قبل عامين كانت آخر ليلة ترى عاصمة اليمن صنعاء فيها النور، وطفقت تعيش في الظلام مذاك، فقد انقطع التيار الكهربائي في 13 أبريل 2015 إثر العدوان الذي يشنه التحالف السعودي، وأحجمت محطة مأرب الغازية عن إمداد صنعاء والحديدة وتعز ومحافظات أخرى بالكهرباء. . وقتها كان الناس يعيشون صدمة العدوان المباغت، وما صحبه من نزوح عديد أسر ومواطنين إلى الأرياف، فظل الظلام مخيمًا في المدن والقرى على السواء، لكنه لم يدم طويلاً، لاسيما مع تهاوي أمنيات المواطنين وتوقعاتهم بانتهاء العدوان في غضون أسابيع، وبانقضاء الشهر الأول كان المواطنون يؤقلمون أنفسهم على ظروف العدوان وانعدام الضوء، وساروا يبحثون عن طرق وأساليب تمكنهم من الصمود والحياة في ظل الحرب، لتزدهر بذلك سوق الطاقة البديلة والألواح الشمسية.
ولعل ظرف انقطاع الكهرباء الحكومية وانعدام المشتقات النفطية، زاد من فرص الطاقة الشمسية كبديل يمكن الاعتماد عليه، فنالت الحظوة، وازدهر سوقها في ظل الحرب، لدرجة وصول الألواح الشمسية إلى معظم المنازل في الريف والحضر، بعد أن أقبل على شرائها عديد مواطنين، رغم استغلال التجار لحاجة الناس ورفع أسعارها، إذ وصل سعر المنظومة المتوسطة إلى 400 دولار، وأُغرقت السوق بمنظومات طاقة ذات جودة رديئة، لكنها خففت وطأة الظلام، وبدأت الحياة تعود إلى المدن بشكل تدريجي، وإن بأنوار خافتة وباهتة.

بديل ظرفي
انتشرت الطاقة البديلة بكثرة، ما حدا بالبعض إلى الظن بأنه يمكن الاعتماد عليها كبديل دائم للطاقة، لكن كفاءتها لم تكن بالقدر المطلوب، ويعزو الخبراء ضعفها إلى عدم وجود محطات كبيرة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، الأمر الذي زعزع بقاءها كبديل ناجح، وجعلها تراوح فترة الاضطرار الظرفي؛ حيث إن المنظومات الصغيرة التي بحوزة المواطنين في منازلهم لم تكن قادرة على تشغيل الأجهزة المنزلية كـ(الثلاجة، المكيف، والمكنسة وغيرها)، فضلاً عن تشغيلها آلات وماكينات في المعامل والورش الخاصة بالنجارة والألمنيوم التي تعتمد على مولدات كهربائية خاصة.
ومع الانفراج الجزئي لأزمة النفط ووفرته في المحطات والسوق السوداء، وجد أصحاب رأس المال سوقًا بكرًا تعود عليهم بأرباح طائلة، فسارعوا إلى شراء مولدات كهربائية ذات قدرة كبيرة تتجاوز أدناها 50 كيلو وات، ووضعها في أحواش وسط الأحياء السكنية، وتوصيل الأسلاك بطريقة عشوائية إلى المحال التجارية وبعض المنازل، مقابل 20 ألف ريال رسوم اشتراك، وتوفير عداد لحساب الاستهلاك للتيار الكهربائي، وتزويد الأحياء السكنية والمحال التجارية بالكهرباء لساعات معينة، مقابل 150–180 ريالاً للكيلو وات.
غير أن نسبة اشتراك المنازل تظل قليلة، بالنظر إلى تدهور الوضع الاقتصادي الذي يكبح رغبة المواطن بالاشتراك في خدمة الكهرباء الأهلية إلى المنزل، لتبقى محصورة في الشوارع التجارية والأسواق.

