بعد أن يجتاز المسافر مدينة صنعاء بنحو 80 كيلومتراً باتجاه الجنوب, يلحظ على جانبي الطريق خضروات متنوعة ذات جودة عالية، تباع على الطريق, ولا تشير الأرض التي تعرت معظم مساحاتها المحيطة بجانبي الإسفلت من اللون الأخضر، إلى أن تلك المنتجات من محافظة ذمار، مع أن هذا المكان هو بداية قاع جهران الخصيب والمعروف أنه أول منطقة تابعة للمحافظة يطل عليها القادم من العاصمة, وتتبادر هذه الفكرة في أذهان من لا يعرفون المحافظة والخيرات المتوفرة فيها, وبمجرد الدخول في أي طريق فرعي موصول بالطريق الرئيسي، والتوغل في ذلك، يستحيل ذلك الجدب الموحش إلى مزارع زاهية أقرب إلى تلك الجنان التي ذكرها القرآن الكريم، لما تحتويه من أصناف كثيرة, ارتدت بها فستاناً لا لون فيه سوى الأخضر, لم تحكه لها الأمطار المتأخرة في هطولها هذا العام, بل مياهها الجوفية التي برعت حرفية أبنائها الزراعية في تحويلها إلى خيوط نسجت ذلك الجمال الباعث على الطمأنينة والبهجة, لتوصل بذلك كله رسالة مفادها: لن يجوع أبنائي ماداموا يلتزمون طاعتي.
نبذة عن المحافظة
تتوسط محافظة ذمار الهضبة الجبلية للجمهورية اليمنية, بين خطي عرض 15.70 و16.66 درجة شمالاً وخطي طول 33 و48.50 درجة شرقاً، حسب المعلومات المؤرشفة عنها في شبكة الإنترنت.
وتتميز المحافظة بتنوع تضاريسها المتمثلة في سلاسل جبلية وسهول وقيعان على امتداد مساحة مديرياتها البالغ عددها 12 مديرية حسب التقسيم الإداري الأخير. ولها مناخ معتدل مائل إلى البرودة شتاءً في وسطها وأجزائها الشرقية، ودافئ في مناطق الوديان وأجزائها الغربية. وفي وسطها يقع قاع جهران أكبر وأوسع قيعان الهضاب اليمنية.
واستفاد سكان المحافظة الذين تعد الزراعة نشاطهم الرئيسي، من تنوع تضاريس ومناخ أرضهم, لينتجوا محاصيل متنوعة تباع في مختلف أسواق المحافظات الأخرى, وكانت تصدر قبل العدوان والحصار إلى دول عديدة.
وفي المحافظة بيئات طبيعية سياحية عديدة مثل محمية عتمة ووديان وصاب العالي وغيرها, كما أنها تمتلك مقوماً سياحياً آخر يعد عالمياً، ويتمثل في السياحة التاريخية والأثرية, حيث تم اكتشاف قرابة 500 موقع أثري تتضمن آثاراً لكافة المراحل التاريخية، بإفادة معلومات منتشرة في عدد من مواقع الإنترنت. ويتعذر علينا الإسهاب في الحديث عن هذه المحافظة اليمنية الشامخة، كون الزراعة فيها هي غاية تقريرنا الصحفي هذا.

الدمار لم يفقد تربة ذمار خصوبتها
نالت محافظة ذمار نصيبها من همجية تحالف العدوان الأمريكي السعودي التي طالت وتطال كل بقاع اليمن, فصواريخ طيرانه وصلت إلى كل مديرية فيها، وكتبت الشهادة لمن وقعت عليهم من أبناء تلك المديريات, ولعل أبشع مجزرة ارتكبها التحالف القذر في المحافظة، هي تلك التي وقعت في قرية سنبان بمديرية عنس، بحق متجمعين في عرس، وخلفت المجزرة أكثر من 100 شهيد وجريح.
ومع أن نشاط المحافظة الرئيسي المتمثل في الزراعة قد تضرر أيضاً بفعل العدوان والحصار، إلا أن ذلك لم ينزع الخصوبة من تربة أرضها، فاستمرت في إنتاج المحاصيل الزراعية المتنوعة, يساعدها في ذلك حب أبنائها الذين يرون أن ماءها أغلى من دمائهم.

