عامٌ من العدوان الإمبريالي على الوطن.. عام من الثورة الشعبية التحررية والنهوض الوطني
- تم النشر بواسطة علي نعمان المقطري

المقدمات الموضوعية التاريخية والسياسية للعدوان
1- مقدمات تاريخية:
لم يكن العدوان الأخير ضد الوطن البادئ في 26 مارس 2015م، إلا حلقة جديدة من حلقات الحروب الطويلة التي شنتها السعودية ضد بلادنا وشعبنا طوال قرن كامل، مذ صنعها الاستعمار البريطاني الأمريكي لتكون حربةً دائمة في خاصرة الوطن العربي الكبير، واليمن بشكل خاص، بحكم وجوده الحضاري والكتلة الشعبية وموقعه المركزي المتحكم بالمفاتيح الاستراتيجية والجغراستراتيجية والاقتصادية والأمنية القومية للمنطقة التي يشرف عليها اليمن منذ الأزل، ووجوده يمتد إلى مليون عام في المنطقة السامية العربية، ومنها انطلقت كافة الهجرات الإنسانية والحضارية، وهو صاحب أكبر المواريث الثقافية والزراعية والصناعية والعقائدية الإيمانية والديمقراطية الشعبية والدولتية والتمدنية والإدارية والعسكرية.
كانت السعودية وخلفها أسيادها يعتبرون عن حق أن العقبة الكؤود أمام المخططات الاستعمارية الصهيونية في المنطقة هي اليمن شعباً وإنساناً ودولة وتاريخاً ووحدة وقوة وتنظيماً وجيشاً وعقيدة دينية ثورية.
وتعود المقدمات الأساسية للعدوان إلى الموقف السعودي الامبريالي الاستعماري في تطلعاته التوسعية الاحتلالية للأرض اليمنية العربية الغنية بالثروات النفطية والمعدنية التي كان الاحتلال البريطاني في الجزيرة والجنوب يطمع في السيطرة عليها لصالحه وللغرب عموماً، حيث أنشأ الكيان السعودي ليكون حليفاً ووكيلاً حصرياً في الجزيرة العربية، وأنشأه للقيام بالتوسع بالوكالة في المنطقة وفي اليمن، ويمهد لظهور الكيان الصهيوني وتأمينه من الجنوب، والسيطرة على المجال والأفق العقيدي للمسلمين والعروبي، وتعطيله عن الحركة ضد الصهيونية وكامل المنظومة الاستعمارية. وفي العام 34م بعد استكمال غزو الحجاز ونجد والشرقية، جاء دور اليمن وابتلاعه، وهو الهدف الأخير للكيان والرئيسي، وبدأ آنذاك باحتلال نجران وجيزان وعسير والربع الخالي، مستخدماً سلاح المذهبية المدفوعة الأجر كسلاح أساسي، وبتمويل الشركات النفطية الصهيوأمريكية والبريطانية. ومن تلك اللحظة اتسمت العلاقة معه بالعدائية وروح الاجتثاث، إذ لم يتوقف عن التوسع ونهب الأراضي اليمنية الحدودية طوال 80 عاماً، وبلغت مساحة ما تم نهبه أكثر من مليون كيلومتر مربع، أي أكبر مما بقي في يد الدولة اليمنية، وبها ثروات هائلة.
ومن يومها والكيان يتوسع ويتدخل في الشأن اليمني الداخلي عبر طابور طويل من العملاء والمرتزقة.
2- المقدمات السياسية:
ما إن قامت ثورة الشعب اليمني في 62م إلا وسارعت السعودية لشن الحرب ضدها طوال ثماني سنوات، ومنذ 67م نفذت انقلاباً عسكرياً ممولاً ضد النظام الوطني بزعامة السلال، وأقامت عوضاً عنه دكتاتورية (جمهورية 5 نوفمبر) فاسدة عميلة بزعامة بيوت الارستقراطية القبلية بزعامة الأحمر والإرياني والعمري والحجري وأبو لحوم والنعمان.. وبعدها شرعت بتنفيذ المذابح ضد الوطنيين من قادة الجيش والدولة، وواصلت الانقلابات والتوغل في أجهزة الدولة وتخريب القيم والانتماء الوطني، بدءاً من حصار السبعين يوماً ومذابح 21 مارس ومذابح أغسطس 68م ويناير 69م التي ذبح فيها آلاف من الوطنيين اليمنيين من قوميين ويسار وغيرهم من المدافعين عن الثورة والجمهورية، وأبرزهم الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب قائد الصاعقة ورئيس أركان الجيش، علماً أن هذه المذابح كانت شرطاً سعودياً رئيسياً لاعترافها بحكومة عملائها بصنعاء، ومروراً بالانقلاب على الشهيد الحمدي، وما بعده من حروب وتدخلات وتآمرات وتخريب، وصولاً لتفجير حرب 94م التي كانت المستفيد والممول الأول له لتدمير الجيش اليمني في الجنوب والشمال. وبين عامي 2004م و2010م حرضت ومولت تفجير الحرب ضد الشعب في صعدة بدعوى طائفية، ودفاعاً عن المصالح الأمريكية الصهيونية.
