موقع (Drop Site) الأمريكي*
ترجمة خاصة: شعيب المساوى / لا ميديا -
قياسا بأبعاد الحرب، وبالأضرار التي طالت إسرائيل، ستكون هذه الهزيمة هزيمة تفكيكية لمشروع إسرائيل في المنطقة.
في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، نفذت قاذفة أمريكية من طراز B-2  خمس عشرة ضربة على ما وصفها مسؤولون في وزارة الدفاع بأنها مخازن أسلحة لدى جماعة الحوثي، أو أنصار الله، الحركة السياسية المسلحة جيداً والمرتبطة بإيران، والتي تسيطر حالياً على جزء كبير من شمال غرب اليمن. جاءت هذه الضربات الجوية بعد حملة من الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية والأهداف داخل إسرائيل، ردًا على الحرب التي تشنها الأخيرة في غزة.
وقد أفادت التقارير بأن الضربات الجوية الأمريكية استهدفت منشآت محصنة تحت الأرض تضم مستودعات أسلحة في العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظة صعدة. وأوضحت القيادة المركزية الأمريكية في بيان لها أن هذه الإجراءات «اتخذت بهدف إضعاف قدرة الحوثيين على الاستمرار في هجماتهم المتهورة وغير القانونية على الشحن التجاري الدولي، وكذلك على الطواقم والسفن التابعة لكل من الولايات المتحدة والتحالف والتجار في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، وللحد من قدرتهم على تهديد الشركاء الإقليميين».
وليس من الواضح ما إذا كانت تلك الضربات ستؤدي إلى تحقيق التأثير المطلوب. بيد أنه ومع دخول حرب إسرائيل على غزة عامها الثاني، يبدو أن أنصار الله عازمون على مواصلة هجماتهم تضامناً مع فلسطين. حيث أكد المكتب السياسي للحوثيين في بيان عقب الغارات الجوية أن «الهجوم لن يثني اليمن عن مواصلة دعم ومساندة غزة ولبنان في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة».
لقد أظهرت الجماعة قدرة ملحوظة على الصمود. منذ سيطرتها على السلطة في عام 2014 عقب انتفاضة شعبية ضد الحكومة اليمنية المتحالفة مع السعودية، تمكنت جماعة أنصار الله من الصمود في وجه الهجمات العسكرية المدعومة بالقوة الجوية الإماراتية والسعودية، ونجحت في ترسيخ نفوذها في البلاد. العديد من المواقع التي استهدفتها الولايات المتحدة، مثل منطقة الحفا وحي التلفزيون في صنعاء، كانت أهدافًا متكررة للتحالف الذي تقوده السعودية. وخلال سنوات القتال، تمكنت جماعة أنصار الله من التكيف مع الظروف على وجه التحديد لتجنب الضربات الجوية والصمود في وجه تأثيرها، حيث أعادت توزيع مخازن الذخيرة والإبقاء على البنية التحتية الثقيلة بشكل محدود على الأرض، مما جعلها أقل عرضة للاستهداف بالهجمات الجوية.
قامت جماعة أنصار الله بإنشاء منشآت تحت الأرض بهدف حماية معداتها العسكرية وقياداتها من الهجمات، بما في ذلك بناء العديد من مستودعات وقواعد إطلاق الصواريخ تحت الأرض، والتي ظهر بعضها في صور الأقمار الصناعية. وعلى الرغم من الضربات الجوية المتكررة التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك الهجمات التي استهدفت ميناء الحديدة الحيوي في وقت سابق من هذا العام، فقد ظلت الجماعة ثابتة وراسخة في موقفها.

«شعبنا أعلن موقفه»
عندما اندلعت الحرب في غزة، كانت اليمن على وشك توقيع هدنة برعاية الأمم المتحدة مع السعودية كان من شأنها إنهاء صراع دام عشر سنوات. حيث أدت الحرب التي قادتها السعودية والإمارات، إضافة إلى الحصار الجوي والبحري، إلى دفع أجزاء كبيرة من اليمن إلى حافة المجاعة، وتسببت في نقص واسع في الأدوية والسلع الحيوية الأخرى وانتشار الأمراض. بحلول نهاية 2021، كانت التقديرات تشير إلى أن 377,000 يمني قد لقوا حتفهم نتيجة للهجمات العسكرية والاقتصادية للتحالف.
في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد ثلاثة أيام من هجوم حماس على إسرائيل، تعهد عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة أنصار الله، باستخدام جميع الوسائل الممكنة، بما في ذلك العمل العسكري، لدعم فلسطين. وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، بدأ الحوثيون في إطلاق صواريخ وشن هجمات بطائرات مسيرة ضد إسرائيل، مطالبين بوقف قصفها على غزة. وفي الشهر التالي، بدأت جماعة أنصار الله في مهاجمة السفن التي ادعوا أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها. وقال الحوثي: «شعبنا أعلن موقفه، وهو مستعد تمامًا لتحمل نتائجه».
استهدفت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي نفذها الحوثيون ميناء إيلات جنوبي إسرائيل. كما أعلنت الجماعة حظرًا على السفن المرتبطة بإسرائيل من عبور البحر الأحمر، وفرضت هذا الحظر عبر إطلاق النار على السفن. تسببت هذه الهجمات، حتى الآن، في مقتل ما لا يقل عن أربعة بحارة من طواقم السفن التجارية. منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، نفذ الحوثيون أكثر من 100 هجمة، مما أدى إلى إغراق سفينتين واختطاف واحدة. وبحلول ديسمبر/ كانون الأول 2023، تراجعت حركة المرور إلى ميناء إيلات بنسبة 85٪، وانخفض حجم شحن الحاويات عبر البحر الأحمر بنحو 90٪ بحلول منتصف فبراير/ شباط.
يبدو أن حملة الحوثيين قد عززت من موقف الجماعة، سواء داخل اليمن أم في المنطقة، وفقًا لتحليل حديث أصدرته مجموعة الأزمات الدولية. وذكرت المجموعة أن «الهجمات على الشحن ساعدت في تخفيف الغضب الشعبي الناجم عن سوء إدارة الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها، حيث استفادت الجماعة من التضامن الواسع مع القضية الفلسطينية بين اليمنيين». وأشارت المجموعة أيضًا إلى أن الحوثيين أظهروا مهارتهم العسكرية من خلال هجماتهم الناجحة على إسرائيل والبحرية الأمريكية، مما عزز من مكانتهم داخل «محور المقاومة» الذي تقوده إيران.
في وقت مبكر من هذا العام، بدأت القوات الأمريكية في استهداف مواقع للحوثيين داخل اليمن. لكن هذه الضربات لم تؤثر بشكل كبير على قدرات الجماعة حتى الآن. فقد تزايدت هجمات الحوثيين مع الوقت وأصبحت أكثر تعقيدًا، حيث وصلت بعض الضربات المنطلقة من اليمن إلى أماكن بعيدة مثل تل أبيب. وردًا على هجمات الحوثيين الصاروخية، قامت إسرائيل بقصف مدينة الحديدة الساحلية مرتين، حيث استهدفت في الهجوم الأخير في 30 سبتمبر/ أيلول منشآت تخزين الوقود ومحطة توليد الطاقة المدنية. وفي السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، الذي يصادف ذكرى الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، نفذ الحوثيون هجومين باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة على العاصمة الإسرائيلية.
أعلنت إسرائيل بوضوح أنها تعتبر جميع أعضاء «محور المقاومة» أهدافًا مشروعة، ووصفت حزب الله وحماس والحوثيين بأنهم أذرع لـ«الأخطبوط الإيراني». وعلى عكس القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان، حيث يقتصر دور الولايات المتحدة على توفير الأسلحة والاستخبارات والدعم السياسي، نفذت القوات الأمريكية ضربات عسكرية مباشرة في اليمن. وتشير بيانات من المسؤولين العسكريين والسياسيين الأمريكيين إلى أنه طالما استمر الحوثيون في مهاجمة الأهداف الإسرائيلية والممرات البحرية الدولية، ستبقى واشنطن مستعدة لاستهدافهم.
ومع ذلك، يبدو أن مهمة المواجهة مع جماعة الحوثيين تمثل تحديًا معقدًا. فخلال العام الماضي، أثبتت قوات الحوثيين قدرتها على إلحاق الأذى العسكري والاقتصادي بخصومهم الأكثر قوة وعتاداً. ورغم الحصار والصراع الداخلي والضغوط المستمرة، نجحت الجماعة في جمع ترسانة واسعة من الأسلحة وتشكيل قوة بحرية قادرة على تعطيل حركة التجارة العالمية. وبينما لايزال مدى فاعلية الضربات الأمريكية والإسرائيلية على مخازن الحوثيين غير واضح، يصر قادة الجماعة على أنهم يمتلكون القوة النارية اللازمة لمواصلة عملياتهم العسكرية ضد إسرائيل. وبالرغم من تعرض الجماعة للقصف المستمر على مدى سبع سنوات من قبل القوات السعودية باستخدام أسلحة متطورة أمريكية وبريطانية، لايزال الحوثيون قادرين على تنفيذ هجمات بعيدة المدى ومفاجئة داخل إسرائيل.
على الصعيد الدفاعي، توفر التضاريس الجبلية في اليمن حماية طبيعية ضد الهجمات الجوية، بما في ذلك «القنابل الخارقة للتحصينات» التي تستخدمها إسرائيل بشكل متكرر في غزة واستخدمتها الولايات المتحدة خلال الحرب في أفغانستان. فقد فشلت القوات السعودية خلال حربها الجوية ضد اليمن مرارًا في تدمير مستودعات الأسلحة المخبأة داخل الجبال الطبيعية في صنعاء.
