انكشاف الاحتلال أمام صاروخ «متعدد الرؤوس».. خوف في «تل أبيب» وتحقيق لا ينتهي
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

عادل بشر / لا ميديا -
لا تزال الساحة «الإسرائيلية» تشهد حالة غير مسبوقة من الارتباك الاستراتيجي بعد نجاح قوات صنعاء في إطلاق صاروخ باليستي «متعدد الرؤوس» أصاب حرم مطار اللد «بن غوريون» الجمعة الماضية، متجاوزاً كل طبقات الدفاع الجوي الصهيونية والأمريكية. ورغم أن العدو سارع إلى شن غارات انتقامية على العاصمة صنعاء، مستهدفاً منشآت مدنية خدمية، إلا أن وقع الضربة ما زال يتردد داخل المؤسسة العسكرية والسياسية «الإسرائيلية»، لدرجة أن «جيش» الاحتلال وشركة صناعاته الجوية (IAI) أعلنا عن فتح تحقيق معمق لمعرفة أسباب الفشل الذريع في اعتراض الصاروخ، الذي وصفه محللون بأنه نقطة تحول في مسار الصراع.
هذا التطور لم يمر مرور الكرام على دوائر البحث الدولية. فالتقارير الروسية التي نُشرت خلال اليومين الماضيين تناولت الهجوم وأبعاده بزاويتين مختلفتين: الأولى ركزت على أن ضربات الكيان الصهيوني لليمن تصب في مصلحة السعودية والإمارات وتكشف تقاربا استراتيجيا غير معلن بين الرياض وأبوظبي مع «تل أبيب» ضد صنعاء، والثانية حذّرت من أن (أنصار الله) قد تحولوا إلى تهديد استراتيجي حقيقي لـ»تل أبيب» على ارتباط بما يحدث في غزة من جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، إضافة إلى قدسية القضية الفلسطينية بالنسبة لليمنيين، الأمر الذي يجعل العداء لـ«اسرائيل» متواصلاً طالما استمر الكيان في احتلال فلسطين.
مأزق الدفاع الجوي «الإسرائيلي»
«الجيش الإسرائيلي» ما زال تحت ضغط إعلامي داخلي واسع، حيث تساءلت وسائل إعلام عبرية مثل «يديعوت أحرونوت» و«والا» عن جدوى مليارات الدولارات التي صُرفت على تطوير «القبة الحديدية» و«مقلاع داوود» و«حيتس»، إذا كان صاروخ يمني محلي الصنع نسبياً قد اخترقها جميعاً.
وبحسب التسريبات الأولية، فإن الصاروخ اليمني استخدم تقنية «الرؤوس المتعددة» أو الانشطار في الجو، ما أربك أنظمة الرادار التي بُنيت أساساً للتعامل مع مسارات موحّدة. هذا ما جعل الاعتراض شبه مستحيل، وأدى إلى سقوط الشظايا في اللد ومحيط «تل أبيب».
تقارير عبرية أخرى، بينها ما نشره موقع «كالكاليست»، أكدت أن كلا من منظومة «حيتس 3» الإسرائيلية ومنظومة «ثاد» الأمريكية المنتشرة في «إسرائيل» أخفقتا في إصابة الهدف، ما دفع المؤسسة الأمنية إلى مراجعة «سياسة الاعتراض» نفسها وسط مخاوف من موجات هجمات مماثلة قد تستنزف المخزون الدفاعي الصهيوني سريعاً.
ونقلت التقارير عن خبراء «إسرائيليين» أن كيان الاحتلال يجد نفسه أمام تهديد جديد يتطلب الرد على كل صاروخ يمني «متعدد الرؤوس» بنحو «8-10» صواريخ اعتراضية، بدلاً من صاروخين أو ثلاثة.
وتساءلوا «ماذا لو استخدم الحوثيين عدة صواريخ من هذا النوع دفعة واحدة، علينا أن نضرب الرقم في عشرة لكل صاروخ هجومي، يعني مئات الملايين من الدولارات».
من جهتها صحيفة «معاريف» العبرية، أفادت في تقرير لها، أمس، أن شركة الصناعات الجوية الصهيونية (IAI) أصدرت بيانا مقتضبا، أكدت فيه أن فرقها تعمل مع «الجيش» على تحليل بيانات الرادارات ومسارات الاعتراض، في محاولة لفهم «الثغرة التقنية» التي سمحت بمرور الصاروخ. لكن الواضح أن الصدمة وصلت إلى مستويات سياسية عليا، حيث اضطر «بنيامين نتنياهو» إلى عقد اجتماعات طارئة مع قادة «الجيش والأمن الداخلي»، وسط ضغوط من المعارضة التي وصفت ما جرى بأنه «إخفاق أمني خطير».
