عادل بشر / لا ميديا -
منذ عصر الأربعاء الماضي، لا تزال صنعاء تعيش تحت وطأة مشاهد الدمار والفقدان، بعد سلسلة غارات استهدفت قلب العاصمة، وتحديداً حي التحرير السكني والتجاري، حيث يقع مقرات دائرة التوجيه المعنوي وصحيفتي «26 سبتمبر» و»اليمن»، التي تعرضت للاستهداف المباشر، إلى جانب غارات أخرى شنها الطيران الصهيوني على محافظة الجوف، مستهدفاً المجمع الحكومي في المحافظة، ليصل إجمالي الشهداء والجرحى وجلّهم من المدنيين إلى 211 كحصيلة غير نهائية.

كارثة إنسانية مستمرة
وواصلت فرق الدفاع المدني والإسعاف، أمس، لليوم الثالث على التوالي، عمليات البحث والإنقاذ تحت أنقاض المباني المدمرة بحي التحرير، في مشهد يذكّر بصور قصف العدوان الصهيوني للأحياء السكنية في قطاع غزة؛ لكن هذه المرة في قلب صنعاء، وهو ما اعتبره مراقبون تأكيداً على فشل العدو في العثور على أهداف عسكرية، لاسيما بعد ثبوت أن استهداف القيادات المدنية في حكومة صنعاء أواخر آب/ أغسطس الفائت، لم يحقق أياً من المكاسب للكيان الصهيوني، سواء في إضعاف القدرات العسكرية اليمنية أو إيقاف عمليات صنعاء المساندة للشعب الفلسطيني.
وفي الوقت نفسه يؤكد الخبراء أن لجوء الاحتلال إلى استهداف حي التحرير التجاري والسكني وقت الذروة من عصر الأربعاء الماضي، إلى جانب قصف المحطة الطبية الخاصة بالقطاع الصحي في شارع الستين بصنعاء، يهدف فقط إلى إيقاع أكبر قدر من الضحايا المدنيين وإشعال سماء صنعاء بالنيران، كمحاولة للتغطية على فشله في اغتيال قيادات حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، فذهب إلى صنع انتصار في صنعاء يُهدئ به غضب جمهوره في الداخل «الإسرائيلي».
وزارة الصحة في صنعاء أعلنت ارتفاع حصيلة الشهداء والجرحى في الغارات الصهيونية على العاصمة صنعاء ومحافظة الجوف إلى 46 شهيداً و165 جريحاً في حصيلة غير نهائية، فيما تتواصل عمليات البحث والإنقاذ لانتشال المزيد من الضحايا.
وأوضحت الوزارة أن الحصيلة في العاصمة صنعاء بلغت 38 شهيداً و147 جريحاً، فيما بلغ عدد الشهداء في محافظة الجوف 8 شهداء و18 جريحاً مدنياً، مشيرة إلى أن من بين الضحايا 5 شهداء و31 جريحاً من الأطفال، ومن النساء 11 شهيدة و29 جريحة، و30 شهيداً و105 جرحى من الرجال، وألحقت دماراً وأضراراً كبيرة بالمباني والمنازل السكنية والمحال التجارية وسيارات المواطنين.
وضمّت قائمة الشهداء أكثر من 26 صحفياً ارتقوا أثناء عملهم في مكاتبهم، ما يجعل هذه المجزرة جريمة غير مسبوقة بحق الكلمة الحرة في اليمن، فيما لا تزال جثث بعض الإعلاميين تحت الركام، وفقاً لمصادر محلية.
وأشارت المصادر إلى تعرض المتحف الوطني اليمني، الواقع بالقرب من دائر التوجيه المعنوي، ومبانٍ تاريخية في منطقة التحرير وعدد من أحياء صنعاء القديمة، لأضرار كبيرة.

استهداف الصحافة: محاولة لإسكات الصوت اليمني
الضربة التي دمرت مقري صحيفتي «26 سبتمبر» و»اليمن» لم تكن حدثاً عابراً؛ بل عكست رغبة العدو الصهيوني في إسكات الصوت اليمني المعارض للعدوان على غزة.
بيان صحيفة «لا» عبّر عن ذلك بوضوح، إذ أدانت «لا» بأشد العبارات العدوان الصهيوني الغاشم على اليمن، والذي استهدف مؤسسات إعلامية وأحياء سكنية في العاصمة صنعاء والمجمع الحكومي في الجوف، ما أسفر عنه ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى، بينهم عدد من الصحفيين والعاملين في صحيفة «26 سبتمبر» وصحيفة «اليمن».
وأوضح بيان «لا» أن «استهداف المؤسسات الإعلامية والصحفيين يعدّ جريمة حرب مكتملة الأركان، ويؤكد مرة أخرى محاولات الاحتلال المستمرة لإسكات الأصوات الحرة وطمس الحقائق، ولاسيما تلك التي تفضح جرائمه وتكشف معاناة الشعوب تحت وطأة العدوان والحصار»، داعياً المنظمات الدولية لاتخاذ موقف عملي لحماية الصحفيين.
وأكد أن «هذا الاستهداف لن يُثني الإعلام الوطني الحر عن أداء رسالته، ولن يُسكت صوت الكلمة الحرة ولن يمنعها من مواصلة رسالتها المهنية والإنسانية في نقل الحقيقة، والدفاع عن كرامة وسيادة الشعوب، بل يزيد إصرارنا جميعاً على مواصلة رسالتنا المهنية والإنسانية في الدفاع عن الحق وكشف جرائم العدوان».

