مجاهد الصريمي / لا ميديا -

يستمر تطوافنا مع وجوه اكتحل النور بوهج عينيها، واستفاق الفجر فوق أهدابها جراء استمرارية انسياب دمعها ودمها، فانزاحت الظلمات التي كانت تشكل قيداً يكبل كل مبدع ومستبصر. وآن الأوان أن نتفيأ تحت ظلال المبدعين الوارفة ونرتوي من معينهم الإبداعي والفكري. وضيفنا في هذه السطور شاعر شعبي، ترك أثره في كل الصدور. إنه شايف محمد محسن الخالدي وكنيته (أبو لوزة) ويعد من أشهر شعراء اليمن الشعبيين وأغزرهم إنتاجاً. إنه صاحب ملكة شعرية وصوت مسموع تغنى بحب الأرض والمرأة والإنسان. عاش حاملاً لقيم العدل، منافحا عن الكادحين ومحاربا للظالمين، لم تتغير بوصلة إبداعه تبعا لتغير الظروف والأحوال السياسية، فهو الشاعر الذي قاوم المستعمر البريطاني بسيفه وقلمه ووقف نفس موقفه السابق في وجه أنظمة حملت جينات المستعمر ذاته.

ولد شاعرنا عام 1932 للميلاد، وهو من أبناء يافع قرية الجاه عزلة القعيطية، ونما عوده وتفتحت أزهار إبداعه الشعري مبكراً، منطلقاً من الحس بمعاناة المجتمع القبلي الذي ترعرع في محيطه، حيث كانت "يافع" تعاني في ظل وجود الاستعمار البريطاني الجهل والتخلف والصراعات القبلية المدعومة بريطانيا والمتخذة من الغطاء السلاطيني أداة لتدمير الشعب اليمني وتفاقم مشكلاته، وتفكيك بنيته الاجتماعية لصالح تثبيت أركان بقاء المستعمر البريطاني، الذي كان ينطلق من استراتيجيته الشهيرة "فرق تسد وشتت واستقطب".
 وقد تفتقت موهبة شاعرنا في ظل القبيلة، والتي بدورها فتحت له المجال نحو مدى أوسع بحيث نراه في بداية الخمسينيات شاعراً يحمل هموم الشعب ويتبنى تطلعاته. ولعل عدن هي المحطة الأولى التي كونت شخصيته الشعرية المتجاوزة للشطرية والقبلية والمعززة لجذور الانتماء الوطني ليس على مستوى وطنه اليمن فحسب، بل على مستوى الوطن العربي كاملاً بحيث مثلت الثورة المصرية (ثورة 23 يوليو) بقيادة جمال عبدالناصر عودة حقيقية إلى روح العروبة اللبنة الأولى لبناء الذات الثورية في كل بلد عربي. أضف إلى ذلك انضمام شاعرنا إلى القطاع العمالي لميناء عدن؛ حيث قامت موهبة شاعرنا على هاتين الركيزتين فدوت صيحاته الشعرية قوية، لأنها ببساطة نبضات قلوب العاملين من الكادحين وكان لها أثرها كونها تجسد انعكاس صدى صوت البندقية وتترجم ما تبثه حنايا المدافع في ظل ثورة "ناصر" وتعاظم النزعة التحررية لدى وسط الفلاحين والعمال المنتصرين لقضاياهم، والمنتزعين حقهم في الحياة من بين مخالب وأنياب الموت الذي أعده المستعمر. وهنا يتصدر "شايف" طليعة الأعلام الذين أخذوا على عاتقهم تعزيز يقظة الشعب في مواجهة المحتل البريطاني، ومثلت أشعاره المغناة من قبل الفنانين الشعبيين، ومن أشهرهم حسين عبدالناصر، كابوسا مليئاً بالخوف والرعب حاصر المستعمر الذي اندفع لسجن شاعرنا ومحاولة نفيه عن عدن؛ إلَّا أن مداده ظل عينا نضاخة يترجم ما تجود به قريحته. وبالرغم من ضياع الكثير من شعره جراء الإهمال الذي تعرض له من قبل المؤسسات الرسمية للأنظمة المتعاقبة، في حياة الشاعر وبعد وفاته، فقد شكل ما تبقى منها في أشرطة الكاسيت إضافة كبيرة لشعر اليمن النضالي في تاريخنا الحديث والمعاصر، لنرى شاعرنا ضمن كوكبة شعرية وأدبية مثَّل شعرها باكورة ألق ثوري من أمثال لطفي جعفر أمان، أدريس حمبلة، وهادي سبيت وغيرهم. وحتى بعد الاستقلال ظل