تفعيل المحطات
وفي رمضان الفائت، يونيو 2016، وهو الشهر الذي يكون اليمنيون فيه أكثر حاجة إلى الكهرباء، أعلنت مؤسسة الكهرباء الحكومية أنها ستعمل على إعادة التيار الكهربائي بشكل تدريجي للعديد من أحياء أمانة العاصمة، عبر تفعيل المحطات الصغيرة والمتوسطة، كمحطة حزيز بصنعاء، فاستبشر الناس بذلك خيرًا، وعقدوا عليها آمالهم بانفراج أزمة الكهرباء، وأعقب إعلان المؤسسة توزيع الكهرباء لبضع سويعات على أحياء معينة.
لكن سويعات الضوء لم تدم طويلاً، وسرعان ما اتجهت مؤسسة الكهرباء لخوض المنافسة مع المحطات الأهلية، عبر تفعيل محطة حزيز في العاصمة صنعاء، واقتصار توليد الكهرباء الحكومية على بعض الأحياء والمناطق التجارية، بحجة توفير تكاليف التشغيل ورواتب موظفي مؤسسة الكهرباء.
ويرى مدير عام كهرباء المنطقة الرابعة بالعاصمة صنعاء، عبدالله الحزيزي، أن وجود شركات خاصة لبيع الكهرباء للمواطنين على مستوى مديريات الأمانة، يعد من أبرز الإشكاليات التي تواجه مؤسسة الكهرباء، وتهدف إلى القضاء على المؤسسة والعاملين فيها، بينما يؤكد وزير الكهرباء في حكومة الإنقاذ، لطف الجرموزي، خلال اجتماعه بنقابة تجار الكهرباء والطاقة، حرصه على تذليل الصعوبات التي تواجه القطاع الخاص للكهرباء، باعتباره رديفاً أساسياً في عملية التنمية، على حد تعبيره.
(تأثر قطاع الكهرباء بالعدوان والحصار، وخرجت معظم المحطات عن إمكانية توفير الطاقة اللازمة)، بحسب قول لطف الجرموزي، وزير الكهرباء، في تصريح خاص لـ(لا).. متابعًا أنه نتيجة توفر بعض الكميات من الوقود المتمثل بالمازوت، تم تشغيل بعض المولدات في محطة حزيز في أمانة العاصمة، بقدرة تتراوح بين 21 و28 ميجا وات، أي ما يغطي 5% فقط من احتياج العاصمة صنعاء، غير قيمة الطاقة المستهلكة لمدة تزيد عن نصف عام، والتي لم تستطع مناطق كهرباء أمانة العاصمة تحصيلها بسبب أزمة الرواتب.
ويستطرد الوزير: (كما أن توقف العديد من المصانع والورش، أعدم الموارد التي تستطيع الكهرباء من خلالها تغطية النفقات التشغيلية، إضافة إلى انقطاع الدعم الذي كان يقدم من وزارة المالية مقابل توفير الوقود، ونتاجًا لذلك أصبح من غير المجدي توفير الطاقة الكهربائية للكثير من المناطق، وهذه أهم الأسباب التي تجعل من إيصال خدمة الكهرباء في العاصمة أمرًا بالغ التعقيد. وتسري الحالة ذاتها على محافظة الحديدة، إلا أن قرار مجلس الوزراء في آخر جلسة له منتصف أبريل الجاري، بشأن تخصيص صندوق دعم لكهرباء الحديدة، يمثل إنجازًا هامًا سيؤدي بالضرورة إلى عودة التيار الكهربائي لمدينة الحديدة بشكل تدريجي).

مولدات غير مصرحة
وبحسب وزير الكهرباء، فإن انتشار مولدات الكهرباء الأهلية في عدد من المناطق، هو نتاج طبيعي لانقطاع خدمة الكهرباء الحكومية بسبب خروج المحطات كنتاج للعدوان والحصار، وتتزايد هذه المولدات بشكل مستمر في كافة المحافظات دون تصاريح رسمية، ولا توجد إحصائيات نهائية لها لدى وزارة الكهرباء، إلا أن مناطق الكهرباء تعمل على تحديث هذه البيانات بشكل دائم.
كما أن قانون الكهرباء لا يتيح إمكانية ممارسة الاستثمار في هذا المجال إلا أن يكون التوليد أعلى من 2.5 ميجاوات، وقد تم تشكيل لجنة مختصة لإعداد لائحة لتنظيم أنشطة أصحاب المولدات وفق معايير موضوعية، بما يحفظ حقوق وممتلكات مؤسسة الكهرباء، وأهمها شبكات الكهرباء.
ويؤكد الجرموزي أن وزارة الكهرباء تعمل من أجل الحفاظ على كمية التوليد الحالية، وتوفير الوقود المحدود الذي يصلنا من محافظة مأرب، بالتزامن مع المساعي التي تبذلها الوزارة لإعادة محطة مأرب الغازية للخدمة، وهناك فرق هندسية تعمل في الميدان للأسبوع الثالث على التوالي في تنفيذ الصيانة اللازمة للشبكة التي تضررت جراء القصف، وكذلك تم إعداد دراسة فنية لصيانة محطة مأرب الغازية.
ومن خلال حديث الوزير، يتضح أن استمرار العدوان والحصار يعد أبرز عوائق عودة الكهرباء العمومية، وما يترتب على استمرار انقطاعها من ازدياد عدد محطات الكهرباء الأهلية، كنتيجة طبيعة لا تستطيع الجهات الحكومية الوقوف ضدها.
إيرادات ضئيلة
من ناحية ثانية، تعمل مؤسسة الكهرباء على إيصال التيار إلى كبار المستهلكين في أحياء العاصمة، بسعر تعرفة جديد، ويوضح مدير عام كهرباء أمانة العاصمة، صلاح المصري، أن إيصال التيار الكهربائي المحدد بـ10 ميجاوات لمدة 12 إلى 15 ساعة يومياً، إلى كبار المستهلكين والمنشآت التجارية على مستوى الأمانة، يعود على المؤسسة بـ324 مليون ريال شهريًا، في حين بلغت إيرادات كهرباء أمانة العاصمة خلال فبراير الفائت فقط 150 مليون ريال.
وبحسب وكيل وزارة الكهرباء، حارث المعمري، فإن حجم خدمة التيار الكهربائي المتوفر يقدر حاليا بـ42 ميجاوات، وينبغي الاستفادة منه بما يكفل توفير النفقات التشغيلية، فيما حاجة البلد إلى الكهرباء تقدر بنحو 2000 ميجاوات، وقد ظلت اليمن طيلة الفترة الماضية تنتج 800 ميجاوات، قرابة نصفها من محطة مأرب التي تنتج 340 ميجاوات، بينما 460 ميجاوات تنتجها محطات أخرى، غير أن الفوضى الأمنية التي تعصف بالبلاد عرّضت محطات الكهرباء وخطوط الإمداد لخسائر فادحة ضاعفت مديونيتها حتى وصلت مطلع العام 2015 إلى 19 مليار ريال عجزت المؤسسة عن تسديدها للمستثمرين في قطاع الطاقة وشركة النفط ومقابل قطع غيار.
وفي ظل عجز مؤسسة الكهرباء الحكومية عن تقديم خدمتها للمواطنين، تنتشر مولدات الكهرباء الخاصة، التي تمنح الضوء مقابل زيادة سعرية، لكنها في ذات الوقت تقدم العتمة لمستقبل الدولة اليمنية، وتدق ناقوس خطر في سبيل خصخصة قطاعات ومؤسسات الدولة أو تعطيلها بغية إفساح المجال أمام القطاع الخاص، فضلاً عن مخاطر أخرى تنجم عن كونها تتوسط الأحياء السكنية، ويتم توصيل الأسلاك بطريقة عشوائية.