ذلك بمثابة خيانة من شأنه أن يستنشق إثرها هواء منخولا بقية حياته البائسة. أم هو أحد حمقى الجيش الأمريكي الذي لا يزال يصول ويجول في العراق؟ أم جماعة شيعية هناك؟ وهل قلنا ما يكفي من الافتراضات؟ وكل لها دافع مناسب أيضا. على أية حال، قدم الحوثيون عرضا للسعوديين: سيوقفون إطلاق النار إذا قام السعوديون بذلك هم أيضا. وسيقبلون قبل أن يطير صاروخ آخر يصم آذانهم. كما أنه من المثير للاهتمام أن على دول في "العالم الثالث" أن تقول لنا بأن ننشد السلام لا الحرب. حقا لقد غادرت الإنسانية أوروبا وشتلاتها.
سيكون من غير الأخلاقي تماماً أن تقوم الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري على إيران إن كان صحيحا أن أحد الصواريخ التي دمرت مصفاتين لتكرير النفط في السعودية في 14 سبتمبر 2019 كان يحوي إطارا ذا رقم يشير إلى أن السلاح تم تخصيصه لقوات الناتو. تشير الأحرف السابقة للرقم إلى نوعية الصاروخ وإلى نوعية الهدف من استخدامه. وعن طريق الخطأ تم إطلاع وسائل الإعلام على صورة الصاروخ من قبل وزارة الدفاع السعودية.
إحدى النظريات التي انبثقت بناء على صورة ذلك الصاروخ هي أن الهجوم على مصفاتي النفط في المنطقة الشرقية بالسعودية يمكن أن يكون عملية عَلَم مزيف تم القيام بها من قبل جون بولتون، الذي كان في ذلك الوقت قد أقاله الرئيس دونالد ترامب من منصبه كمستشار للأمن القومي. كانت تلك هي طريقته في تنظيم حفلة "طلقة الوداع" التي يمكنه بعد ذلك أن ينسبها إلى إيران -وهي دولة كان دائما يجعلها في أولوية أجندته المحافظة الجديدة المتمثلة في تدمير خصوم "إسرائيل" الإقليميين، من أجل ضمان تفوقها وهيمنتها.
من شأن عملية العلم المزيف أن تخفف عن إيران التي ادعت مرارا وتكرارا ألا علاقة لها بالهجوم على المصفاتين. بالإضافة إلى أنه لا يمكن لإيران أن تستفيد من وراء هكذا عمل بأي شكل من الأشكال. في الوقت الحالي، يجري فرض عقوبات قاتلة من قبل الولايات المتحدة ضد إيران. غير أن عملية تحت علم مزيف من شأنها أن تثير سؤالا أو سؤالين حول ادعاء الحوثيين (أنصار الله) أنهم هم الذين دمروا المصفاتين السعوديتين. وإذا كان لدى أحد في المنطقة من سبب لمناهضة النظام السعودي، فهم الحوثيون والشعب اليمني بأسره. منذ عام 2015، أسقط الجيش السعودي وحلفاؤه الإقليميون ما لا يقل عن 50000 قنبلة وصاروخ على اليمن. مات أكثر من 15000 طفل وامرأة ورجل. تم قصف المزارع والمستشفيات والمدارس. تسببت الهجمات اليومية المستمرة في أسوأ أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين. انتشرت أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الكوليرا. وراح سوء التغذية والمجاعة يفتكان بعشرات الآلاف من الأسر.
تلك هي الكارثة المخيفة التي كان ينبغي أن تؤثر في العالم. إن عمليات العلم المزيف تصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية لكارثة اندلعت قبل سنوات من قبل النخبة السعودية والأمريكية. وبدورها، ترتبط هذه الأسباب بالجغرافيا السياسية والسلطة والهيمنة. كان على اليمنيين العاديين دفع ثمن باهظ.
إن الهجوم العسكري على إيران لن يساعد اليمنيين البسطاء، وكذلك تشديد العقوبات الاقتصادية ضد الشعب الإيراني. لقد سبق للعقوبات المفروضة على هذا البلد، منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي للدول الست، أن تسببت في الكثير من الألم والمعاناة بين السكان. تم حرمان المرضى، بمن فيهم الأطفال، من الأدوية الضرورية الملحة التي يتم استيرادها حاليا من الخارج.
