غازي محمد / لا ميديا -
قدر المجلس الأعلى للجاليات اليمنية أن الأموال والاستثمارات والأصول اليمنية في المهجر تزيد عن 200 مليار دولار، 100 مليار دولار منها على الأقل في السعودية.
ويقوم النظام السعودي منذ أعوام بالتهام هذه الكمية الهائلة من المال اليمني الذي يملكه المغتربون في المملكة، بوتيرة متصاعدة، في عمليات سرقة كبرى تحت مظلة القوانين السعودية النافذة.

لقطة مقربة
يمكن إلقاء نظرة أقرب على حجم الأموال اليمنية في السعودية من خلال قياس تكاليف فتح محل فواكه وخضروات في السعودية اليوم.
في حديثه مع «لا» يشتكي عبدالرحمن راشد من أن والده المغترب في السعودية مع بعض شركائه عجزوا مؤخراً عن فتح محل (خضروات وفواكه وتمور) بسبب احتياجهم لما يقارب مليوني ريال سعودي لفتح محل ممتاز ينافس محلات الفواكه والخضروات الموجودة في السعودية والتي يملكها مغتربون يمنيون. حيث إن فتح المحلات في السعودية، حسب عبدالرحمن، يتطلب رأسمالا كبيرا يتزايد باستمرار مع تزايد التنافس والتطور بين المحلات ومميزاتها.
أما المشاريع الأكبر كمؤسسات توزيع الفواكه والخضار والتي يمتلك كثير منها يمنيون أيضا، فإنها تحتاج لمبالغ أكبر، وهكذا تصاعداً، في كل الأنشطة والاستثمارات اليمنية في السعودية التي تكلف عشرات ومئات الملايين من الريالات السعودية.
لكن المشكلة أن ملاك هذه الاستثمارات من اليمنيين رغم ضخامتها المالية، هم في خضم مغامرة مالية لا تنتهي في كثير من الأحوال بشكل جيد، حيث إنهم ملاك للاستثمارات «من الباطن» بينما في ظاهر الأوراق القانونية، الاستثمار ملك لكفلائهم حسب اتفاق معين يبرم بين الطرفين ونادرا ما يكون موثقا بالأوراق.
وفي حالة طرد المستثمرين اليمنيين من السعودية في أي لحظة بقرار حكومي كما هو الحاصل منذ أعوام مع قرار «السعودة»، يصبحون في مأزق كارثي مع استثماراتهم، التي يملك الكفيل كل المستندات التي تثبت ملكيته القانونية لها بلا جدال.

استثمارات شفهية
حالياً يخدم الاقتصاد والسوق السعودي مليونا يمني بشكل رسمي على الأقل، بينهم عدد كبير من رجال الأعمال، ويتدرجون في السلم الاجتماعي من أبسط عمال المحلات والورشات إلى مالكي المحلات الصغيرة وصولا إلى كبار المحلات والمؤسسات والشركات المتوسطة الحجم.
لكن مهما امتلك اليمنـــي في السعودية، وحسب قوانيـــن النظام النافذة هناك فإنه وعلى مستوى الأوراق القانونية لا يوجد يمني يملك استثمارات صغيرة أو كبيرة قانونية في المملكة طالما أنه لا يملك الجنسية السعودية.
حيث إن النظم النافذة في السعودية تمنع على غير السعودي أن يفتح محلا تجاريا باسمه كالمطعم والبقالة وغيرهما، ولذلك يقوم اليمنيون الراغبون بفتح المحال التجارية في السعودية بالإيعاز إلى المواطن السعودي (غالباً يكون الكفيل) بالحصول على الترخيص المطلوب باسمه، في حين أن المواطن اليمني لوحده أو مع شركاء يمنيين، هو الذي يقوم بتمويل المحل بداية من تكاليف الترخيص ومتطلباته إلى تشغيل المحل وإدارته وجني أرباحه، وتحمل مخاسيره، ومقابـــل الترخيص يقوم العامل اليمني بدفع مبالــــغ مقطوعة شهرية أو سنوية للمواطن السعودي الذي يحمل ترخـــــيص المحل اسمه، وبالطبع يقوم العامل اليمني بسداد الإيجار لمالك العين المؤجرة للمحل، وفي بعض الحالات يكون المواطن السعودي شريكاً للمالك اليمني حيث يحتسب لصاحب الترخيص نسبة من أرباح المحل.
