تحقيق: محمد أبو الكرم/ لا ميديا -

على غرار ثورة السودان التي أسقطت حكم الديكتاتور البشير الذي كان يخطب ود الخليج على حساب شعبه واقتصاده، أعلن الثوار حينها عن حملة "اليمن ليست حربنا"، موجهين دعواتهم إلى المجلس العسكري الانتقالي لإثبات عدم تبعيته لوجهي العدوان على اليمن (السعودية والامارات)، غير أن المجلس العسكري الانتقالي في السودان، وفي موقفه الأول عقب ثورة السودان، أعلن عن استمرار مشاركة القوات السودانية في الحرب على اليمن. الكثير من الصور والأوجه التي غابت أمام المواطن السوداني واليمني حول ماهية مشاركة السودان في الحرب على اليمن؟ وكيف يتم استخدام هذه القوات من قبل قيادتها في الجيش السعودي؟ وهل هناك أدوار ومهام خفية يقوم بها عناصر الجيش السوداني في اليمن؟ وما صحة استخدام الإمارات وقادتها الجنود السودانيين في مهام الحراسة والخدمات؟ وكيف تم تجنيد مئات الأطفال من إقليم دارفور للحرب في اليمن؟ هذه الأسئلة والعديد نستعرضها من خلال الوثائق والتقارير المشتركة بين فريق صحفي يمني سوداني، للإجابة عليها من خلال التحقيق التالي. 

أطفال في خدمة الجنود الإماراتيين
مجموعة من عائلات الأطفال والجنود السودانيين التقيناهم ضمن سلسلة لقاءات تم إعدادها لصالح صحيفة "لا"، واتضح لنا أن 9 عائلات من أصل 10 لم تكن موافقة على سفر أبنائها إلى حرب اليمن، وأن أبناءهم من خلال تواصلهم أكدوا لهم أنهم خرجوا عن الأهداف التي جاؤوا لأجلها، وأصبحوا يعملون في خدمة ضباط الجيش الإماراتي، وحراسة المعدات العسكرية، وضمن الدروع البشرية المستخدمة على الحدود اليمنية السعودية. 
جلينا حسن (54 عاماً)، أم لأحد الأطفال المجندين ضمن قوات الدعم السريع والمتواجد حالياً على الحدود اليمنية السعودية، تحدثت لـ"لا" أن طفلها البالغ من العمر 17 عاماً، تم استقطابه إلى قوات الدعم السريع قبل عامين، وتم تدريبه وإرساله ضمن مجموعة من الجنود والأطفال إلى حرب اليمن، وقالت: نحن نمر بظروف مادية صعبة في ظل غياب طفلنا، نسمع الكثير من الأخبار عن مقتل جنود سودانيين في اليمن، وكل مرة نشعر فيها بالخوف من فقدان طفلنا.

حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل
على مقربة من مدينة أم درمان السودانية، وتحديداً في قرية الصويط، التقينا بوالد المجند عمر حميد التوبي، والذي تحدث عن مشاركة ولده في حرب اليمن، وانعدام التواصل معه في ظروف غامضة، وقال: استبشرنا أخيراً بالربيع السوداني في سبيل إعادة أبنائنا إلى الوطن، ولكن الأحداث تبين أننا على موعد مع دولة تواصل الركوع والخضوع للسعودية والإمارات، وستكون النتيجة وخيمة على أوطاننا، لم نكن مؤيدين للحرب على اليمن، نحن شعوب لا ناقة لنا ولا جمل في هذه الحرب، المستفيد الأبرز منها هي الحكومات المستبدة، وعلاقتنا كشعوب مع الشعب اليمني علاقة أخوية. 

