استطلاع:بشرى الغيلي / لا ميديا -
قصصهم ليست مجرد أرقام تتسلسل في الجداول بل هي مصدر إلهامٍ للأجيال القادمة.. دافعٌ للاعتماد على قوتهم الداخلية والإيمان بأن النجاح ليس مستحيلاً، بل هو ثمرة الجهد المستمر والتفاني في تحقيق الأحلام.. برز هؤلاء الأوائل كنجوم متألقة في سماء التفوق، حيث استطاعوا أن يحققوا إنجازات مذهلة رغم المعوقات والصعاب التي اعترضت طريقهم.. متجاوزين الحواجز التي فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وأصروا على أن يكونوا مثالًا حيًا للعلو والإبداع.. قصص الأوائل الذين تبوؤوا مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية ليست مجرد سردٍ أكاديمي للتفوق، بل هي روايات مشبعة بالإصرار والتحدي.. فبينما تكالبت عليهم أزمات لا تعد ولا تحصى، بدءًا من صعوبة المنهاج التعليمي، مرورًا بالضغوطات النفسية، لم يستسلموا بل كانوا أكثر قوة وإصرارًا على بلوغ أهدافهم..
تفوقهم العلمي يعزز صمود وجهود الجبهة التربوية التي تحرص على تذليل الصعاب الكبيرة رغم شحة الإمكانيات، هؤلاء الأوائل يؤكدون لنا جميعًا أن النجاح ليس مجرد صدفة، بل ثمرة عرق وجهد مستمرين وإن كانت المجتمعات عادة ما تفتخر بأبطال الرياضة أو السياسة، فإن هؤلاء الأوائل هم الأبطال الحقيقيون الذين يعطون للوطن معنى التفوق والإرادة.. صحيفة (لا) أفردت لهم مساحة للحديث عن تفوقهم وتحقيقهم المراكز الأولى على مستوى الجمهورية.. كونوا مع السياق.
.
لا شيء مستحيلا في الحياة
البداية كانت مع الطالب مهند نبيل محمد العريق (جهران -محافظة ذمار) الذي حقق الترتيب الأول على مستوى الجمهورية في اختبارات الثانوية العامة (القسم العلمي)، الذي تحدث لصحيفة (لا) وشاركنا مشاعره حول هذا الإنجاز الكبير، بالقول: «شعورٌ عظيم لا يوصف، يجعلني أدرك أن التوكل على الله هو مفتاح كل نجاح، وأنه لا حدود للطموح حينما يُفعل الإيمان مع العمل الجاد».
ويضيف: «لقد غيّر هذا الإنجاز نظرتي إلى نفسي بشكل جذري، فقد أصبحت أشعر أنني قادر على صناعة التغيير نحو الأفضل في حياتي، وهذا ما يعطيني دافعًا أكبر لمواصلة تحقيق أهدافي».
وعبّر العريق عن فخره بالقول: «أحسستُ بلحظة فخر واهتمام من قبل أبناء وطني الحبيب، وأيقنت أن العلم لايزال بإذن الله يرفع أقواماً ويضع آخرين، وهذا هو سر قوتنا كأمة».
ويستطرد مهند عن تأثير هذا النجاح على اختياراته المستقبلية قائلاً: «لقد أثّر هذا الإنجاز بشكل كبير على اختياراتي المستقبلية، فهناك أشياء كنت أظنها مستحيلة، ولكن بفضل الله ومع تحقيق هذا الحلم، أدركت أن لا شيء مستحيلا في الحياة».
وعن أهم الدروس التي تعلمها، يقول مهند: «تعلمت دروسًا كثيرة قد يصعب حصرها، لكن أهم درس هو أن الثقة بالله والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب هو الطريق الأساسي للنجاح في الحياة».
وعن رؤيته للمستقبل، يقول مهند: «أصبح الحمل ثقيلاً، حيث حملت على عاتقي مسؤولية الحرية والدفاع عن مقدسات الأمة، وهذه مسؤولية كبيرة، ولكنني وزملائي الأوائل نؤمن بأن هذه هي مسؤوليتنا، وعلينا أن ننهض بالأمة».
ويقول مهند عن تحديات البيئة الجامعية: «أعلم أن الانتقال إلى بيئة تعليمية تنافسية جديدة سيكون تحديًا كبيرًا، لكنني على استعداد لمواصلة التفوق في هذه البيئة التي تضم العديد من الطلاب الأوائل، وإذا حصلت على منحة دراسية في إحدى الدول الغربية، فإن التحدي الأكبر سيكون الحفاظ على قيمنا الدينية والإسلامية، وإثبات قوة الصلة بالله في بيئة قد تكون مختلفة».
وعبّر مهند عن سعادته وامتنانه لاتصال وزير التربية والتعليم، حسن الصعدي، أثناء إعلان النتيجة قائلاً: «كان هذا الاتصال بمثابة دعم معنوي هائل، وأنا ممتن لكل من ساعدني في الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية».

