تقرير / مـارش الحسام / لا ميديا -

«كورونا» فيروس مرعب وضع أغلب سكان الأرض تحت الإقامة المنزلية الجبرية، 
وفرض حالة الطوارئ في شوارعهم، وتكاد لا توجد دول في العالم تخشى الوباء أو تعاني منه إلا فرضت إجراءات احترازية كإحدى وسائل الوقاية من الفيروس.

تخلي مسؤوليتها بالتزامن مع دخول «كورونا»
لم يكن مفاجئا أن تتخذ حكومة الإنقاذ إجراءات احترازية في الأماكن التى تشهد ازدحاما أو اكتظاظا بالعامة. ومن ضمن تلك الإجراءات إيقاف المدارس والجامعات وصالات الأعراس، ثم إغلاق أسواق القات والمنتزهات والحدائق العامة والخاصة ومقاهي الإنترنت.
ولكن المفاجأة التي تثير أكثر من ألف علامة استفهام هي أن كل تلك الإجراءات توقفت بمجرد دخول «كورونا» اليمن، وبالتزامن مع رصد أول حالة إصابة في الشحر بحضرموت، وهذا التسيب يضع الحكومة أمام ألف علامة استفهام.

بائع قات بقرار من «يويفا»
ملايين المواطنين على مستوى العالم فقدوا وظائفهم بسبب «كورونا»، بل إن كثيراً من اليمنيين فقدوا مصادر رزقهم. والسبب أحيانا يكون من خارج الحدود، ولا علاقة له بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة الإنقاذ، ولكن لها علاقة بالإجراءات التى اتخذتها بعض الدول الأوروبية.
فجائحة «كورونا» التي تفتك بالقارة العجوز دفعت مالك إحدى الاستراحات إلى إغلاقها واللجوء إلى بيع القات.
الاستراحة الواقعة في جولة عشرين بشارع هائل، والتي كان يرتادها عشاق الرياضة والمولعون بكرة القدم وبالأخص الأوروبية، صارت اليوم مهجورة بعد قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» إيقاف بطولاته، وأيضاً قرارات معظم الدول الأوروبية إيقاف بطولاتها المحلية.
يقول سيف الهبري، صاحب الاستراحة: «أغلقت الاستراحة واتجهت للعمل في بيع القات، قبل الإجراءات الحكومية الحالية التي لست متضررا منها، لأنني متضرر من قرار الاتحاد الأوروبي إيقاف بطولاته الكروية، وأيضاً قرارات الاتحادات المحلية لمعظم دول القارة الأوروبية بإيقاف الدوريات وتجميد كافة الأنشطة الرياضية في إطار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها لمواجهة كورونا. ومصدر دخلي يعتمد على بث مباريات هذه البطولات، فبدونها لن يأتي أحد إلى الاستراحة».
ويضيف: «متى ما قرر يويفا استئناف المنافسات الكروية سنعاود فتح الاستراحة. أما في الوقت الراهن حتى لو فتحت الاستراحة فلن يأتي أحد».

كورونا يصيب أشهر مطاعم السلته
قبل أيام، أغلق أحد أشهر مطاعم السلتة بصنعاء أبوابه متأثرا بـ»كورونا». أحد العاملين في المطعم الشهير بالوجبات الشعبية كالسلتة والفحسة، يقول: «كان المطعم يشهد ازدحاما غير عادي، وكان الزبائن يقفون طوابير أمام المحاسبين لقطع فواتير الطلبات والتى غالبا ما تكون السلتة أو الفحسة التي يشتهر بها المطعم، حتى نحن المباشرين (العمال) كنا أحياناً نقف في طابور أمام الطباخين في انتظار توفير الطلبات للزبائن. ولكن مؤخرا وبسبب كورونا صار كثير من الناس لا يرتادون المطاعم، ويخشون الأماكن المزدحمة، فقل عدد الزبائن أكثر من النصف، وصار المطعم يخسر ما يصل إلى 200 ألف ريال يوميا».
ويضيف: «هناك من اقترح على صاحب المطعم أن يستغني عن نصف العمال، فرفض قائلاً إنه لا يريد أن يقطع أرزاق العمال. وحتى لا يستمر في تكبد المزيد من الخسائر اليومية، كان أمامه خياران: إما أن يغلق المطعم حتى ينتهى الوباء، وإما أن يقوم بتقليص رواتب العمال إلى النصف حتى تنتهى الأزمة، ولكن العمال رفضوا العمل بنصف راتب، وبالتالي لم يكن أمامه من خيار سوى إغلاق المطعم».

