عادل بشر / لا ميديا -
تؤكد التقارير والدراسات الغربية أن «تل أبيب» تعيش مأزقاً استراتيجياً يتعمق يوماً بعد آخر، جراء انخراطها المباشر في مواجهة مفتوحة مع صنعاء منذ أن حملت الأخيرة على عاتقها مسؤولية إسناد غزة رغم كُلفة وتبعات هذا الموقف على جميع المستويات.
وبعد مرور قرابة العامين على المواجهة المباشرة بين اليمن و«إسرائيل»، باتت ملامح هذا المأزق أكثر وضوحاً، وبدا -وفقاً لمحللين وخبراء غربيين- كأن الاحتلال الصهيوني اندفع إلى فخ استراتيجي محكم، فما أرادته «تل أبيب» هو عملية ردع خاطفة؛ لكن هذه العملية تحولت سريعاً إلى مرآة عاكسة لضعفها وعجزها عن حسم صراع غير متكافئ، لتتكشف هشاشة الحسابات «الإسرائيلية»، بينما برزت صنعاء كلاعب صلب يتجاوز حدود اليمن، وتحولت إلى عنوان إقليمي للمقاومة، في لحظة تتسع فيها عزلة «إسرائيل» الدولية وتتآكل صورتها كقوة إقليمية قادرة على فرض الردع.

معركة استنزاف
تحليل حديث نشرته مجلة (Responsible Statecraft) التابعة لمعهد «كوينسي» الأمريكي، للباحث إلدر ماميدوف، ذهب إلى أبعد من توصيف المشهد العسكري، ليؤكد أن «إسرائيل» تنزلق إلى معركة استنزاف طويلة الأمد بلا جدوى، بينما يخرج اليمنيون من المواجهة أكثر جرأة وقوة.
التحليل، المعنون بـ«لماذا لن تهزم إسرائيل الحوثيين رغم كثافة الغارات الجوية؟»، لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يقدم استنتاجاً صريحاً: المعركة في البحر الأحمر واليمن مرهونة بما يجري في غزة، وليس بما تفعله المقاتلات «الإسرائيلية» في سماء صنعاء.
وأوضح التحليل الأمريكي أن «وزير الدفاع الإسرائيلي هدد بقطع أيدي أعداء إسرائيل في اليمن؛ لكن هدفه المحدد، وهم الحوثيين، لم يصمدوا فقط طيلة شهور من الضغط العسكري الإسرائيلي والأمريكي، بل إنهم ازدادوا قوة مع كل مواجهة».

ضرب المدنيين مأزق لا إنجاز
وأكد التحليل أن الضربة «الإسرائيلية» الأخيرة على محطة الكهرباء بالعاصمة صنعاء، مطلع الأسبوع الماضي، «تُجسّد الفشل الاستراتيجي، وتكشف سوء الحسابات الإسرائيلية»، لافتاً إلى أن الهجمات المتكررة على البنية التحتية المدنية في صنعاء والحديدة وصعدة، تلحق أضراراً جسيمة بالسكان المدنيين؛ لكنها لا تضعف القدرات العسكرية لـ»الحوثيين».
وقال: «حاولت تل أبيب تبرير قصفها لمحطة الكهرباء بالادعاء أن الحوثيين يستخدمونها، وهو تبرير يكرر الذريعة نفسها التي سوّغت بها إسرائيل مرات عدة قصف ميناء الحديدة، الشريان الأساسي لواردات الوقود والدواء والغذاء لليمنيين»، مضيفاً: «تعكس الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على استهداف المنشآت المدنية سوء تقدير جوهري؛ فهذه الضربات، رغم ما تسببه من اضطراب، من غير المرجح أن تؤثر بشكل ملموس على عزيمة الحوثيين في مواصلة عملياتهم العسكرية دعماً للفلسطينيين».
وأشار التحليل إلى أنه منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت القوات المسلحة اليمنية هجمات شبه يومية مستهدفة أكثر من 100 سفينة مرتبطة بـ«إسرائيل» في البحر الأحمر، إضافة إلى أهداف داخل كيان الاحتلال، مثل الموانئ والمطارات، مُطلقة أكثر من 70 صاروخاً و22 طائرة مُسيّرة على فلسطين المحتلة منذ آذار/ مارس 2025 وحده.
وأوضح أن الهجمات والحصار البحري اليمني على العدو «الإسرائيلي» أدى إلى إفلاس ميناء «إيلات» (أم الرشراش) وتكبد الاحتلال خسائر اقتصادية كبيرة «جعلته في موقع الدفاع، بينما تواصل صنعاء توسيع معركتها المساندة لغزة بثمن زهيد مقارنة بتكلفة الرد الإسرائيلي».

