تقرير / لا ميديا -
في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الفظائع، ارتكب العدو الصهيوني، أمس الاثنين، مجزرة مروعة حين استهدف بشكل مباشر مبنى الاستقبال والطوارئ في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وأسفر عن القصف استشهاد 21 فلسطينياً على الأقل، بينهم أربعة صحفيين وأربعة من أفراد الطواقم الطبية، ولا تزال الحصيلة مرشحة للارتفاع مع وجود عشرات الإصابات الخطيرة وتواصل عمليات البحث تحت القصف والدخان.
وبين الشهداء الصحفيين الذين ارتقوا أمس، المصور الصحفي محمد سلامة من قناة «الجزيرة»، وحسام المصري من وكالة «رويترز»، والمصورة مريم أبو دقة والمصور معاذ أبو طه. وارتقى هؤلاء وهم يوثّقون جرائم الاحتلال السابقة، ليكونوا بأنفسهم الضحية التالية في مشهد دموي شاهده العالم على الهواء مباشرة.
مجزرة مستشفى ناصر الجديدة ليست مجرد حدث دموي آخر، بل جريمة مركّبة تحمل رمزية عميقة. فالاحتلال لم يقصف جدران المستشفى فقط، بل قصف آخر ما تبقى من الأمل، واغتال شهود الحقيقة الذين ينقلون للعالم صور الأطفال الجائعين والجثث تحت الركام.
لم يكن قصف مستشفى ناصر حادثاً منفصلاً، بل جاء استمراراً لجريمة ممنهجة يرتكبها العدو الصهيوني منذ بداية حرب الإبادة. المستشفيات في غزة، التي يفترض أنها الملاذ الأخير للجرحى والأطفال، تحولت إلى أهداف عسكرية للاحتلال. بضربة واحدة، دمّر العدو الصهيوني مركز الطوارئ، قتل المرضى في أسرّتهم، أسكت الصحفيين، ومزّق أجساد المسعفين الذين حاولوا إنقاذ الضحايا فصاروا ضحايا.
هذا الاعتداء ليس فقط جريمة حرب وفق القانون الدولي، بل هو جريمة مضاعفة: قصف مكان محمي دولياً، وقتل من يعمل على إنقاذ الأرواح، ومن ينقل صورة الحقيقة. لم يعد الاحتلال يكتفي بقتل الفلسطينيين، بل يريد أيضاً القضاء على كل من ينقل صوتهم إلى العالم.

245 شهيداً صحفياً
باغتيال الصحفيين الأربعة في قصف مستشفى ناصر، ارتفع عدد شهداء الصحافة في غزة إلى 245 صحفياً منذ بدء حرب الإبادة. لم يعد الاحتلال يخفي نيته؛ فهو يستهدف الصحفيين بشكل مباشر، في محاولة لطمس الحقيقة ودفنها مع أصحابها.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد أن ما يحدث هو «إبادة جماعية للصحافة»، فيما أكدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن «فرسان الكلمة والحقيقة يُقتلون عمداً لإسكات الرواية الفلسطينية». أما الاتحاد الدولي للصحفيين فأعلن عزمه تقديم شكوى رسمية في فرنسا ضد «إسرائيل» بشأن اغتيال الصحفيين في مجمع ناصر، مؤكداً أن هؤلاء «وهبوا حياتهم من أجل حرية الإعلام».
إن قتل الصحفيين بهذا الشكل العلني رسالة مباشرة: الاحتلال لا يريد شهوداً؛ يريد أن يقصف ثم يكتب روايته الخاصة على أنقاض الحقيقة.

 تبريرات واهية
كالعادة، سارعت وسائل إعلام العدو الصهيوني لتبرير المجزرة. «القناة 12» الصهيونية زعمت أن القصف استهدف «كاميرا مراقبة مشبوهة» في الطابق الرابع من المستشفى، زعموا أنها تابعة لمقاوم كان يتابع تحركات قوات الاحتلال.
 ومن أجل «كاميرا»، قتل الاحتلال 20 إنساناً بينهم صحفيون وأطباء ومرضى.
هذه الذرائع الواهية تكشف عقلية الاحتلال: حياة الفلسطيني لا تساوي شيئاً، وكاميرا صحفي تُعتبر تهديداً أكبر من دبابة. الحقيقة هي الخطر الأكبر على «إسرائيل»؛ لأنها تفضح مشروعها القائم على الدم والكذب.

إدانات أممية ميتة
الإدانات الدولية الكلامية الميتة حضرت كرد لا يشفي جرح ولا يوقف رحى الإبادة الدائرة.
الأمم المتحدة وصفت الهجوم بالمروع. منظمة الصحة العالمية أكدت أن استهداف المستشفيات يفاقم الكارثة الصحية. و»أطباء بلا حدود» رأت في القصف جريمة متعمدة لإسكات آخر الأصوات. حتى وزير الخارجية البريطاني وصف ما حدث بأنه «مروع»، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ لكن بلاده مازالت مورداً رئيسياً للأسلحة إلى العدو الصهيوني.
ويؤكد مراقبون أن سنوات من التجارب تؤكد أن «إسرائيل» لا تعبأ بالبيانات الدبلوماسية ولا بتصريحات «القلق العميق». الصمت الدولي، وعدم فرض عقوبات أو محاسبة حقيقية، هو غطاء سياسي يشجع الاحتلال على الاستمرار في ارتكاب جرائمه بلا خوف من العقاب.

أرقام من دم
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة الشهداء في غزة إلى 62,744 شهيداً وأكثر من 158,259 مصاباً، وفق بيانات وزارة الصحة.وأعلنت الوزارة أمس، استشهاد 87 فلسطينياً، بينهم 21 في مستشفى ناصر. ومن بين الضحايا، 2,123 شهيداً ارتقوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، بينما ارتفع عدد شهداء التجويع إلى 300، بينهم 117 طفلاً.
هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن شهداء العدوان الوحشي، بل عن جريمة صهيونية ممنهجة من التجويع، التهجير، واستهداف المدنيين العُزّل. إنها عملية إبادة متكاملة الأركان، تُمارس تحت سمع وبصر عالمٍ يدّعي التحضر بينما يقف متفرجاً.