ليس خوفاً على مأرب بل خشيةً على ما وراءها... واشنطن تجدد عدوانها على اليمن
- تم النشر بواسطة اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا

اليمن بالحبر الغربي -
في 13 كانون الأول/ ديسمبر، أعلن السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز أنه سيسحب قراره المقترح «سلطات الحرب» المعنيّ باليمن.
يأتي هذا بعد أن واجه القرار (الذي دعا إلى وقف الدعم الاستخباراتي الأمريكي لحرب اليمن ووقف إمدادات قطع الغيار والصيانة للطائرات الحربية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية) معارضة شديدة من البيت الأبيض، بما في ذلك التهديد بالفيتو.
ويجسد النقاش حول قرار ساندرز معضلة اليمن الأوسع التي تواجهها الولايات المتحدة، حيث ترغب في إنهاء الحرب؛ لكن ليس لديها وسيلة حقيقية لتحقيق هذا الهدف، كما أن الخيارات السياسية القليلة التي لديها قد تجعل الوضع أسوأ.
على سبيل المثال، فإن قرار ساندرز حَسَن النية؛ لكنه ينتمي إلى الماضي ومنفصل عن الحقائق على الأرض في اليمن.
ويريد ساندرز، مثل الغالبية في الولايات المتحدة، أن يكون هناك نهاية للحرب في اليمن، التي توصف بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ لكن قراره من المحتمل أن يوسع الحرب، لا أن ينهيها.
ومن خلال وقف تشارك المعلومات الاستخباراتية والصيانة وقطع الغيار مع القوات الجوية السعودية والإماراتية، ستساعد الولايات المتحدة بشكل فعال الحوثيين في محاولاتهم للسيطرة على مأرب وحقول النفط والغاز في المحافظة.
وخلال العامين الماضيين، انخرط الحوثيون في عمليات واسعة للسيطرة على مأرب، بهدف إنشاء قاعدة اقتصادية لدولة حوثية مستقلة. ورغم بعض المكاسب المهمة إلى حدٍّ ما في عام 2021، فقد كبحت القوات الجوية السعودية الحوثيين إلى حدٍّ كبير؛ لكن قرار “سلطات الحرب” لساندرز كان سيزيل هذه العقبة ويمنح المليشيا وسيلة للانتصار في مأرب. أما ما يزيد الطين بلة، فأن ذلك قد يدفع الجماعة للتفكير فيما وراء مأرب.
ففي عام 2021، عندما كان الحوثيون يحققون نجاحات في الاستيلاء على مناطق من مأرب، انتقلوا أيضاً إلى تهديد محافظة شبوة الجنوبية، المنتجة للنفط والغاز. وإذا أخذ الحوثيون شبوة، فسوف يفصلون عدن عن حضرموت، وينهون أي أمل في دولة جنوبية مستقلة.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الشيء الوحيد الأسوأ من سيطرة الحوثيين على شمال اليمن هو سيطرتهم على كل اليمن.
وأشار مراقبو الشأن اليمني، مثل كاثرين زيمرمان من “معهد أميريكان إنتربرايز”، إلى أن قرار ساندرز كان يهدف إلى معاقبة السعودية على “خطايا الماضي”، بما في ذلك اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وكذلك العدد المذهل من الضحايا المدنيين من الغارات الجوية السعودية والإماراتية.
فقد كانت الخطيئة الأصلية للولايات المتحدة في اليمن قرار إدارة الرئيس السابق باراك أوباما دعم حرب تم التخطيط لها بشكل سيئ ولا يمكنها توجيهها أو السيطرة عليها.
وفي كثير من الحالات، كانت الطائرات والصواريخ الأمريكية، والرحلات الجوية الأمريكية لإعادة التزود بالوقود، وقطع الغيار والصيانة الأمريكية، هي التي سمحت للسعودية بتنفيذ غارات جوية في اليمن. ووفق المنطق الذي يقف خلف قرار “سلطات الحرب”، فإن حرمان الرياض من كل ذلك سيجبرها على الانسحاب.
ومع ذلك، فإن الانسحاب السعودي لن ينهي الحرب في اليمن، بل قد يؤدي إلى توسيعها فعلاً، فيما تتدافع المجموعات المسلحة اليمنية لتأمين سيطرتها على أكبر قدر ممكن من المناطق. وبالتأكيد، سيضمن ذلك انتصار الحوثيين في الشمال، وربما حتى في جميع أنحاء اليمن.
تعرضت إدارة جو بايدن لموقف مشابه بشأن اليمن من قبل؛ إلا أنها كانت على الجانب الآخر. ففي كانون الثاني/ يناير 2021، صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في آخر يوم لها، الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية؛ مما جمد فعلاً المساعدات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث شعرت المنظمات الدولية بالقلق بشأن انتهاك العقوبات الأمريكية.
وبعد أن تولى بايدن منصبه مباشرة في 20 كانون الثاني/ يناير، كان على إدارته أن تتخذ قراراً بشأن الأمر؛ فقد أدركت الولايات المتحدة أن الحوثيين تلاعبوا بالمساعدات الإنسانية القادمة إلى البلاد واستخدموها كسلاح، حيث حولوا المساعدات إلى مؤيديهم واستخدموا الوعد بسلال الطعام كجزرة لحث الأسر على المساهمة بالمقاتلين، بما في ذلك تجنيد الأطفال.
لكن إدارة بايدن كانت تعلم أيضاً أن استمرار العقوبات سيحد -بشدة- المساعدات الإنسانية التي تدخل البلاد، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى وفاة الآلاف.
في النهاية، رأت إدارة بايدن أن تكلفة استمرار العقوبات كبيرة جداً؛ ورفعت التصنيف. وبدا هذا بالنسبة للبعض كأنه قرار مؤيد للحوثيين ومناهض للسعودية، مثلما يبدو الآن أن معارضة البيت الأبيض لقرار “سلطات الحرب” في صالح المملكة.
لكن الواقع إن كلا القرارين هما ببساطة نتيجة لمعضلة اليمن، التي تجد الولايات المتحدة نفسها فيها، حيث تفتقر الولايات المتحدة إلى النفوذ للضغط على الحوثيين للتفاوض بحسن نية، والإجراءات القليلة التي يمكن أن تتخذها تجعل الحرب أسوأ، لا أفضل.
ونتيجة لذلك، تجد الولايات المتحدة نفسها -كما كانت خلال العامين الماضيين في اليمن- في حالة شلل، ولديها الآن القليل من الخيارات لتحافظ على الوضع الراهن الهش، وتأمل أن تظهر طفرات تغير الواقع بشكل غير متوقع.
جريجوري دي جونسن
معهد دول الخليج في واشنطن.
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا