هكـــــــذا ينظــــــر إليــــــه العالــــــم
الرســـول الأعظـــم رسالــة الثــورة الأولــى

في ذكرى عظيمة لمولد سيد البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. تمثل هذه المحطة المهمة في تاريخ البشرية للتذكير بالقيم والمبادئ الفاضلة للسيرة الطاهرة للحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتستلهم البشرية سيرة المصطفى وما تحلى به طيلة حياته من سجايا عظيمة وأخلاق عالية في تغيير واقع الأمة وما تمر به من تخبط يتطلب الرجوع إلى الخالق جل وعلا وسنة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ومنهجه القويم.. فبميلاد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، أضاءت للبشرية دروب الإيمان، وأخرجتها من دياجير الظلام إلى نور الهداية والفلاح.
صدق الله العظيم القائل: @831; قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ@830; (المائدة: 15).
ومن أصدقُ من الله قيلاً؟ وأيُّ شهادة أعظم من شهادة الله؟
يقيناً جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الوجود، وجاء معه النور... فقد أضاءت الدنيا بعد ظلام، وارتقت بعد انحطاط وإسفاف. ولقد كانت (ثورة الإسلام الأولى) على يد أعظم عظماء التاريخ سيِّد العالمين - رسولِ الله محمد بن عبد الله - ثورة شاملة حقيقية متميِّزة النُّبْل في خيريتها للبشرية.. ففي وصف دقيق للبشائر العظيمة التي واكبت ميلاد سيد البشرية، واستعراض لواقع الأمة وما آلت إليه من ضعف وتفرق وهوان جعلها مطمعاً للعدو الذي يتربص بها للنيل من دينها وعقيدتها, يقول الشهيد (حسين بدر الدين الحوثي): (إن الله بعث رسولاً عربياً منا، وكان تكريماً عظيماً لنا، ومِنَّة عظيمةً على العرب أن بعث منهم رسولاً جعله سيد الرسل وخاتم الرسل (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ  يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران: 164)، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة: 2)، هؤلاء الأميون الذين لم يكونوا شيئاً، لم يكونوا رقماً - كما يقول البعض - لم يكونوا يشكلون أي رقم في الساحة العالمية، بعث الله منهم رسولاً عربياً تكريماً لهم ونعمةً عليهم وتشريفاً لهم، أنزل أفضل كتبه وأعظم كتبه بلغتهم، القرآن الكريم، كتاباً جعله أفضل كتبه، ومهيمناً على كل كتبه السماوية السابقة، ألم يقل هكذا عن القرآن الكريم؟ بلغتهم نزل القرآن الكريم، أراد لهم أن يكونوا خير أمة، تتحرك هي تحت لواء هذه الرسالة، وتحمل هذه الرسالة فتصل بنورها إلى كل بقاع الدنيا، فيكونوا هم سادة هذا العالم، يكونوا هم الأمة المهيمنة على هذا العالم بكتابه المهيمن، برسوله المهيمن، بموقعهم الجغرافي المهيمن).
وبهذا الإيمان الواسع العميق، والتعليم النبوي المتقن، وبهذه التربية الحكيمة الدقيقة، وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجزة الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته، بعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة.
لقد كان للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم- الفضل الأعظم في الارتقاء - حضارياً - بمستوى العرب، بعد عصور الظلام في أوروبا، وعهود الجهل في الجزيرة العربية.
فهو الذي صنع من قبائل العرب أُمة بعد أن كانوا من قبل أمة لا شأن لها، ولا أهمية لقبائلها، ولا لجماعتها، فلما جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بعث هذه الأمة بعثاً جديداً يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات، قد استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - القيام بالمعجزات والعجائب، بعد أن تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام، وقبول الوحدانية الإلهية، ووفق في نقلهم من الظلمات إلى النور.
لقد كانت الحياة العربية قبل الإسلام تقوم أساساً على نمطية خاصة؛ فالقبيلة هي التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي يضم حياة الفرد في القبيلة، فكان انتماء العربي الجاهلي انتماءً قبلياً, ومن هنا كان الانقلاب الذي أحدثه الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - عميقاً في حياة الجزيرة العربية؛ إذ استطاع بسياسته الكفاحية التي تُمليها روح الإسلام، أن يحول هذه الوحدات القبلية المستقلة، ويرتقي بها لتظهر في إطار الأمة الإسلامية.