نجاح ساعدني على تحديد طموحاتي
وبدأ الطالب عبدالله محمد العزكي (محافظة المحويت) والحائز على المركز الأول مكرر، حديث لصحيفة (لا) عن تجربته المميزة، بالتعبير عن شعوره العميق بالامتنان والفرح قائلاً: «الحمد لله رب العالمين، كانت لحظة لا توصف، مليئة بالسعادة والشكر لله على هذه النعمة الكبيرة التي لا أملك سوى أن أشكره عليها».
وعن المعوقات التي واجهها، أشار العزكي إلى وجود بعض الضغوط نتيجة التجربة الجديدة، ولكنه أكد أنه بذل جهده للحفاظ على التوازن والتعامل مع كل الظروف بروح هادئة ومرنة.
وعن تأثير النجاح على مسيرته قال: «بالرغم من أن هناك بعض الاستمرارية في الطريق، إلا أن هذا النجاح ساعدني على تحديد طموحاتي بشكل أكبر، خاصة في مجال الدراسة بالخارج».
كما تحدث العزكي عن درسٍ قيم تعلمه من تجربته قائلاً: «إن الإنسان قادر على تحقيق ما يصبو إليه إذا توكل على الله وآمن بقدراته.. كالثقة بالله ثم بالنفس هي المفتاح لكل إنجاز».
وختم العزكي حديثه عن التحديات المستقبلية، وقال: «من المؤكد أن هناك ضغوطًا مستمرة للحفاظ على التفوق، خاصة مع التحديات القادمة المتعلقة بالدراسة الجامعية، ومتطلبات سوق العمل، ولكن الأهم هو القدرة على الاستمرار في هذا المستوى من الإنجاز والتقدم».

شعور لا يوصف
الطالب عصام عبده ناجي عبده (محافظة إب)، والحاصل أيضا على المركز الأول مكرر على مستوى الجمهورية تحدث عن مشاعر التميز والتحديات التي يواجهها بالقول: «كان شعورًا لا يوصف، كأني فوق السحاب، لكن في نفس الوقت، زادت المسؤولية، الناس تراقبك وتتوقع منك الأفضل دائمًا، وأي خطأ صغير يصبح ضخمًا».
وأضاف: «التقدير الشعبي والإعلامي جميل لكنه يضعك تحت المجهر إذا أخطأت، يتضخم الأمر بشكل كبير».
وأوضح عصام أن الدروس التي تعلمها، تتمثل في أن «النجاح ليس نهاية الطريق بل بدايته، ويجب أن تكون قويًا لأن القمة تحمل تحديات أكبر من أي مرحلة أخرى».
وعن الضغوط النفسية قال: «كل يوم أسأل نفسي إن كنت سأظل عند مستوى هذا اللقب، ولكن تعلمت أن من يقف على القمة يجب أن يعرف كيف يظل متوازنًا».
وأشار إلى أكبر تحدٍ في المستقبل، هو «الحفاظ على التواضع والابتعاد عن الغرور، فالنجاح ليس مجرد شهادة، بل رحلة مستمرة.. وليس لوحة على الجدار، بل هو رحلة عمر».

الفتاة اليمنية لا يكسرها الحصار أو الفقر
تروي الطالبة رقية عبدالرحمن محمد غانم (محافظة تعز -منطقة الحوبان)، كيف تلقت خبر حصولها على المركز الثاني مكرر في قائمة أوائل الجمهورية، بالقول: «شعرت أن كل بنات الحوبان فرحن معي، وأن نجاحي ليس لي وحدي، بل لكل فتاة تدرس على ضوءِ الشموع».
رغم تقدير المجتمع من حولها، أشارت إلى أن الإعلام غالباً ما يغفل عن قصص الفتيات في بعض المناطق، وقالت: «أشعر أحيانًا أن الفتيات في هذه المناطق يُنسين بسرعة، رغم أن قصصهن تستحق أن تُروى».
نجاحها زاد إصرارها على دراسة الطب، ليس من أجل المجد الشخصي كما تقول، بل لتكون عونًا لبنات منطقتها: «من الحوبان خرجت، ويمكنني دخول جامعات مرموقة، لازلت متمسكة بحلمي».
وعن الدروس التي استفادتها من تجربتها، ختمت رقية حديثها بالقول: «الفتاة اليمنية لا يكسرها الحصار أو الفقر.. الأم التي تُرسل ابنتها للمدرسة في أصعب الظروف تصنع جيلاً لا يُهزم».