ويحاول بعـض المستثمرين اليمنيين الحصول على ورقة تسمى ورقة «ضد» وهي إقرار من المواطن السعودي بأن المحل تحت مسؤولية العامل اليمني وأن أموال المحل وأرباحه وخسائره أمر خـاص بالشخص اليمني، لكن كثيرين لا يستطيعون الحصول على هذا الإقرار الخطي، الذي يؤمن حقوقهم، وتقع أموالهم تحت رحمة ضمير المواطن السعودي.

نماذج سرقة
بسبب قوانين السعودية المتعلقة بطريقة امتلاك المغتربين اليمنيين للاستثمارات، ضاعت ملايين الدولارات من أموال المغتربين اليمنيين الذين يطردون باستمرار من المملكة ومنذ عقود.
وعندما أقرت السعودية نظام السعودة عام 2017 فقد آلاف اليمنيين شروط عملهم وإقاماتهم، وتم ترحيلهم وعادت ملكية استثماراتهم الصغيرة والكبيرة إلى كفلائهم أو بيعت بثمن بخس لسعوديين.
وبرغم أنه يبدو أن النظام السعودي ليس المستفيد الأكبر من ترحيل اليمنيين وأخذ أموالهم حيث يبدو أن المستفيد الأول هم الكفلاء، إلا أن الواقع هو أن استيلاء السعوديين على استثمارات اليمنيين ضخ ملايين الدولارات في جسم الاقتصاد السعودي، وأصبحت عائدات تلك الاستثمارات اليمنية تصب في السعودية نفسها بعد أن كان جزء كبير منها يذهب إلى اليمن كحوالات نقدية. وربما أن تصريحات السفير السعودي لدى حكومة المرتزقة (محمد آل جابر) عام 2021 كشفت أن السعودية كانت قد وضعت عينها على استثمارات اليمنيين وعائداتها، وما ترسله من حوالات مالية إلى اليمن قدرت بـ3 مليارات دولار سنوياً.
ووفق أحدث تقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، أواخر العام الماضي، فإن قرابة 70 ألف مغترب يمني تم ترحيلهم من السعودية خلال عام 2022.
هذا الرقم الكبير لعدد من خسروا عملهم في السعودية والذي يقدره مراقبون بأنه أكبر؛ شمل المئات من أصحاب المحلات والاستثمارات التي صودرت لصالح السعودية.
عبدالناصر المثنى (55 عاماً) عاد من السعودية مجبراً عام 2019 بعد أن تم ترحيله لأنه يعمل في محل للبهارات، بعد أن أصبح ممنوعا على اليمنيين العمل في هذه المحلات لصالح العمال السعوديين، كما تنص القوانين الجديدة للعمل والفيز التي أصدرتها السعودية عام 2017.
وبرغم أن المثنى هو من يملك المحل الذي كان يعمل فيه في الواقع، بينما الأوراق باسم كفيله السعودي، إلا أنه تم ترحيله واعتبار فيزته لاغية.
يقول المثنى لـ«لا»: «لـــــــقد بعت محلي في السعودية الذي بقيت أعمل فيه وأطوره لأكثر من 7 سنوات».
ويوضح: «كنت أملك محل بهارات وتمور، وقد وضعت فيه كل ما أملك، مثل نصيبي من أموال عمارة بعتها مع شقيقيّ في اليمن، كما استدنت كثيرا من الأموال، وكانت قيمة المحل تقدر بـ500 ألف ريال سعودي على الأقل، وبسبب ترحيلي بعته عن طريق كفيلي لسعودي آخر على استعجال بـ100 ألف ريال سعودي».
ويتابع المثنى: «ذهب هذا المبلغ تسديدا لديون المحل، وبعدها قضيت أكثر من عام في وضع معيشي ونفسي صعب جداً مع أسرتي، حتى إنني أصبت بجلطة، لكني نجوت منها بمعجزة، والآن أعمل في محل بهارات مع أحد الأقارب».

