تسعة أشهر من سلطة الجولاني والوليد منغولي
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

دمشق/ خاص / لا ميديا -
يبدو الحديث عن سورية اليوم، بعد تسعة أشهر من حكم الجولاني، كالحديث عن مولود منغولي، حيث تبدو الصورة ضبابية، وسط صراع شرس، لا يزال يجري وراء الكواليس لتحديد هوية وموقع ومكانة سورية المستقبل. ووسط هذه الصورة، تبدو سلطة الجولاني في وضع صعب، داخلياً وخارجياً.
ففي الداخل، تبدو السلطة في صدام غير مريح مع الفصائل المتشددة، المنضوية في السلطة أو التي لا تزال خارجها، والتي ترفض منطق الدولة الوطنية، بسبب خلفيتها العقائدية المتطرفة، وتريد فقط تطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية.
أيضاً هي في أزمة مع الفصائل الإرهابية الأجنبية، خاصة وأن بعض قادتها يتولون مناصب قيادية وحساسة في الجيش السوري التابع للسلطة، والتخلص من هؤلاء يعتبر أحد الشروط الأساسية الموضوعة على السلطة لتعويمها وقبولها عربياً ودولياً، وتنفيذ هذه المهمة ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، باعتبارهم يشكلون جزءاً من الفصائل التي أوصلت الشرع إلى الحكم، ووجود عدد من الفصائل، ومنها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة)، التي ترى أنه يجب مكافأة هؤلاء، وليس التخلي عنهم، إضافة إلى أن كل هؤلاء موجودون على القوائم الأممية للفصائل الإرهابية، ومطلوبون في دولهم.
أيضاً توجد مصاعب للسلطة مع النخب والمجتمع المدني والأقليات، والذين يرفضون بشكل قاطع الفصائل الأجنبية، ويدعون إلى تغليب منطق الدولة، مع ما يتطلبه ذلك من تشكيل حكومة وطنية تقود المرحلة الانتقالية وتأخذ على عاتقها عقد مؤتمر وطني، وتغيير البيان الدستوري، لإقامة دولة على أساس المواطنة، وفصل السلطات، والقضاء المستقل، واللامركزية، وإجراء انتخابات برلمانية، ينتح عنها حكومة تعكس نتائج الانتخابات، ثم إجراء انتخابات رئاسية، وهو ما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم (2254).
كما يوجد مشاكل للسلطة مع السنة المعتدلين، الذين يشكلون الأغلبية في الطائفة السنية، باعتبار أن معظمهم ينتمون إلى الإسلام الوسطي المعتدل، والصوفي، بينما تنتمي معظم الفصائل الموجودة في السلطة إلى العقائد الوهابية والإخوانية.
أما مع الخارج فيوجد تعقيدات لا تقل عن التعقيدات الداخلية، بسبب تضارب المصالح الإقليمية والدولية، والصراع على سورية، بسبب موقعها الجيوسياسي الهام والفريد، والذي يجعلها مفتاح المنطقة، التي تعتبر على مدى التاريخ المؤشر إلى صعود وانهيار الإمبراطوريات والدول العظمى.
فعلى الأرض السورية، تتواجد قوات عسكرية، أمريكية وروسية و”إسرائيلية” وتركية، إضافة إلى أدوار أساسية لبريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات وقطر، ولا نستطيع أن نستبعد إيران رغم خروجها من سورية، وكذلك الصين... وكل هذه الدول ترى أن مصالحها في سورية تدخل في باب المصالح الاستراتيجية وأمنها القومي. فـ”إسرائيل”، التي أصبحت أكثر قدرة على التأثير في الساحة السورية، ترى سورية في قلب مشروعها “إسرائيل الكبرى”، الذي عبر عنه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة. وتركيا لديها مشروع (العثمانية الجديدة)، وهي تنافس لقيادة المنطقة والعالم الإسلامي، وتشكل سورية المفتاح للمشروعين، كما كانت معركة “مرج دابق” قرب حلب عام 1516 الباب لتحقيق الإمبراطورية العثمانية. والسعودية لها مشروعها أيضاً لقيادة العالمين العربي والإسلامي، وتدرك أن طموحها هذا لا يمكن أن يتم بدون سورية... وهذا يجعل التنافس شديداً على سورية بين السعودية وتركيا و”إسرائيل”.