في العام 2011م بعد قيام الثورة الشبابية الشعبية، تدخلت بأموالها وعملائها، وحرفت الثورة ووجهتها نحو المؤامرة الخليجية، وسيطرت على الحكم مجدداً، وأعادت هيمنتها على السلطة، وجعلتها أكثر إحكاماً وسيطرة من خلال عملائها هادي وباسندوة وحميد الأحمر والمشترك والوهابية والإخوان والسلفية.
ومنذ العام 2012م بدأت المؤامرات بين هادي والرياض، وكانت هذه هي البدايات الأولى لاستدعاء العدوان، ومنذ ذلك الوقت بدأت عمليات التخطيط للعدوان والتدخل الأجنبي رسمياً، وكان الهدف الأول هو تدمير الجيش اليمني الجمهوري لإبقاء البلاد فارغة من المقاومة ضد الاحتلال لأرضه وعرضه.
وفي العام 2013م حرضت على شن الحرب الأهلية الحكومية ضد الشعب في حاشد وصعدة، ومولت حسين الأحمر وعلي محسن والقشيبي وهادي على الحرب الإجرامية، خصوصاً حين رأت تغير موازين القوى الاجتماعية والسياسية، وتوسع قاعدة الأنصار الاجتماعية والثورية كحامل ثوري وطني صاعد بقوة من خضم المعاناة الاجتماعية، والأكثر أهلية على الانتصار لها بعد تهاوي القوى الثورية الأخرى من يسار وقوميين، واحدة تلو الأخرى، واليوم يتضح أن تهاويها كان للسلة السعوأمريكية.
وبالتفاهم مع هادي وباقي طابورها الرخيص، بدأت الحرب السرية ضد الجيش اليمني والكادر الوطني الثوري بالاغتيالات والتفجير... حتى بلغ الشهداء من ضحايا قاعدتها وإرهابها أكثر من 6 آلاف من خيرة أبناء البلد.
وأمام هذه المعاناة والمكابدة التي يعيشها الشعب البسيط الفلاح والقبيلي والعامل، لم يكن أمام الشعب من صعدة حتى حاشد وصنعاء إلا سلاحه الشعبي والتصدي لسلاح الإمبريالية والاستعمار في الداخل بزعامة الأحمر وباقي مراكز النفوذ، والوصول إلى مشارف العاصمة في العام 2014م.
في العاصمة خرجت الجماهير الشعبية تناشد تطبيق المخرجات ووقف الجرعة السعرية وتغيير الحكومة الفاسدة التابعة للأجنبي والمطالبة بحكومة مستقلة تمثل الشعب اليمني فقط، غير أن السلطة قابلتهم بالنيران وقتلت وجرحت العشرات، وواصلت خيانتها.
اندلعت الثورة الشعبية في 21 أيلول 2014م تدك قلاع الارتزاق والعمالة والتخريب واللصوصية والوصاية، وبالمقابل تذاكى هادي مع رؤية القلاع تتساقط أمام ناظريه، لذا ادعى الحياد، وسارع بطلب اتفاق جديد للحفاظ على ما تبقى من أعمدة سلطتهم المتهاوية، وتم توقيع (اتفاق السلم والشراكة) وتشكيل حكومة جديدة لتهدئة الثورة مؤقتاً، ليقضي الفترة اللاحقة للتوقيع بالتخطيط للانقلاب على الثورة.
مطلع يناير 2015م، راحت الثورة تستكمل ما بدأته، تقارع وتصارع خمسة عقود من الفساد والخديعة والتآمر والتخريب وضياع كرامة البلاد وسيادتها، وأضحت نهباً لكل أفاق ودجال ونصاب باسم الوطنية والدين والجمهورية، ومجرد مقلب لنفايات الغزاة وإقطاعيات لأتباعهم.