العد التنازلي
أقر قانون «السعودة» الجديد قائمة شاسعة من المهن والاستثمارات التي يُحظر على غير السعودييـــــن العمل بها أو امتلاك استثمـــارات فيها، وهذا ما رمى بعشرات الآلاف من اليمنيين إلى ساحة البطالة وفقدت فيز عملهم قيمتها وتم ترحيلهم مع أسرهم سواء كانوا عمالا أو مستثمرين.
ويشمل القانون المهن والاستثمارات، وبعضها تمت سعودتها بنسبة 100٪
على مستوى الوظائف والمهن مثلاً، تم ترحيل اليمنيين من وظائف: مدراء شؤون الموظفين، مدراء الموارد البشرية، مدراء علاقات الأفراد، جميع حراس الأمن الخاص، مخلصي الجمارك، محاسبي الزبائن، أمناء الصناديق، وكافة الأعمال في المطاعم والكافيهات، إلى جانب الموظفين في قطاع الصيدلة والهندسة والاتصالات والتي تمت سعودتها بنسبة 100٪  
وطرد اليمنيون ومازالوا يطردون من محلات بيع القهوة والشاي والعسل والسكر والبهارات، أماكن بيع المياه والمشروبات، وبقالات بيع الفواكه والخضروات والتمور. كذلك محلات بيع الحبوب والبذور والزهور والنباتات والمواد الزراعية، والملاحم وبقالات بيع اللحوم والأسماك والبيض والألبان والزيوت النباتية، إلى جانب مكتبات ومحلات بيع الكتب وأدوات القرطاسية وخدمـات الطالب، وبيع الهدايا والكماليات والأعمال والمشغولات اليدوية والأثرية، وبيع مواد التنظيف والبلاستيك والصابون والأدوات البلاستيكية والاستهلاكية.
وبرغم أن هؤلاء موظفون وعمال لا يملكون استثمارات بشكل مباشر إلا أن بيوتهم وسياراتهم ونصيبهم في محلات يشاركون فيها بيعت بأسعار متدنية جداً خلال الشهور القليلة التي منحها لهم النظام السعودي قبل طردهم بشكل نهائي مع عوائلهم.
أما بالنسبة للأعمال التجارية فقد تم الاستيلاء على استثمارات اليمنيين تحت قانون «السعودة» وطردوا من كل من قطاع السياحة، والذهــب والمجوهرات وبعض مــن المولات التجارية.
وكذلك باع اليمنيون استثماراتهم بأثمان بخسة جداً بعد أن أصبحوا ممنوعين من العمل في كل من مجالات بيع وشراء الأحذية والساعات، وجميع محلات القرطاسية والمقاصف الدراسية، ومحلات شراء وبيع الجوالات، إلى جانب جميع محلات الملابس النسائية والرجالية والأطفال، ومحلات بيع الأقمشة النسائية والرجالية، وكذلك محلات الدهانات ومواد البناء والسباكة، والمولات والكافيهات.
أما المهن والاستثمارات التي لم تتم سعودتها بالكامل حتى الآن، فإن اليمنيين ليسوا في بر الأمان بدورهم، لأنها في طريقها لأن تصبح «مسعودة» بنسبة 100٪ عام 2030، حسب وزارة العمل السعودية.
وهذا يعني خسارة اليمنيين لاستثماراتهم الصغيرة والمتوسطة والتي تريد السعودية أن تصادرها أو تُملكها لمواطنين سعوديين.

لا حرمة لأحد
لم يشفع لليمنيين حتى العمل في وظائف بذلوا فيها أعمارهم وهم يبنون المجتمع السعودي وأجياله، وطرد يمنيون يقيمون في المملكة منذ عقود ويعملون في قطاع التعليم.
عام 2021 قررت السلطات السعودية ترحيل مئات اليمنيين المغتربين جنوب المملكة وحتى أساتذة الجامعات.
وكشفت وثيقة حينها أن السلطات السعودية تنوي الاستغناء عن العمالة اليمنية في المناطق الجنوبية للمملكة خلال 4 أشهر. وواجه اليمنيون المتواجدون في تلك المناطق منذ عقود ولديهم عقارات سكنية، وعقارات تجارية ورأسمال مسجل بأسماء سعوديين وفق نظام الكفالة، واجهوا أبشع ترحيل قسري ونهب للأموال طال اليمنيين بدون ذرائع واهية كالعادة حتى.