أسواق القات تعود من جديد
إغلاق أسواق القات كان من ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء «كورونا». وفعلا قام مكتب الأشغال بالتعاون مع أمانة العاصمة بإغلاق عدد من الأسواق المركزية والفرعية في العاصمة ونقلها إلى أماكن مفتوحة تم تحديدها مسبقا.
الأماكن المفتوحة التي تم نقل بائعي القات إليها هي الأخرى لم تحل مشكلة التجمعات وتجمهر المواطنين الراغبين بشراء القات، وإن بدت أحسن حالا والازدحام فيها أقل نسبيا من الأسواق السابقة.
أسواق القات، التي كانت إلى ما قبل إغلاقها تعج بالمواطنين والباعة، صارت مهجورة وخاوية على عروشها ويخيم عليها صمت المقابر، إلا أن هذا الصمت لم يدم طويلا، إذ بدأت الحياة تعود إليها تدريجياً. وبالتزامن مع اكتشاف أول حالة إصابة بـ»كورونا» في اليمن بدأت أفواج المقاوتة بالعودة إلى أسواقهم السابقة دون اعتراض أو ممانعة من الجهات الحكومية التي سبق أن قررت إغلاقها في إطار الإجراءات الاحترازية.

انتقائية لا احترازية
يؤكد صاحب مقهى إنترنت في مديرية التحرير بالعاصمة صنعاء، اشترط عدم ذكر اسمه، أن أصحاب مقاهي الإنترنت هم الأكثر تضرراً من تلك الإجراءات، التي وصفها بأنها انتقائية وليست احترازية.
وأضاف قائلا: «الإجراءات الاحترازية يفترض أن تكون شاملة وليست انتقائية، ويجب أن تشمل كل الأماكن التي تشهد ازدحاما».
ويضيف: «ليس من المنطقي أن تحارب الوباء بإغلاق مقهى إنترنت يرتاده 20 شخصاً وتتغاضى عن مركز تجاري يرتاده المئات، وتسمح بجلوس 10 أشخاص على طاولة واحدة في المطعم ولا تسمح بجلوس شخص واحد على كرسي واحد في محل إنترنت... هذه الحلول ليست منطقية ولا تحاصر الوباء وإنما تحاصر أرزاق الناس».

الباعة المتجولون
الباعة المتجولون وأصحاب عربات اليد هم أيضاً ممن تم حظر نشاطهم ضمن الإجراءات الاحترازية. بعض بائعي البطاط المسلوق ممن كانوا يعملون على مدار الساعة في الجولات وبعض الشوارع الرئيسية، صارت عرباتهم مشنوقة إلى أعمدة الكهرباء، وعدد منهم عاد لمزاولة عمله في بيع البطاطا والبيض خلال فترة الليل، فيما آخرون تواروا بعيدا عن الشوارع الرئيسية إلى الأزقة والحواري كما لو كانوا بائعي ممنوعات.

ألف علامة استفهام
بعد وصول «كورونا» إلى اليمن وتسجيل أول إصابة بالفيروس في حضرموت المحتلة كان يفترض أن تكون إجراءات «الإنقاذ» أكثر صرامة، ولكن ما حدث هو العكس تماما، كما لو أنها كانت تتنظر رصد أول حالة إصابة بـ»كورونا» في اليمن لتخلي مسؤوليتها، فبعد تسجيل الإصابة الأولى عاد الكثير من المنشآت التي تم إغلاقها إلى مزاولة نشاطها بشكل علني.
هل كان القصد من تلك الإجراءات لفت الأنظار بأننا نحارب الوباء؟! أم أن الهدف منها كان استدرار الدعم من المنظمات الدولية؟! فبمجرد وصول الدعم توقفت تلك الإجراءات! كثيرة هي التساؤلات ونتمنى من «الإنقاذ» الإجابة عليها.