نهضة الطبقات الشعبية المستضعفة المقهورة
لقد حملت الثورة الشعبية إلى السلطة غير الكاملة بعد، قوى شعبية جديدة ثورية وطنية بقيادة الأنصار الشعبيين الذين قادوا المقاومة الشعبية ضد العدوان الفاشي العسكري الوهابي على الشعب في صعدة لـ6 سنوات متواصلة، وتمكنت من كسره ودحره، وكانت تلك النهضة الثورية الطويلة هي التي مهدت الطريق إلى الانتفاضة الشعبية السلمية في 2007م في الجنوب، والشمال في 2011م، واشتركت فيها، والتي سرعان ما التفت عليها القوى الرجعية الحاقدة، وأسلمتها الى حتفها وجلاديها وأعداء الشعب والوطن، وبادروها بسلسلة القيود الخليجية الناعمة في الظاهر البشعة في الباطن، والتي بموجبها تم تفكيك الوطن إلى أشلاء ومناطق نفوذ بين الدول الكبرى الراعية كما سموها، راعية أبقار الوطن ونعاجه الضالة الذين حاربهم الشعب.
الانتفاضة الثورية تسير سلمياً
لقد ظلت قيادة الانتفاضة الثورية بعد الهبة المسلحة المباركة بمواجهة قوى الطغيان والحرب والتبعية، حريصة على أن تواصل المرحلة التالية بالطريق السلمي حين استجابت لاتفاق السلم والشراكة الذي قيد حركتها الحرة مؤقتاً، لكنه وفر الكثير من التكاليف والآلام، وأتاح المجال لتحقيق آمال الشعب وأهداف ثورته سلمياً، وتنازلت الثورة عن جزء من سلطتها لإشراك القوى السياسية الأخرى في الدولة الجديدة التي أصبحت تحت سيطرتها الشعبية الثورية وتحت شرعية الثورة الجديدة، وقبلت تقاسم السلطة مع هادي وحلفائه من خلال البرنامج الوطني المشترك للشراكة والسلم الذي اعتمدته المنظمات الدولية وصادقت عليه من خلال ممثلها الأممي، وتشكيل حكومة جديدة من الجميع، مشترطة أن تكون وطنية تصون السيادة الوطنية، وتمنع تدخل الأجنبي في شؤونها قطعياً، وأن تدافع عن استقلالية الوطن وكرامته.
(ازدواجية السلطة وأزمة الثورة والدولة).. خذلان اليسار البيروقراطي
مثل كل الثورات الأصيلة السابقة في التاريخ المجيد للإنسانية المناضلة، وجدت الثورة نفسها أمام منعطف معقد وصعب ومتناقض أملاه عليها عدم نضوج القوى الوطنية المحسوبة على الثورة والحركة الوطنية من اليسار والقوميين، ووقوعها ضحية حسن ظنها بمن تعلقت بهم معتقدة لسنوات أنهم صاروا خشبة الخلاص الوحيدة للشعب بعد 94م.
لقد وقعت الثورة في حب من طرف واحد استناداً إلى الذكريات المجيدة القديمة التي ربطتها أيام خوالي جميلة ساخنة مشبعة بالآمال والأحلام العظيمة وفوران الشباب الشجاع لليسار الوطني والماضي الثوري المترع الذي جعل الرجعيات العربية لا تنام ولا تعرف معنى الراحة لثلاثة عقود بحسب ما تكشفه وثائق البنتاجون الأمريكي بأن اليسار اليمني وقيادته الثورية كانت المادة والموضوع الرئيسي لاجتماعات مجلس الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الأمريكية خلال السبعينيات والثمانينيات، لذلك كانت الثورة مستعدة لأن تستجيب بأريحية كاملة وباطمئنان إلى كل مطالب اليسار ومقترحاته، وتعتبره رديفها الأول وحليفها، تعكس الواقع الملموس، فاليساريون كانوا موجودين في الصفوف الأولى للثورة والانتفاضة الشعبية من الأيام الأولى لانطلاقتها، وخاضوا مع الثورة معاركها المشرفة في المحافظات المختلفة طوال السنوات الأخيرة من صعدة إلى عمران والجوف وصنعاء والعاصمة والفرقة وبعدها؛ لكن المفاجآت كانت أن القيادات الجديدة قد تطبعت ليبرالياً وغربياً وخليجياً، و(تبرجزت) وتسعودت إلى النخاع للدرجة التي معها صارت أكثر ملكية من الملوك أنفسهم. ذلك كان مذهلاً ومؤلماً للثورة وللقواعد اليسارية والوطنيين الذين لم يجدوا مفراً من أن يكسروا قيود التبعية، وينطلقوا إلى الساحات الثورية، متجاوزين هذه القيادات العفنة التي ارتمت في أحضان الإمبريالية والاستعمار والرجعية، والتي ظلت 50 عاماً تكرر كل صباح قسم العداء للاستعمار في تحايا العلم الصباحي وفي كل درس وخطاب، وها هي الآن تتنكر لكل تاريخها وتهيل عليه التراب والقاذورات، وتذل ميراث الثوريين العظام من أمثال القادة جمال عبد الناصر وعبد الفتاح إسماعيل وجورج حبش وسالم ربيع علي، وغيرهم العشرات.. وهنا كانت معضلة الثورة الأولى التي جعلتها تطمئن لاتفاق السلم والشراكة، وتهدئة تقدم الثورة.
