سبأ عبدالرحمن القوسي

يواصل ترامب سياسة أسلافه بثقة مفرطة في غروره وتظاهره بأنه الرجل القوي وبتكلف في محاولة إظهار نفسه كشخصية واثقة من نفسها في قراراته العنصرية أولاً بمنع 7 دول مسلمة من تأشيرة الدخول الى أمريكا، كانت اليمن إحداها, تحت مبرر مكافحة الإرهاب التي كانت ومازالت هذه الدول ضحية الإرهاب الأمريكي نفسه إلى يومنا هذا, فما حدث في يكلا رداع لم يجف جرحه في قلوبنا كيمنيين ثارت حفيظتنا على انتهاك سيادة جونا وأرضنا من دولة مجاورة عربية، فما بالنا بدولة امبريالية لها سجلها الأسود في تاريخ الشعوب لازالت رائحة الدماء فيها فائحة حتى الماضي القريب.
لسنا في صدد التذمر من سياسة ترامب التي بدأها بقرارات لا تختلف عن قرارات من سبقوه من رؤساء البيت الأبيض، فالسياسة الأمريكية واحدة مهما اختلف لون رئيسها وبرنامجه الانتخابي (ما في القنافيذ من أملس). لازلت أتذكر قانون (جاستا) الذي كان يصدح به ترامب في حملته الانتخابية، مهدداً السعودية به، ونذكِّر بأن (جاستا) ترمز إلى (قانون العدل ضد رعاة الإرهاب) بالإنجليزية، ما يسمح لعائلات ضحايا الـ11 من سبتمبر الأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية بحجة أن رعاياها هم من نفذوا ذلك الهجوم الإرهابي. 
وفي الحملة الانتخابية، هدد ترامب بوقف استيراد النفط السعودي، قائلاً إنه يريد الاستقلال عن (خصوم أمريكا وعصابات الطاقة)، ذلك ما جعل السعودية تشن حملة ضده نحو التفاؤل بترؤس هيلاري كلينتون لإدارة أمريكا، وإن كانوا من مناهضي قيادة المرأة للسيارة، فلا بأس في هذه الحالة بقيادة العالم ككل مادامت في شهر عسل معهم، وبالأمس تتغير المعادلة، ويجري ترامب اتصالات مع محمد بن سلمان وولد زايد، حول بزنسة السياسة بينهم كحلف ما يسمى محور الاعتدال العربي، فما أسرع هذا التصالح مع السعودية الذي انبطحت له من أجل الحماية وتحت حجة التعامل مع الأنظمة المعتدلة، وهو ما نهجته السياسة الأمريكية منذ عقود طويلة، بدءاً بحجة محاربة ومكافحة الحراك الثوري اليساري في الوطن العربي والقومي التقدمي التحرري، والذي بعد أن هام همته باحتلال أفغانستان وإسقاط أنظمة عربية ثورية إلى محاربة القوى اليمينية وحركاتها التي قاتلت صفاً واحداً مع أمريكا، وهذه الأنظمة المعتدلة والأنظمة الثورية واليسارية القومية, ولم يكتفِ بهذا وحسب، ولكن صنفت هذه الأدوات الصديقة بالأمس بالإرهابية، وإن ما زال الشك حولها في أنها من أدوات أمريكا في الفوضى الخلاقة، وتفجير أوضاع المجتمعات في الوطن العربي وغيره, بل مازال الشك قائماً أكثر تجاه أمريكا نفسها في ادعائها أنها ضد الإرهاب، كونها تمارس إرهاب الدولة على الآخرين، وترعى هذه القوى, فمذكرات كل المسؤولين الأمريكيين السابقين تؤكذ ذلك، وآخرتها مذكرة هيلاري كيلنتون والعديد من قادة الاستخبارات الأمريكية، التي كان مضمونها أنهم من صنعوا داعش، وقبل ذلك القاعدة، ومن يعود للتاريخ قليلاً سيجد أن كل هذه التنظيمات عملت علناً مع أمريكا لمواجهة الاحتلال الروسي لأفغانستان, إذن فقصة دول الاعتدال ومغالاة الرئيس الأمريكي للتعامل معها، حيث ركز على أهمها في الوطن العربي من وجهة نظره وحساباته الدقيقة لمصلحة أمريكا، هي مصر والسعودية والإمارات والأردن وكل المنظومة العربية المشابهة, فهو كما تؤكد بعض التصريحات والتقارير التي تؤكدها مراكز الدراسات المعنية في أمريكا، وتوصي بها، بأن الأمراء والملوك الشباب في السعودية والخليج هم أفضل ممن سبقهم من آبائهم في تقبل السياسة الأمريكية والتعامل مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه وإجهاض قضية العرب المركزية فلسطين, وليس هذا فحسب، بل إنّ الدوائر المعنية في أمريكا تدفع بقرارات ترامب وتشجّعها لاحتواء هذه الأنظمة لاستنزافها وثرواتها من خلال دفعها بتغذية الحروب والصراعات في الوطن العربي، وكما هو الحال في العدوان على اليمن الذي يكلف هذه الدول المنتجة للنفط إنفاقات باهظة المستفيد الأكبر منها هي الدولة الأمريكية واقتصادياتها ومن بعدها بريطانيا وغيرها، كون مستلزمات هذا العدوان تُشترى منهم وتُحرك مصانعهم، والتي تصل الى أرقام خيالية من المليارات, ومثلها ما ينفق لقوى الإرهاب في سوريا والعراق من نفس مصادر الأموال التي تدمر اليمن، وبنفس الدعم اللوجستي الأمريكي والبريطاني، وبنفس الموقف السياسي المتحكمة فيه أمريكا بالذات في الدهاليز الأممية لمنظماتها، وغيرها من المواقف والسلوكيات المفضوحة والعنترية، والتي لا تحتاج لمن يؤكدها، فهم من يؤكدونها بأنفسهم, فليست الحسبة خاضعة لجوهر عنوانها كمحور اعتدال عربي، ولكن الأمر بسياسة أدهى وأمر شعارها (اقتل أخاك أو أقتلكما معاً).
أما بالنسبة للموقف العربي ككل، فتحضرني عبارة من التاريخ تجسد ردة فعل الحاضر، لرئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير، في عبارتها الشهيرة: (عندما أحرقنا القدس؛ لم أَنَمْ طيلة الليل، وتوقعتُ أن العرب سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل، وعندما بزغَ الصباح علمتُ وأيقنتُ أننا أمام أمة نائمة)!

أترك تعليقاً

التعليقات