في الخطوط الأمامية على الحدود
صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت تحقيقاً لها حول مشاركة أطفال من إقليم دارفور السوداني في حرب اليمن، ضمن الخطوط الأمامية للجيش السعودي على الحدود اليمنية السعودية، وقالت إنه منذ أربع سنوات كان هناك أكثر من 14 ألفاً من المليشيا السودانية المقرر مشاركتها في حرب اليمن وأن هناك المئات منهم قد ماتوا، وقالت إن هناك الآلاف من المشاركين من فصائل حرب دارفور، غالبيتهم من الأطفال. وأشارت الصحيفة إلى أن الأطفال المشاركين في الحرب يتبعون قوات الدعم السريع، وهي مليشيا قبلية عرفت سابقاً باسم الجنجويد، وهذه القوات متهمة بقتل واغتصاب النساء والفتيات والقتل العشوائي وجرائم حرب أخرى خلال نزاع دارفور، حسب "نيويورك تايمز". وأضافت الصحيفة: الحاجة المالية هي السبب وراء دفع أسر من إقليم دارفور لأبنائها إلى المشاركة في حرب اليمن، وأن أعمار الأطفال المشاركين في هذه الحرب تتراوح بين 14 و17 سنة. 

جريمة القرن
الناشط عطا الأفريقي، وعبر تطبيق التدوين المصغر "تويتر"، عبر عن رفض الشعب السوداني للحرب على اليمن، معتبراً أن استخدام الأطفال المشاركين ضمن القوات السودانية في حرب اليمن كدروع بشرية، يعد جريمة، واصفاً إياها بجريمة القرن، وقال: "‏جريمة القرن، حكومات السعودية والإمارات (مع احترامنا لشعبيهما) تستعبد أطفال السودان باستخدامهم دروعاً بشرية في حرب اليمن بإشراف رئيسي مجلس الكيزان برهان - حميدتي، وبمباركة كبار جنرالات جيش الإخونجية"، وعبر عن رفض الشعب السوداني والشرفاء من ضباط وجنود القوات المسلحة السودانية لهذه الجريمة. 

دروع بشرية
ووفقاً لتقارير سودانية استعرضناها مع الصحفي السوداني أحمد الأمين، المهتم بالملف اليمني، فإن عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، هو المسؤول الأول عن إرسال جنود سودانيين إلى اليمن في مهام مختلفة.
وأوضحت التقارير إرساله ما يزيد عن 3000 طفل على الخطوط الأولى للحدود السعودية ـ اليمنية، يتم استخدامهم كدروع بشرية في مواجهتهم مع الجيش اليمني، وعن القوات البرية المتواجدة في مدن الخوخة والمخا وميدي، فهي قوات تابعة لما يسمى قوات الدعم السريع، وهي قوات كانت في الأساس عبارة عن مليشيا مسلحة خارجة عن الدولة شاركت في الحروب الأهلية السودانية، وتم استخدامها قبل دمجها بالجيش كمليشيا دولية في الأعمال غير القانونية، وأن هناك مساعي سعودية سابقة عملت على ضم هذه المليشيا للجيش تحت مسمى قوات الدعم السريع، لتشريع استخدامها في الحرب على اليمن، ووفقاً للتقارير فإن القوات البرية في حرب اليمن تتبع الفريق أول محمد حمدان المعروف بـ"حميدتي"، نائب رئيس المجلس العسكري، قائد قوات الدعم السريع.