أما روسيا، التي حققت حلمها بالوصول إلى المياه الدافئة من خلال قاعدتها الجوية في حميميم على الساحل السوري وقاعدة طرطوس البحرية وفي القامشلي في شمال شرق سورية التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية “قسد”؛ فهي لن تتخلى عن هذ الحلم بسهولة.
أيضاً الولايات المتحدة تدرك أهمية سورية لتحقيق هيمنتها السياسية والعسكرية على منطقة غرب آسيا، في إطار صراعها مع الصين ومشروعها “الحزام والطريق” الذي ينتهي على السواحل السورية. وهذا يؤكد أهمية سورية للصين أيضاً، خاصة وأن المقاتلين “الأيغور”، ذوي الأصول الصينية، يتواجدون بقوة على الأرض السورية، وتدرك أنه يتم إعدادهم لاستخدامهم ضدها في الوقت المناسب.
أما الإمارات، التي تلعب الدور الرئيسي في مشروع “الاتفاق الإبراهيمي”، فهي تدرك أن سورية هي مفتاح نجاح المشروع في كامل المنطقة. وسورية مهمة لقطر، إذ كان خط الغاز القطري أحد الأسباب الرئيسية للعدوان على سورية. أما إيران فهي تنتظر اللحظة المناسبة للعودة إلى سورية. وبريطانيا، التي تعتبر المطبخ السياسي للمنظومة الغربية، واضح جداً أنها اللاعب الأكبر وراء الكواليس في كل ما يجري في سورية. أما فرنسا، ومعها الدول الأوروبية الرئيسية، فترى في سورية مفتاحاً لبقاء دور لها، وسط التراجع الكبير لدورها الجيوسياسي في السياسة والاقتصاد العالمي.
هذا الصراع الشرس على سورية يتأثر اليوم بعاملين رئيسيين:
الأول هو: الصراع بين السعودية وتركيا على قيادة العالمين العربي والإسلامي، ويبدو واضحاً أن راية المنطقة أعطيت للسعودية، وليس لتركيا، وظهر ذلك في الدور الرئيسي الذي لعبه الأمير محمد بن سلمان في عقد اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس السلطة الانتقالية في دمشق أحمد الشرع.
العامل الثاني يدور بشكل رئيسي حول موقفها من السلام، والتطبيع مع “إسرائيل”، والدخول في “الاتفاق الإبراهيمي”.
وسط هذه التشابكات والتعقيدات، تقف سلطة الجولاني في موقف صعب، مجردة من معظم عوامل القوة التي كانت تمتلكها سورية، وفي مقدمتها الجيش العربي السوري. كما أن الفرصة التي أعطيت للجولاني بعد لقائه الرئيس ترامب في السعودية، محكومة بأفق وزمن محدودين، ووجدت انتكاسات كبيرة، بسبب تداعيات مجازر الساحل والسويداء وتفجير الكنيسة في دمشق والانفلات الأمني والتململ الذي يتنامى وسط الأغلبية السنية.
يمكن القول بأن هذا الصراع على سورية يدور الآن بمعظمه وراء الكواليس. ويعتبر اللقاء المتوقع بين الشرع ونتنياهو في نيويورك أو واشنطن، برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مشاركة الجولاني في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، المؤشر الحقيقي لتوضيح خريطة الطريق لسورية، وتظهير ما يجري اليوم وراء الكواليس ليصبح في واجهة الصورة والحدث.
المصدر خاص / لا ميديا