حاوره في دمشق: حنان علي / لا ميديا -
الفنان المتعدد المواهب لطالما وسمته السجايا الاستثنائية التي تخطت السبل الإبداعية تاركة بصماتها في الأرجاء، فما اكتفت مهاراته التمثيلية بمحاكاة أعماق التجربة الإنسانية، بل أطلقت روح الشاعر وبصيرة الكاتب وحنكة السياسي كي يخطّ منسوجات حية من العاطفة والفكر والعطاء ناقلاً الآخرين إلى عوالم وهاجة من الحب ولوعة الفقدان والبحث الأبدي عن المعنى.توفيق إسكندر الممثل الدرامي السوري، الشاعر والكاتب والسياسي، باستضافة صحيفة «لا»، في حوار ثريّ عن الرحلة المترعة بالنجاح، بالأوجاع والأحلام.

41 عاماً من الفن
 مسيرة تمثيلية عتيقة هلا أعدت حكايتك مع الفن على مسامع جمهورك العربي واليمني على نحو خاص؟
حلمت طفلاً أن أكون ممثلاً ولاحقت هذا الحلم حتى تحقق، شرعت بالدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، ثم تخرجت منه عام 1982، لأستهل بعدها رحلتي الاحترافية مع عالم الفن الذي اخترت وأحببت. بداياتي كانت في المسرح القومي، ومن ثم بالتزامن مع الأعمال التلفزيونية؛ كان لي شرف المشاركة بالعديد من المسرحيات أهمها: «كاليجولا، الزير سالم، رحلة حنظلة من الغفلة الى اليقظة، المدينة المليونيرة، المفتاح، علاء الدين والمصباح السحري (مسرحيه للأطفال)»، وغيرها. أما في التلفزيون فأهم الأعمال التي شاركت بها: «نهاية رجل شجاع، الجوارح، البركان، كان ياما كان (حكايات للأطفال)، حمام القيشاني، حاجز الصمت، الخط الأحمر، وردة لخريف العمر، كنا أصدقاء، روزنا، لأنها بلدي، فيلم أنت جريح» وغيرها الكثير من الأعمال.

الأدوار المركبة تحد حقيقي
  عبر أدواتك السحرية نجحت في تجسيد الشخصيات متلمساً جوهرها، عواطفها وصراعاتها الداخلية، فما نوع الأدوار الأكثر تحدياً أو إثارة للاهتمام بين ما قدمته من أدوار؟
الأدوار المركبة ذات البعد النفسي بين صحوة العقل وغيابه نتيجة المواقف الاجتماعية الإنسانية. هذه الأدوار تخلق تحدياً حقيقياً الممثل فهي بعيدة عنه كلياً ونادراً ما يصدفها في المحيط. كان دوري في مسلسل «الخط الأحمر» يعانق هذه الرؤية وكان في بعض مشاهده الأصعب مما قدمته على الشاشة.

الجماعية أفضل من الفردية
  كيف تقيم الدراما السورية الحالية؟ وما رأيك بالدراما القائمة على بطولة فردية بعد النجاح الباهر للبطولات الجماعية التي لطالما جذبت الجمهور العربي؟
للأسف لم تستطع الدراما السورية حالياً أن تتغلغل إلى عمق الواقع لتجسيده، بل حاكت الشكل فقط.. فلم نجد عملاً لامس حقيقة ما جرى في بلدي إلا باستثناءات ضئيلة أذكر منها مسلسل «لأنها بلدي» من إخراج نجدت أنزور وكتابة محمود عبدالكريم. أما في ما يتعلق بالأعمال التي تعتمد على بطولة فردية فلا ضير من وجود أعمال كهذه، فهي تتحدث عن شخص معين من التاريخ أو الذاكرة الشعبية، ومع ذلك لا بد من تواجد أبطال آخرين إلى جانبه يحملون معه عبء العمل والمرحلة التاريخية، وخير الأعمال وأجملها من بطولة الجميع، لذلك نلاحظ النجاحات الباهرة للأعمال ذات البطولات الجماعية وأنا شخصياً أفضِّلُها.
  تعاملتَ مع العديد من المخرجين أثناء رحلتك التمثيلية، فمن أكثر المخرجين أسعدك التعامل معه؟
جميعهم خير وبركة، لكن بالتأكيد يوجد تمايز بالمستوى الفني، لست متحيزاً لأحد لكني أحب الأعمال التي شاركتُ بها مع الأستاذ نجدت أنزور والأستاذ يوسف رزق.