انسحاب واشنطن
مأزق آخر أبرزه تحليل معهد كوينسي الأمريكي، يتعلق بانكشاف «إسرائيل» حتى أمام حليفتها الكبرى. فالولايات المتحدة، التي شاركت في العدوان على اليمن خلال فترتي بايدن وترامب، أدركت المأزق الاستراتيجي الذي وجدت نفسها فيه، وكان هذا المأزق سيتعمق ويتسع أكثر في حال استمرار غاراتها الجوية والبحرية على صنعاء ومحافظات يمنية أخرى؛ لكن واشنطن سرعان ما انسحبت بعدما تحولت الحرب إلى نزيف مالي تجاوز مليارات الدولارات، وأثبتت فشل الحملة الأمريكية، لتلوذ إدارة ترامب بوساطة عُمانية أفضت إلى هدنة مع صنعاء تحمي مصالحها فقط. أما «إسرائيل» فبقيت في الميدان وحدها، تواجه جماعة تتقن تكتيكات الاستنزاف وتعيد بناء قدراتها بسرعة، بحسب التحليل.

سيد الجهاد والمقاومة
التحليل الأمريكي تطرق إلى خطابات سيد الجهاد والمقاومة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، قائلاً بأن «الأبعاد الإقليمية حاضرة بقوة في خطابات السيد، الذي يتحدث بلسان قائد إقليمي، وليس مجرد زعيم محلي محاصر».
وأضاف: «وفي خطاب حديث، رسم السيد الحوثي ملامح الصراع في إطار يتجاوز اليمن، مهاجماً الحكومات العربية، بسبب ضعفها المخزي وخضوعها للضغطين الأميركي والإسرائيلي، في مقابل إبراز تحدي الحوثيين».
وأضاف: «رسائل الحوثي السياسية محسوبة وفعّالة؛ فهو أدان قبول لبنان مطالبة الولايات المتحدة بنزع سلاح حزب الله باعتباره خيانة للسيادة، وسخر من صفقات الغاز المصرية مع إسرائيل باعتبارها مفارقة حزينة مقارنة بموقف صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي قاطع إسرائيل. كما اتهم القادة العرب بالصمت تجاه خطاب حكومة نتنياهو التوسعي حول إسرائيل الكبرى. بهذه المقارنات، يضع الحوثيون أنفسهم كقوة وحيدة مستعدة لمواجهة إسرائيل عسكرياً وخطابياً».

غزة جوهر الصراع
وربط التحليل الأمريكي كل هذه التطورات بما يحدث في قطاع غزة من قتل وحصار وتجويع، مؤكداً أن «الحوثيين يعلنون صراحة أن استمرار هجماتهم مرتبط بمواصلة الحرب الإسرائيلية على القطاع، وحملتهم ستستمر طالما استمر الهجوم على غزة»، مشدداً على أن مفتاح الحل ليس في قصف صنعاء، ولا في حصار الحديدة وتدمير موانئها، بل في «وقف دائم لإطلاق النار في غزة»، وطالما هذه الحرب مستمرة فإن صنعاء ستواصل ضرب الموانئ والسفن والمطارات، مستندة إلى غطاء شعبي عربي متنامٍ.
وخلص تحليل معهد كوينسي الأمريكي إلى تأكيد أن «إسرائيل» تكرر خطأها المزمن في «الاعتقاد بأن القوة العسكرية قادرة على إخضاع الخصوم من حزب الله إلى حماس وصولاً إلى الحوثيين، الذين لم يستسلموا تحت القصف، بل وتطوروا»، وأن «المسار الحالي لإسرائيل لا يعِد إلا بمزيد من العزلة، واستنزاف الموارد، وإطالة أمد الصراع».