إن الأمة الإسلامية - القائمة على الإيمان - التي أسسها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت ولا زالت أقوى رباطاً، وأوثق عرى من فكرة القبلية التي سادت في القرون الغابرة.
ويصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قائلاً: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، هذا هو دين الإسلام (مكارم الأخلاق) التي بعث بها جميع الرسل والأنبياء، وبعث نبي المسلمين ليتممها لا لينقضها.. كان فضل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على العرب من العمق وبُعد الأثر لا يحصره زمان أو يحده مكان، عاشته أمة الإسلام، وما زال وسيظل باقياً خالداً.
يقول (رودي بارت): (جاء محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - النبي العربي وخاتم النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو إلى القول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، لا تضبط الأمور الدينية فحسب، بل أيضاً الأمور الدنيوية؛ فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين، ونشر الدين الحنيف، وعندما قُبض النبي - صلى الله عليه وسلم - عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، وانتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيراً فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وتمت للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل).
وأثار موضوع فضل الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - على العرب، اهتمام المنصفين؛ فهو الذي وحد الجزيرة العربية أول مرة في التاريخ في ظل رسالة متنورة نقلت العرب من الجاهلية إلى الحضارة والمدنية.
حيث يقول المستشرق الأيرلندي (هربرت وايل)، في كتابه (المعلم الكبير): (بعد 600 سنة من ظهور المسيح، ظهر محمد - صلى الله عليه وسلم - فأزال كل الأوهام، وحرم عبادة الأصنام، وكان يلقبه الناس بالأمين، لما كان عليه من الصدق والأمانة، وهو الذي أرشد أهل الضلال إلى الصراط المستقيم).
وتتحدث الشاعرة الإنكليزية اللايدي (إيفلين كوبرلد)، في كتابها (الأخلاق)، عن فضل الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - على العرب حين نقلهم من الهمجية إلى المدنية، وعن دور الرسالة في تبديل أخلاق عرب الجاهلية: (لقد استطاع محمد- صلى الله عليه وسلم - القيام بالمعجزات والعجائب، لما تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام، وقبول الوحدانية الإلهية، ولقد كان محمد- صلى الله عليه وسلم - شاكراً حامداً، إذ وفق إلى خلق العرب خلقاً جديداً، ونقلهم من الظلمات إلى النور، ومع ذلك كان محمد - صلى الله عليه وسلم - سيد جزيرة العرب، وزعيم قبائلهم، فإنه لم يفكر في هذه، ولا راح يعمل لاستثمارها، بل ظل على حاله، مكتفياً بأنه رسول الله، وأنه خادم المسلمين، ينظف بيته بنفسه، ويصلح حذاءه بيده، كريماً باراً كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وكان يعمل في سبيل الله والإنسانية).
ويبين (آرنولد توينبي) أن النبي محمداً قد وقف حياته لتحقيق رسالته في كفالة مظهرين أساسيين في البيئة الاجتماعية العربية؛ هما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم (بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معاً؛ غدا الإسلام قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب، ونقلهم من أمة جاهلة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطلسي إلى شواطئ السهب الأوراسي). 
كما كان لسيد البشرية الفضل الأكبر في رقي العالم كله, فقد ظهر محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد المسيح بـ570 سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة, وأحدثت المنهجية الإسلامية، رقياً كبيراً في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة، وتوصل الرسول الأعظم إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة, وارتقى العرب - وغير العرب - ارتقاءً حضارياً ضخماً من عصور الجاهلية والظلام إلى عصور التحضر، بفضل دعوة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم.
ويلخص المستشرق الإسباني (جان ليك)، في كتابه (العرب) حياة الرسول الأعظم قائلاً: (لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: @831; وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ @830; (الأنبياء: 107)، كان محمد رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق).
ويقول المستشرق الفرنسي (غوستاف لوبون)، في كتابه (الدين والحياة): (كان محمد ذا أخلاق عالية، وحكمة ورقة قلب، ورأفة ورحمة، وصدق وأمانة).
ويقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر)، في كتابه (الشرقيون وعقائدهم): (كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلِّ الصفات التي تحملها النفس البشرية؛ هما: العدالة والرحمة).
يقول المستشرق (آرثر جيلمان)، في كتابه (الشرق): (لقد اتفق المؤرخون على أن محمداً كان ممتازاً بين قومه بأخلاق جميلة؛ من صدق الحديث، والأمانة، والكرم، وحسن الشمائل، والتواضع.. وكان لا يشرب الأشربة المسكرة، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً).