تعاون فني يمني سوري
  شهدت بعض أعمال الدراما اليمنية تطوراً ملحوظاً مؤخراً، هل ثمة تعاون تمّ مع ممثلين أو صناع دراما يمنيين؟
للأسف الشديد يا سيدتي لم يحصل، لكنني أطمح الى أن يتحقق هذا التعاون، فأنا شخصياً أحب اليمن وأهل اليمن الطيبين وأفتخر بهم تاريخياً وهم أصحاب حضارة إنسانية عريقة موغلة في القدم. لذلك أتمنى أن يأتي هذا اليوم لأتعرف على زملائي الفنانين اليمنيين.
 إن سنحت لفناننا الفرصة للتمثيل في الدراما اليمنية، أي الأدوار تفضل شخصية سورية أم يمنية؟
يوم المنى هذا الأمر، في البدء لا بد من التنويه الى أن الشخصيات اليمنية لها خصوصيتها والحديث بشكل أساسي هنا عن اللهجة اليمنية فلا بد من القول بأن فناني اليمن أولى بأدائها، لكني لا أمانع أداء شخصية مناسبة.

الفن رسالة إنسانية أولاً
 منذ القدم، كان للفن الدرامي قدرة فريدة على التأثير على الجمهور وترك بصمة عميقة في قلوبهم وعقولهم. ما هو التأثير الذي تأمل أن تلقيه الدراما على الجماهير، سواء في سوريا أو على المستوى العربي؟
للأسف، ليست كل الأعمال تحمل في طياتها رسالة لمجتمعها الصغير الذي ولدت فيه أو لوطنها الكبير، ذلك لتدخل العامل التجاري الربحي وسيادته للأسف.. أما الأعمال التي تحمل بين طياتها همّ الإنسان، تلك المفعمة بالحب للبيئة فهي لا ريب تسهم في تسليط الضوء على قضايا الفساد وما تذره من تخريب للإنسان والوطن والصدق والإيمان. أي أعمال إنسانية مشابهة تتوافق مع كل البلدان، الأمر هنا إنساني عالمي متوحد بإنسانية الفرد أينما كان.

المواقف الوطنية ليست محلا للمساومة
 دخلت غمار السياسة حين انتخبت ممثلاً عن الشعب في مجلس الشعب السوري، هلا أخبرت جمهورك العربي عن تجربتك كعضو في مجلس الشعب؟ وكيف أثر ذلك في مسيرتك التمثيلية؟
الحقيقة وجدت نفسي مجبراً على خوض تجربة مجلس الشعب نتيجة المواقف الوطنية التي لم أساوم بها ولا عليها، لذلك نتيجة لضغط شعبي ورسمي ترشحت لانتخابات مجلس الشعب وبتّ عضواً لأعوام 2016-2020. كانت تجربة غنية بالنسبة لي وأفتخر بأنني أسهمت في خدمة شعبي ووطني من خلال وجودي في البرلمان. لكن للأسف التأثير كان شديد السلبية على مسيرتي الفنية ويكاد ينهي صلتي بالوسط الفني، وللحق ليس وحده، بل رافقه عوامل أخرى تتعلق بطبيعة الانتماء والتفكير.. آسف أنني أقول هذا لكن هذا هو الحال.

مهام ليست سهلة
 لا ينسى الشعب السوري مبادراتك الوطنية المذهلة، وما خلفته من أثر على حياة الناس، هل يمكنك تسليط الضوء على بعض منها؟
استجابة لثقة الناس الكبيرة، حاولت على الدوام دعم أي نشاط وطني وخدمي إنساني. البداية كانت مع جمعيةٍ أسسها جرحى الحرب التي وقعت على بلادي، فكنت معهم بكل التفاصيل وعملت على تغطية متطلبات الأسر الفقيرة التي تمثل السواد الأعظم منهم. ومن ثم استلمت إدارة جمعية تقدم خدمات طبية بدعم من مستشفى تابع لها. لقد حاولنا تقديم المساعدات لأسر مستورة لعلنا نعينها على العيش. في مهام ليست سهلة على الإطلاق، وأرجو أن أكون وفقت بأداء بواجبي كما يجب تجاه هذا الشعب المكلوم بكل شيء ومن كل شيء.

مقاتل مع الوطن
 لم تقف مكتوف اليدين إزاء ما حصل في سورية، فما الذي دفعك لاتخاذ قرار الوقوف مع الجيش السوري؟ وما هو الدور الذي لعبته شخصياً؟
لم أستطع الوقوف متفرجاً كما فعل الكثيرون فيما الذئاب تنهش بالوطن وبخيرة أبنائه. كان لا بد من الدفاع عن النفس والعائلة والبيت أولاً، والحي تالياً، والذي بات جبهة وخط مواجهة مع حي باب السباع الذي سمع به الجميع حتى أوباما نفسه. لم يقتصر دوري في البداية على توعية شبان الحي بما يجري وما يجب أن نقوم به فحسب، بل شكلنا مجموعة من أهالي الحي ووضعنا أنفسنا تحت إمرة جيش الوطن وحماته، دوري الأساسي في هذه الحرب كان مقاتلاً هذا كل شيء بمنتهى البساطة سيدتي.

ليسوا معارضة بل مرتزقة
 واجهت من الانتقاد الكثير، كيف تعاملت مع معارضي آرائك السياسية؟
النقد مسألة إيجابية، فيما يقرب الحوار وجهات النظر الخلافية، بين العقال طبعاً لكن ليس بما يتعلق بالوطن وسلامته. للأسف لم تكن المعارضة وطنية، بل جعلت من نفسها مرتزقة لدول أخرى عربية وأجنبية، حتى إن البعض جاهروا بولائهم للكيان الصهيوني في خيانة لا يفيد معها الحوار، فكان لا بد من المجابهة العسكرية والقوة للتخلص من أولئك القادمين تحت مسمى المجاهدين من كل أصقاع المعمورة.

شوكة في عيون الخونة
 هلا أوضحت الصعوبات التي واجهتها مع شركات الإنتاج في ما يتعلق بموقفك السياسي؟ وكيف أثر ذلك على عملك كممثل؟
موقفي كان واضحاً وجلياً، كنت شوكة في عيون الخونة والواقفين على الحياد. ببساطة تجاهلتني الشركات الإنتاجية وبدوري لم أسع إليها وهكذا بشكل أو بآخر يمكننا القول إنني أبعدت قسراً عن الوسط الفني. الحرب واختلاف الانتماء والتمترس وراء أيديولوجيات، للأسف خلقوا فرزاً بين أبناء الوطن بمختلف شرائحه وفئاته.
 ما الخطوات التي اتخذتها للتغلب على هذه التحديات ومواصلة مساعيك الفنية؟
استسلمت للواقع المر الذي وصلت إليه وبدأت بالتفكير جدياً بالعمل خارج حدود الوطن المعشوق.

«هدب الخواطر» مغامرة أولى
 يعتبر الفن الدرامي بوابة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والتجارب الإنسانية.. ليس من خلال الشخصيات الدرامية فحسب، بل من خلال الكلمة البليغة والمشاعر الرهيفة، هل يمكنك أن تخبرنا عن رحلتك الأدبية؟ وكيف اكتشفت شغفك بالكتابة؟
منذ البدايات الدراسية كان لي اهتمام بالأدب وكنت أحب مادة الإنشاء والتعبير فمن تلك اللحظات كتبت الخواطر واستمتعت بكتابة الرسائل الغرامية وبدأت أجد نفسي في مضمون كتابتي، لكن وللحق بعد انتشار وسائل التواصل وجدت نفسي في مجموعات أدبية تهتم بالرواية والقصة والشعر بكل مسمياته.. لم أقبل على نفسي في هذه المجموعات إلا أن أكون فاعلاً ومشاركاً ولست معجباً بلا تعليق يليق.. من هنا بدأت مغامرتي مع الكتابة بشكل فعلي.. شخصياً أميل لكتابة القصة والخاطرة كما كتبت نثريات شاعرية.. وكان لي شرف طباعة كتابي الأول «هدب الخواطر»، الذي يضم حكايات قصيرة وخواطر، ولدي الآن مخطوط شعر نثري بعنوان «نثريات شاعرية»، آمل أن يجد طريقه إلى النور.

نزار الأقرب إلى قلبي
 أيّ الشعراء أو الشخصيات الأدبية كان لها تأثير كبير على أسلوب كتابتك أو رؤيتك الفنية؟
لست في صدد نقد أي شاعر وأية قصيدة لكني أحببت الشعر من كل الشعراء حتى المحدثين. تعجبني سلاسة الكلمات والمعاني والصور التي تحملها الأبيات من كل نوع شعري فأحببت الكثير من الشعراء وكان أقربهم إلى القلب الراحل الكبير نزار قباني. للعلم فأنا أميل لكتابة القصة أكثر من الشعر.
 هل سنحت الفرصة لك لقراءة الأدب اليمني؟
لأكون صادقاً مع نفسي ومعك ومع قراء الصحيفة الغراء لم يصل ليدي دواوين أي من الشعراء اليمنيين الكرام، ولم تسعني الفرصة لأتعرف عليهم عبر الإنترنت، لكني سأبحث عنهم لأنال شرف التعرف على نتاجاتهم لأنهل منهم العلم.

القهر والحزن دافعا البوح
 التساؤل عن الشعلة الأولى يشغل أذهان المتابعين على الدوام فما يحرض توفيق إسكندر على الكتابة؟
لكل منا أجواء تلهب مشاعره وتستثير الإلهام لديه، هي أحياناً فكرة عابرة وقد تكون صورة أو حديثا مع صديق أو أنثى، تشتعل الفكرة وتستعر الكتابة.. لم أضع يوماً عنواناً لأكتب عنه وإنما أكتب ومن ثم يأتي العنوان، القهر والحزن بدورهما يدفعان الكاتب لإمساك قلمه ليبوح ما في روحه من عذابات وأشجان.
 أمسيات جميلة وقصائد ألقيتها على مسامع جمهورك، هل تلقى الجمهور شعر توفيق إسكندر بمحبة مماثلة لأدواره الدرامية؟
الحمد لله، كل الأماسي التي شاركت بها كانت ناجحة مزينة بتقبل الجمهور لما ألقيته على مسامعهم بودّ. لقد قدمني الفن بجواز سفر إليهم ممازجاً بين محبة الفنان والكاتب في قلوبهم.

هاجس الفن والكتابة
 ما هي خططك وتطلعاتك المستقبلية التمثيلية أو الأدبية أو السياسية؟ أو هل نراك مجدداً في مجلس الشعب السوري؟
سأكتفي بالمرحلة الماضية بوجودي في مجلس الشعب، لدي هاجسي في الكتابة والبحث من جديد عن موضع قدم في الوسط الفني قد أجده في بلد آخر.

أحبوا ما تقومون به
 هل يمكنك مشاركة أي نصيحة للممثلين الطموحين، لكتاب جدد أو ميالين للسياسة، وخاصة شباب اليمن الذين يواجهون تحديات فريدة من نوعها؟
تتشابه الأوضاع في بلدنا سوريا واليمن الشقيق وتتقاطع بالحرب التي فرضت علينا وأشكال التقسيم الذي يسعى إليه الغرب المجنون والمسكون بالحرب والقتل والدمار، لذلك بداية أقول لشباب اليمن: يمنُكُم أولاً وآخراً، وإلا سنصبح في يوم ما لاجئين ومهجرين وغرباء في أوطاننا.. أما لزملائي الفنانين الشباب الطموحين أقول: أحبوا ما تقومون به وآمنوا، صدقوا الشخصيات التي تمثلونها كي تصدُق ويصدقها الجمهور.. ابتعدوا عن الغرور فإنه مقتل لكل فنان.