مصلحة سعودية -صهيونية مشتركة
في تقرير نشره موقع Runews24 الروسي، أمس، اعتبر الخبير في شؤون «إسرائيل» والشرق الأوسط «ألكسندر كارغين» أن الضربات «الإسرائيلية» على اليمن تصب بشكل مباشر في مصلحة السعودية والإمارات. ورأى أن «تل أبيب» تحاول، من خلال حملتها الجوية، تحقيق هدفين: «الأول إضعاف القدرات العسكرية والسياسية للحوثيين الذين يواصلون هجماتهم على العمق الإسرائيلي إسناداً للغزة»، والثاني «إظهار التضامن مع الرياض وأبوظبي اللتين عجزتا عن القضاء على الحوثيين خلال ثمان سنوات من الحرب التي قادتها السعودية والامارات ضد صنعاء».
ويضيف كارغين «أن ما يجري يعكس تقارباً استراتيجياً غير معلن بين «إسرائيل» وبعض دول الخليج». لافتاً إلى أنه «ورغم غياب تحالف عسكري رسمي، إلا أن التنسيق قد يكون قائماً سواء عبر تبادل معلومات استخباراتية أو عبر التسهيلات اللوجستية».
في تقرير آخر، نقلت وسائل إعلام روسية عن الباحثة في معهد «مسغاف» للأمن القومي «الإسرائيلي» نوآ لازيمي، القول إن (أنصار الله) باتوا «أكثر من مجرد إزعاج، بل أصبحوا قوة طموحة ومسلحة بجرأة عسكرية متصاعدة، إلى درجة يمكن معها وصفهم بأنهم تهديد استراتيجي صاعد لإسرائيل».
لازيمي أكدت أن الضربات الصهيونية الأخيرة في صنعاء والتي سبقتها في الحديدة لا تكفي لتغيير موازين القوى، لأن اليمنيين يمتلكون القدرة على إعادة بناء بنيتهم التحتية بسرعة.
مأزق استراتيجي.. بين الردع والفشل
تبدو «إسرائيل» اليوم، وفقاً لخبراء عسكريين وسياسيين، في مأزق استراتيجي مزدوج: فمن جهة، تحتاج إلى الرد بقوة كي تحافظ على صورة الردع أمام خصومها. ومن جهة أخرى، فإن الرد لم يفلح حتى الآن في منع الهجمات اليمنية، بل كشف محدودية قدراتها الدفاعية.
ويشير الخبراء إلى أن الضربات الجوية المتكررة على صنعاء والحديدة، رغم ضراوتها، لم تُسقط صاروخاً يمنياً واحداً قبل أن يُطلق، ولم تمنع اليمنيين من مواصلة إسناد غزة، واختراق قلب الكيان.
مظلة أمريكية
الباحثة الصهيونية «لازيمي» أشارت بوضوح إلى أن «إسرائيل» بحاجة إلى «مظلّة أمريكية» لحماية حلفائها الخليجيين في حال رد «الحوثيون» بضرب منشآت نفطية أو ممرات مائية لهؤلاء الحلفاء. أي أن «تل أبيب» وحدها لا تستطيع خوض حرب استنزاف طويلة مع صنعاء، وأن المخرج يكمن إما في تشكيل تحالف دولي بقيادة واشنطن، أو في التوصل إلى تفاهمات سياسية تُقيّد صنعاء، حدّ تعبيرها.
لكن هذا الخيار الأخير -وفقاً لخبراء- يبدو بعيد المنال، خصوصاً بعد أن أثبتت صنعاء أنها لاعب يصعب احتواؤه أو فرض شروط استسلام عليه، سواء عبر العقوبات أو عبر الهجمات الجوية.
وفي الخلاصة أثبت الصاروخ اليمني «متعدد الرؤوس» أن معادلة القوة في المنطقة لم تعد كما كانت. فـ»إسرائيل» التي اعتادت تصدير صورة «القوة التي لا تُقهر» وجدت نفسها مكشوفة أمام سلاح طورته جماعة محاصرة منذ سنوات. ورغم الغارات الانتقامية ومحاولات التغطية الإعلامية، إلا أن الحقيقة الصادمة للمجتمع الصهيوني تبقى أن «الردع الإسرائيلي» تآكل، وأن «تل أبيب» باتت تخوض حربا لم تختر توقيتها ولا ساحتها.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا