«لا» 21 السياسي -
تزامناً مع إحياء الذكرى 27 لاستشهاد مهندس المقاومة والجهاد الإسلامي الفلسطيني فتحي الشقاقي، ومع إعلان ماليزيا أنها أفشلت محاولة صهيونية لاغتيال أحد المقاومين الفلسطينيين في كوالالمبور بما يذكر بعملية اغتيال الموساد وعملائه الإماراتيين للمجاهد محمود المبحوح في دبي؛ يودع شعب الجبابرة المجاهد البطل ابن الـ31 ربيعاً وديع الحوح، الذي تباهى يائير لابيد، رئيس الوزراء الصهيوني، باغتياله ووصفه بأنه «قائد كتيبة عرين الأسود».
اسمه وديع صبيح الحَوح. وُلد في حارة الياسمينة، الأجمل بين الحارات السبع في البلدة القديمة في نابلس. قاسى الشاب، الذي سيودّع -فيما بعد- العشرات من رفاقه الشهداء، مرارة الفقد مبكراً، إذ رحلت والدته وهو في التاسعة من عمره. اضطرّ عقب ذلك لترْك الدراسة بعد أن وصل إلى الصفّ العاشر الأساسي، ليتفرّغ للعمل. قبل المطاردة، كان «سندُ البلدة القديمة»، كما وصفه جيرانه، قد عزم -تحت ضغط من شقيقاته الثلاث- على الزواج، وهو الأخ الوحيد لهنّ؛ لكنه وبعد أن أتمّ تجهيز منزله، لم يجد في العمر متّسعاً لرفاهية كتلك! لمَع صيته في أعقاب تشكيل مجموعة «عرين الأسود» في منتصف آب/ أغسطس الماضي. كان «قمرُ الياسمينة»، إلى جانب الشهيدَين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، أبرز مؤسِّسي الجماعة، التي التقت على حبّها القلوب، بل إن الشاب الذي خاض تجربة الأَسر بين عامَي 2011 و2018، طَبع «العرين» بصبغته الخاصة، بعدما تولّى خلال الشهور الماضية كتابة بياناتها، التي صدّر فيها رومانسيته الثورية ونقاء سريرته وصدقه، وبساطته أيضاً.

في شهادته عن وديع يكتب يوسف فارس في «الأخبار» اللبنانية:
«بسيط هو وديع. وليست البساطة هنا سوى بساطة التعبير والبلاغة. أمّا فهْم الخصم، والقدرة على صناعة التكتيك، والبراعة في تعبئة الجماهير، فقد تجاوَز ابن الياسمينة فيها أحزاباً وحكومات وقادة سياسيين».
تعيد وجهة نظر الحَوح الصراع مع كيان الاحتلال إلى المربّع صفر. بالنسبة إليه ولأشباهه من الشباب، المعادلة بسيطة: «يوجد احتلال، إذن هناك مقاومة». وهذا الفهم الذي يشبه «شرب الماء» في أدبيّاته، عابر للاتفاقيات السياسية، وصفوف القيادات التي فرّطت أو تمتلك استعداداً للتفريط. أمّا بالنسبة إلى الأفق القريب، أو مستقبل الحياة، فـ»أنا على موعدٍ قريب مع الشهادة». يكرّر الحَوح هذه اللازمة، وقد رفعها ذاتها في وجه عددٍ من قيادات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، حينما عرضوا عليه منصباً مُغرياً، وعفواً من الاحتلال، مقابل تسليم سلاحه، ليردّ «أبو صبيح» قائلاً: «لم أشترِ السلاح بحُرّ مالي حتى أُسلّمه، ولن تكون دماء إخواني الشهداء سُلّماً نتسلّق عليه».
يقول وديع: «تَشكّلت العرين بعد أن أيْقنّا أن العمل المقاوم أصبح مستحيلاً في ظلّ الانقسام الذي مزّق الجسم الوطني. هدفنا أن نجمع الشباب تحت لواء يقاتل لله أوّلاً ثم للوطن، وأن يستيقظ الناس الذين ألْهاهم الاحتلال بالرخاء والرفاه حتى نسوا أنهم شعب محتلّ، وظنّوا أنهم يعيشون في باريس (...). تشكّلت العرين لإعادة تصويب البوصلة إلى حيث يجب أن تكون». إلى أيّ مدى يمكن أن يتوسّع ذلك التشكيل؟ يجيب: «ليس المهمّ كمْ عددنا، ولا نوعيّة السلاح الذي نمتلكه. المهمّ أن نترك بصمة في عقول وقلوب الناس ونعزّز إرادة الجهاد والقتال لله ثمّ الوطن، ثم لِنرحلْ بعدها».
ندبه أحبابه وجيرانه: «لقد فقدنا السند». لكنه كان قد استبق مقتله بطمْأنتهم إلى أن «رفاق النابلسي والعموري والعزيزي لا يتركون السلاح... لن يُكسر ظهر المدينة بعدي».