(محاولة الانقلاب على الثورة)
19 يناير 2015م
كان هادي الحاكم التوافقي قد تظاهر باحترام الثورة الشعبية، ومبطناً هو وحلفاؤه الانقلاب عليها، وفي مطلع يناير كانت الأزمة الثورية الوطنية قد استفحلت وتفاقمت وهددت الوطن بالتمزق والضياع، واتسعت التدخلات الأجنبية، وكان مخطط احتواء الثورة الذي اعتمدته الرجعية بقيادة هادي، يقوم على التظاهر بالتفاهم مع الثورة والسلام معها بهدف تنويم الثوار وخداعهم عما يدبره أعداء الثورة بسرية تامة، ولذلك استمر فترة وهو يرحب بها حتى اعتقد أنها نامت واسترخت بعد انتشارها، وأنها أصبحت أضعف من ذي قبل، في الوقت الذي يتواصل الدعم الكامل من حلفائه الواعدين بالتدخل العسكري إلى جانبه إن هو بادر للهجوم عليها وعلى لجانها الشعبية في العاصمة.. قبيل الهجوم الانقلابي العسكري لهادي طلبت السفارات الأجنبية أن يخلق هادي المقدمات الدستورية والقانونية والشرعية التي تجعل التدخل متطابقاً مع المواثيق الدولية والقوانين التي عادة ما تكون مسوغة للتدخل ومنح الشرعية المطلوبة للدول الكبرى، وهذه كانت مهمة السيد بن مبارك المكلف كأداة ضبط الاتصالات بينها وبين هادي الذي عيّنه رئيساً للجنة الأقاليم والدستور الموكل إليها تحضير مشروع الأقاليم التمزيقي للبلاد شمالاً وجنوباً بحسب ما منحه باذيب وآمريه من الثقة المطلقة.
كلف بن مبارك القيام بالعمل المخطط بعد عودة اللجنة التي قضت أشهراً خارج الوطن وشهرها الأخير في قصور الخليج لتلقي البركات الأخيرة والتعليمات والوعود، ومنحت المعنويات اللازمة والدعم المطلوب، ووصلت متحمسة جداً لإنجاز مهامها التي سيستند عليها هادي لإنجاز الانقلاب الموعود. وسبق الأيام الأخيرة بذل محاولات للثورة لحل الإشكالات قبل الذهاب الى اجتماعات اللجنة التي لم يقرها عدا هادي وكواليس جماعته وأربابه. لقد رغب هادي أن يقيم ديكتاتورية استبدادية مسنودة بقوة السلطة التي مازالت بين يديه، ولكنها شارفت مدتها على الانتهاء بعد شهر واحد فقط غير قابلة للتمديد، ولذلك سار مهرولاً غير مبالٍ بأحد لتمرير المؤامرة، بينما الثورة تراقب تحركاته المريبة ضبطت مكالمات بينه وبين بن مبارك تفضح حبكة المؤامرة والشر المبيت للثورة وقواها، وكانت البداية من وثيقة الدستور الملقح من كل سفارة وقصر، إلا أن الوثيقة لم تمرر، وهنا أصبح الأمر خطيراً يتطلب الاستعجال والحسم الثوري، وتقرر أن المؤامرة التي يحيكها بن مبارك طفل السفارة الأمريكية والأجنبي وهادي للانقلاب، تستدعي التدخل غير المعتاد، وقامت الثورة بإيقاف بن مبارك ومصادرة الوثائق بحوزته واستدلت منها على الكثير مما يخطط، ووفق التحقيقات التي جرت معه تم التأكد أن الثورة في خطر شديد.
(هادي ينفلت من عقاله)
كان رد فعل هادي منفلتاً من عقاله تماماً، فلم يكن فاقداً زمامه من قبل كما هو ذلك الوقت، بعد أن وجد كل شيء قد فضح، وأعلنت التسجيلات والأدلة للإعلام، ولم يستطع تبرير ما الذي يعنيه في تهديداته، واستمر الحوار يدور بين الثورة وهادي علّهم يصلون معه لحلٍّ وسط، لكنه كان قد حسم أموره، ولم يعد هناك مجال متسع للمناورة.
ليلة 19 يناير 2015م قرر الحسم بعد أن تبادل المشاورات مع السفراء الذين يجتمعون به بشكل متواصل، وجمع المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة بصفته القائد الأعلى، وأصدر الأوامر إليه بإنزال الجيش إلى شوارع العاصمة وطرد جميع اللجان الشعبية للثورة باستخدام القوة، وكانت تحت إمرة هادي مباشرة مجموعة من الألوية الرئاسية الكبيرة تقدر بخمسة ألوية حرس جمهوري ومدرع، أحدها كان لديه أكبر مخزون من الدبابات (300 دبابة حديثة)، ويعد أفضل فرق الجيش اليمني على الإطلاق، إضافةً لأربعة ألوية صواريخ كانوا تحت إمرة قائد حراسته (الجعيملاني) وفي تصرفه وتتبعه سبعة ألوية حرس احتياط استراتيجي، وفي الفجر بدأت قوات الحرس تهاجم اللجان الشعبية خفيفة التسليح، وتواصلت المواجهات وانتشرت الاشتباكات إلى وقت العصر حين انهارت مقاومة ألوية الحرس واستسلموا للثورة بعد أن رأوا أن هادي يريد توريطهم في فتنة معادية للوطن ولوحدته وللثورة. وقد رفض كثير من القادة الذين أمرهم بإنزال قواتهم بمن فيهم وزير الدفاع المقرب منه ومحل ثقته، فقد رأى في الأمر اختراقاً كاملاً للشرعية الوطنية، وجريمة فتنة أهلية دامية.
(21 يناير 15م اتفاق جديد)
مناورات جديدة كسباً للوقت والتظاهر بالسلم والبلاهة
رغم خسارة هادي الانقلاب العسكري وهروبه إلى بيته ليحتمي به من بطش القانون الذي يلاحقه، فقد استغل أخلاقيات الثورة وطلب الحوار من جديد.
أرادت قيادة الثورة أن تتجاوز الفتنة بسلام، فوافقت على مقترحات بتوقيع اتفاق سلام جديد بتاريخ 21 يناير 2015م، تم بموجبه الإقرار بالتخلي عن المضي بالتعديلات بخصوص الأقاليم والدستور قبل إجراء حوارات وطنية حولها، ومعالجة أسباب الأزمة الأخيرة، وبعد يومين أدرك هادي أنه لا يمكنه إنجاز خدمته للأجنبي تحت سيطرة الثورة ورقابتها وفقدان القوة التي كانت تحت سيطرته، لذا قدم استقالته وحكومته لإحداث أزمة وفراغ سياسي تنفيذاً لأوامر ملكه وآمره السفير الأمريكي.
وفي الوقت الذي كانت الثورة فيه تدعو القوى السياسية للحوار والاتفاق لملء الفراغ السياسي، وتحرص على مشاركتهم على الرغم من مواقفهم المتراخية والالتفافية، كان هادي في منزله بدون حراسة مشددة، استطاع التواصل مع حلفائه في الداخل والخارج والسفراء، وتم ترتيب هروبه نحو عدن.
حرب استرداد العاصمة
في عدن دقت طبول الحرب
اتضح لاحقاً أنه قد اتفق مع الحلفاء على العودة عن الاستقالة ومواصلة المهام، وقيادة الحرب من عدن باسم استرداد العاصمة وطرد الثورة منها بدعم خليجي أمريكي لمشروع خطط له منذ أشهر طويلة باعترافات العدوان نفسه ساعة أعلن عن حربه. وبوصول هادي إلى عدن هارباً، راح يحشد ويجند العصابات ضد الثورة، وحوله التفت القوى السياسية ذاتها التي تحالفت معه في المبادرة الخليجية من مشترك وإخوان وسلفيين وليبراليي الرياض، فيما تدفقت الأموال بمليارات الدولارات للتجنيد وشراء الذمم، فالسعودية وحدها دفعت رواتب 20 ألف مرتزق لستة أشهر. وهنا أصبحت الثورة أمام مفترق طرق؛ إما أن تدافع عن نفسها وعن الوطن بحزم، وإما أن تغادر مسرح التاريخ الذي تحاول الرجعية الآن إعادة ملئه بأعداء الثورة.
المصدر علي نعمان المقطري