حيث أعطى القرار أصحاب الجامعات والمراكز التجارية والمؤسسات والشركات أربعة أشهر لتنفيذ هذه الإجراءات أو نقل العمال اليمنيين إلى مناطق أخرى أو استبدالهم بعمال من جنسيات أخرى دون معرفة سبب ذلك.
وتلقى المغتربون اليمنيون في جنوب السعودية في مناطق عسير والباحة ونجران وجيزان إخطارات من السلطات السعودية بإنهاء عقودهم دون سابق إنذار، مع تأكيد إلغاء عقود إيجاراتهم السكنية، بالإضافة إلى إنهاء كفالتهم وترحيلهم إلى اليمن.
وحسب معلومات فقد أبلغ أكثر من 106 أساتذة جامعيين يمنيين في جامعة نجران لوحدها بإنهاء خدماتهم خلال أربعة أشهر.
وواجه ولايزال أكثر من 800 ألف مواطن يمني في محافظات جيزان وعسير والباحة ونجران بجنوب السعودية أمر الترحيل، وَرُحِّل عشرات آلاف منهم بالفعل، بعد أن باعوا ممتلكات واستثمارات قدرت بملايين الدولارات بأبخس الأثمان.

انتهاكات وجرائم صريحة
يبدو أن السعودية في عجلة من أمرها لترحيل اليمنيين ومصادرة أموالهم وتنفيذ «رؤية 2030» التي تتأسس على مقابر من الانتهاكات الإنسانية في كل المجالات، حيث تقوم السلطات السعودية بمواكبة قوانين السعودة بشن حملات اتهام واعتقالات وترحيل وحتى سجن وقتل مغتربين وتجار يمنيين في السعودية بتهم ملفقة.
ويشتكي مغتربون يمنيون اليوم من تعسفات قالوا إنها تمارس ضدهم من قبل سلطات المملكة، مؤكدين أن مئات اليمنيين سجناء في أحد سجون مدينة نجران بتهم باطلة وبقضايا ملفقة الغرض منها الاستيلاء على ممتلكاتهم وأموالهم وترحيلهم.
وحذر المغتربون بقية أقرانهم من المغتربين اليمنيين في مختلف مدن ومحافظات السعودية من حمل كمية كبيرة من المال، أو إرسال مبالغ كبيرة إلى أهاليهم حتى لا تصادرها السلطات في السعودية بتهم جاهزة ويصبح مصيرهم السجن.
وأوضح المغتربون أن سجنا يدعى «صريمان» بمدينة جدة السعودية مليء بالسجناء اليمنيين تم اتهامهم بتهم متنوعة بناءً على فعل عادي وهو إرسالهم أموالا إلى اليمن.
ومن الحوادث الشهيرة لانتهاكات وجرائم النظام السعودي بحق المغتربين اليمنيين بشكل مباشر، وفاة رجل أعمال يمني جراء تعذيبه من قبل الأمن السعودي، حيث ذكرت مصادر حقوقية، عام 2021 أن رجل الأعمال اليمني، عبدالصمد المحمدي توفي تحت التعذيب من قبل قوات الأمن السعودية، في منطقة جيزان جنوب المملكة.
وأوضحت المصادر، حينها أن رجل الأعمال فارق الحياة، في أحد مستشفيات منطقة جيزان، جراء تعذيب مميت استمر أسبوعا من قبل قوات الأمن السعودية، على خلفية تهمة كاذبة مفادها «التخابر» مع جماعة أنصار الله.
وصادرت السلطات السعودية جميع ممتلكات المحمدي المغترب منذ 20 عاماً.
والمحمدي حالة ظهرت من حالات كثيرة جداً تبقى في الخفاء وطي تكتم السلطات السعودية، خلال أكبر عملية سطو يتعرض لها المغتربون اليمنيون، ويستخدم النظام السعودي فيها كل إمكانياته وحيله القانونية وغير القانونية لابتلاع كمية لا يستهان بها من الأموال اليمنية.