إحصائيات تشير إلى ارتفاع عددهم إلى أكثـر من 2.5 مليون
الوافدون الجدد على (باب الله)

تزايد عدد المتسولين بشكلٍ كبيرٍ ولافت، خاصة بعد قصف المصانع والشركات، وتشريد العديد من المواطنين من بيوتهم، ومحافظاتهم، بعد أن سوّيت بيوتهم بالأرض ودُمرت مزارعهم، نزحوا من جحيمِ الحرب، إلى جحيم المعاناة اليومية والبحث عن كسرةِ الخبز بمختلف الطرق، ليصلوا إلى ما يسد رمقهم اليومي، بينما على الجانب الآخر أُسر (عفيفة) لا تمد يدها للآخرين، وإن كانت بقمةِ احتياجها.. وذلك ما سعت وتسعى إليه دول العدوان من خلال تدمير البنية الاقتصادية لليمن، وسياسة (التجويع) وإذلال اليمنيين في لقمةِ عيشهم.. صحيفة (لا) ناقشت الظاهرة، واقتربت من أوجاع ومعاناة من دفعتهم المأساة إلى التسول كوسيلةٍ لمواجهةِ الجوع..
المناديل الورقية.. وقهر الصعاب
شروق تصحو صباحاً من منزلها الذي هو عبارة عن صفيحٍ متهالك، والذي تقطنه مع عائلتها المتشردة بعد قصفِ منزلهم في مدينة حرض الحدودية، وتحملُ بين أناملها الصغيرة مجموعة من المناديل الورقية لتبيعها في الجولات، والأماكن العامة، والجامعة، وغيرها من أماكن الازدحام.. تقول شروق: كنت في البداية أقول لهم  (أنا نازحة).. ويتعاطفون معنا، لكن حالياً لم يعد يكترث لنا أحد.. فعدت لبيع المناديل الورقية لأساعد عائلتي في توفير ثمن الخبز والماء، خاصة بعد أن فقدنا والدنا ومعيلنا الوحيد أثناء القصف، فاضطررنا لهذه الحياة اضطراراً، والتي لا بديل أمامنا سواها.

ساعديني... يا (خالة)..!
على مقربةٍ من (شروق)، يقفُ (عاصم)، 12 عاماً، أمام إحدى إشارات المرور، يلوّح للمارة بعلكة رخيصة، ويترجاهم أن يشتروا بضاعته، فبمجرد توقفي بجواره قال: (اشتري يا خالة.. ساعديني الله يحفظك، أنا نازح وأشتي حق الغداء لإخوتي، اشتري مني...)، البعض كان يدس في يده ثمن العلكة دون أن يشتريها. وبعد سؤال عاصم من أية محافظةٍ نزح، قال: أنا نزحتُ وعائلتي من صعدة، بعد أن دمر العدوان منزلنا ومزرعتنا، وكنّا مرتاحين، وأصبح هذا حالنا ضياع وتشرد.. ولم يستطع أن يحبس دمعة انحدرت من عينيه وهو يحدثني.

دعاء مذهل
طرقٌ أخرى للتسول، فبمجرد أن تصعد (الباص) ليصعد على متنه طفل لا يتجاوز الخمس سنوات، يحفظ (أدعية) أكبر من عمره، ليستجدي بها الركاب بعد أن يوزع عليهم قصاصات متهالكة.. بينما غالبيتهم لا يكلفون أنفسهم حتى النظر إلى محتواها، وتفاجأ وهو يمطرك دعاءً مذهلاً أكبر من عمره عشرات المرات، كأن يقول: الله يرزقك ويحاجي عليك، ويسترك كما ستر الأرض بالتراب، والسماء بالسحاب، ويخلي لك عيالك... ولو لم يكن معك عيال، المهم دعاء (ممشوع) من هنا وهناك، ليعكس حالة الوضع الذي وصل إليه المسحوقون بآلةِ العدوان المدمرة التي جرفت في طريقها ما كان يطلق عليه (الطبقةِ الوسطى).
جذور الظاهرة
هيثم ناجي (إعلامي) قال عن التسول: يجب أن نعود لجذور الظاهرة، وهذا عمل الباحثين المختصين.. ووجهات النظر يمكنها أن تتبلور وفقاً لنتائج الأبحاث التي يمكنها أن تخلق رأياً عاماً يرفض هذه الظاهرة (زيادة أعداد المتسولين)، ولن يكون ذلك إلا مع توفير الحلول التي ستقضي عليها، وآليات تنفيذ هذه الحلول..
ويختم هيثم: ليس التسول وحده الذي صار ظاهرة، السرقة أيضاً صارت مخيفة جداً.. وأعتقد أن كل شخص يلاحظ زيادة في أعداد المتسولين، قد تعرض للسرقة أو محاولة السرقة.

من لديهم الجرأة يتسولون
عبدالرحيم السعيدي (شاعر) بدأ حديثه بالقول: إن أعداد المتسولين بسبب الحرب تضاعفت، وأن من يمدون أيديهم للآخرين ممن لديهم الجرأة على ذلك فقط، ويضيف: ولو خرج كل المحتاجين في المدن لكانوا أشبه بالمظاهرات الحاشدة، أما لو أضفنا من في الأرياف لكانوا ملايين، والسبب واضح، هو أن الفساد المالي مازال كما كان، بل أكثر، إن قصدنا النسبة المئوية، مقدراً الفساد مقابل الميزانية. ثانياً تعطيل الكثير من الحركة الاقتصادية، وتقليص موارد الدولة من بترول وغاز والحركة الجوية والبحرية جراء الحصار المفروض.
ويختم كونه أحد قاطني محافظة عمران: ألاحظ أن النازحين تهتم بهم المنظمات اهتماماً طفيفاً، وأكثر المتضررين من كانوا يعملون بمصنع إسمنت عمران، الذين فقدوا مصدر رزقهم.

نتيجة الحصار
عبدالحكيم الحكيمي (مواطن) ربط ازدياد المتسولين بالحصار المفروض على بلادنا، حيث قال: ظاهرة التسول هي إحدى نتائج الحصار المطبق على الجمهورية اليمنية منذ أن بدأ العدوان الخليجي بشن غاراته على الأراضي اليمنية..
ويضيف: لا يُنسى أيضاً أن هذه الظاهرة كانت موجودة وبكثرة قبل ذلك، ولكنها تفشّت وتفاقمت بسبب فقد الكثير من عائلي الأسر أعمالهم، أو ذهابهم ضحايا حرب سواء بالموت أو بالإصابة.
يوافقه الرأي صادق المغبش، مضيفاً على كلامه: أعتقد أن بعض المتسولين عندهم عزة نفس، وما دفعهم للتسول الظروف القاسية... فهو يرى أن التسول أشرف وأطهر من أن يكون مرتزقاً، حسب تعبيره.

غياب التراحم
عبدالغني مهاوش (مواطن) يرى أن الظاهرة تفاقمت بدرجة مخيفة، ولخص أسباب ذلك في الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، وزيادة البطالة، وعدم توفر الأشغال العامة والخاصة. ويضيف مهاوش إلى أسباب ذلك: غياب التراحم والتلاحم في مجتمعنا، حيث يجد بعضنا المأكل والملبس وجاره لايجد لقمة العيش، ولا يتحسس بيوت جيرانه عن طريق أهله أو أقاربه.

بسبب النزوح
حمير الخميسي (موظف بمحكمة مبين ـ حجة) يضيف إلى من سبقه أسباباً أخرى هي: تدمير البنية التحتية والمصالح العامة والخاصة، ونزوح العديد من الأسر نتيجة قصف بيوتهم، ومزارعهم، ومناطقهم التي تضررت تضرراً مباشراً من العدوان الهمجي. ويختم حمير: الأعداد ازدادت بكثرة، ويلاحظ أن فئات غير معتادة نزلت للتسول، وفئات مجتمعية كانت في وضع معيشي متوسط غالباً.
 معاذ العوبلي (مواطن) يقول: التسول في بلادنا ظاهرة قديمة، وقد أجريت العديد من الدراسات تحت هذا العنوان، إلا أن ازدياد معدلاتها في الأيام الأخيرة له عدة أسباب، منها الحرب، وهي السبب الأكبر، والتي ساعدت على زيادة الفجوة واتساع رقعة الفقر والبطالة وانعدام الاحتياجات المعيشية لبعض الأسر، مما دفع بها إلى التسول. 

إحصائيات مخيفة
ونظراً لانتشار الظاهرة وتفاقمها، هناك من يحاولون دراسة الموضوع والاقتراب من مسببات وازدياد الظاهرة، ففي إحدى الدراسات اليمنية لمركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العمل، ذكرت أن عدد المتسولين في اليمن يقدر بنحو 1.5 مليون متسول، لكن الباحثين يشيرون إلى انضمام حوالي مليون شخص إلى رصيف المتسولين نتيجة العدوان والفقر واستمرار تدهور المستوى المعيشي لغالبية السكان. 
بينما أحد الباحثين يقول: إن 90%من اليمنيين خارج الدورة الاقتصادية، ويصارعون من أجل العيش، والمخزون الغذائي والمالي لغالبية الأسر اليمنية من الطبقة المتوسطة بدأ يتلاشى، أو أنه تلاشى فعلاً، ولذلك نلاحظ وجوهاً جديدة في طابور المتسولين في المدن اليمنية.
ويرى الباحث أن معظم المتسولين الجدد هم من أفراد الطبقة المتوسطة الذين تدهورت أوضاعهم المالية بسبب العدوان. 
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن اليمن يصنف في المرتبة 151 من بين 177 دولة على مؤشر التنمية البشرية (HDI)، هو مقياس لمتوسط العمر المتوقع والتعليم ومستوى المعيشة. أما اقتصادياً فيعتبر اليمن أفقر دولة عربية دون منافس. وفي الشق الإنساني، أعلنت مفوضية اللاجئين، في شهر يوليو الماضي، أن اليمن منكوب وفي مرحلة الخطر من الدرجة الثالثة، حيث إن مليوناً و300 ألف يمني مسجلون كلاجئين ويحتاجون للرعاية، فيما هناك 80% من السكان يعيشون تحت خطر الفقر المزمن. 

ارتفاع الجوعى إلى 3 ملايين منذ بدء العدوان
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، إرثاين كوزين، في منتصف مايو الماضي، إن الأزمة اليمنية أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني بصورة كبيرة في البلد، وتسببت في رفع عدد الذين يعانون الجوع إلى أكثر من 3 ملايين إنسان خلال عام واحد.
وأكدت كوزين أن العدد الإجمالي لمن يحتاجون إلى المساعدات الغذائية في اليمن تجاوز 7.6ملايين نسمة.

آخر الأوراق...
إذن.. تلك نماذج لحالات التسول، التي باتت تحتاج إلى معالجة سريعة من قبل الجهات المختصة، وإيجاد حلول حتى لا تتسع الفجوة، ويصعب السيطرة عليها، وإن بالمعالجات الممكنة والمتاحة في ظل حصارٍ همجي لأكثر من عامين، يستهدف حياة المواطن بصورةٍ مباشرة رعناء، ونأمل أن تفتح المادة المجال أمام المهتمين والباحثين في قضايا الإنسان الذي طالته الحرب البشعة في عُقر داره، وشردته، وأوصلته لهكذا حال.