عادل بشر / لا ميديا -
في اعتراف ضمني بأن صنعاء باتت رأس حربة في مواجهة استراتيجية مفتوحة، تتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية للصراع العربي الصهيوني، أكد أحد أبرز المحللين الاستراتيجيين "الإسرائيليين" أن اليمنيين أثبتوا خلال معركة إسناد غزة، وفي الدفاع عن اليمن ضد العدوان الأمريكي والبريطاني والصهيوني، أن لديهم قدرات عسكرية وقتالية مذهلة.. مشدداً على أن الهجمات اليمنية المتواصلة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، تهدد مكانة "إسرائيل" وصورتها الردعية.
ونشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" المقربة من دوائر الحكم في الكيان الغاصب، أمس، مقالاً تحليلياً للخبير "الإسرائيلي" في شؤون "الشرق الأوسط" وأفريقيا ونائب رئيس جامعة "تل أبيب" إيال زيسر، دعا فيه إلى الاستعداد لحرب شاملة ضد صنعاء، معتبراً هجمات القوات المسلحة اليمنية تُمثل تهديداً كبيراً ومباشراً لـ"إسرائيل" على المستويين الأمني والاقتصادي.
وأشار زيسر إلى أن الصواريخ والمسيرات التي تُطلق من اليمن تفرض أثماناً باهظة على "إسرائيل"، أبرزها تعطيل حركة الملاحة نحو البحر الأحمر، وشلّ ميناء "إيلات".
وقال إن "تكلفة الهجمات اليمنية أعلى بكثير مما نقر به، اقتصاديًا وأمنيًا، بدءًا من شلّ ميناء إيلات وانتهاء بتهديد الملاحة الجوية"، مضيفاً "إن اضطراب طرق الملاحة نحو البحر الأحمر ألحق ضررًا بالغًا بالتجارة الإسرائيلية مع الشرق الأقصى، وأدى فعليًا إلى إغلاق ميناء إيلات".
وتفرض القوات المسلحة اليمنية حصاراً بحرياً على الملاحة الملاحة الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي منذ أواخر 2023م، عندما خاضت صنعاء المعركة ضد الكيان الصهيوني رداً على العدوان والحصار الذي يفرضه الكيان على قطاع غزة.

تهديد بعيد المدى
الخبير "الإسرائيلي" ذهب في مقاله التحليلي إلى التحذير ممّا سمّاه "تساهل إسرائيل" إزاء الهجمات اليمينة، مضيفاً أنّ "ذلك يُرسل إشارات ضعف من شأنها أن تشجع اليمنيين على المضي قدماً، بل وربما توسيع دائرة التهديد لتشمل الطيران المدني الإسرائيلي وغيره، لا السفن فقط".
وقال إن "ذلك يُهدد على المدى البعيد مكانة إسرائيل وصورتها الردعية"، لكنه في فقرة أخرى في ذات المقال، أقر بأن صنعاء أثبتت أن لديها قدرات عسكرية وصفها بـ"المذهلة" مؤكداً بأن الموجات الهجومية التي شنها الكيان ضد اليمن على مدار عام ونيف "لم تحدث أثراً يُذكر".
وأوضح زيسر أن الصورة النمطية لـ"أنصار الله" كمجموعة "بدائية" تحكم بلداً فقيراً، لم تعد دقيقة، مضيفاً "علينا أن نقر أنهم أثبتوا قدرات مذهلة، إذ باتوا يمتلكون منظومة متطورة من الطائرات المسيّرة والصواريخ، ويستخدمونها بكفاءة، ولا يزالون يواصلون إطلاقها على إسرائيل، رغم الضربات التي يتلقونها".
وانتقد الرد "الإسرائيلي" على تلك الهجمات، واصفاً إياه بـ"الجزئي والمتلعثم"، بحيث إنّه "يُستخدم لأغراض إعلامية ومعنوية أكثر من كونه وسيلة حقيقية للحسم".

حملة إعلامية
يتزامن هذا المقال مع حملة إعلامية "إسرائيلية" تروج لتوسيع نطاق العمليات العسكرية ضد اليمن، توازياً مع إعلان القوات المسلحة اليمنية، في بيان لها مساء الجمعة الماضية، أنّ القيادة العسكرية في صنعاء "تدرس مزيداً من الخيارات التصعيدية"، بهدف المساهمة في وقف العدوان والحصار المفروضَين على غزة، مؤكدةً أنّ "العمليات ستتواصل ولن تتوقف إلا بوقف العدوان ورفع الحصار بالكامل".
كما توعد سيد الجهاد والمقاومة السيد عبدالملك الحوثي، في خطابه الأسبوعي الخميس الفائت، باللجوء إلى المزيد من الخيارات التصعيدية في البحر الأحمر للضغط من أجل إنهاء جريمة التجويع التي ترتكبها "إسرائيل" بحق أبناء قطاع غزة. وأشار إلى أن "جبهة الإسناد اليمنية تمكنت من إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات)"، ووصف ذلك بـ"الهزيمة الكبيرة للعدو الإسرائيلي"، لافتاً إلى أن القوات البحرية والجوية اليمنية هاجمت العدو منذ بداية معركة إسناد غزة بنحو 1679 صاروخاً وطائرة مُسيّرة وزورقاً حربياً.
وأكد "استمرار التصعيد اليمني ضد الكيان واستمرار تطوير القدرات العسكرية لتكون أكثر فاعلية في الضغط على العدو الإسرائيلي".
في المقابل، تناقلت وسائل إعلام عبرية معلومات تفيد بأن "جيش الاحتلال" يعمل على وضع خططاً لهجوم سريع وواسع على صنعاء رداً على العمليات العسكرية التي تطال عمق الكيان، أو مصالحه البحرية، ويعجز عن احتواء تلك العمليات أو ردع القوات اليمنية.
وبينما يُحاول الخطاب "الإسرائيلي" تصوير العملية المقبلة كحسم سريع وحاسم، إلا أن الواقع الميداني المعقّد، باعتراف الكيان ذاته، وكذلك تجربة "إسرائيل" ومعها "أمريكا وبريطانيا" وقبل ذلك تجربة التحالف السعودي الإماراتي، في العدوان على اليمن، تُشير جميعها إلى أن القضاء على القدرات العسكرية لصنعاء لن يكون بتلك السهولة.
وفي المحصلة تجد "إسرائيل" نفسها أمام معضلة استراتيجية، فمن جهة تواجه ضغوطاً متزايدة لـ"كبح" جبهة اليمن التي تزداد سخونة وتتنامى قوتها يوماً بعد آخر، ومن جهة أخرى، يعلم الكيان أن خيار "حرب الاستنزاف" لن يجدي نفعاً مع صنعاء التي أثبتت أنها لم تعد رقماً ثانوياً في المعادلة، بل باتت رأس حربة في مواجهة استراتيجية مفتوحة، تتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية للصراع العربي الصهيوني.