ويقول المستشرق (كارل بروكلمان): (لم تشبْ محمداً شائبة من قريب أو بعيد؛ فعندما كان صبياً وشاباً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من بني جنسه وقومه).
ولما بلغ محمد سن الـ40؛ أي عام 610م، بدأ حياة جديدة، فقد نزل عليه وحي الله، وأخبره أن الله سبحانه قد اختاره رسولاً نبياً للناس كافة، ينقل إليهم دين الله، الإسلام، حتى يطبقوه في حياتهم الدنيا، فينتفي به التظالم بين الناس، ويموت الشر، ويحيا الخير.
رسولاً رحيماً بأمته، وكيف لا وهو الذي دعا ربه عندما اشتد به العذاب جراء أذى أهل الطائف عندما ذهب لهدايتهم، قائلاً: (اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على النّاس، يا أرحم الرّاحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك).
وهو الذي قال له الله جل جلاله: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).
لقد بدأتْ حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي غيرت وجه العالم والتاريخ، وبدأ صراع مرير بين أنصار الدين الجديد وبين مناوئيهم من أصحاب المصالح الظالمة.
فعندما اجتذب الوحي الذي نزل على محمد عدداً من الأتباع، وبدأ ينتشر بين الناس، وحاولت جماعة قوية ممن كانوا يكرهون عائلة محمد، ورأوا في تعاليمه ما يهدد مصالحهم، حاولت أن تغتاله؛ ولكنها لم تنجح في محاولتها. وهاجر محمد والجماعة المخلصة القليلة من أتباعه، إلى المدينة.

منهج تغيير شامل
وإذا كان السياسيون وعلماء الاجتماع اختلفوا في تحديد: ما هي الثورة؟ وما هي مقوّماتُها؟ إلا أنّ مؤرّخ الحضارات الفيلسوف الفرنسي (غوستاف لوبون) تكلم في كتابه (روح الثورات): (إن أمَّ الثورات في التاريخ الفكري والحضاري هي ثورة الإسلام، وهي الثورة التي يحتاجها العالم اليوم)..
ولقد كتب المستشرق الإنكليزي (برنارد لويس)، في كتابه (الغرب والشرق الأوسط)، فصلاً بعنوان: ثورة الإسلام: (إن الثورة التي قادها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي ثورة حقَّقت التغيير الجذري في عدّة ميادين:
الميدان الأول: العقيدة والفكر... فحاربتْ (ثورة الإسلام) الوثنية والشرك والخرافة، وحققت للإنسان أعظم ما يتماهى مع كرامته الإنسانية، وهو توحيد الله الخالق وعبوديتُه وإفرادُه بالحاكمية @831;أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ @830; (الأعراف: 54)، @831; إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ@830; (يوسف: 40).
والميدان الثاني: فلسفة الحياة وفهم الإنسان لمقصِدِ وجوده فيها، ومكانةُ الدنيا من الآخرة، ومهمتُه في العُمران الحضاري في رحلة الامتحان التي يقضيها على الأرض.
والميدان الثالث: عالَم الأخلاق... فارتقت (ثورة الإسلام) بالإنسان إلى آفاق مُذهلة في النُّبْل والرحمة والعدل والمشاعر، ليزهُوَ التاريخ بتفرُّد أخلاق أجيال المسلمين الأولى التي هي من أثر (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم)... أخلاقِهِ التي اعتُبرت أحد أهم مقاييس اختياره أعظم عظماء التاريخ الإنساني حتى عند الدارسين الغربيين.
والميدان الرابع: نظام الحكم، إذ الإسلام دين ودولة، وعبادة وحُكْم... ولقد أحدثَتْ (ثورة الإسلام) في مجال العلاقة بين الحاكم والمحكوم والعلاقات الدَّوْلية وفلسفة الحروب والفتوحات انقلاباً إنسانياً وسياسياً تفتخر به البشرية، وإنْ كان أعداء الإسلام أشدَّ ما يحاربون فيه هو هذا الجانب، لأنه يَنْقُضُ فرعنَتَهم وطغيانهم وهَوَس تفرُّدهم بالسلطة ومتاع الدنيا!).
ويقول (بوسورث سميث): (لقد كان محمد قائداً سياسياً وزعيماً دينياً في آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية، فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها، ودون أن يسانده أهلها).
فيما يقول المفكر الألماني (سانت هيلر): (كان محمد رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة).