شاعرنا صوت الشعب ولسان حال العامة، الذي كان يمثل بشعره سوطا مسلطا على ظهور الحكام وساعي بريد ينقل رسائل الشعب إليهم دون استئذان، مما عرضه للسجن في عدن بعد أحداث يناير الدامية 86 نتيجة مواقفه الخالدة ضد الفساد وعدم محاباته للظالمين. وظل هذا الحر متنقلاً بين جميع أغراض الشعر، إلا أن الشعر السياسي والنقد اللاذع الذي يرقى إلى مرتبة الهجاء كان الأبرز حضوراً في كل حياته، حتى وافته المنية إثر مرض عضال ألم به عام 1998.
وهو من أبرز الشعراء الذي أحيوا فن النقائض، أو ما يعرف في اليمن بالمساجلات الشعرية، مع كثير من الشعراء في شمال اليمن وجنوبه؛ وأبرزهم العلفي، الكهالي وبن كاروت والقطنة والشيخ أحمد علي بن طاهر القيفي وابن أخت شاعرنا أحمد محمد الصمبحي الذي كان له الحضور الكبير في المساجلات الشعرية مع خاله، ومن أشهرها تلك المساجلة التي ابتدأها الصمبحي بقوله:
يقول الصمبحي بالله يا نازل عدن تسأل 
على شايف محمد واخبروني وين عاده حال 
يقولوا لي قده عازم على امريكا يبى يرحل 
يهني جُرج بوش في الانتخابات عال والله عال 
وجاء في مطلع رد الخالدي على ابن أخته:
يقول الخالدي باطلق رصاصي من قتل يقتل 
عسى لا ما بقي حمري مغالط ينكر الأخوال 
لأن احمد محمد أنكر اني خاله الأول 
نسي ذي علّمه ضرب الرصاص والرمي والقمبال 
وكما أسلفنا بأن المساجلات بينه وبين ابن أخته كثيرة، ولعل أبرزها هذه المساجلة التي اجتزأنا لكم بعضا منها نظراً لأهميتها التاريخية التي تؤرخ لبدايات التجاوزات المخلة بالوحدة اليمنية، وتنازع الشركاء على مكاسبها وتحولها إلى مكسب ريعي يعود على أجنحة سلطة صنعاء بالنفع دون الشعب. أما تاريخ هذه المساجلة فيعود إلى 1993. 
يقول ابو صقر يا عازم بذا المكتوب
سلم على الخالدي باقوال مكتوبة
وقله انّا صبرنا مثل صبر ايوب
واليوم كلاً يقول ايوب أيوبه
من قادة الوحدة العيَّاب والمعيوب
 بوحدة الشعب من لاحزاب معيوبه
كلاً بغى الحكم له والقوت والمشروب 
والشعب محروم من قوته ومشروبه
ما يدروا ان كل شي في دفتره محسوب
والخير والشر والغلطات محسوبة
ماحد يسوي على شمس الضحى جلبوب 
ولا يقول القمر مخفي بجلبوبه
قد بان ما اليوم سر القادة المحجوب
 وعادها باتبان اسرار محجوبة
ما دام مبدا الثقة من بينهم مسلوب
والصدق باتصبح الحرية مسلوبة
وبايقع كم علي يا سيدي شيبوب
خذ ذي تبى واعفني من حكم شيبوبه
وانّه مخطط من الخارج وصل مجلوب 
وافكار من راس باحشوان مجلوبة
ذي قال بامسك علي مسكة فيَ العرقوب
 ما يدري ان قد علي ماسك بعرقوبه

وجاء في رد الخالدي على الصمبحي:
الخالدي قال باجاوب وانا مغصوب 
 ما واجب اسكت بوقت الريح والزوبة 
بارُدّ للصنبحي مكتوب بالمكتوب 
 وانا معي بعض ما قاله بمكتوبه
 من قادة الشعب تلقى اللعب والملعوب 
 واعمالهم كلها لعبة وملعوبة
رابع سنة وحنا اذرأ شوب واحصد شوب 
 والشوب ما هو غذا وجبة ومادوبة
 الظاهر انا رجعنا لا قبل واشعوب 
 واحنا وضعنا براس الحيد واشعوبه
 واخشى ضياع الذي عامد جبل منصوب 
 وتراجعت للورا زينب وزنوبة
 والمشكلة طال ما حبل الثقة مقطوب 
صعب ان نحط الثقة بحبال مقطوبة
 ودون امشاط معنا للكنم والصوب 
 لن يصفي الراس من قمله ومن صوبه
 وان البنا هيش من أصله طلع مسلوب 
 والساس مسلوب والأركان مسلوبة
 وباني الويل ذي ما نيته مخروب 
 ما مستعد ان يرمم دور مخروبة