د. خالد أحمد صلاح

 د. خالد أحمد صلاح / لا ميديا -

يمكن تحديد الوقائع التي تمت منذ تغيير آلية توزيع الغاز بسبب احتكاره والتحكم بالكميات التي ترسل إلى صنعاء، وبسبب الإجراءات العقابية من خلال قطع الطرقات حتى لا تصل القاطرات المحملة بمادة الغاز، ومن خلال ما هو ملموس لدى المواطنين أو حسب تصريحات المسؤولين عن توزيع مادة الغاز المنزلي.
لقد تم إيقاف توزيع الغاز عبر المحطات الصغيرة التي كانت منتشرة في الأحياء السكنية، ومع أن ذلك كان مبرراً ومنطقياً خاصة ما يتعلق بخطورتها، ويا ليت أن عقل الجهات المعنية تمكن من معرفة تلك الخطورة قبل انتشارها، فقد خسرت البلاد والأفراد مبالغ كبيرة وبالعملة الصعبة، في وقت كانت البلاد بحاجة لتلك التكلفة في مواد أساسية، ومشاريع صغيرة ذات جدوى.
وما كان ملاحظاً في فترة المحطات الصغيرة، أثناء تعبئة المواطنين لأسطوانات الغاز، أن معظم أنابيبهم نظيفة وغير متهالكة بشكل كبير وخطير، حيث حرص الناس على سلامة أسرهم ونظافة مطابخهم من انتقال الحشرات الضارة.
ابتدعت اللجان التي شكلت لمعالجة انعدام الغاز آلية جديدة تتم عبر وكلاء يبيعون الغاز عبر وسائل نقل تسمى "الدينات". لكن البيع كان يتم في الأحياء بعشوائية، وقد استغل تجار السوق السوداء ذلك بإرسال عمالهم لمزاحمة الأهالي المحتاجين، فكان الضعيف أو المشغول ومن ليس لديه أولاد متفرغون لطوابير الاستلام، يحرم من مادة الغاز. كما أن غالبية المواطنين لم يكونوا يجدون إلا الأسطوانات غير النظيفة والمتهالكة بعض الشيء.
تم تغيير هذه الآلية بآلية عقال الحارات وبعض مندوبي الجهات، وتحت إشراف جهات فاعلة، اعتمدت هذه الآلية على بيانات الأسر الساكنة في الحي حسب حصر العقال، ولكنها اعتمدت نفس آلية تبديل الأسطوانات السابقة، وأضيف إليها في ما بعد أسلوب تسليم الأسطوانات الفارغة وقيمتها واستلام كرت، ثم يعطى المواطن أسطوانة الغاز البديلة.
وكان ملاحظاً بعد فترة من اتباع هذه الآلية، أن معظم الأسطوانات التي يتم تداولها وتوزيعها أصبحت غير نظيفة، ونسبة كبيرة منها أصبحت متهالكة، وأصبح هناك مرجوع من الأهالي بسبب تسرب الغاز. وكان يتم استبدالها في اليوم التالي.
ومن خلال الملاحظات السابق ذكرها يتبين أن هناك عمليات احتيال تم من خلالها سحب معظم الأسطوانات النظيفة أو غير المتهالكة، واستبدالها بأسطوانات كانت تالفة مخزنة في مستودعات، وتحت مبرر أن شركة الغاز ستقوم بالصيانة، وذلك ما كان يصرح به بعض المسؤولين. لذلك نجد تركيزهم على مبرر عدم صرف شركة الغاز في مأرب لمخصصات الصيانة التي تضاف رسومها إلى سعر الأسطوانات، وتجاهلوا لماذا لم تظهر هذه المشكلة كظاهرة إلا بعد اتباعهم لآلية توزيع الغاز عبر تبديل الأسطوانات.
هل كان من المستحيل أو الصعوبة التفكير بآلية تتدارك ما حصل من مشاكل؟ أليس كان من السهل أن يلزم كل صاحب أسطوانة بترقيم الأسطوانة برقم، وكان يمكن أخذ الرقم لصاحب الأسطوانة كقطعة حديد محفورة تلصق بها، مع إضافة لقب الأسرة بقلم علامة لتسهيل إرجاعها. كان ذلك سيجعل المواطن يتحمل نتيجة أي خلل في اللأسطوانة. ثانياً كان سيسهم ذلك في الحد من التلاعب من خلال مراجعة أرقام الأسطوانات مع بيانات الكشوفات، وبالتالي لن يستطيع العقال إدخال أسطوانات أخرى تخص غير الأسر المعتمدة في الكشوفات، خاصةً في حالة عدم استلام بعض الأسر لمخصصهم بسبب عدم الحاجة أو عدم وجود قيمتها المالية.
لقد أصبح الحصول على أسطوانة الغاز هماً شهرياً إذا لم يحصل المواطن على حصته بعدها مباشرةً، وذلك الهم يجعله يتقبل أية أسطوانة حتى لو كانت قنبلة ستقتله أو تحرقه هو وأسرته. 
إلى متى ستظل المسؤولية والإدارة مستباحة لغير ذوي الخبرة، الذين لا يستطيعون تفعيل عقولهم وعقول العاملين معهم، ولا يستطيعون إيجاد الأفكار لحل مثل هذه المشكلات؟ 
يبدو أننا سنعيش أعواماً طويلة حتى يأتي من يفهم معنى الدولة والمسؤولية، فلو حدث ما حدث من انفجار أسطوانات الغاز في بلدان يحترم فيها الإنسان لاستقالت الحكومة مهما كانت مبرراتها، وتمت محاسبة المقصرين بأقصى العقوبات، وتم تعويض المتضررين أو أسرهم بأعلى التعويضات الممكنة. 

أترك تعليقاً

التعليقات