مزروعات المحافظة
لا محصول تعجز تربة ذمار عن احتضانه ورعايته ليغلظ عوده ويستوي سوقه، ويصبح متوفراً في السوق المحلية وفي متناول الجميع. واختصت منطقتا المحافظة الغربية والشرقية كل منهما على حدة في إنتاج محاصيل تختلف عما تنتجه الأخرى, فالمديريات الشرقية المتمثلة في الحداء وعنس وجهران وأجزاء من ضوران آنس، تزرع من الفواكه الخوخ, الرمان, العنب والفراولة, ومن الخضار البطاطس، الطماطم, الكوسة, البسباس, البيبار, الخيار والملفوف, أما المديريات الغربية المتمثلة في وصاب العالي, وصاب السافل, عتمة, وأجزاء من آنس، فتزرع من الفواكه المانجو, الموز، والقشطة (الخرمش)، بالإضافة إلى البطيخ، وتنفرد هذه المديريات بزراعة البن الفضلي، خصوصاً في ضوران آنس، ويعد من أجود أنواع البن.
وقال كمال علي شمسان، المهندس الزراعي في مكتب الزراعة والري بمحافظة ذمار، لصحيفة (لا) إن مديريات المنطقتين الشرقية والغربية تشترك في زراعة محاصيل الحبوب بأنواعها، وتزرع بدرجة رئيسية القمح، تليه الذرة الرفيعة والذرة الشامية، وأخيراً الدخن, كما تزرع البقوليات من عدس وبازلاء ولوبيا (الدجرة). مؤكداً أن محافظة ذمار تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات في إنتاج الخضروات، خصوصاً البطاطس والملفوف (الكوبش)، والثانية في الثروة الحيوانية.

ذمار تكتفي ذاتياً
لا شك أن الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان على الوطن منذ أكثر من عامين، قد أثر بشكل كبير على مستوى معيشة نسبة كبيرة من أبناء الشعب في محافظات مختلفة، مهدداً بكارثة جوع نتيجة عدم توفر الأمن الغذائي لديهم, غير أن أبناء محافظة ذمار خرجوا عن هذه النسبة المتضررة والمهددة بكارثة إنسانية، كون الفائدة التي جنوها من مزروعاتهم مكنتهم من الاكتفاء ذاتياً، وتحقيق الأمن الغذائي من محصول القمح ومختلف الحبوب، بحسب حديث المهندسين الزراعيين بمكتب زراعة وري المحافظة خالد البدجي وكمال شمسان.
وأضاف المهندسان في حديثهما للصحيفة، أن المحافظة تدعم الناتج المحلي الإجمالي للزراعة بنسبة 14%, متغلبة على التحديات التي فرضها العدوان والحصار لتجويع أبناء اليمن من أجل كسرهم وإخضاعهم للقبول بمشروع المتحالفين فيه, مع وجود بعض العراقيل والصعوبات الظاهرة بسبب ذلك.

تحديات يواجهها مزارعو ذمار
يواجه أبناء الوطن صعوبات كثيرة متمثلة في آثار يخلفها القصف والحصار المستمر لأكثر من عامين, ومن فئات المجتمع المتضررة فئة المزارعين.
ويتضرر المزارعون في ذمار من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية (مادة الديزل)، كونها تستخدم في تشغيل مضخات المياه الموجودة على كل بئر في المحافظة, هذا الارتفاع تسبب به الحصار الخانق المفروض على الشعب، بالإضافة إلى ارتفاع سعر الأسمدة والمبيدات الحشرية اللازمة لحفظ بعض أنواع المحاصيل الزراعة كالطماطم وغيرها.
ومن ضمن الأضرار الناتجة عن الحصار، انخفاض أسعار المنتجات الزراعية، خصوصاً الخضار، ما ضرب اقتصاد المحافظة كونه منتجها الرئيسي، وأثر على مستوى دخل أبنائها، لأن التسويق الزراعي معدوم.. كما أن انقطاع التيار الكهربائي بسبب القصف أوقف عمل ثلاجات التبريد التي تحفظ المنتجات الزراعية، وهذا دفع مزارعي ذمار إلى بيع منتجاتهم بأسعار أقل لضمان عدم تلفها, وقال المهندس كمال شمسان إن استمرار هذا الأمر جعل المزارعين في المحافظة يخفضون من حجم زراعة بعض المحاصيل، لأن ناتج بيعها لا يغطي ما تم دفعه من نفقات لإنتاجها.
وأشار المهندس شمسان إلى أن طيران العدوان استهدف معظم المنشآت الزراعية في المحافظة, حيث قصف مكتب الزراعة والري، والهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، ومحطة المرتفعات الوسطى التابعة لها, والمؤسسة العامة لإكثار البذور المحسنة, والشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس, كما قصف مزارع ألبان رصابة (اليمن، الأسرة)، وعدداً من مقرات الجمعيات التعاونية الزراعية، ومقر الجمعية النسوية في التنمية الزراعية.
ويضيف المهندس خالد البدجي إلى ما ذكره زميله قيام طائرات تحالف العدوان بقصف مشتل مدينة الشرق، ومخازن بذور البطاطس, ومزارع مهراس للدواجن, والمجمع الزراعي بعتمة, ومبنى مشروع التنمية الريفية، ومبنى مياه الريف بذمار القرن.
لم نغفل هنا عن لقاء بعض المزارعين في مناطق مختلفة من المحافظة, حتى نحصل على معلومات دقيقة من أبناء المحافظة المحتكين مباشرة بتربة الأرض.