دموع أمي المعنى الحقيقي لنجاحي
من محافظة الحديدة، حارس البحر الأحمر التي لم تمنعها الحرب والدمار من أن تبقى مشتعلة بالأمل، من بين شبابها كان الطالب أحمد محمد دويد، الذي حقق المركز الثاني مكرر على مستوى الجمهورية في اختبارات الثانوية العامة متحديًا الظروف الصعبة هناك.
«لم أصدق في البداية أني كنت الثاني مكرر على مستوى الجمهورية»، هكذا قال أحمد الذي درس في مدرسة أبو بكر الصديق بالحديدة وسط أصوات الطائرات والقصف، وأضاف: «كنا نسمع أصوات الطيران أو نرتجف من قصف قريب، لكنني قررت أن أصنع من خوفي جسرًا، ومن صوت الرعب نافذة للأمل».
ويرى أحمد أن دعم والدته كان أكبر مصدر لإلهامه: «دموع أمي كانت تروي لي المعنى الحقيقي للنجاح، حين عانقتني قالت: تستاهل يا ولدي رفعت رؤوسنا».
وعن التقدير الإعلامي والشعبي قال أحمد: «التقدير كان كبيرًا، لكن الإعلام تجاهلنا ربما بسبب موقعنا الحساس، تمنيت أن يسمعني أحد ليُرى وجه آخر للحديدة غير الحرب».
ورغم التحديات التي يواجهها أحمد يبقى حلمه قائماً في دراسة الهندسة، لكن الأوضاع الصعبة تعرقل فرصة تحقيق ذلك: «تلقيت تهاني فقط لا عروضا أو منحا، الحصار يعطل كل فرصة، لكنني مازلت أؤمن أن حلمي قريب».
وعن الدروس التي تعلمها قال: «الطالب اليمني أقوى مما نظن، الكتب تُقرأ تحت ضوء شمعة، وتُراجع على صوت انفجار، الحديدة ليست فقط مدينة تعب، بل مدينة حلم صلب كحديدها..».
واختتم أحمد حديثه: «أتمنى أن يكون في ما رويته إلهام لأي طالب يشعر أنه وحده في معركته مع الظروف».
من جانبه عبّر الأستاذ عادل فوز، مدير مدرسة أبو بكر الصديق، عن فخره واعتزازه بتفوق أحد طلاب مدرسته (أحمد دويد) وظهور اسمه بين أوائل الجمهورية، وأكد على أهمية هذا النجاح الذي يعتبره «إنجازًا جماعيًا» يعكس التعاون بين الإدارة والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور.
وفيما يخص الصعوبات، أوضح فوز أن الطلاب في محافظة الحديدة يواجهون تحديات اقتصادية وظروفا صعبة بسبب قصف دول العدوان للمحافظة، لكن «رغم ذلك أظهر طلابنا عزيمة لا تلين، وهذا التفوق هو ثمرة الإرادة والإصرار».

مسؤولية كُبرى على عاتقي
بدأت نفيسة مصعب الأشول (مديرية الشاهل -محافظة حجة) الحاصلة على الترتيب الثاني مكرر أيضا في الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، حديثها قائلة: «أشعرُ بأنّ هناكَ مسؤولية كُبرى أُلقيَتْ على عاتقي.. مسؤوليةُ مجتمعٍ ووطنٍ وأُمّة.. أما التحديات فلا مجال لحصرها، الطّريق طويل والحِمل ثقيل».
وأشارت نفيسة إلى أن توقعاتها كانت تتماشى مع واقع سعيها: «كنتُ واثقة بأنّ الله لن يضيع سعيي ورغم بعض الخواطر التي مرّت بي، ألجمتُها بقولي: (وكّلتُ الرحمنَ أمري ولا اعتراض)، وعندما علمت بتفوقي شعرت بالدهشة والامتنان لله».
وفيما يتعلق بمستقبلها، قالت نفيسة: «راجعتُ خياراتي المستقبلية وأضفتُ خيارات جديدة، وأنا الآن أعملُ على التحديد النهائي للقراراتِ التي سأتّخذها؛ والله وليّ التوفيق».
ولخصت تجربتها قائلة: «تعلمتُ أن الله عونٌ لِمن استعان به، وهادٍ إلى سُبل الإصابة والسَّداد.. وطموحي لن يتوقف عند هذا الإنجاز، بل أسعى لمستقبل أفضل لوطني وأمتي».
وفي ختام هذه اللقاءات التي قامت بها صحيفة (لا) مع نماذج من أوائل الجمهورية وخاصة الذين حصلوا على المراكز الأولى، نتمنى أن يكون مستقبلهم مشرقا وواعدا، خاصة أنهم أثبتوا جدارتهم وتميزوا بجدهم واجتهادهم رغم الظروف الصعبة، لا بد أن يجدوا من يقدر ذلك ويعطيهم المكانة التي يستحقونها.. فتكريمهم ودعمهم ليس فقط خطوة معنوية، بل هو أيضاً استثمار في بناء مجتمع قوي يقدر العلم والمعرفة..
وينبغي أن يتم تقديم الدعم المناسب لهم سواء من خلال الفرص التعليمية، أو التوجيه المهني الذي يعينهم على تحقيق طموحاتهم.. فإعطاء هؤلاء الطلاب قيمة لنجاحهم هو بمثابة حافز للأجيال القادمة على التفوق والتميز.. ومجتمعنا بأسره مع الجهات المختصة بحاجة إلى تقدير جهودهم والمساهمة في دعمهم ليواصلوا مسيرتهم نحو النجاح والتفوق في المستقبل، ليرتقي الوطن ويصير منافسا عالميا بأبنائه الأذكياء والمتفوقين.