سبأ عبدالرحمن القوسي

من يزرع الريح يحصد العاصفة، ومن يزرع الحيلة يصرب الفقر (مثل يمني)، وهذا ما تثبّته لنا أحداث الصراع في العاصمة الاقتصادية المحتلة عدن من قوى الاحتلال الموكلة إدارتها من الحاكم العسكري الإماراتي، والتي تعتبر هي صاحبة القرار الفصل في كل القضايا في حدود المناطق التي تحت سيطرتها وفق تقاليد أي احتلال غاصب، فقد بذر هادي بذرة الاحتلال هناك وهو مدرك لمآلات الحصاد، فما يحدث هناك هو تحصيل حاصل لمن يربط قدمه بخيط  الاستعباد، حتى وإن رغى وزبد مؤيدو العدوان والاحتلال بترحيبهم بهذا الغازي الفتي الذي يبررون له شاكرين واهبين أنفسهم وأرضهم له لأنه سيطر على العاصمة الاقتصادية وقام بطلاء جدرانها وتعليق رموز دولته (علمٌ وقادة) على شوارع عدن اليمنية في أعياد اليمن الوطنية.
عدن المحتلة التي لم تهدأ لها ليلة ولا تمر إلا ودوى انفجار هنا أو تفجير هناك واغتيالات فردية وجماعية جراء تضارب وتقاطع مصالح النافذين فيها، وكما هو الحال وراء كل سرقة بعد الاتفاق عليها يتم الخلاف على تقسيمها. لذلك برزت تصفيات دول العدوان بعضها لبعض حين حان وقت استلام الثمن، فمشاركة الإمارات في عملية (عاصفة الحزم) العدوانية لم تكن من باب الانسجام مع الأهداف السعودية المدّعاة كإعادة الشرعية لهادي، ولا كما يصور البعض أن الإمارات امبراطورية عظمى ولها طموحات شرق أوسطية أو توسعية، وهي التي لا يساوي سكانها سوى 5% من مجموع البشر المقيمين فيها، إنها أحد مخالب أمريكا في إيذاء الأمة العربية هي وبنو سعود وكل دول البترودولار التي تؤدي دوراً وظيفياً في خدمة الأهداف الأمريكية في إعادة ترتيب الوطن العربي بخارطته الجغرافية والديموغرافية والاقتصادية، بما يتوافق مع الأهداف المستقبلية للمشروع الصهيوأمريكي.
وكما هو شأن تشكيلة السلطة الفلسطينية ورئيسها عباس، وحكومة المنطقة الخضراء في العراق ورئيسها المالكي، بألا يتحركوا في أكثر من هامش مرسوم لهم من قوى الاحتلال، فلم يكونوا ولن يكونوا أكثر من موظفين في إدارة الاحتلال، أكثر ما هو مسموح لهم به هو القيام بالبروتوكولات والتعيينات التي تُملى عليهم، وكل ما تريده قوى الاحتلال منهم أن يقوموا به نيابة عنه بغطاء محلي ووطني أو بمساحة بما لا يتقاطع مع رؤية المحتل وسياسته، والنسخة المكررة منهم هنا في اليمن هو هادي الموازي لكرازاي أفغانستان الذي يظهر متى ما يُراد له تحت راية حرب قوى العدوان والمحتلين، وتجلت هذه في أحداث هذا الشهر، والسوابق المماثلة في عدن منذ بداية احتلالها، ومنها ما حدث في مطار عدن حين عاد هادي خاسئاً وهو حسير الى الرياض، بعد أن رفض ما يسمى العميري المحسوب على القوات الإماراتية فتح المطار لاستقبال طائرته، مما دفع به للجوء الى سيده الأكبر سلمان الذي لم يكن متفرغاً له، وأحال أمره الى ابنه محمد، بما يوحي لنا بوضع هادي ومقامه عندهم، فأية إهانة مضاعفة في يوم واحد يتلقاها هادي بعد أن استدعى تحالف الشر العربي العالمي المأجور الثمن للقضاء على اليمن أرضاً وإنساناً وحضارة وتاريخاً، بحجج تُضحك الثكلى (وإهانتين في اليوم توجع), وعندما عاد الى عدن ربما بإيحاء من محمد بن سلمان أن يكشر عن أنيابه تجاه الإمارات ومرتزقتهم بالاستعانة بمرتزقة السعودية، فحدث ما حدث في المطار، وللأسف يمني يقتل يمنياً، فتزداد ضحايانا ومآسينا، ونغرق في بحر الدماء، والنتيجة أن الإمارات تعاملت مع هادي على حقيقته، وبصفتها التي أعلنتها جهاراً بأنها المخولة من سيدها الأمريكي كحاكم فعلي في عدن، وذلك من خلال رسائل بسيطة من مغردين قريبين من حرم القصر الإماراتي، وبدبلوماسية عالية ليس من الصعب فهم شفراتها من بين السطور، ومن خلال إشارات طفيفة في بعض الصحف الرسمية كصحيفة (البيان) الإماراتية.
بالنسبة لنا (ليس بعد الكفر ذنب)، فذروة المعركة في محافظة عدن وبعض المحافظات الشرقية كانت عند سيطرة العدوان عليها، وذلك أعظم الذنوب التي لن نتحدث في أي تفاصيل أخرى في أحداثها، ولكن على المحتل أن يدرك أن جيوشه سواء الإرهابية المصطنعة (القاعدة وداعش) وغيرهم مما لا يصنف كقوى إرهابية، أو تلك المدعومة تحت مسمى جيش وطني أو مقاومة، ستُستنزف يومياً، خاصة واليمن مازال قوياً بمركزه في العاصمة صنعاء المستقرة ومعظم مدن اليمن، وبقوة الجيش اليمني المتصدي لكل جحافل الجيوش الغازية والمعتدية على عدة جبهات من شرق اليمن الى غربها الى شمالها في مناطق التماس المباشر مع القواعد العسكرية الاستراتيجية التي أقامتها أمريكا في شمال اليمن وجنوب السعودية (نجران وعسير)، هذه القوة والحاضنة الوطنية والقادرة على صدّ العدوان وإزالته من أية محافظات احتُلت، ستُجبر الإمارات في النهاية على أن تحمل عصاها وترحل هي وكل الجيوش المستأجرة بجانبها في عدن والمكلا وسقطرى، فقد كان الاستعمار البريطاني أنبه وأذكى منهم، وحمل عصاه ورحل، لتبقى اليمن الرقم الصعب في المعادلة، وإن مكث 130 عاماً، لكنه في النهاية رحل، وإن ظلت دول الخليج العربي وبنو سعود أدوات أمريكا في المنطقة بغبائهم وغرور طيشهم النفطي، فسيرقصون في حقل مآسيهم، وأعتقد أن الرقص سيطول إلى أن يُغمى عليهم.

أترك تعليقاً

التعليقات