الحبوب ليست للبيع
لا يبيع أبناء محافظة ذمار العاملون في الزراعة محصولهم من الحبوب، خصوصاً القمح والشعير، بل يقومون بتخزينه، ويضيفون كل عام كميات كبيرة إلى ذلك المخزون، خلاف بقية المحاصيل, وهذا الأمر له أسباب, يقول المزارع عبدالله محمد العبطلي، من أبناء مديرية جهران، إنه لا يبيع ما يحصده من قمح أو شعير، بل يقوم بتخزينه في براميل ليأكل وأطفاله منه طوال العام، وهكذا منذ القدم, وسبب عدم بيعه هو اكتساح القمح المستورد للسوق وبيعه برخص. مضيفاً أنه لو حاول بيع ما يزرعه محلياً بنفس السعر، فإنه لن يغطي تكاليف خسارته، كون البذور الخاصة به مرتفعة السعر، ولا تقدم الدولة تسهيلات للمزارعين حتى يزرعوا القمح البلدي، ولو قدمتها فإنها لن تدفع مقابل شراء محاصيلهم بأسعار يستحقها المزارع ويجني من ورائها ربحاً ولو قليلاً, ولهذا فإنهم يتحتفظون بهذا المحصول ليؤمنوا الغذاء لأسرهم في المديرية، ويقوم بهذا الأمر بقية أبناء المحافظة.
وأشار المزارع عبدالله إلى أنه لا يمكن أن يمر عليهم موسم دون أن يزرعوا القمح، حتى لو لم تهطل الأمطار, ويقومون في هذه الحالة بزراعته وريه من الآبار الخاصة الارتوازية التي يملكونها, ليضمنوا عدم نفاد هذا المحصول من مخازنهم، لأنهم لا يضمنون ماذا سيحدث في المستقبل، ولا يريدون أن يأتي اليوم الذي يحتاجون فيه لغيرهم للحصول على هذه المادة الضرورية.
وتحدث العبطلي عن أن الصعوبات التي أوجدها العدوان والحصار جعلته يتوقف عن زراعة الطماطم تماماً، ويخفف من زراعة بقية المحاصيل، لأن السوق المحلية تعاني من انخفاض كبير في الأسعار, كما أن الحرب في محافظة تعز أثرت كثيراً عليهم، لأنها كانت تمثل سوقاً استهلاكية عالية يبيعون فيها منتجاتهم من الخضار، ويجنون ربحاً وافراً, والآن اختفى هذا الأمر، فالسيارة البطاطس كانوا يبيعونها بـ150 ألف ريال، أما الآن فيبيعونها بـ60 ألفاً، وأحياناً أقل من ذلك.
يحيى بازل (50 عاماً) مزارع من مديرية الحداء، يقول: جنينا العام الماضي في القرية محصولاً وفيراً من القمح يكفينا لسنين, وننتظر هذا العام المطر لنزرع القمح ونعود بغلة كبيرة, فنحن لا نستخدم مياه الآبار في زراعته، بل في زراعة البطاط والطماط والكوسة, وهذا العام لم نزرع حتى هذه الأصناف، وجعلنا مياهنا حكراً لزراعة القات.
وأرجع الحاج يحيى سبب ذلك إلى الخسارة التي منوا بها العام الماضي من زراعة الطماطم, فقد دفعوا مبالغ كبيرة حتى جعلوها جاهزة للحصاد بسبب ارتفاع أسعار الديزل والأسمدة والمبيدات الحشرية، وجميعها لازمة لزراعة هذا الصنف, لكن المبالغ التي جنوها من بيعها لم تغط تكاليف زراعتها، كون السوق المحلية مضروبة تماماً, فقد وصل سعر السلة الطماطم العام الماضي إلى 500 ريال، وكانت سابقاً تباع بـ5 آلاف ريال.

دعم الدولة سيحقق الأمن الغذائي
حتى مع هذه العراقيل التي أوجدها العدوان والحصار، فإن تربة ذمار لم تتوقف عن زراعة المحاصيل المتنوعة، وإغراق السوق المحلية بها, لتؤكد للجميع أنها لن تسمح بأن يجوع أبناؤها أبداً, فمعظم النازحين إليها من المحافظات الأخرى المتضررين من العدوان, لا ينتظرون وصول منظمات الإغاثة التابعة للأمم المنافقة، كي تمنحهم ما يصنعون به كسرة خبز يسدون بها جوعهم, فأبناء ذمار خصوصاً في المديريات الزراعية تكفلوا بهذا الأمر، وأعطوا النازحين الكميات اللازمة لهم من خيرات تربة ذمار من القمح والذرة المتوفرة في مخازنهم.
ويجب على الجهات الرسمية في حكومة الإنقاذ دعم زراعة القمح في المحافظة، واستغلال قيعانها الواسعة وسهولها وأوديتها، خصوصاً وأن أحواض مياهها الجوفية ما زالت ممتلئة، حسب ما أوضح مهندس المياه بمكتب زراعة وري ذمار زكريا علي الحربي, كذلك تقديم التسهيلات الممكنة للمزارعين لتوفير ملايين الأطنان من مادة القمح، وتحقيق الأمن القومي الغذائي اللازم لأبناء الشعب لسنوات عديدة, حتى لا تتمكن دول الظلم والاستكبار من لي ذراع اليمنيين عن طريق استغلال حاجتهم الغذائية لإخضاعهم تحت وصايتها.