عمليات عسكرية وعقوبات اقتصادية -من الواضح أن الأوضاع المتأزمة لا تزداد إلا سوءا. فكلما راحت (الولايات المتحدة) بدافع سلطتها القوية تجري مشاورات مع حلفائها ووكلائها، فإنها لا تستطيع تحقيق أهدافها. لنأخذ الحملات العسكرية تحت قيادة الولايات المتحدة والتي تهدف إلى الترويج لأجنداتها الخاصة، الشيطانية غالبا. إن محاولة الولايات المتحدة سحق إحدى الحركات القومية فعلا بفيتنام في الستينيات وأوائل السبعينيات أفضت بها إلى هزيمة مخزية.
تحت راية الناتو، سيطرت في أكتوبر 2011، على أفغانستان وأسعرت حرب مقاومة عززت بلا شك بعد 18 عاما من قوة طالبان.
كما قامت مع بريطانيا بغزو العراق معتقدة أنها لن تسيطر فقط على منابع البلاد النفطية الغنية، بل وترسم أيضا سياسات المنطقة لصالح "إسرائيل". كلا الهدفين لم يتحقق، وها هو العراق ما يزال غارقا في مستنقع.
ليبيا بلد آخر في شمال إفريقيا نجحت فيه الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو، بادئ ذي بدء، في الإطاحة بمعمر القذافي وقتله بوحشية؛ لكن ثمة الآن فوضى تعم البلاد التي ليس لديها حتى حكومة فاعلة.
أما في سوريا فقد أمضت الولايات المتحدة وحلفاؤها، اعتبارا من 2011، ما لا يقل عن سبع سنوات وهي تحاول عبر وسائل سرية ومفتوحة الإطاحة بحكومة بشار الأسد، لأنه قبل كل شيء رفض الانحناء لهم. وعلى الرغم من استخدام حشود الإرهابيين لتحقيق أهدافهم، لا يزال بشار في السلطة، يدعمه حزب الله وإيران وروسيا. لقد أثبتت سوريا مرة أخرى أنه لا يمكن تغيير النظام بالوسائل العسكرية التي تنظمها الجهات الفاعلة الخارجية.
لقد فشلت العقوبات الاقتصادية القاسية في تركيع الحكومات التي تقدر استقلالها وسلامتها. وكوبا هي أحد الأمثلة البارزة لأمة قاومت العقوبات الأمريكية وعززت سيادتها. إحدى المناسبات النادرة التي كان للعقوبات فيها أثرها الفعال هي الحركة العالمية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في الثمانينيات. فلقد استندت هذه العقوبات إلى مبدأ أخلاقي عالمي تجاوز الأجندات الأنانية، وكان ذلك أحد أسباب نجاحها. ويمكن القول إن مثل هذا المبدأ موجود أيضا في حركة المقاطعة وفرض العقوبات الشديدة (BDS) فيما يتعلق بالاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية والعربية.
لقد حان الوقت في أن يرفض البشر في كل مكان أي أعمال عسكرية وأي عقوبات اقتصادية أنانية تستخدم كوسيلة لتحقيق أهداف مشينة مغرضة. بادئ ذي بدء كان الأمر مجرد تهديد لإيران وفي النهاية أصبح واقعا معاشا في الحالة الإيرانية. إن الأزمة الإيرانية يمكن أن تكون نقطة انطلاق لتعبئة جماهيرية للرأي العام العالمي ضد استخدام كلا هذين السلاحين. فلتكن إيران هي اللحظة التاريخية التي ستقنع البشرية بتجنب الكراهية والشر والوحشية واللاضمير في عالمنا، حينها نكون في طريقنا صوب حضارة عادلة إنسانية تسودها الألفة.




*رئيسة الحركة الدولية من أجل عالم يسوده العدل بماليزيا
الموقع: مفكرون أحرار (freidenker)
ملاحظة: المادة الأصلية كتبت باللغة الإنجليزية وتم ترجمتها إلى الألمانية بواسطة أينار شليريث، وهو عضو في جمعية (مفكرون أحرار) الألمانية