مبادرات برلمانية وشعبية للانسحاب
تتبنَّى تكتلات في البرلمان السوداني، من ضمنها كتلة التغيير وكتلة الإصلاح المعارض والأمة القومي والمؤتمر السوداني والحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي، مبادرات ودعوات للانسحاب من حرب اليمن، معتبرة مشاركة الجيش السوداني مخالفة لمواثيق ودستور الدولة، وأن الأمر عبارة عن "إراقة لدماء السودانيين من أجل حفنة من المال".
المبادرة البرلمانية لحقتها مجموعة من المبادرات الرافضة للمشاركة في حرب اليمن، شارك فيها نخبة من الصحفيين والنواب والمثقفين السودانيين، دعت في مجملها إلى إطلاق حملة تطالب بسحب القوات السودانية من الأراضي اليمنية.
ويقول البيان التأسيسي للمبادرة إن المشاركة السودانية لم تتم بتفويض من الشعب أو البرلمان، وأنهم يشعرون بالخزي والعار جراءها، وأوضح البيان المجازر المرتكبة بحق الشعب اليمني، واصفاً الأخير بالأخ والصديق، وقال: "بلغت بشاعة هذه الحرب مبلغاً نشعر بالعار جميعاً ونحن نرى كل يوم أيادينا تتلطخ بدماء الأبرياء والأطفال والشيوخ وسائر أفراد الشعب اليمني الشقيق والأخ والصديق".
ويضيف البيان: "إننا في حاجة إلى تبرئة الشعب السوداني أمام ذمة العالم والتاريخ بأننا لم نمنح موافقتنا أبداً على المشاركة في غزو اليمن، وإننا لم نتواطأ أبداً بالخذلان والصمت على استمرارها، وقد حان الوقت لنقول بأعلى صوت ممكن، أن كفى".

تعتيم السلطات الرسمية على عدد القتلى 
وحسب معلومات خاصة حصلنا عليها من المحامي سبيح الدين صلاح، أوضح لـ"لا" أن السلطات السودانية تكتمت بشكل كبير على أعداد القوات المشاركة في اليمن، نظراً لاحتوائها على فصائل مسلحة تابعة لمليشيات حميدتي أو ما يسمى قوات الدعم السريع، وأن هناك أكثر من 1807 أطفال تقل أعمارهم عن 18 سنة يتم استخدامهم على الحدود اليمنية ـ السعودية.
وكان حميدتي صرح الأسبوع الفائت أن عدد قواتهم المشاركة ضمن تحالف العدوان على اليمن بلغت 30 ألف جندي دون تحديد ما إذا كانت نظامية أو مليشيات.
وأضاف سبيح الدين أن هناك مغالطات كبيرة تقدمها الحكومة عن عدد الضحايا والقتلى في صفوف الجيش السوداني، وقال إن تصريحات محمد حمدان حميدتي التي قال فيها إن عدد القتلى السودانيين وصل إلى 500 قتيل، غير دقيقة، حيث إن المعلومات التي وصلتنا تؤكد أن عدد القتلى من الجيش النظامي يصل إلى 1234 قتيلاً، أغلبهم في مناطق ميدي والمخا، وإن عدد الضحايا من الأطفال بلغ 700 قتيل كلهم وقعوا ضحايا في الحدود اليمنية ـ السعودية، حيث يتم استخدامهم كدروع بشرية، وأن عدد القتلى في صفوف قوات الدعم السريع قد يصل إلى نحو 900 قتيل. 