في الأسابيع الأخيرة، أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لحملة الاغتيالات الإسرائيلية التي تستهدف قادة حزب الله وحماس، مما يشير إلى تأييدها لنهج إسرائيل في استهداف المدنيين في سياق محاولاتها للقضاء على كبار قادة «محور المقاومة». هذه القائمة قد تشمل عبدالملك، زعيم الحوثيين، الذي فشل التحالف الذي تقوده السعودية في استهدافه. كما ستواجه إسرائيل صعوبة في تحديد موقعه، حيث لاتزال جماعة أنصار الله بعيدة نسبيا عن اختراق أجهزة الاستخبارات الأجنبية.

ما الذي ستفعله جماعة أنصار الله لاحقاً؟
في حال حدوث وقف إطلاق النار في غزة، تظل الأسئلة قائمة حول ما سيفعله محور المقاومة. أكد حسن نصر الله، الزعيم الراحل لحزب الله، على موقفه بأن جماعته ستحترم رغبات المقاومة الفلسطينية في تحديد موعد انتهاء القتال. قد تشهد جبهات أخرى في سوريا والعراق أيضًا تقليلًا في الهجمات ضد إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل مصممة على قتل ليس فقط قادة محور المقاومة، بل وإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بأكملها.
 أكدت جماعة أنصار الله مراراً أن هجماتها ضد إسرائيل أو السفن المرتبطة بها ستنتهي بمجرد أن تنهي إسرائيل حربها في غزة. بينما يعتقد بعض المسؤولين في واشنطن أن الحوثيين سيتماشون مع رغبات إيران، إلا أنهم أظهروا في لحظات حاسمة درجة من الاستقلالية عن طهران. في مثال معروف من عام 2014، تحدى أنصار الله طلب طهران الامتناع عن السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء في هجوم عسكري بينما كان القادة الإيرانيون في خضم التفاوض على اتفاق نووي مع الغرب، وفقًا لمصادر استخباراتية أمريكية.
يعد اليمن أفقر بلد في العالم العربي ولايزال يعاني من صراع داخلي على السلطة. ومع ذلك، أظهرت جماعة أنصار الله قدرة ملحوظة على إلحاق الضرر الاقتصادي والعسكري بخصوم أكثر قوة. من خلال إعلان الحرب على إسرائيل تضامنًا مع المقاومة الفلسطينية، وضعت جماعة أنصار الله نفسها على الساحة العالمية. فقد احتفت بعض الأوساط حول العالم بجرأة الجماعة على الوقوف في مواجهة إسرائيل مقارنة بمواقف دول عربية أخرى اختارت البقاء على الهامش. هذا الموقف رفع من مكانة جماعة أنصار الله، مما جعلها هدفًا رئيسيًا لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
خلال كلمته أمام جمع من المسؤولين العرب في منتدى الخليج الدولي بواشنطن العاصمة الأسبوع الماضي، لفت المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ، الانتباه إلى ما وصفه بتوظيف الحوثيين للصراع في غزة لخدمة أجنداتهم الخاصة. وأوضح قائلاً: «نرى أن هذه الجماعة تستغل الوضع في فلسطين لتعزيز أهدافها، دون اعتبار لمصالح الشعب اليمني»، مشيرًا إلى دعوات قادة الحوثيين لليمنيين للمشاركة في مظاهرات لدعم عملياتهم المرتبطة بالشأن الفلسطيني. وأضاف ليندركينغ: «ينبغي على أنصار الله التركيز على اتخاذ خطوات فعلية لمساعدة الشعب اليمني». كما أكد على ضرورة «التفريق بين مشاعرنا، وآلامنا، وغضبنا، وبين ما يحدث في مناطق أخرى حول العالم. وهذا لا يعني أننا ملزمون بتأييد ما يفعله الحوثيون».
إذا كان هناك ما يُشير إلى توجهات الجماعة، فهو إصرارها على مواصلة الضغط على إسرائيل. ففي 28 سبتمبر/ أيلول، أطلقت الجماعة صاروخًا باتجاه مطار بن غوريون في تل أبيب، إلا أن السلطات الإسرائيلية أعلنت عن اعتراضه. ومن جانبها، أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى أنه «في حال تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل، قد نشهد تكثيف الحوثيين لهجماتهم، بالتنسيق مع فصائل أخرى ضمن «محور المقاومة»، مثل المليشيات العراقية».
يبدو أن الحوثيين قد استعدوا لمعركة طويلة، عازمين على الاستفادة من الزخم الذي اكتسبوه.

تصحيح: جرى تصحيح المقالة لتعكس طبيعة العمليات الأمريكية في اليمن.
(**) (Drop Site) موقع صحفي أمريكي يرأسه جيريمي سكيل مؤلف كتاب Dirty Wars «الحروب القذرة»، ويضم الموقع عددا من كبار الصحفيين الأمريكيين المستقلين.
(*) شعيب المساوى صحفي مقيم في صنعاء ومراسل لعدد من وسائل الإعلام الأمريكية منها جريدة «نيويورك تايمز» وموقع «الإنترسبت».