من صنعاء إلى النقب
لم يتأخر الرد اليمني؛ فبعد ساعات، أعلنت القوات المسلحة اليمنية أنها استهدفت مواقع عسكرية «إسرائيلية» في النقب، ومطار «رامون» في فلسطين المحتلة، بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» وثلاث طائرات مسيّرة، مؤكدة أن «العمليات حققت أهدافها».
وأفاد بيان قوات صنعاء بأن هذه العمليات تأتي انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، وفي إطار الرد على العدوان «الإسرائيلي» على اليمن.
وجددت القوات المسلحة التأكيد أن العمليات الإسنادية العسكرية اليمنية مستمرة حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.

الرد آتٍ
العمليات اليمنية إلى النقب ومطار «رامون» تزامنت مع الخطاب الأسبوعي لسيد الجهاد والمقاومة، السيد عبدالملك الحوثي، الذي اعتبر فيه استهداف الكيان «الإسرائيلي» مؤسسات إعلامية وأماكن مزدحمة بالسكان في العاصمة «إفلاساً وإجراماً وعدواناً».
وأكد أن «جريمة العدوان الإسرائيلي الأخير على صنعاء، والتي أدت إلى ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى، لن توثر في موقف الشعب اليمني المساند لقطاع غزة، بل ستزيده قوة وصلابة»، مضيفاً أن «التضحيات التي يقدمها اليمن هي أقل بكثير مما يمكن أن يلحق بنا من خسائر، لو كان خيارنا مختلفاً».
من جهته توعّد رئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير مهدي المشاط، العدو بالرد، وقال إن «العدوان الصهيوني الغاشم على بلدنا فاشل، وعلى جميع الصهاينة البقاء في حالة استعداد، فالرد آتٍ لا محالة».
وأضاف، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية «سبأ»، أن «العدوان الصهيوني سيعطينا فرصة أكبر للرد بكل ما أوتينا من قوة».
وكان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، أعلن أن الدفاعات الجوية أطلقت صواريخ أرض - جو للتصدي للعدوان، لتجبر بعض التشكيلات «الإسرائيلية» على الانسحاب قبل إكمال مهامها. وأشار إلى أن الغارات «استهدفت أعياناً مدنية بحتة»، متوعداً بأن «هذا العدوان لن يمر بلا رد وعقاب».

إدانات واسعة
وصدرت بيانات إدانة واسعة من فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، إضافة إلى حزب الله في لبنان والخارجية الإيرانية، أكدت التضامن مع اليمن وأن هذا العدوان هو امتداد للعدوان على فلسطين والأمة العربية.  واعتبرت استهداف الصحفيين والنساء والأطفال «جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال».
وأشارت إلى أن اليمن لن ينكسر أمام هذا الكيان، وأن إرادة شعبه وقواتها المسلحة ستظل عصية على الانكسار، وستواصل بكل إصرار معركة إسناد غزة والشعب الفلسطيني.
وشددت البيانات على أن المطلوب انتفاضة عالمية عارمة وغاضبة لمواجهة الجرائم الصهيونية المستمرة والمتصاعدة في فلسطين واليمن ولبنان وسورية وقطر وسائر المنطقة.
وأشادت بالتضامن الشجاع والمستمر للشعب اليمني مع الشعب الفلسطيني المظلوم، معربة عن تعازيها في استشهاد أبناء اليمن الأبرياء خلال العدوان العسكري للكيان الصهيوني. وأكدت ضرورة وحدة الدول الإسلامية وتعاونها لمواجهة النزعة التوسعية لكيان الاحتلال وتحريضه على الحروب.
في السياق، أصدرت كيانات إعلامية مقاومة، بينها منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية، والمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، بيانات إدانة واستنكار لاستهداف المؤسسات الإعلامية والصحفيين، مؤكدة أن ذلك يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ومواثيق حماية الصحفيين، ويعكس سياسة ممنهجة لإسكات الحقيقة وتكميم الأفواه.
من زاوية أخرى، لم تُسجّل مواقف قوية من المؤسسات الإعلامية الدولية أو منظمات حقوق الإنسان، ما يعكس استمرار سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الضحايا العرب، خصوصاً حين يكونون صحفيين يواجهون الاحتلال الصهيوني.

ما بعد صنعاء
ويرى خبراء أن العدوان «الإسرائيلي» على صنعاء والجوف ليس مجرد غارة عابرة، بل محطة فارقة تُدخل اليمن رسمياً في دائرة «الأهداف الإعلامية والسياسية» لكيان الاحتلال، نتيجة موقف صنعاء الثابت والمتصاعد إسناداً للشعب الفلسطيني؛ لكنه أيضاً يعمق مأزق «تل أبيب» ويزيد حضور صنعاء في معادلة الردع الإقليمي.