ويقول المؤرخ والأستاذ الجامعي (ألين نيكوسين)، في كتابه (سيرة غير معروفة للنبي محمد): (لم يحمل التاريخ لنا حتى اليوم، وربما بعد اليوم؛ عقلية فذة استطاعت أن تغير المفاهيم السياسية في العالم؛ بقدر ما حظيت به عقلية رسول الإسلام).. وعن كيفية انتشار الدعوة الإسلامية في أقطار الأرض، منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم، حتى اليوم، تلخص الباحثة البريطانية في الأديان (كارين أرمسترونج)، في كتابها (سيرة النبي محمد)، الأمر بجملة واحدة: (إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخلِّص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة، ولعل شخصاً مثل محمد يكون مناسباً للبدء، فقد كان رجلاً متدفق المشاعر، وقد أسس ديناً وموروثاً حضارياً لم يكن السيف دعامته، برغم الأسطورة الغربية، وديناً اسمه الإسلام؛ ذلك اللفظ ذو الدلالة على السلام والوفاق).. ومنذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين صار الغربيون الذين باتوا يقطفون ثمار النهضة العلمية؛ ينظرون إلى سواهم نظرة ازدراء وفوقية. يقول رودنسون: (عزا المبشرون النصارى نجاحات الأمم الأوروبية إلى الديانة النصرانية، مثلما عزوا إخفاق العالم الإسلامي إلى الإسلام، فصُورت النصرانية على أنها بطبيعتها ملائمة للتقدم، وقرن الإسلام بالركود الثقافي والتخلف، وأصبح الهجوم على الإسلام على أشد ما يكون، وبُعثت حجج العصور الوسطى بعد أن أضيفت إليها زخارف عصرية، وصُورت الجماعات الدينية الإسلامية بصورة خاصة على أنها شبكة من التنظيمات الخطرة يغذيها حقد بربري على الحضارة).
أما الباحث السويسري (جناد أقنبرت)، فقد عكس الأمر، وصرح بأن أعداء محمد هم المتعصبون ضده؛ إذ قال في كتابه (محمد والإسلام): (كلما ازداد الباحث تنقيباً في الحقائق التاريخية الوثيقة المصادر؛ في ما يخص الشمائل المحمدية، ازداد احتقاراً لأعداء محمد الذين أشرعوا أسنة الطعن في محمد قبل أن يعرفوه، ونسبوا إليه ما لا يجوز أن ينسب إلى رجل حقير، فضلاً عن رجل كمحمد؛ الذي يحدثنا التاريخ أنه رجل عظيم).
ويقول المفكر والفيلسوف الفرنسي (ديكارت)، في كتابه (مقالة الطريقة): (نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان).
لقد كانت حركة الجامعة الإسلامية هي الغول المرعب في تلك الفترة، فكانت كل ظاهرة مناهضة للإمبريالية حتى ولو كان مبعثها مشاعر محلية خالصة؛ تعزى إلى تلك الحركة الإسلامية.
يقول رودنسون: (إن الثورة في التفكير الغربي، التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، جعلت التقييم النصراني لمحمد مسألة حساسة؛ فلم يعد بإمكانهم الزعم (الكاذب) بأنه (محتال شيطاني) كما كان عليه الحال في العصور الوسطى.. إننا نجد بعض الكاثوليك المتخصصين بالإسلام يعتبرونه (عبقرياً دينياً).. وعلى غرار ماسينيون أعجب بعض النصارى بالقيمة الروحية للتجارب الدينية الإسلامية، وأزعجتهم مواقف الظلم التاريخية التي وقفتها شعوبهم من الإسلام).
ومع إشراقة الرسالة تجلَّى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوربية الحديثة، وهو ما تشير إليه المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه)، في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب)، قائلة: (لقد نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها، وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعلِّمون ويتعلمون، بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة والكتابة).
فيما يقول (أتيين دينيه)، في كتابه (محمد رسول الله): (إن العرب ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء تقريباً, وكانت دراسة العلوم الرياضية من الدراسات الذائعة لديهم، وقد تقدم علم الجبر بفضلهم حتى قيل إنهم مخترعوه. ولقد كان لهم أيضاً قصب السبق في تطبيق الجبر على الهندسة، وهم الذين أدخلوا التماس في حساب المثلثات), مضيفاً: (كان علم الفلك يدرس بحماس في مدارس بغداد ودمشق وسمرقند والقاهرة وفاس وطليطلة وقرطبة وغيرها.. تلك المدارس التي وصلت إلى اكتشافات عديدة).