رفض شعبي للحرب في اليمن
الصحفي محمد خياط تحدث لـ"لا" أنه ودوناً عن غيره من الشعوب المشاركة في العدوان على اليمن، يظل الشعب السوداني صاحب الضمير الحي فيها، وقال: طوال فترة العدوان على اليمن تحركت بعض الأصوات في السعودية والإمارات وقطر سابقاً للمناداة بوقف الحرب والعدوان على اليمن، لكن هذه الأصوات لم تكن بتلك القوة التي أطلقها شعب السودان ضد حكومته، وظهور الكثير من الوسمات في "تويتر" والتفاعل معها يثبت هذا الشيء، حتى إنه وفي خضم الربيع السوداني كانت هناك يافطات وكلمات وأصوات تنادي بنصرة الشعب اليمني. نعلم أن هناك ملايين الأصوات في السعودية والإمارات التي تتبرأ مما تقترفه أنظمتهم، غير أن شجاعة المواطن السوداني غلبت ذلك.
وأضاف خياط: وإلى جانب صوت المواطن السوداني ظهرت قوى النخبة السودانية لتتحدث وعبر أدواتها الشعرية والثقافية والصحفية عن رفضها التام لمشاركة الجيش السوداني في حرب اليمن، وتعتبر ذلك تعدياً على روابط الإخاء والصداقة مع الشعب اليمني.
الصحفي السوداني عزمي عبدالرزاق تحدث بأن هناك غضباً شعبياً في السودان من المشاركة في حرب اليمن، وقال: "إن أول من اختنق من دُخان المعارك الحربية العالق في سماء اليمن، هم السودانيون أنفسهم، خاصةً وأنّ الجيش السوداني يكاد يكون هو القوة الوحيدة المتمركزة على الأرض، فمنذ بدء حرب تحالف العدوان السعودي على اليمن، وبكل ما فيها من ضحايا وجرائم حرب، وجدت الخرطوم أنها تورطت بالفعل في المشاركة، وذهبت تحصي خسائرها، لدرجة التهديد الخفي بورقة الانسحاب".
وأضاف: الهوة بين الحكومة وشعبها في تقدير المواقف الخارجية لم يسبق لها أن كانت بمثل هذا الموقف، وإن حرب اليمن وإن كانت مقبولة رسمياً، فإنها مرفوضة شعبياً.

استعباد وإذلال ممنهج
حقيقة المعاملة الإماراتية للجيش السوداني كشفنا عنها من خلال مصدر خاص في اللواء الرابع مشاة، حيث أوضح أن القوات الإماراتية تستخدم أفراداً من الجيش السوداني في العمليات الخدمية كالتنظيف والحراسة والطباخة، وأن هناك عملية إذلال ممنهجة ينتهجها الاحتلال الإماراتي بحق الجنود السودانيين في مديرية المخا.
المصدر تحدث أن القوات الإماراتية لا تفعل شيئاً سوى الاستجمام في هذه المناطق ومحاولة إصدار الأوامر إلى أفراد من الجيش السوداني والجيش اليمني، حد قوله.
وقال سعيد الخرطومي (اسم مستعار) وهو جندي يتبع اللواء الرابع مشاة، إن القوات الإماراتية تنتهج العبودية في أبشع صورها، مضيفاً أنه حتى في المهام العسكرية الخاصة بالكشف عن الألغام يتم استخدام أفراد غير مؤهلين من الجيش السوداني على حساب مختصين من الاحتلال الإماراتي والسعودي للتضحية بهم. 
موقع "عاين" السوداني تحدث عن معركة شرسة دارت بين القوات الإماراتية والسودانية في مديرية المخا، في منتصف أكتوبر 2017، وأن المعركة استمرت لأيام حتى تدخلت القوات السعودية بغارات لفض النزاع الدائر، وتقول المصادر إن الاشتباكات راح ضحيتها 14 جندياً سودانياً.
وقال الموقع إن قيادة القوات الإماراتية تسيطر على سير العمليات العسكرية، وتتدخل في التفاصيل الصغيرة للجنود السودانيين، ما اعتبره البعض انتقاصاً وتقليلاً من قدراتهم، معتبرين التصرفات الإماراتية لم تعد ندية وأخوية، بل أصبحت بين القائد الذي يقدم الأموال وأجير يقاتل لقاءها.
الكثير من القصص التي استمعنا إليها من ذوي الأطفال والجنود المشاركين ضمن تحالف العدوان على اليمن، كلها أكدت وقوع ذويها في مأزق المشاركة، داعين الحكومة السودانية والمجلس الانتقالي إلى الانسحاب من حرب اليمن. عشرات التقارير والشهادات للنخب السودانية أوضحت حجم الإخاء والود المبني بين الشعبين اليمني والسوداني، وأن المشاركة السودانية ما هي إلا خضوع وخنوع السودان للقوى العظمى وللمال الخليجي. 



الفريق المشارك من دولة السودان: 
الصحفي أحمد الأمين.
المحامي سبيح الدين صلاح.
الصحفي أبو ذر حسن الماسلي.