كأنها دولة أمير المؤمنين!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة أكثر من شاهد، يوحي لك بأن موالاة الإمام علي بن أبي طالبٍ عليه السلام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أضحت اليوم تُرى في الواقع، إذ تحولت مفاهيم الولاية والتشيع للأمير (ع) من الإطار النظري، إلى الإطار العملي، ومن ساحة العاطفة والتجريد إلى مقام الحركة والحس والممارسة العملية، والتمثل السلوكي والعقائدي والأخلاقي، ففي ظل سيد القادة وإمام الجهاد والمقاومة، سماحة السيد الخامنائي دام ظله الوارف؛ تجلت من خلال الجمهورية الإسلامية ببركة قائدها، دولة الإنسان، (دولة علي بن أبي طالب)، فعليٌ حاضرٌ في السياسة والاقتصاد، في القضاء والعدالة الاجتماعية، في العلاقة بالمحكومين، في العلم والصحة والحرب والسلم، في سعة الأفق، ولين الجانب، والصبر على الأذى، في الحزم والشدة والوضوح في المواجهة للظالمين المستكبرين.
ولأن القائد عرف ربه، واقتدى بإمامه فقد علمنا: أن قوّة القائد لا تصنعها القبضة الأمنية، ولا تعزز وجودها في نفوس الناس مظاهر التعالي والترف والسطوة، بل تصنعها القيم والأخلاقيات التي يأتي في مقدمتها التواضع والزهد ولين الجانب والقرب من الناس، واستيعاب آمالهم وآلامهم. كما قال لنا بالسان الحال قبل المقال: بأنه يمكن لسلطة دينية أن تتخطى حدود المعتقدات الجامدة، وتعيش مع النص رحابته وسعة آفاقه، مع وعيها بطبيعة الزمن والمكان الذي تعيش فيه، لتصبح قوة سياسية عميقة، لا تستبد ولا تستسلم، بل تحكم بتوازن مذهل بين الروح والقانون.
ما أقسى هذه الحقيقة علينا نحن في عالمنا العربي! حيث اعتاد الجمهور على مشاهدة صور القمع والفساد والاستبداد والتجاهل لمشكلات المجتمع، بل والتسبب بمفاقمتها كطابع عام لكل دولنا، لذلك تبدو هذه الفكرة أشبه بحلم بعيد المنال. لكن في إيران، وعلى مدار عقود، رسم السيد علي الخامنئي مساراً نادراً، يرسم معالم سلطة لا تشبه ما نعرفه، سلطة تُدار تحت سقف التقشف، ولكن بقلب نابض بالقرار والحكمة.
وراء كل صورة نمطية، هناك حقيقة معقدة. السلطة في إيران ليست مطلقة بلا حدود، بل هي لعبة توازن دقيقة بين سلطة دينية، مؤسسات منتخبة، ورقابة صارمة، حيث لا مكان فيها للاستبداد بلا قيود.
هذا النظام ليس فقط تجربة سياسية، بل درس في كيفية تحويل التقشف إلى قوة، والقيادة إلى مسؤولية تفرضها الكفاءة والعدالة، مع قبول شعبي يشكل درعًا يحميها من الانهيار.
السيد علي الخامنئي، ليس مجرد فقيه، ينتهي دوره عند ممارسة الوعظ والإرشاد، بل قائد رسالي يفضح كل عمائم الزيف، ولحى الباطل التي اتخذت من الدين أداة لتبرير ضعفها وانهزاميتها، ووسيلة لقتل التطلع لفعل ما يلزم للخروج من جحيم الواقع، الذي جعلنا فقهاء القصور نلتذ باتساع اكتوائنا بعذاباته، مصفدين ذواتنا في أوديته على أمل الثواب بالجنة بعد القيامة، فبقينا في عار نكساتنا نفلسف الخيبات، ونحتفي بالوهم، إلى أنْ برز هذا القائد الذي هو مكلف شرعياً كما يرى نفسه، وهو برغم علمه وفقاهته وتاريخه النضالي الكبير، يخضع لرقابة دستورية تمارسها مؤسسات منتخبة، مثل مجلس الخبراء، الذي يرصد ويراقب أداء القائد الأعلى، ما يجعل السلطة فيه مشروطة وليست مطلقة.
إنه وحده مَن استطاع تقديم نموذج علوي بكل معنى الكلمة، إذ الزهد في أسلوب حياته ليس شعارًا بل ممارسة حقيقية. ففي زمن تتفشى فيه مظاهر البذخ والفساد بين النخب، يُظهر القائد الإيراني كيف يمكن للتقشف أن يتحول إلى ركيزة للثقة، وحصن معنوي يحمي السلطة من الانحرافات.
هذا هو النموذج الذي استطاع أن يحوّل السلطة من امتياز استبدادي إلى مسؤولية، وينسج علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم، علاقة مبنية على المصداقية والاحترام والحب والتواضع والرحمة، لا على الظلم والعدوان والتجويع والخوف والقمع والاستبداد والتعالي والفرعنة.

أترك تعليقاً

التعليقات