عظماء أمام سيد الخلق
شكلت الكثير من أقوال العظماء في التاريخ من غير المسلمين، كشهادات في منتهى القوة، لأنها صدرت عن عظماء عبر التاريخ لم يدينوا بالإسلام، ولكن قالوا كلمة الحق في رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, وجعلت محمد في طليعة الرسل ومفكري العالم.
• الزعيم الهندي (المهاتما غاندي): (أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون منازع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب، وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول، وجدت نفسي آسفاً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة).
 • الفيلسوف الهندي (راما كريشنا راو): (في استطاعتي أن أقدم نبذة عن حياة محمد من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية، تؤهله لأن يكون بطلاً).
• الشاعر الفرنسي (لامارتين)، في كتابه (السفر إلى الشرق): (إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أياً من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته؟.. فمحمد هو الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة, وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، هل هناك من هو أعظم من النبي محمد).
• الأديب البريطاني (جون برنارد شو): (إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، لقد اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدواً للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها).
• (كارل ماركس)، في كتابه (الحياة): (إن الرجل العربي الذي أدرك خطايا النصرانية واليهودية، وقام بمهمة لا تخلو من الخطر بين أقوام مشركين يعبدون الأصنام؛ يدعوهم إلى التوحيد، ويزرع فيهم أبدية الروح، ليس من حقه أن يُعدَّ بين صفوف رجال التاريخ العظام فقط، بل جدير بنا أن نعترف بنبوته، وأنه رسول السماء إلى الأرض).
 • (سنرستن الآسوجي): (إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ).
• (آن بيزيت): (من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم، ويعرف كيف عاش هذا النبي، وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض في ما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس، فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم).
• (مايكل هارت)، مؤلف كتاب (الخالدون مائة أعظمهم محمد): (إن اختياري محمداً ليكون الأول في (أهم وأعظم رجال التاريخ)، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي, فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها).
• عميد الأدب الروسي (ليو تولستوي): (يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة). 
• الدكتور (شبرك) النمساوي: (إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته بعد ألفي سنة).
• عالم اللاهوت السويسري د. (هانز كونج): (محمد نبي حقيقي بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمداً هو المرشد القائد إلى طريق النجاة).
• (فارس الخوري): (إن محمداً أعظم عظماء العالم، والدين الذي جاء به أكمل الأديان).
• المؤلف الأسكتلندي (توماس كارليل)، في كتابه (الأبطال): (لسنا نعد محمداً قط رجلاً كاذباً متصنعاً يتذرع بالحيل والوسائل إلى بُغيةٍ، أو يطمع إلى درجة ملك أو سلطان أو غير ذلك من الحقائر والصغائر. وما الرسالة التي أداها إلا حق صراح، وما كلمته إلا صوت صادق صادر من العالم المجهول. كلا؛ ما محمد بالكاذب ولا الملفق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة، فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع).
• الفيلسوف الألماني (غوته)، في كتابه (أخلاق المسلمين وعاداتهم): (لقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان؛ فوجدته في النبي محمد).
• الكاتب الفرنسي (إميل درمنغهم)، في كتابه (حياة محمد): (الواقع أنه لم يبقَ أدنى شك في صدق محمد، فإن جميع حياته تدل على ذلك.. وكانت عظمة محمد الحقيقية هي العظمة الآتية له من الله بالإلهام الإلهي الذي كان يُقذف في روعه).
• المستشرق (سينرستن)، في كتابه (تاريخ حياة محمد): (إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات، وحميد المزايا.. لقد أصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ).
• الفيلسوف الفرنسي الشهير (فولتير) يقول مخاطباً قومه: (لقد قام النبي بأعظم دور يمكن لإنسان أن يقوم به على الأرض.. إن أقل ما يقال عنه أنه قد جاء بكتاب، وجاهد، والإسلام لم يتغير قط، أما أنتم ورجال دينكم؛ فقد غيرتم دينكم 20 مرة).
• المستشرق الألماني (تيودور نولدكه)، في كتابه (تاريخ القرآن): (نزل القرآن على نبي المسلمين، بل نبي العالم؛ لأنه جاء بدين إلى العالم عظيم، وبشريعة كلها آداب وتعاليم، وحري بنا أن ننصف محمداً في الحديث عنه؛ لأننا لم نقرأ عنه إلا كل صفات الكمال، فكان جديراً بالتكريم).